لا تحتاج كرة القدم الأسكوتلندية إلى تأجيل المباريات بسبب فيروس «كورونا» لكي تشتعل فيها الأجواء، نظراً لأن الأجواء مشتعلة هناك بالفعل. وقد واجه نادي رينجرز صعوبات مالية خطيرة للغاية في عام 2012 لدرجة أنه كانت هناك خطورة على حياة وأمن واضعي القوانين واللوائح هناك، كما أن الخلاف بشأن المكان الذي يجب أن يجد فيه النادي نفسه في الموسم التالي كان شديداً لدرجة أن الكثيرين سيجدون صعوبة كبيرة الآن في تذكر نتيجة المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية التي أقيمت في ذلك العام (فازت إسبانيا على إيطاليا في المباراة النهائية). وحذر المسؤولون من أنه يمكن خسارة 16 مليون جنيه إسترليني –وعقود البث التلفزيوني للمباريات– إذا هبط نادي رينجرز من الدوري الأسكوتلندي الممتاز في نهاية موسم 2012 – 2013، وتم وضع خطة فاشلة لدفع النادي إلى دوري الدرجة الأولى.
وبحلول أكتوبر (تشرين الأول) التالي، تغير الموقف تماماً، حيث قال نيل دونكاستر، الرئيس التنفيذي للدوري الأسكوتلندي الممتاز: «كان يتعين علينا أن نعيد اكتشاف أنفسنا، لكنّ ذلك الأمر حدث بسرعة كبيرة وقد تكيفت الأندية مع ذلك. لقد تأقلم الدوري الأسكوتلندي الممتاز والأندية بشكل جيد مع ما لم يره الناس حقاً». ولم يكن بإمكان أي شخص أن يتوقع أن تقام مباراتا الدور نصف النهائي لكأس أسكوتلندا على نفس الملعب في نفس اليوم، أيضاً. لقد جرب دونكاستر هذه الحيلة الموسم الماضي، في خطوة تعكس الدهاء الذي ساعده على البقاء على رأس كرة القدم في البلاد على مدار عقد من الزمان. وفي تلك الفترة، ربما أدرك دونكاستر نفسه مدى القوة والصلابة التي تتمتع بها كرة القدم الأسكوتلندية.
لقد كان من المفترض أن يكون قانون بوسمان، قبل 25 عاماً، بمثابة ضربة قاضية لكرة القدم الأسكوتلندية. لكنّ التاريخ يُظهر لنا أن كرة القدم الأسكوتلندية تمكنت من التكيف مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والحروب العالمية، وهو ما يثبت أن كرة القدم الأسكوتلندية سوف تواصل تقدمها، مهما كانت التحديات والصعوبات. (قانون بوسمان هو نظام يجيز انتقال اللاعبين المنتهية عقودهم بشكل حر ودون موافقة النادي وكذلك حرية انتقال اللاعب الأوروبي داخل نطاق دول الاتحاد الأوروبي واعتباره لاعباً محلياً).
ومنذ أن أجبر تفشي فيروس «كورونا» المسؤولين في أسكوتلندا على إيقاف منافسات كرة القدم هناك، بدأت المشكلات تحاصر الاتحاد الأسكوتلندي لكرة القدم، فيما يتعلق بالعديد من الأمور، من بينها حسم الأندية الفائزة بالبطولات والأندية التي ستهبط من الدوري الأسكوتلندي الممتاز، والحصص المالية التي ستحصل عليها الأندية وفقاً لترتيبها في جدول الدوري. وقال ستيوارت روبرتسون، المدير الإداري لنادي رينجرز: «إن أي محاولة لإنهاء الموسم قبل انتهاء عدد كبير من الجولات سوف تؤثر على نزاهة الرياضة في أسكوتلندا».
لكنّ الحل الأكثر منطقية الآن هو قيام الاتحاد الأسكوتلندي لكرة القدم بتوزيع الأموال على الأندية وفق النسب المتفق عليها من قبل. وكان من الممكن أن يقوم الاتحاد الأسكوتلندي بتعديل موسم 2020 - 2021 (في ظل وجود قواعد واضحة منذ البداية) عن طريق إلغاء العطلة الشتوية، أو تأجيل مباريات الكأس، أو اللجوء إلى العديد من الخيارات الأخرى، إذا كانت لديه حقاًالرغبة في القيام بذلك. لكن بدلاً من ذلك –وكما حدث في عام 2012– سمح هذا الاتحاد للجميع بأن يتخيلوا جميع السيناريوهات الممكنة التي من الممكن أن تؤثر بالسلب على الأندية، وكأن أسكوتلندا بلد مختلف عن بقية بلدان العالم!
في الواقع، ربما لم يكن من الممكن أن يقوم الاتحاد الأسكوتلندي لكرة القدم بتحديد هوية بطل الدوري الممتاز لو كانت هناك منافسة شرسة بين سيلتك ورينجرز وكان أحدهما متقدماً على الآخر بفارق الأهداف مع تبقي ثماني أو تسع جولات من الدوري، لكن سيلتك يتصدر الآن جدول الترتيب بفارق 13 نقطة كاملة عن أقرب منافسيه. وعند استئناف المباريات، يجب أن ينتهي موسم 2019 - 2020 أولاً. وعند استئناف الموسم، سيسعى سيلتك للحصول على اللقب للعام التاسع على التوالي، في حين سيسعى نادي هارتس لتجنب الهبوط.
وعلاوة على ذلك، فإن الظروف التي تواجهها الأندية التي تلعب في الدوريات الأدنى من الدوري الأسكوتلندي الممتاز غريبة للغاية. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن أن يهبط نادي بارتيك من دوري الدرجة الأولى لأنه في أحد المراكز المؤدية للهبوط، لكن ما زالت لديه مباراة مؤجلة قد تُخرجه من هذه المراكز في حال تحقيقه الفوز فيها؟ وفي حال حدوث ذلك، فسيكون هذا بمثابة إنكار سخيف للعدالة الرياضية. وفي نفس الوقت، تعهد الاتحاد الأسكوتلندي لكرة القدم بإكمال مباريات كأس أسكوتلندا -التي توقفت في الدور نصف النهائي. فكيف يكون الاتحاد عاجزاً عن استكمال مباريات الدوري، ويتعهد في نفس الوقت باستكمال مباريات الكأس؟
ويمتلك نادي سيلتك القوة المالية التي تمكّنه من الانتظار لأي وقت حتى يتم استئناف الموسم، علاوة على أن النادي قد خصص 150 ألف جنيه إسترليني لدعم أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع –لكن من المؤكد أن النادي كان سيكون أكثر سعادة لو صدر بيان يدعو إلى «حل عادل ومعقول» للفجوة الهائلة التي تعاني منها كرة القدم في أسكوتلندا. وعندما أعلن نادي هارتس أنه طلب من الموظفين والعاملين به تخفيض رواتبهم 50%، وأن النادي عاجز عن الوفاء بالالتزامات المالية الشهرية التي تصل إلى 800 ألف جنيه إسترليني تقريباً، كان من المتوقع أن يكون لهذا الأمر صدى كبير على باقي الأندية. وبالفعل، خرج رئيس نادي أبردين، ديف كورماك، ليكشف عن سيناريو سيئ للغاية بعد «الصورة المالية الصحية» التي كانت موجودة للنادي منذ أسابيع قليلة فقط، حيث أعلن أن نادي أبردين لديه نفقات شهرية تبلغ 1.2 مليون جنيه إسترليني، مضيفاً: «إننا نواجه انهياراً في الدخل يجعل من شبه المستحيل الاستمرار لفترة طويلة».
وأعلن رينجرز في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنه بحاجة إلى عشرة ملايين جنيه إسترليني للوفاء بالالتزامات المالية قبل نهاية الموسم. وكان من المفترض أن يحصل النادي على بعض من هذه الأموال من المشاركة في بطولة الدوري الأوروبي ومن بعض المساهمين، لكن تكاليف الموظفين السنوية تتجاوز 30 مليون جنيه إسترليني، ولا يوجد أي تدفق نقدي في الوقت الحالي.
ربما يرى الكثيرون أنه من غير المناسب أن نتحدث عن مشكلات كرة القدم الأسكوتلندية في الوقت الذي يواجه فيه العالم وباء «كورونا»، لكن يتعين على هؤلاء أن يدركوا أن هذه اللعبة ما هي إلى جزء من نسيج هذا المجتمع.
«كورونا» يزيد تخبط الكرة الاسكوتلندية
تحتاج إلى خطة واضحة للتغلب على الصعوبات الهائلة التي تواجهها
«كورونا» يزيد تخبط الكرة الاسكوتلندية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة