فرض فيروس كورونا إيقاعاً جديداً على عملية القراءة، كوسيلة للمعرفة والمقاومة، خاصة مع العزل الاجتماعي وتعميم الحجر المنزلي والمكوث لساعات طويلة في البيت. ودفع هذا المناخ الطارئ الكثير من دور النشر إلى البحث عن حلول لتعويض خسائرها الجمة نتيجة لإلغاء معارض الكتب الدولية، واضطراب سوق النشر، لكن هذا المناخ عزز من فرص الكتاب الإلكتروني.
ففي مصر أطلق عدد من دور النشر مبادرات لتحفيز القراء على اقتناء الكتب بإيصالها إلى منازلهم مع خصومات كبيرة، كما أصدر اتحاد الناشرين المصريين بياناً تحت شعار «خليك في البيت مع خير جليس» لتشجيع القراء على الاستفادة من فترة الحجر. حول المبادرة، يقول رئيس اتحاد الناشرين المصريين، سعيد عبده، لـ«الشرق الأوسط»، «هناك إقبال ملحوظ من جانب القراء على شراء الكتب، لكنه بالطبع لا يعوض خسائر الصناعة، حيث أغلقت المكتبات وتوقفت المطابع، لكن اتحاد الناشرين يقوم بدوره في تشجيع المبادرات التي تساهم في تثقيف القراء كحل ثري لقضاء وقت الفراغ».
وذكر عبده، أنهم بصدد التعجيل بإطلاق «منصة اتحاد الناشرين المصريين للكتب الإلكترونية والصوتية»، فاستمرار الأزمة قد يؤدي إلى نهاية بعض دور النشر «حيث إن 90 في المائة منها كيانات صغيرة معتمدة على النشاط العائلي، وستجد صعوبة في الاستمرار في ظل إغلاق الأسواق الداخلية والخارجية، ووقف الاستيراد والشحن الدولي، وغيرها».
«القارئ بالتأكيد سيلجأ لمكتبته المنزلية»، يقول لنا الناشر مصطفى الشيخ، مدير عام دار «آفاق»، «جاءت الأزمة عقب انتهاء معرض القاهرة للكتاب ومعارض عدة كان آخرها معرض مسقط للكتاب، وبالتأكيد سيجد القراء في فترة التوقف عن العمل فرصة كبيرة للعودة إلى مكتباتهم المنزلية والانتهاء من الكتب التي قاموا باقتنائها خلال الفترة الماضية». المكتبات المنزلية هي الرابح الأكبر في زمن «كورونا».
ويشير الشيخ إلى أن «جميع خطط النشر الجديدة توقفت، فضلاً عن ارتباك كبير حول مآل الأزمة اقتصادياً بعد توقف معارض الكتب التي كنا نعول عليها كثيراً، خاصة أن وباء (كورونا) تفجرت أزمته قبيل معرض الرياض للكتاب، ومعرضَي جدة وأبوظبي، وكلها من أهم المعارض لجميع الناشرين، وتسبب ذلك في خسائر فادحة».
ويذكر مدير عام دار «آفاق»، أن «مبادرات القراءة التي أطلقها اتحاد الناشرين المصريين وعدد من المكتبات ستخلق بلا شك فئات جديدة من القراء وشرائح لم تكن مهتمة بالقراءة كروتين يومي، وهو جانب إيجابي في هذه الأزمة».
يتفق معه أحمد بدير، مدير عام «دار الشروق» المصرية، في أن الأزمة ستخلق قراءً جدداً، مؤكداً أن «الإقبال جيد إلى حد كبير، وحرصنا على اتخاذ إجراءات الوقاية من (كورونا) طبقاً لتوصيات منظمات الصحة الدولية والمحلية، وأغلقنا بعض المكتبات. أما بقية مكتباتنا فتعمل وفقاً لمواعيد حظر التجول. كما أتحنا الشراء عبر المتجر الإلكتروني مع خصومات جيدة وشحن مجاني، والحفاظ على جميع إجراءات السلامة للوقاية بالنسبة لعمال التوصيل وللجمهور».
أما عن نوعية الكتب التي يقبل عليها القراء في فترة الحجر، فيقول «من المبكر تحديد النوعية، لكن من المؤشرات الأولية فإن الروايات لا تزال متصدرة إلى جانب كتب اليافعين وكتب الأطفال التي تسجل إقبالاً غير عادي، فقد لمسنا حرصاً من الأهالي على تشجيع الأطفال على استغلال تلك الفترة في القراءة والاطلاع. لاحظنا كذلك إقبالاً على الشراء عبر الإنترنت من خارج مصر بشكل كبير؛ ما يعكس حرصاً من المواطنين سواء في الداخل أو خارج البلاد على تزجية وقت فراغ أبنائهم وذويهم بشكل مثمر».
وينوه بدير إلى أن أنه من المبكر الحكم على تجربة تحول ذائقة القراء إلى الكتاب الإلكتروني، خاصة أن التجربة لم يمض عليها سوى بضعة أيام، لكنها «قد تولد شريحة جديدة من القراء».
من جهته، أكد رئيس اتحاد الناشرين العرب، الناشر محمد رشاد، لـ«الشرق الأوسط»، أن النتائج الأولية للمبادرات خلال أول أسبوع لها تعتبر مبشّرة جداً، رغم المخاوف الاقتصادية لدى قطاع كبير من الجمهور. صناعة النشر تمر بأزمة غير مسبوقة، كما أن دور النشر أغلقت أبوابها وتوقف العمل فيها من الأسبوع الماضي؛ حفاظاً على صحة العاملين، وبالتالي توقفت الإصدارات الجديدة، وهي المرة الأولى في تاريخ صناعة النشر التي يحدث فيها هذا الأمر حتى في فترات الحروب. أما عن التسويق الإلكتروني للكتب، فإن النتائج لم تتضح بعد».
على صعيد الكتب الإلكترونية، جاءت مبادرة وزارة الثقافة المصرية «الثقافة بين يديك»، لتمنح القراء فرصة القراءة واقتناء الكتب إلكترونياً بشكل مجاني عبر موقع الهيئة العامة المصرية للكتاب، والتي لقيت ترحيباً كبيراً من المثقفين المصريين والعرب على السواء. بينما قامت «مكتبة الإسكندرية» بإتاحة نسخ من إصداراتها ومئات من مؤلفاتها عبر موقعها الإلكتروني بلغات عدة هي العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والتي تتنوع ما بين الكتب التاريخية واللغوية والعلمية، فضلاً عن مجموعة من المخطوطات والرسائل العلمية.
كما أعلنت إدارة «مكتبات الشارقة العامة» التابعة لهيئة الشارقة للكتاب، عن فتح مكتبتها الإلكترونية مجاناً لجميع الأفراد والفئات العمرية في مختلف أنحاء العالم لمدة ثلاثة أشهر بدءاً من أبريل (نيسان) الحالي حتى يونيو (حزيران) 2020، مقدمة 6 ملايين كتاب ومصدر معرفي إلكترونياً، بأكثر من 10 لغات مختلفة.
وقال صاحب دار نشر «كتبنا» الناشر محمد جمال «ثلث سكان العالم في الحجر الصحي، لكن التكنولوجيا والبنية التحية للاتصالات والأجهزة الذكية مكّنت الناس من مزاولة نشاطهم، موفرة لهم نوعاً من الاطمئنان، وإلا كانت حالة الرعب واليأس أكبر».
ويعتبر جمال أن «هذا أنسب وقت للقراءة عبر الإنترنت؛ فالأزمة الحالية فرصة لرواج تطبيقات عدة متعلقة بالكتب الإلكترونية والصوتية والتعليمية التفاعلية؛ لتساعد على تخطي الأزمة بهدوء ودون خسائر». وعن تجربتهم الخاصة، يقول «لاحظنا نشاطاً هائلاً على منصة (كتبنا) وعلى مواقعها عبر السوشيال ميديا، وحتى من مختلف الدول العربية، حيث يبدو أن المحتوى الرقمي بات الحل الوحيد فهو لا يتطلب الاختلاط مع الآخرين. إننا نتابع نشر عدد من الكتب إلكترونياً، وحرصنا على تحسين خدماتنا الإلكترونية إلى جانب الطباعة عند الطلب إلى جانب توصيل الكتب للمنازل وفقاً لشروط الوقاية الصحية، كما أن الكتاب الإلكتروني لا يتطلب وسيطاً كشركة شحن ولا تعاملًا نقدياً. علينا أن نؤقلم أنفسنا كناشرين لتخطي الأزمة».
أما أحمد المالكي، المدير التنفيذي لتطبيق «اقرأ لي» للكتب الصوتية، فقال «غالبية المواقع الخاصة بالكتب الإلكترونية تقدم ما لديها بشكل مجاني تشجيعاً للقراء، وبالفعل لاحظنا إقبالاً كبيراً على الكتب الصوتية أكثر من الأوقات العادية».
وأشار إلى أن الروايات وكتب التنمية البشرية هي الأكثر إقبالاً فضلاً عن كتب الأطفال.
وكشف عن أن التطبيق يتوجه حالياً لتقديم خدمات أخرى لم تكن متاحة من قبل وهي توفير ملخصات للكتب باللغة العربية لكتب عربية وأجنبية، تعين القراء على الاطلاع على محتواها في 30 دقيقة.
المكتبات المنزلية الرابح الأكبر في زمن «كورونا»
الروايات أولاً إلى جانب كتب الأطفال واليافعين
المكتبات المنزلية الرابح الأكبر في زمن «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة