البرلمان الموريتاني يفتتح دورته العادية في ظروف «استثنائية»

رئيسه دعا إلى تجاوز الخلافات الضيقة وتغليب المصلحة الوطنية العليا

رئيس البرلمان الموريتاني الشيخ ولد بايه (وما)
رئيس البرلمان الموريتاني الشيخ ولد بايه (وما)
TT

البرلمان الموريتاني يفتتح دورته العادية في ظروف «استثنائية»

رئيس البرلمان الموريتاني الشيخ ولد بايه (وما)
رئيس البرلمان الموريتاني الشيخ ولد بايه (وما)

افتتح البرلمان الموريتاني، اليوم، دورته الثانية العادية للسنة البرلمانية الحالية (2019 - 2020)، لكن رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه عدّ في كلمة الافتتاح أن هذه الدورة جاءت في «ظرف استثنائي»، في إشارة إلى انتشار فيروس «كورونا» في العالم، وتسجيل 6 حالات مؤكدة منه في موريتانيا.
وافتتح البرلمان دورته العادية وسط إجراءات احترازية مشددة؛ من أبرزها استدعاء 30 نائباً فقط من أصل 157 هم أعضاء البرلمان، للجلسة الافتتاحية، وإعفاء النواب المُسنّين، وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو مشكلات صحية، من حضور جلسات البرلمان.
وقال رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه في خطاب الافتتاح: «نعود اليوم في الموعد الدستوري لدورتنا البرلمانية العادية الثانية من أجل مواصلة أداء واجباتنا في هذا الظرف الاستثنائي؛ والحساس على الصعيدين الوطني والدولي»، مشيراً إلى أن احترام الدستور هو الذي فرض عقد الدورة في موعدها المحدد، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة النواب.
وعدّ رئيس البرلمان أن فيروس «كورونا» المستجدّ «جائحة تخيم بظلالها الداكنة على العالم بأسره»، وأن أوقات الشدة والمحن «تتطلب تعاملاً ونمط تدبير مختلفين عمّا هو مألوف في فترات الرخاء والعافية»، مشدداً على ضرورة تجاوز كل «الخلافات الضيقة ومبررات التباين والاصطفاف السياسي» بغية الوصول إلى ما سماه «تغليب المصلحة الوطنية العليا».
وحول الطريقة التي ستعقد بها جلسات البرلمان ونقاشاته، اتفق رؤساء الفرق البرلمانية؛ من موالاة ومعارضة، على جملة من الإجراءات الاحترازية، من أبرزها، وفق ما جاء على لسان رئيس البرلمان، «عدم التجمع إلا للضرورة القصوى، واحترام المسافات التي تنصح بها الجهات الصحية المختصة بين الأفراد في اجتماعات اللجان والجلسات العلنية، وبقاء السادة النواب المُسنّين، وأولئك الذين لديهم وضع صحي خاص، في منازلهم، وتأجيل نشاطات الفرق البرلمانية غير المستعجلة».
كما دعا رئيس البرلمان الموريتاني إلى ضرورة «الامتثال الحرفي لتوجيهات السلطات العمومية، والجهات المختصة، للتعامل مع هذه الوضعية الطارئة، والعمل على إنجاح الإجراءات الرامية لرفع هذا التحدي، وتخفيف آثاره الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية»، قبل أن يحثّ على «تجنب كل ما من شأنه إرباك عمل أبنائنا في الثغور والجبهات الأمامية لمجابهة هذا الفيروس».
كما حذّر رئيس البرلمان أيضاً من الإشاعات والأخبار الكاذبة، وطلب من الإعلاميين والمدونين «أن يأخذوا المعلومات من الجهات المختصة حصرياً، ويبتعدوا عن الشائعات التي قد تثير الفزع، وتشوش على العمل العمومي، في هذه الظروف الخاصة»؛ وفق تعبيره.
ولم تعلن تفاصيل الدورة البرلمانية ولا مشاريع القوانين التي ستناقشها، لكن يتوقع أن تناقش القرارات التي اتخذتها السلطات الموريتانية للحد من انتشار فيروس «كورونا» في البلاد، وتمنحها غطاءً تشريعياً، خصوصاً أن السلطات لم تعلن حالة الطوارئ، واكتفت بقرارات تحدّ من حركة المواطنين داخل وخارج المدن.
كما تنتظر هذه الدورة البرلمانية بعض المشاريع المتعلقة بالميزانية، وما ستخضع له من تعديلات بسبب الخطة العاجلة التي أعلنت عنها الحكومة للحد من آثار انتشار فيروس «كورونا» المستجدّ، وإنشاء صندوق للتضامن الاجتماعي لمواجهة فيروس «كورونا»، وضعت فيه الدولة مبلغ 25 مليار أوقية قديمة (670 مليون دولار أميركي)، وفتحت الباب أمام تبرعات المؤسسات والأفراد والشركاء الدوليين.
ووصل عدد المصابين بالفيروس في موريتانيا إلى 6 أشخاص، جميعهم قادمون من الخارج؛ شفي منهم اثنان، وتوفي واحد، وبقي 3 آخرون تحت الرعاية الصحية، وقالت وزارة الصحة إن وضعيتهم الصحية «جيدة». بينما قال مدير مركز العزل الصحي الذي يوجد فيه المصابون إن السلطات الموريتانية لم تعتمد حتى الآن أي «علاج خاص» من ضمن العلاجات التي يتم تداولها عبر العالم للحد من شراسة الفيروس.
لكن السلطات الموريتانية اعتمدت منذ أكثر من أسبوعين خطة احترازية صارمة، بدأت بإغلاق المدارس والمعاهد والجامعات والمطاعم والمقاهي، كما أغلقت أجواء البلاد أمام الرحلات الخارجية، وأغلقت الحدود البرية مع كل من المغرب والجزائر ومالي والسنغال، ومؤخراً أغلقت العاصمة نواكشوط حيث توجد حالتا إصابة بالفيروس، ومدينة كيهيدي (جنوب البلاد) حيث توجد إصابة وحيدة.
ولمنع انتشار الفيروس؛ قررت السلطات الموريتانية منع تحرك المسافرين بين محافظات البلاد البالغ عددها 13 محافظة، كما فرضت حظر تجوال جزئياً على عموم التراب الوطني من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً، وعلّقت صلاة الجمعة، وأغلقت الأسواق باستثناء محال بيع المواد الغذائية.



الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)
مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)
TT

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)
مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها واضطرت إلى التخلي عن كثير من الأشياء. مثلما فعلت فرح عدنان.

استبدلت فرح ذات الـ20 عاماً، وسائل نقل عامة، (ميكروباص ومترو)، بـ«أوبر» عند ذهابها إلى الجامعة في حلوان (جنوب القاهرة)، بينما تقطن في هضبة المقطم ويبعدان عن بعضهما نحو 26 كيلومتراً؛ إذ لم تعد أسرتها قادرة على تحمل أكثر من 200 جنيه في الرحلة الواحدة (الدولار الأميركي 49.66 جنيه).

وارتفعت أسعار وسائل النقل متأثرة بزيادة أسعار المحروقات بنسب تصل إلى 17 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

تحاول فرح التي تدرّس اللغة الفرنسية، مقابل نحو 25 ألف جنيه في العام الواحد، التأقلم مع استهلاكها ضِعف الوقت في الطريق وانتظامها في طابور طويل انتظاراً للميكروباص وعودتها مرهقة.

ويرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده، في محاولات فرح وغيرها التأقلم مع الأسعار بحيل مختلفة، إعادة تشكيل للنمط الاستهلاكي للطبقة الوسطى، التي تتكون من «الموظفين وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن».

وتكمن أهمية هذه الطبقة، وفق حديث عبده لـ«الشرق الأوسط»، في أنها ذات قدرة على الاكتفاء في الخدمات، يدرسون في جامعات ومدارس خاصة ويقصدون مستشفيات خاصة، وفي الوقت نفسه هم الطبقة المستهلكة للسلع والخدمات؛ لذا يمكن قياس النمو الاقتصادي للدولة من خلالها، لكن مع «التضخم، أصبحت عُرضة للتآكل».

وسجل التضخم على أساس سنوي في أكتوبر الماضي 26.3 في المائة في ظل صعود له منذ أغسطس (آب) الماضي حين سجل 25.6 في المائة.

وتتراكم الأزمة الاقتصادية بالبلاد منذ سنوات؛ ما دفع الحكومة إلى اقتراض مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي في عام 2016 ثم في عام 2022، مقابل تحرير سعر الصرف وتقليص الدعم.

وتأزم الموقف أكثر في ظل الأوضاع الإقليمية وخسائر قناة السويس جراء حرب غزة. وأصبح الغلاء وعدم القدرة على مجابهة الأسعار حديث المصريين على «السوشيال ميديا».

وضحّت أسر الطبقة الوسطى، بنمطها السابق في الطعام، فأصبحت سمر أمين (35 عاماً) تكتفي بتقديم البروتين لأسرتها مرة واحدة أسبوعياً. تقول وهي تقيم في المعادي (جنوب القاهرة) لـ«الشرق الأوسط» إنها والأمهات في «غروب الماميز» (خاص بأولياء الأمور)، يتندرن على رفاهية تقديم البيض واللبن لأطفالهن حالياً.

سمر أمين ونجلها حسام (الشرق الأوسط)

أما الصحافية نرمين عبد المنعم (اسم مستعار)، فتحاول هي الأخرى أن تنجو من ارتفاع الأسعار بحيل تغيير نوعيته مع الحفاظ على القيمة الغذائية، فاستبدلت الفراخ والأسماك باللحم.

ويبلغ متوسط سعر كيلو اللحم 400 جنيه، مقابل متوسط 100 جنيه للسمك البلطي والمرجان و80 جنيهاً لكيلو الفراخ، حسب بورصة الدواجن. ويشير رئيس شعبة القصابين (الجزارين) في غرفة القاهرة التجارية مصطفى وهبة لـ«الشرق الأوسط»، إلى تراجع استهلاك المصريين للحوم في آخر عامين بنسبة 30 في المائة؛ ما تسبب في ركود بالقطاع.

مائدة الأسر المصرية لم تعُد متنوعة في ظل ارتفاع الأسعار (الشرق الأوسط)

الأمهات في الطبقة الوسطى أصبحن على موعد مع عملية حسابية دقيقة بداية كل شهر لوضع خطة للإنفاق، وأملهن مثل سمر، أن تصمد هذه الخطة لنهايته، لكن «مرض طفل واحد كفيل أن يطيح بها». وتشير إلى أن تكلفة زيارة الطبيب بالعلاج 1000 جنيه على الأقل، وهي لا تفضّل الاقتراض فتختار التقشف.

ويشبّه الخبير الاقتصادي رشاد عبده ربة المنزل في الطبقة المتوسطة بـ«وزير المالية»، تحاول تكييف الميزانية على دخل الأسرة الذي يتسم بالثبات عادة.

معيشة على القلق

وتحدد مؤسسة «فيتش سوليوشنز»، إحدى مؤسسات «مجموعة فيتش للتصنيف الائتماني»، الطبقة الوسطى بأنها الطبقة التي يزيد دخل الأسرة فيها على 5 آلاف دولار خلال العام، أي نحو 20 ألفاً و500 جنيه شهرياً.

لدى أسرة إيمان عبد الله دخل يلامس هذا الحد، وليس لديها سوى طفل واحد، فيفترض أن تكون قدرتها على التكييف أفضل من غيرها، لكن بند إيجار المنزل في ميزانيتها يبتلع ثلثها، وينقلها من شقة إلى أخرى بمستوى أقل ومقابل مادي أكبر، في غضون مدد قصيرة، فتعيش قلقاً دائماً.

ينتاب نرمين قلق أيضاً، لكن لعجزها عن اتخاذ أي قرارات طويلة الأمد، مثل نقل نجلها إلى مدرسة أفضل أو الاشتراك له في نشاط ترفيهي؛ خوفاً من أن تخذلها الأسعار مستقبلاً.

ويعدّ القلق، وفق الباحث الاجتماعي عصام فوزي، سمةً أساسية للطبقة المتوسطة ذات الطموح الدائم للصعود الاجتماعي، لكنها تشهد الآن «مرحلة غير مسبوقة من التراجع».

مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

طبقة وسطى... حتى حين

ولا يعتبر فوزي، مصطلح الطبقة الوسطى في عمومه دقيقاً، بل يجب وضعه في سياق، فلكل عصر طبقته الوسطى التي ليست بالحتمية، واحدة، مثلاً في الخمسينات، كانت تتشكل من كبار موظفي الدولة وأصحاب الأملاك والمتعلمين من الأساتذة والأطباء، وبعد الانفتاح تراجعت قيمة العلم لصالح «الفهلوة» فبرزت طبقة وسطى من صغار رجال الأعمال، ومن استطاعوا تحقيق مكاسب سريعة.

ويرى الآن موظفي الدولة يتراجعون مع التوجه لتقليص الدولاب الحكومي، وكذلك طبقة أصحاب المشاريع، يقول: «من لديه مبلغ يفضل أن يضعه في البنك ويعيش من فائدته بدلاً من المضاربة به في وضع اقتصادي غير مستقر».

ويصف فوزي هذه الطبقة حالياً بأنها مهلهلة، وعُرضة للهبوط إلى الفقر... ويتفق معه الخبير الاقتصادي رشاد عبده، قائلاً إنها تواجه التآكل بسبب «ارتفاع الأسعار المستمر، وثبات الأجور أو زيادتها بقدر لا يستوعب الزيادة في الأسعار».

وأشار عبده إلى الفارق بين الدخل النقدي والدخل الحقيقي في القدرة الشرائية للأموال، موضحاً أن الزيادة في الأول بقدر لا يقابل الزيادة في أسعار السلع والخدمات، يعني انخفاض الدخل الحقيقي.

ووفق تقرير «فيتش سوليوشنز» في أكتوبر من عام 2023، فإن الطبقة الوسطى، تراجعت نحو 65 في المائة، من 34.2 في المائة من الأسر في 2022 إلى 12.1 في المائة من إجمالي الأسر في 2023.

معرض «وطنية» لبيع اللحوم بأسعار مخفضة في منطقة الهرم جنوب القاهرة (الشرق الأوسط)

تشبث بـ«التعليم» وهجر لـ«الرياضة»

وأملاً في النجاة؛ تتشبث الطبقة الوسطى بالتعليم. قلّصت سمر من مائدتها، لكنها تحرص على عدم التقصير في مدارس نجليها، فألحقتهما بمدارس قومية، وهي حكومية مميزة بمصاريف تصل إلى 25 ألف جنيه في العام الواحد.

الأمر نفسه بالنسبة لإيمان، رغم أن نجلها دون سن المدرسة، تضطر إلى تركه في حضانة تكلفها 2000 جنيه.

وبخلاف توفير فرص جيدة للتعليم، فشلت الأمهات الثلاث في إلحاق أبنائهن برياضة، رغم إيمانهن بأهميتها لأجسادهم، فأقل رياضة تتكلف 300 جنيه في الشهر للطفل الواحد، بخلاف مصاريف التمرين من مواصلات وملابس وطعام وغيره، حسب سمر.

ومثل كل البنود الأخرى في ميزانية الأسر، تأثر بند الملابس، الذي لا يخضع للفصول السنوية من صيف وشتاء أو الأعياد، لكن للضرورة، وتعتمد الأسرة على تبديل الملابس بين الأطفال، فيستخدم الطفل الأصغر ملابس أخيه أو قريب له لم تعد مناسبة لمقاسه، وهكذا.

الدولة تتدخل

وتحاول الحكومة تخفيف وقع الأزمة، بمبادرات لتوفير السلع بأسعار مخفضة في مواسم معينة، مثل «أهلاً رمضان»، و«أهلاً مدارس»، وأخرى في أماكن معينة على مدار العام، وتشهد إقبالاً متزايداً من طبقات اجتماعية مختلفة ليس الفقراء فقط، حسب ما أكده بائع في منفذ بمنطقة الهرم (شمال محافظة الجيزة).

ويرى أحد الخبراء، أن هذه المبادرات لها هدف اقتصادي في تخفيف العبء على المواطن، وآخر سياسي لاستيعاب الغضب المتصاعد داخل الطبقة الوسطى؛ حرصاً على الاستقرار.