الوباء يدمّر توقعات نمو شرق آسيا و11 مليون شخص مهددون بالفقر

TT

الوباء يدمّر توقعات نمو شرق آسيا و11 مليون شخص مهددون بالفقر

قال البنك الدولي في تحديث اقتصادي، إن من المتوقع أن تؤدي جائحة فيروس كورونا إلى تباطؤ حاد في نمو الاقتصادات النامية في شرق آسيا والمحيط الهادي، وكذلك الصين.
وأضاف البنك مساء الاثنين، أن وضع توقعات دقيقة للنمو أمر صعب، بالنظر إلى التغير السريع للوضع، لكن تصوره الأساسي الآن يشير إلى أن النمو في الاقتصادات النامية بالمنطقة سيتباطأ إلى 2.1 في المائة في 2020، وإلى سالب 0.5 في المائة في تصور أقل مقارنة مع تقديرات نمو بنسبة 5.8 في المائة في 2019. وفي الصين، حين كان أول تفشٍ لفيروس كورونا في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 2.3 في المائة في التصور الأساسي، أو أن يبلغ مستوى منخفضاً عند 0.1 في المائة في تصور أقل، مقارنة مع نمو بنسبة 6.1 في المائة في 2019.
وفي يناير (كانون الثاني) كان البنك لا يزال يعول على معدل نمو اقتصادي بنسبة 5.9 في المائة في الصين، لكن ظهور فيروس كورونا المستجد في أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وتفشيه داخل حدودها وخارجها، استدعى إجراءات استثنائية من جانب بكين التي فرضت بصورة مفاجئة وحازمة حجراً صحياً على مدن بأسرها، وعطلت الدورة الاقتصادية في البلاد للتمكن من السيطرة على الوباء. وفي فبراير (شباط) سجل الإنتاج الصناعي الصيني انكماشاً لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً. وقال معدو تقرير البنك الدولي، إنه استناداً إلى البيانات التي جمعوها لغاية 27 مارس (آذار)، فإن المحك الآن هو «ما إذا كان بإمكان الحكومة أن تنعش النشاط الاقتصادي فجأة كما أوقفته فجأة». وأضافوا، أنه إذا كان عدد كبير من كبرى الشركات الصناعية في الصين قد استأنف نشاطه، فإن عدداً كبيراً من الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة لا تزال تواجه صعوبات. وخلال مؤتمر عبر الهاتف قال آديتيا ماتو، كبير اقتصاديي البنك في منطقة جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادي، إنه «من الصعب وضع توقعات دقيقة في بيئة متغيرة باستمرار». أما بالنسبة لعموم منطقة جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادي، فتوقع البنك، أن يُلحق الوباء أضراراً فادحة بجهود مكافحة الفقر فيها، محذراً من أن السيناريو الأكثر تشاؤماً يتوقع تزايد أعداد الفقراء في هذه المنطقة بدلاً من انخفاضها.وبالمقارنة مع التوقعات السابقة لفترة ظهور الوباء، قال البنك، إن السيناريو الأكثر تفاؤلًا يشير إلى أن 24 مليون شخص كان متوقعاً أن يخرجوا من وهدة الفقر هذا العام سيظلون يعيشون بأقل من 5.5 دولار في اليوم. أما إذا تحقق السيناريو الأكثر سوداوية، بحسب البنك، فإن أعداد الفقراء في هذه المنطقة ستزداد بمقدار 11 مليون شخص بسبب فيروس كورونا المستجد، بدلاً من أن تنخفض. وقبل ظهور فيروس كورونا المستجد كان البنك يتوقع خروج 35 مليون شخص في هذه المنطقة من دائرة الفقر في 2020، أكثر من 25 مليوناً منهم في الصين.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»