الحريري ماضٍ في «المعركة» لمنع عون من الاستئثار بالتعيينات

TT

الحريري ماضٍ في «المعركة» لمنع عون من الاستئثار بالتعيينات

قال مصدر سياسي على صلة وثيقة برؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، تمام سلام بأن تحذيرهم في بيانهم المشترك من السطو على المواقع الإدارية والمالية والنقدية للدولة بغرض الإطباق على الإدارات الحكومية من دون الالتزام بقواعد الكفاءة والقيام بالخطوات الإصلاحية يؤشر إلى أنهم باتوا على قناعة بأن لا جدوى من التواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتمادى في الإطباق على الدولة، مستفيداً من انغلاق رئيس الحكومة حسان دياب على الآخرين، واضعاً كل أوراقه بيد «العهد القوي» الذي كان وراء إيصاله إلى سدة الرئاسة الثالثة. ولفت المصدر السياسي إلى أن علاقة الرؤساء الأربعة مع عون وصلت إلى طريق مسدودة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنهم فقدوا الأمل في التفاهم معه بعد أن فوّت الفرصة تلو الأخرى التي تتيح له بأن يكون الرئيس الجامع لكل اللبنانيين والساعي للقيام بدور توفيقي بدلاً من أن يتصرف وكأنه يدعم فريقاً على آخر. وأكد أن الرئيس دياب حسم خياره السياسي وارتأى لنفسه بأن يكون إلى جانب عون من دون أن يلتفت للدعوات التي تطالب بعدم الإخلال بالتوازن، خصوصاً تلك التي تأتي من معظم القيادات السياسية على تنوّعها الطائفي والتي لم تعد محصورة بالرؤساء الأربعة الذين بادروا إلى التحذير من المضي في دفع البلد باتجاه الانزلاق إلى مزيد من الهيمنة من قبل الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية.
وكشف المصدر نفسه، أن الرؤساء الأربعة حذّروا من استغلال انشغال البلد في مكافحة تفشي وباء «كورونا» لتمرير التعيينات المالية والمصرفية، وقال إن زعيم تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية كان السبّاق في إطلاق تحذير في هذا الخصوص التقطه «الثنائي الشيعي» الذي تدخّل لوقف صدور التعيينات، إضافة إلى التحذير «الناعم» الذي وجّهه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله لكل من يعنيهم الأمر، وخلاصته أن لا مفر من مراعاة فرنجية في هذه التعيينات وإلا لن ترى النور.
وقال المصدر إن رئيس الجمهورية رفض ما نُقل إليه من رسائل بالواسطة يقترح أصحابها ومن بينهم الحريري بتجميد إصدار التعيينات، وبالتالي التمديد للحاليين إلى حين إقرار الخطة الإصلاحية. وأكد أن الحريري نقل اقتراحه إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أبدى تفهّمه لاقتراحه شرط أن يسري التمديد على التعيينات كافة. ورأى أن ربط التمديد بوضع الخطة الإنقاذية يتيح للمعنيين اختيار الشخص المناسب لشغل هذه المناصب، وكشف أن الحريري تواصل أول من أمس مع بري لأكثر من مرة وقال إن زعيم تيار «المستقبل» ماضٍ في معركته بالتضامن مع رؤساء الحكومات السابقين لمنع عون وتياره السياسي من وضع اليد على البلد والإطاحة بالشراكة في ظل صمت رئيس الحكومة، حتى لو اضطر نواب كتلة «المستقبل» إلى تقديم استقالاتهم من البرلمان.
وأكد المصدر نفسه أن برّي انشغل في اليومين الأخيرين في تتبّع ما يترتب من تداعيات سياسية على استقالة نواب «المستقبل» مع أن الحريري لم يتخذ حتى الساعة أي قرار في هذا الخصوص، رغم أنه ألمح إليه في الاتصالات التي أجراها مع الرؤساء الثلاثة قبل صدور البيان. وتوقّف المصدر السياسي أمام تصاعد المطالبة من فريق سياسي يتزّعمه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بضرورة التدقيق في حسابات المصرف المركزي، وسأل إذا كانت متلازمة مع الضغط لإصدار تعيينات نواب الحاكم رياض سلامة وبأعضاء لجنة الرقابة على المصارف؟
واعتبر أن التدقيق في حسابات «المركزي» يهدف إلى تطويق سلامة ومحاصرته من خلال لجوء الفريق السياسي لرئيس الجمهورية إلى حصد حصة الأسد في هذه التعيينات ما يسمح له بالسيطرة على المجلس المركزي لمصرف لبنان، وقال إن التدقيق في الحسابات يهدف إلى وضع سلامة في دائرة «الاتهامات» مع أن مصير هذه المطالبة سيكون مثل مصير التشكيلات القضائية التي ترفض وزيرة العدل ماري كلود نجم التوقيع عليها بذريعة أنها جاءت ظالمة لـ«التيار الوطني» كما يدّعي أكثر من مسؤول فيه.
لذلك فإن الرؤساء الأربعة يعلقون أهمية على دور الرئيس بري في قطع الطريق على من يخطط لوضع يده على التعيينات المالية والنقدية باعتبار أنه يشكّل نقطة ارتكاز للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن.
لكن موقف بري يصطدم بإصرار رئيس الجمهورية ومعه «حزب الله» على إصدار التعيينات وإن كان الأخير يربط الإفراج عنها بالاستجابة للصرخة التي أطلقها فرنجية انطلاقاً من تحالفه معه ورفضه لإصرار حليفه الآخر أي «التيار الوطني» على محاصرته وإلغائه .
وعليه، فإن «حزب الله» وإن كان يلتقي مع عون وفريقه السياسي على محاصرة سلامة لوجود أكثر من عائق يدفع باتجاه تغييره قبل انتهاء ولايته، فإن لكل منهما هدفه من تطويقه. فـ«حزب الله» يتطلع إلى محاسبة سلامة بذريعة أنه وجمعية المصارف تعاونا مع الخزانة الأميركية لتمرير العقوبات التي فُرضت عليه، بينما يسعى باسيل إلى تصفية حساباته السياسية مع أحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.