إعادة بناء 8 جينومات بكتيريا عمرها 6500 عام

في أحدث الأبحاث العلمية للتعرف على الأمراض القديمة

صورة متخيلة لبكتيريا سالمونيلا
صورة متخيلة لبكتيريا سالمونيلا
TT

إعادة بناء 8 جينومات بكتيريا عمرها 6500 عام

صورة متخيلة لبكتيريا سالمونيلا
صورة متخيلة لبكتيريا سالمونيلا

تمثل ثورة العصر الحجري الحديث، والانتقال المقابل إلى أنماط الحياة الزراعية والرعوية، واحدة من أعظم التحولات الثقافية في تاريخ البشرية، وقد افترض الباحثون منذ فترة طويلة أن هذا قد وفر أيضا فرصة لظهور الأمراض التي تكيف معها الإنسان. وخلال دراسة جديدة لمعهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ الإنسان نُشرت في 24 فبراير (شباط) 2020. بمجلة «نتشر إيكولوجي»، قام فريق من الباحثين بدراسة بقايا بشرية في جميع أنحاء غرب أوراسيا وأعادوا بناء ثمانية جينومات قديمة من السالمونيلا المعوية.
واستخدم الباحثون التقنيات الوراثية، التي تعرف باسم (HOPS) ، وهي خط أنابيب كامل لعزل وتسلسل الحمض النووي، والتي مكنتهم من فحص آلاف العينات الأثرية بحثاً عن آثار للحمض النووي الخاص بمسببات الأمراض.
ومن خلال فحص ما مجموعه 2739 من بقايا الإنسان القديمة، نجح الباحثون في إعادة بناء ثمانية جينومات سالمونيلا حتى عمر 6500 عام، لتكون أقدم جينومات بكتيرية أعيد بناؤها حتى الآن، وهذا يبرز صعوبة مجال الأبحاث المسببة للأمراض القديمة، حيث غالباً ما يلزم فحص مئات العينات البشرية لاستعادة جينوم ميكروبي واحد.
وكان الباحثون قد استردوا الجينوم في الدراسة الحالية عن طريق أخذ عينات من أسنان المتوفين، حيث يشير وجود السالمونيلا المعوية في أسنانهم إلى أنهم كانوا يعانون من أمراض وقت وفاتهم. والأفراد الذين دُرست رفاتهم جاءوا من أماكن تقع من روسيا إلى سويسرا، وتمثل مجموعات ثقافية مختلفة، من الصيادين المتأخرين إلى الرعاة الرحل إلى المزارعين الأوائل.
ويقول الكسندر هيربيج، الباحث المشارك بالدراسة في تقرير نشره موقع معهد ماكس بلانك بالتزامن مع نشر الدراسة «لقد أتاح لنا هذا الطيف الواسع في الزمن والجغرافيا والثقافة، ولأول مرة، تطبيق علم الوراثة الجزيئية لربط تطور مسببات الأمراض بتطور نمط حياة إنساني جديد».
ويضيف هيربيج «مع إدخال الحيوانات المستأنسة، وزيادة الاتصال مع كل من البراز البشري والحيواني، وحدوث تغير جذري في التنقل، فقد تم الافتراض منذ فترة طويلة أن الانتقال إلى نمط الحياة المستقرة والزراعية، مكنت من التعرض المستمر والمتكرر لمسببات الأمراض، وبالتالي ظهور أمراض جديدة، وقبل هذه الدراسة، لم يكن هناك دليل جزيئي مباشر على ذلك».
وتوفر الميتاجينوميات القديمة التي جمعها الباحثون دليلا غير مسبوق على ماضي الأمراض البشرية، حيث أصبح لدى الباحثين بيانات جزيئية لفهم نشوء وانتشار مسببات الأمراض منذ آلاف السنين، وتمكن الباحثون من تحديد أن جميع جينومات السالمونيلا الستة المستعادة من الرعاة والمزارعين هي من أسلاف سلالة تصيب البشر على وجه التحديد ولكنها نادرة اليوم، تعرف باسم (Paratyphi C).
واقترح الباحثون سابقاً أن هذه السلالة من السالمونيلا انتشرت من الخنازير المستأنسة إلى البشر منذ حوالي 4000 عام، لكن اكتشافها في سلالات أسلاف البشر قبل أكثر من 5000 عام يشير إلى أنها ربما تكون قد انتقلت من البشر إلى الخنازير.
ويعد نجاح التقنية الجديدة في عزل الجينومات الخاصة بالسالمونيلا من البقايا البشرية تحديا مهما، سيكون له انعكاس في فهم هذه البكتيريا، التي لا تزال تفاجئنا إلى الآن بتطورات جديدة، كما يقول د. خالد موسى، أستاذ الأمراض المشتركة بكلية الطب البيطري جامعة أسيوط في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط». ويضيف «قبل شهور اكتشف العلماء الجين (mcr - 9) بأحد سلالات تلك البكتيريا، وثبت أنه يعطيها مقاومة للمضاد الحيوي (كوليستين)، وهو واحد من خمس فئات للمضادات الحيوية المصنفة من قبل منظمة الصحة العالمية على أنها على (درجة عالية من الأولوية)، أي أنها عقاقير يلجأ إليها الأطباء عندما تستنفد جميع خيارات مكافحة العدوى الأخرى».



«محاصيل ذكية مناخياً»... استراتيجية علمية لتحقيق أعلى إنتاجية

الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
TT

«محاصيل ذكية مناخياً»... استراتيجية علمية لتحقيق أعلى إنتاجية

الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)

بحلول عام 2050، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة، ما يتطلب زيادة في إنتاجية المحاصيل الزراعية بنسبة 60 في المائة، لتلبية احتياجات الغذاء. ومع ذلك، فإن الإنتاج الحالي لا يكفي، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا العجز بسبب الضغوط الناتجة عن تغير المناخ.

على سبيل المثال، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين خلال موسم النمو إلى انخفاض في الإنتاجية يصل إلى 13 في المائة. لذا، يركز العلماء حالياً على تطوير محاصيل «ذكية مناخياً» قادرة على تحقيق إنتاجية أعلى في الظروف الطبيعية، مع الحفاظ على إنتاجية مستقرة تحت ضغوط الحرارة.

وفي خطوة نحو تحسين إنتاج المحاصيل في ظل الظروف المناخية المتغيرة، عمل علماء في الصين على تحسين أدوات التعديل الجيني لتطوير استراتيجية جديدة تعزز خصائص نمو وتطور النباتات.

وطوَّر فريق من معهد علم الوراثة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم استراتيجية تعتمد على تعديل جين، يلعب دوراً حاسماً في تنظيم آلية طبيعية في النباتات، تؤثر بشكل كبير على إنتاجية النبات وحلاوة الثمار وجودة الحبوب. ونُشرت نتائج الدراسة في عدد 15 ديسمبر (كانون الأول) الماضي من دورية «Cell».

«المصدَر والمستقبِل»

تحتاج النباتات إلى المياه والعناصر الغذائية والضوء لتنمو؛ حيث يعتمد كل جزء منها على هذه المكونات الأساسية. فالجذور تتطلب طاقة من عملية التمثيل الضوئي لامتصاص المياه والعناصر الغذائية من التربة، بينما تحتاج الأوراق للمياه والعناصر الغذائية التي تمتصها الجذور لتقوم بعملية التمثيل الضوئي، وتصنيع الغلوكوز الذي يعد المصدر الأساسي للطاقة في النبات.

وتُمتص هذه الموارد وتُنتَج في أماكن مختلفة داخل النبات، ما يتطلب نظاماً معقداً لنقلها بين الأماكن التي تُنتج أو تُستخدم فيها.

ويستخدم العلماء مصطلحَي «المصدَر» (Source) و«المستقبِل» (Sink) لوصف هذه العمليات؛ حيث يكون «المصدر» هو المكان الذي يتم فيه امتصاص أو إنتاج الموارد اللازمة لنمو النباتات، بينما «المستقبِل» هو المكان الذي تُستخدم فيه هذه الموارد. ويحدد التوازن في هذه العملية قدرة النباتات على النمو والإثمار.

ومع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، تتعرض هذه العمليات الحيوية للخطر، ما يؤدي لتدهور إنتاجية وجودة المحاصيل.

يقول الدكتور كاو شو، الباحث الرئيسي للدراسة في المركز الوطني لبحوث جينات النبات، في معهد علم الوراثة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، إن علاقة «المصدَر والمستقبِل» هي نظرية كلاسيكية عمرها قرن من الزمان؛ لكنها ما زالت تحظى باهتمام مستمر في مجال علم الأحياء النباتية، وتعد مجالاً بحثياً مهماً وصعباً.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن هذه النظرية تركز على إنتاج وتوزيع المركبات الكربونية -مثل السكروز- التي تلعب دوراً محورياً في حياة النباتات، من أعضاء المصدر (كالأوراق) إلى المستقبِل (مثل الجذور والثمار والبذور) التي تخزن أو تستهلك هذه المركبات لتوفير الغذاء والمواد الأساسية للإنسان. وأشار إلى أن تحسين العلاقة بين «المصدَر والمستقبِل» يمكن أن يسهم في زيادة الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المائة.

تعديل جيني

تستند الاستراتيجية الجديدة على تحسين استجابة النباتات للحرارة، من خلال التحكم في توزيع الكربون على الأجزاء المستقبلة للطاقة في النباتات.

وركز الباحثون في دراستهم على جين يُعرف باسم «CWIN»، المسؤول عن تنظيم العلاقة بين «المصدَر» و«المستقبِل» في النبات. وعند تعرض النبات للإجهاد الحراري، ينخفض نشاط هذا الجين، ما يؤدي إلى فقدان التوازن بين «المصدر» و«المستقبل»، ويقلل توزيع الكربون على الثمار، ما يؤثر سلباً على نمو وجودة وإنتاجية المحاصيل.

ولحل هذه المشكلة، أجرى الفريق تعديلاً للجين، عن طريق إدخال تسلسل جيني خاص يتفاعل مع درجات الحرارة المرتفعة، في أصناف الأرز والطماطم، باستخدام تقنيات التحرير الجيني المتطورة.

وأوضح شو أن هذا التعديل يساعد على تنشيط التعبير عن الجين عند التعرض للحرارة العالية، ما يضمن استقرار تدفق الكربون إلى الثمار، ويعزز الإنتاجية. كما يعزز التعديل توزيع الكربون على الثمار في الظروف الطبيعية، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية.

وأظهرت الاختبارات المتعددة على الطماطم أن هذه الاستراتيجية زادت المحصول بنسبة تصل إلى 47 في المائة في الظروف العادية، وبنسبة 33 في المائة تحت الإجهاد الحراري. كما حسَّنت جودة الثمار من حيث توحيد الحجم ونسبة الحلاوة.

وطبَّق فريق البحث الأسلوب نفسه على الأرز، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية بنسبة 13 في المائة في الظروف العادية، و25 في المائة تحت الإجهاد الحراري، ما ساهم بشكل كبير في تعويض خسائر الإنتاج الناتجة عن الحرارة العالية.

وفق شو، فإن الاستراتيجية الجديدة تعتمد على مجموعة شاملة من تقنيات التحرير الجيني لتحسين المحاصيل وتقييم الإنتاجية، ما يمهد الطريق لتطوير محاصيل ذكية مناخياً تحقق إنتاجية عالية في الظروف الطبيعية، وتقلل من خسائر الإنتاج تحت ظروف الإجهاد المختلفة. وطُبقت هذه الاستراتيجية أيضاً على محاصيل مثل فول الصويا والقمح والذرة.