سرُّ البقاء... «العشب الرمحي» يوظّف ميكروبات الرمال لمساعدته

«كاوست» تقود أبحاثاً حول تأقلم النباتات مع البيئات المتغيّرة

الدكتورة رامونا ماراسكو تفحص الغلاف الجذري لنبات العشب الرمحي
الدكتورة رامونا ماراسكو تفحص الغلاف الجذري لنبات العشب الرمحي
TT

سرُّ البقاء... «العشب الرمحي» يوظّف ميكروبات الرمال لمساعدته

الدكتورة رامونا ماراسكو تفحص الغلاف الجذري لنبات العشب الرمحي
الدكتورة رامونا ماراسكو تفحص الغلاف الجذري لنبات العشب الرمحي

على امتداد أكثر من ألفي كيلومتر على طول سواحل أنغولا وناميبيا وجنوب أفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي، تقع إحدى أقدم صحارى العالم ألا وهي صحراء ناميب وتعني «المكان الواسع». وفي هذا المكان المهيب تعمل الأغلفة اللزجة الرملية التي تحيط بجذور ثلاثة أنواع من نبات العشب الرمحي النامية في تلك المنطقة على اجتذاب أي نوع من البكتيريا المحفّزة للنمو تتوافر في الرمال المحيطة بها. ويُناقض هذا الأمر ما هو معروف عن أغلفة الجذور الأكثر تخصصاً للنباتات التي تنمو في أنواع من التربة الغنية بالمصادر الغذائية، إذ تستغلّ الأنواع المختلفة من النباتات أنواعاً مختلفة من البكتيريا.
الغلاف الجذري (الطبقة المنجذبة بشدة إلى الجذور)، هو خاصية تكيّفية تشكَّلت لدى بعض أنواع النبات، تقوّي الاتصال بين جذور النبات والتربة المحيطة بها، مما يُحَسِّن امتصاص الماء والمغذيات، وتعمل الشعيرات الجذرية والخيوط الفطرية -إضافةً إلى مادة لزجة تُكَوِّنها الجذور والكائنات الدقيقة- على تجميع حبيبات الرمل والتربة، لتُشكِّل معاً غطاءً يُغلّف المجموع الجذري بأكمله، وتنتمي الأنواع الصحراوية من العشب الرمحي إلى أصناف النباتات التي تتمتع بهذه الخاصية التكيفية، وحتى الآن، لم تجر سوى دراسات قليلة على غلاف المجموع الجذري لهذا النوع من العشب الرمحي.
وتقود جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) دراسة بحثية في هذا المجال، ولها انعكاساتها فيما يتَّصل بالتنبؤ بمستوى قدرة النباتات ذات الأغلفة الجذرية، بما يشمل بعض نباتات المحاصيل الغذائية، على التأقلم مع الظروف البيئية المتغيّرة والإجهاد.
ومن المعروف أنه في حالات التربة الغنية بالمغذِّيات، حيث تتوافر خيارات كثيرة أمام النبات، تجتذب نباتات مختلفة أنواعاً بعينها من البكتيريا إلى جذورها. وتُيَسِّر هذه البكتيريا المحفزة للنمو إتاحة مغذّيات مثل النيتروجين والحديد والفوسفور للنبات، وتستطيع أيضاً منح النبات القدرة على مقاومة الأمراض.
وقد تنبّأ عالم الأحياء البروفسور دانيال دافونشي أستاذ العلوم البيولوحية في كاوست، وزملاؤه، بأن نوع النبات ربما يكون العامل الأقل أثراً فيما يتعلق باجتذابه البكتيريا بالرمال غير الغنيّة بالمغذيات في صحراء ناميب، وأن الأنواع المختلفة من العشب الرمحي قد تجتذب عشوائياً أي نوع من البكتيريا الموجودة في الرمال المحيطة بها.
وأجرى الفريق تحليلاً للمحتوى الميكروبي لتربة وجذور ثلاثة أنواع مختلفة من نبات العشب الرمحي الصحراوي التي تنمو على قمة ووسط وسفح أحد الكثبان في صحراء ناميب. وتوضح الدكتورة ماريا موسكويرا، التي شاركت في فريق البحث أن تحليل النباتات التي تنمو في منطقة محددة كان ذا أهمية بالغة بالنسبة إلى الفريق، وذلك لتجنّب الاختلاف الذي يفرضه نوع التربة والمناخ.
ووجد الفريق أن الأغلفة الجذرية للأنواع الثلاثة مجتمعة مثَّلت بقعة ساخنة اجتذبت مجموعات متشابهة نسبياً من البكتيريا والفطريات المحفّزة للنمو. وتشير النتائج التي توصل إليها العلماء إلى أن أنواع الميكروبات الموجودة في المجموع الجذري للأغلفة الجذرية لدى الأنواع الثلاثة من العشب الرمحي، لم تتحدّد استناداً إلى نوع النبات، وإنما بناءً على مدى توافر الميكروبات في الرمال المحيطة بالنبات.
وتقول الدكتورة رامونا ماراسكو، الباحثة الأولى في الدراسة والمختصة بدراسة التفاعلات بين النباتات والميكروبات في البيئات القاسية: «نحن الآن نحاول معرفة نوعية الميكروبات التي عادةً ما ترتبط بالغلاف الجذري، وفهم الأدوار التي تلعبها لصالح كفاءة عوائلها، إذ من الممكن أن يكون اختيار وعزل مثل هذه الكائنات الدقيقة خطوة نحو تقييم قدرتها على حماية المحاصيل الغذائية مثل القمح والشعير».



«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية
TT

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

​يبدو أن مركب «البنزول» المسمَّى أيضاً «البنزول الحلقي» ظهر في كل مكان خلال السنوات الأخيرة.

معقِّمات بمواد مسرطنة

أولاً، كانت معقمات اليدين التي تحتوي على «مستويات غير مقبولة» من هذه المادة المسرطنة. ثم كانت هناك عمليات سحب من السوق لرذاذات القدم المضادة للفطريات، إضافة إلى ظهور تقارير مثيرة للقلق عن وجوده في مزيلات العرق والشامبو الجاف وكريمات الوقاية من الشمس الملوثة، كما كتب كنفول شيخ، وجانا مانديل*.

وأدت بعض هذه النتائج إلى ظهور عناوين الأخبار المذعورة، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ حذَّر المؤثرون في مجال العافية - على «تيك توك» - الناس من التوقف عن ارتداء واقيات الشمس. وذهب أحد الأطباء على المنصة إلى مقارنة استخدام الشامبو الجاف المنتج بمادة البنزول بعملية التدخين. كما تم رفع كثير من الدعاوى القضائية الجماعية بشأن تأثيراته.

رُصد البنزول في واقيات الشمس

«تسلل» البنزول الطبيعي

يوجد «البنزول» (Benzene)، بشكل طبيعي في النفط الخام. ولا يضاف عمداً إلى هذه المنتجات؛ بل إنه يُستخدم لتصنيع المواد الكيميائية، مثل الأصباغ والمنظفات والدهانات والبلاستيك. وقد ينتهي به الأمر إلى التسلل إلى منتجات العناية الشخصية، عندما لا تتم تنقية المواد الكيميائية التي يوجد البنزول فيها بشكل كافٍ، أو عندما تتفاعل بعض المكونات النشطة في المنتجات بعضها مع بعض أو تتحلل.

لا توجد بيانات حتى الآن تشير إلى أن المستويات المنخفضة من التعرض للبنزول من منتجات العناية الشخصية تحمل مخاطر صحية كبيرة. وحذَّر بعض الخبراء من أن كثيراً من النتائج الأكثر إثارة للقلق حول البنزول، جاءت من مختبر واحد تعرّض لانتقادات؛ لانحرافه عن طرق الاختبار القياسية.

ومع ذلك؛ ونظراً لارتباط مستويات عالية من التعرض للبنزول بالسرطان، يقول الخبراء إنه من الجدير إلقاء نظرة فاحصة على الشامبو الجاف وواقي الشمس، وغيرهما.

ويشعر الباحثون بالقلق من أن المكونات التي تساعد المستحضرات الواقية من الشمس على الذوبان في الجلد، قد تسرّع من امتصاص الجسم له.

تنشُّق البنزول

نظراً لأن البنزول يمكن أن يتبخر بسهولة؛ فقد يستنشق الأشخاص أيضاً بعض المواد الكيميائية أثناء وضع المنتج موضعياً، ما يعني أنهم قد يتعرّضون له من خلال الطريقتين كلتيهما، كما قال لوبينغ تشانغ، عالم السموم في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. لكن حقيقة تبخره بسرعة تشير إلى أن التعرُّض الجلدي ليس مصدر قلق كبيراً مثل تعرض العمال للبنزول بانتظام في الهواء.

أبحاث محدودة

ولا تشير الأبحاث المحدودة حول هذا الأمر حتى الآن إلى أي خطر كبير. في إحدى الدراسات، فحصت مجموعة من الباحثين الأكاديميين بيانات من أكثر من 27 ألف شخص استخدموا كريمات طبية تحتوي على «بيروكسيد البنزويل» (benzoyl peroxide) الذي يعمل مطهِّراً. وعندما قارنوها ببيانات من مرضى لم يتعرضوا لبيروكسيد البنزويل، لم يجد الباحثون أي خطر متزايد للإصابة بالسرطان المرتبط بالبنزول بين أولئك الذين يستخدمون الكريمات.

ومع ذلك، قال بعض الخبراء إنهم قلقون بشأن هذه التعرضات المحتملة؛ نظراً لأن هذه المنتجات يتم استخدامها مباشرة على الجسم – يومياً عادةً - وفي أماكن صغيرة سيئة التهوية، مثل الحمامات.

ارتفاع مستويات البنزول في الجسم

وفي حين تظهر الدراسات الاستقصائية الأميركية أن مستويات البنزول في الهواء قد انخفضت - بفضل القيود الأكثر صرامة على البنزول - فقد زادت مستويات البنزول في عيّنات البول من الأميركيين في العقود الأخيرة. في الوقت نفسه، وجد العلماء أن مزيداً من المنتجات قد تحتوي على البنزول، بما في ذلك الحفاضات والمناديل التي تستخدم لمرة واحدة، والسدادات القطنية، والفوط الصحية.

وقالت إمي زوتا، الأستاذة المساعدة في علوم الصحة البيئية في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، إن اكتشاف البنزول في هذه المنتجات يسلّط الضوء على الفجوات في الرقابة التنظيمية على سلامة منتجات العناية الشخصية. وأضافت أن كثيراً من اختبارات سلامة المنتجات طوعية: «لذا؛ فإن الصناعة تضع معاييرها الخاصة».

تلوث منتجات العناية بالبنزول

كان كثير من الاهتمام حول التلوث بالبنزول في منتجات العناية الشخصية مدفوعاً بشركة اختبار مخدرات صغيرة، مقرّها في نيوهافن بولاية كونيتيكت. فقد أفادت شركة «فاليشور» (Valisure)، بالعثور على تلوث بالبنزول في معقمات اليدين، وبخاخات الجسم، وكريمات الوقاية من الشمس، والشامبو الجاف، وأدوية حب الشباب التي تحتوي على بيروكسيد البنزويل. وانتشرت بعض هذه النتائج على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«تروث سوشيال».

لكن بعض العلماء شكّكوا في منهجية شركة «فاليشور»، زاعمين أن بروتوكول الاختبار الخاص بها ينطوي في كثير من الأحيان على تسخين المنتجات إلى درجات حرارة تتجاوز درجات الحرارة التي قد تصل إليها في الحياة العادية؛ وهو ما قد يؤدي إلى تسريع تحلل المكونات، ويشير إلى خطر أعلى للتعرّض للبنزين مما قد يواجهه المستهلكون بالفعل.

أدلة تاريخية حول «سرطان البنزول»

ينظر كثير من الأبحاث حول البنزول بشكل خاص - حتى الآن - إلى التعرّض المنتظم لمستويات عالية من المادة الكيميائية في البيئات المهنية.

تأتي الأدلة على أن البنزول قد يسبب السرطان لدى البشر، من ملاحظات العمال في الصناعات الدوائية والبترولية التي تعود إلى عشرينات القرن العشرين. في عام 1987، قالت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إن هناك «أدلة كافية» على أن البنزول مسبب للسرطان لدى البشر والحيوانات. واليوم، تتفق منظمة الصحة العالمية، ووكالة حماية البيئة الأميركية، وبرنامج علم السموم الوطني الأميركي، على أن البنزول يمكن أن يسبب السرطان، وخصوصاً سرطان الدم.

هناك أيضاً أدلة على أن استنشاق مستويات عالية من البنزول لفترات طويلة من الزمن يرتبط بسرطانات الدم الأخرى، وسرطان الرئة، فضلاً عن فقر الدم، وانخفاض القدرة على محاربة العدوى، وعدم انتظام الدورة الشهرية.

توصيات دولية

يوصي مسؤولو السلامة المهنية في جميع أنحاء العالم عموماً، بأن يقتصر التعرض في مكان العمل على جزء واحد من البنزول لكل مليون جزء من الهواء، أو جزء واحد في المليون على مدار يوم عمل مدته 8 ساعات.

ويتعرض كثير منا للبنزول أيضاً - من خلال انبعاثات المركبات ودخان السجائر ومواقد الغاز - ولكن بمستويات أقل بكثير.

وقد قدَّرت إحدى الدراسات أن التعرض البيئي للشخص العادي ينبغي أن يكون أقل من 0.015 جزء في المليون في اليوم، أو أقل بنحو مائة مرة من الحد المهني المذكور أعلاه.

خطوات لتقليل التعرض للبنزول

أظهرت حفنة من الدراسات المختبرية أن كمية معينة من البنزول على الأقل يمكن أن تخترق حاجز الجلد.

أكد الخبراء أنه لا داعي للذعر بشأن البنزول في منتجات العناية الشخصية؛ لكن اقترح كثير منهم التأكد من تخزين هذه العناصر بشكل صحيح لتجنب تحللها.

وفيما يلي بعض الخطوات البسيطة لتقليل تعرضك:

- واقي الشمس: لم يقترح أي من الخبراء الذين تمت مقابلتهم التخلص من واقي الشمس خوفاً من البنزول. حتى في الاختبارات التي أجرتها شركة «فاليشور»، لم يكن لدى غالبية واقيات الشمس مستويات يمكن اكتشافها. وقال تشانغ: «فوائد واقيات الشمس معروفة جيداً». ولكن إذا كنت تريد أن تكون حذراً، فيجب عليك تجنب تخزين واقي الشمس في سيارتك، والابتعاد عن الهباء الجوي. فكثير من المنتجات التي وُجد أنها تحتوي على البنزول هي عبارة عن رشاشات للرذاذ.

- الشامبو الجاف: إذا كنت قلقاً بشأن التعرض المحتمل للبنزين، فحاول التبديل إلى الشامبو الجاف الذي يأتي في تركيبات مسحوقة بدلاً من منتجات مرشاشات الرذاذ.

- كريمات حب الشباب: إذا كنت ترغب في الاستمرار في استخدام منتجات بيروكسيد البنزويل، فخزِّنها في مكان بارد ومظلم، مثل خِزانة أو ثلاجة، فسيساعد ذلك في بقاء مكوناتها مستقرة لفترة أطول. يمكنك أيضاً التحدث مع طبيب حول بدائل بيروكسيد البنزويل التي قد تناسبك. ويجب عليك دائماً التحقق من منتجاتك من خلال قائمة إدارة الغذاء والدواء القابلة للبحث للمنتجات التي تم سحبها من الأسواق، وتنبيهات السلامة.

* خدمة «نيويورك تايمز»