على امتداد أكثر من ألفي كيلومتر على طول سواحل أنغولا وناميبيا وجنوب أفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي، تقع إحدى أقدم صحارى العالم ألا وهي صحراء ناميب وتعني «المكان الواسع». وفي هذا المكان المهيب تعمل الأغلفة اللزجة الرملية التي تحيط بجذور ثلاثة أنواع من نبات العشب الرمحي النامية في تلك المنطقة على اجتذاب أي نوع من البكتيريا المحفّزة للنمو تتوافر في الرمال المحيطة بها. ويُناقض هذا الأمر ما هو معروف عن أغلفة الجذور الأكثر تخصصاً للنباتات التي تنمو في أنواع من التربة الغنية بالمصادر الغذائية، إذ تستغلّ الأنواع المختلفة من النباتات أنواعاً مختلفة من البكتيريا.
الغلاف الجذري (الطبقة المنجذبة بشدة إلى الجذور)، هو خاصية تكيّفية تشكَّلت لدى بعض أنواع النبات، تقوّي الاتصال بين جذور النبات والتربة المحيطة بها، مما يُحَسِّن امتصاص الماء والمغذيات، وتعمل الشعيرات الجذرية والخيوط الفطرية -إضافةً إلى مادة لزجة تُكَوِّنها الجذور والكائنات الدقيقة- على تجميع حبيبات الرمل والتربة، لتُشكِّل معاً غطاءً يُغلّف المجموع الجذري بأكمله، وتنتمي الأنواع الصحراوية من العشب الرمحي إلى أصناف النباتات التي تتمتع بهذه الخاصية التكيفية، وحتى الآن، لم تجر سوى دراسات قليلة على غلاف المجموع الجذري لهذا النوع من العشب الرمحي.
وتقود جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) دراسة بحثية في هذا المجال، ولها انعكاساتها فيما يتَّصل بالتنبؤ بمستوى قدرة النباتات ذات الأغلفة الجذرية، بما يشمل بعض نباتات المحاصيل الغذائية، على التأقلم مع الظروف البيئية المتغيّرة والإجهاد.
ومن المعروف أنه في حالات التربة الغنية بالمغذِّيات، حيث تتوافر خيارات كثيرة أمام النبات، تجتذب نباتات مختلفة أنواعاً بعينها من البكتيريا إلى جذورها. وتُيَسِّر هذه البكتيريا المحفزة للنمو إتاحة مغذّيات مثل النيتروجين والحديد والفوسفور للنبات، وتستطيع أيضاً منح النبات القدرة على مقاومة الأمراض.
وقد تنبّأ عالم الأحياء البروفسور دانيال دافونشي أستاذ العلوم البيولوحية في كاوست، وزملاؤه، بأن نوع النبات ربما يكون العامل الأقل أثراً فيما يتعلق باجتذابه البكتيريا بالرمال غير الغنيّة بالمغذيات في صحراء ناميب، وأن الأنواع المختلفة من العشب الرمحي قد تجتذب عشوائياً أي نوع من البكتيريا الموجودة في الرمال المحيطة بها.
وأجرى الفريق تحليلاً للمحتوى الميكروبي لتربة وجذور ثلاثة أنواع مختلفة من نبات العشب الرمحي الصحراوي التي تنمو على قمة ووسط وسفح أحد الكثبان في صحراء ناميب. وتوضح الدكتورة ماريا موسكويرا، التي شاركت في فريق البحث أن تحليل النباتات التي تنمو في منطقة محددة كان ذا أهمية بالغة بالنسبة إلى الفريق، وذلك لتجنّب الاختلاف الذي يفرضه نوع التربة والمناخ.
ووجد الفريق أن الأغلفة الجذرية للأنواع الثلاثة مجتمعة مثَّلت بقعة ساخنة اجتذبت مجموعات متشابهة نسبياً من البكتيريا والفطريات المحفّزة للنمو. وتشير النتائج التي توصل إليها العلماء إلى أن أنواع الميكروبات الموجودة في المجموع الجذري للأغلفة الجذرية لدى الأنواع الثلاثة من العشب الرمحي، لم تتحدّد استناداً إلى نوع النبات، وإنما بناءً على مدى توافر الميكروبات في الرمال المحيطة بالنبات.
وتقول الدكتورة رامونا ماراسكو، الباحثة الأولى في الدراسة والمختصة بدراسة التفاعلات بين النباتات والميكروبات في البيئات القاسية: «نحن الآن نحاول معرفة نوعية الميكروبات التي عادةً ما ترتبط بالغلاف الجذري، وفهم الأدوار التي تلعبها لصالح كفاءة عوائلها، إذ من الممكن أن يكون اختيار وعزل مثل هذه الكائنات الدقيقة خطوة نحو تقييم قدرتها على حماية المحاصيل الغذائية مثل القمح والشعير».
سرُّ البقاء... «العشب الرمحي» يوظّف ميكروبات الرمال لمساعدته
«كاوست» تقود أبحاثاً حول تأقلم النباتات مع البيئات المتغيّرة
سرُّ البقاء... «العشب الرمحي» يوظّف ميكروبات الرمال لمساعدته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة