النفايات الإلكترونية... ثلاثة ملايين طن تلوث البيئة العربية سنوياً

النفايات الإلكترونية... ثلاثة ملايين طن تلوث البيئة العربية سنوياً
TT

النفايات الإلكترونية... ثلاثة ملايين طن تلوث البيئة العربية سنوياً

النفايات الإلكترونية... ثلاثة ملايين طن تلوث البيئة العربية سنوياً

يزداد الطلب على الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الأخرى، سنة بعد سنة، وتنعكس هذه الزيادة فوائد للناس في مجالات شتى، كالصحة والتعليم والتجارة والتمويل. وفي مقابل المنافع، تتسبب مخلّفات هذه الأجهزة بما يمكن وصفه بموجة عاتية من النفايات الإلكترونية، التي تهدد سلامة البيئة وصحة الإنسان بمخاطر المعادن الثقيلة والأبخرة السامة.
وتعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية النفايات الإلكترونية بأنها «أي جهاز يعمل بالطاقة الكهربائية وصل إلى نهاية عمره التشغيلي»، وهذا يشمل أي جهاز منزلي أو تجاري يحتوي على دوائر إلكترونية أو مكونات كهربائية يتخلص منه المالك من دون الرغبة في إعادة استخدامه.

- الدول الغنية المنتج الأكبر
يخلص تقرير صدر السنة الماضية عن الأمم المتحدة إلى أن كمية النفايات الإلكترونية والكهربائية (e - waste)، التي ينتجها البشر سنوياً تبلغ نحو 50 مليون طن، أي نحو تسعة أضعاف وزن الهرم الأكبر في الجيزة. وفيما تذهب أغلب كمية هذه النفايات إلى مواقع التخلص العشوائي وتتسرب إلى الطبيعة، فإن ما يجري استرجاعه وتدويره نظامياً لا يزيد على 20 في المائة من مجمل الكمية المتولدة.
ومع زيادة الوصول إلى الأجهزة الكهربائية والإلكترونية واتساع استخدامها، إلى جانب رغبة الشركات في الربح الوفير، تصبح دورة حياة المنتج أقصر، ويجري تعديل تصاميم الأجهزة لجعلها أقل قابلية للإصلاح أو إعادة الاستخدام. ونتيجة ذلك، تنمو كمية النفايات الإلكترونية بسرعة كبيرة في جميع أنحاء العالم، حيث قفز إنتاج الشخص من النفايات الإلكترونية سنوياً من 5.8 كيلوغرام في 2014 إلى 6.1 كيلوغرامات في 2016. ووفقاً لمعدلات الزيادة السنوية الحالية، يتوقع تقرير الأمم المتحدة أن تصل كمية النفايات الإلكترونية إلى 120 مليون طن سنة 2050.
وتسجّل الدول الغنية والمتقدمة أعلى نسب توليد للنفايات الإلكترونية، حيث يتجاوز إنتاج الفرد فيها 20 كيلوغراماً سنوياً. ويصل المعدل في النرويج إلى 28.5 كيلوغرام، وفي بريطانيا 24.9 كيلوغرام، وفي هولندا 23.9 كيلوغرام، وفي أستراليا 23.6 كيلوغرام، وفي الولايات المتحدة 19.4 كيلوغرام. وتنخفض المعدلات في أفريقيا جنوب الصحراء وفي جنوب شرقي آسيا إلى أقل من كيلوغرامين اثنين سنوياً، فهي في الهند وباكستان 1.5 كيلوغرام، وفي إثيوبيا 0.5 كيلوغرام.
أما في العالم العربي، فتبلغ كمية النفايات الإلكترونية المتولدة سنوياً ثلاثة ملايين طن، أكثر من نصفها ينتج عن ثلاث دول، هي مصر والسعودية والجزائر. ويصل متوسط ما ينتجه المواطن العربي من النفايات الإلكترونية سنوياً إلى 6.8 كيلوغرام، حيث ترتفع النسب في الدول الخليجية، إلى جانب لبنان والجزائر، إلى أكثر من 11 كيلوغراماً في السنة، وهي تقفز في السعودية والكويت والبحرين وعُمان إلى أكثر من 15 كيلوغراماً. وينخفض معدّل توليد النفايات الإلكترونية في باقي الدول إلى نحو 6 كيلوغرامات أو أقل، فهي في العراق 6.6 كيلوغرامات، وفي الأردن وتونس ومصر 5.6 كيلوغرامات، وفي موريتانيا والسودان 1.3 كيلوغرام.
ويمثّل حجم المخلفات الإلكترونية المنتجة في جميع أنحاء العالم وسوء إدارتها خطراً كبيراً على البيئة. فمن بين المواد الأكثر شيوعاً في هذه المخلفات الكادميوم والرصاص وأكسيد الرصاص والأنتيمون والنيكل والزئبق. وهي عناصر سامّة تلوث الأنهار والبحيرات والبحار، وتطلق غازات في الغلاف الجوي تلحق ضرراً بالنظم البيئية.

- العالم يعمل والعرب غائبون
يساعد الاستهلاك المسؤول والعقلاني في إطالة العمر الإنتاجي للأجهزة الإلكترونية. وفي مقابل نظم إعادة التدوير غير الفعالة المنتشرة في أكثر من بلد، يتحول التجديد وإعادة الاستخدام إلى خيار مفضّل للحد من كميات النفايات الإلكترونية.
ويتّسع حول العالم نشاط المجموعات التي ترفع شعار «الحق بالتصليح»، وهي تحالف مدني يضم متطوعين وناشطين يديرون مقاهي ومقرات إصلاح وإعادة تشغيل المنتجات التي تعطلت قبل أوانها، مثل أجهزة المطبخ الكهربائية وأجهزة الكومبيوتر والاتصالات والمستلزمات المنزلية الأخرى، كالأثاث والمصابيح والملابس والدراجات وغيرها.
وكان البرلمان الأوروبي تبنّى في سنة 2017 قراراً تحت عنوان «عمر أطول للمنتجات: فوائد للمستهلكين والشركات» يدعو فيه إلى التشجيع على وضع معايير مقاومة دنيا تغطي، من بين جملة أمور، الصلابة وقابلية الإصلاح والقدرة على الترقية لكل فئة من فئات المنتجات.
ويعتبر القرار الأوروبي أن تطوير المنتجات ذات الكفاءة في استخدام الموارد بشكل متزايد يجب ألا يشجع على العمر الافتراضي القصير أو التخلص المبكر من المنتجات. وتدرس 18 ولاية أميركية مشاريع قوانين تستهدف المنتجات ذات المكونات المدمجة التي لا يمكن استبدالها بسهولة، أو تلك التي لا تتوفر لها قطع غيار أو تعليمات صيانة.
وتستند السياسات الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة إلى معطيات إحصائية تثير القلق، حيث أظهرت إحدى الدراسات أنه خلال الفترة بين 2004 و2012 ارتفعت نسبة الأجهزة المنزلية الأساسية التي جرى التخلص منها، بعد أقل من خمس سنوات على شرائها، من 3.5 في المائة إلى 8.3 في المائة.
وعلى مستوى سياسات الأمم المتحدة، يختص هدف التنمية المستدامة الثاني عشر بمسألة «ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة». وهذا يستلزم تحقيق إدارة مقبولة بيئياً طوال دورة حياة الأجهزة الإلكترونية، بالإضافة إلى الحد من إطلاق الملوثات في الجو والماء والتربة لتقليل تأثيرها السلبي على الصحة والبيئة. وكان الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة اعتمد في مؤتمر المندوبين المفوضين سنة 2018 عدة أهداف تتعلق بالنفايات الإلكترونية، من بينها رفع المعدل العالمي لتدوير المخلفات الإلكترونية إلى 30 في المائة بحلول سنة 2023. وزيادة نسبة البلدان التي لديها تشريعات للنفايات الإلكترونية إلى 50 في المائة بحلول السنة ذاتها.
أما عربياً، فلا توجد تشريعات خاصة بإدارة النفايات الإلكترونية، وإنما تندرج في إطار اتفاقية «بازل» حول التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، وفي القوانين الوطنية الخاصة بالنظافة وإدارة النفايات الصلبة، وإن كانت أغلب الدول العربية لم تصدر حتى الآن تشريعاتها الخاصة بإدارة النفايات عامة.

- خسارة فرص بالمليارات
وفقاً لتقرير نشرته «مجلة العلوم والتكنولوجيا البيئية» سنة 2019، يكلّف استخراج المعادن من الرواسب الطبيعية 13 مرة كلفة استخراجها من النفايات الإلكترونية لتصنيع الأجهزة الجديدة. ولا يستلزم الحصول على المعادن مثل البلاتين والنحاس والبلاديوم التنقيب عنها ومعالجتها فحسب، بل يتطلب أيضاً استهلاك كميات كبيرة من الماء والطاقة.
وتؤدي إعادة تدوير الأدوات الإلكترونية إلى تحسين جودة البيئة في مرحلة ما قبل التصنيع وما بعد الاستهلاك. وهي تجلب أيضاً منافع أخرى، حيث يعتقد الاتحاد الدولي للاتصالات أنه عندما يُعاد تدوير هذه المواد بشكل صحيح، يمكن أن تحقق مكاسب مالية تزيد قيمتها عن 62.5 مليار دولار سنوياً، وتخلق ملايين الوظائف الجديدة في جميع أنحاء العالم.
وعلى أرض الواقع، تطبق أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واليابان برامج لجمع النفايات الإلكترونية وتدويرها، حيث تزيد نسبة الاسترداد في الدول الإسكندنافية على 70 في المائة من كمية النفايات الإلكترونية، وتصل النسبة إلى 22 في المائة في الولايات المتحدة.
وتعد سويسرا مثالاً جيداً على كيفية التعامل مع مشكلة النفايات الإلكترونية؛ فرغم ضخامة كمية النفايات الإلكترونية التي تولدها، حيث وصل وزنها إلى 223 ألف طن في سنة 2016 بمعدل 22.2 كيلوغرام للشخص الواحد، فإنها استردت 134 ألف طن من هذه النفايات، أي أن نسبة الاسترداد قاربت 72 في المائة. أما في فئة النفايات الإلكترونية الرقمية تحديداً، كالهواتف الجوالة، فقد وصل معدل التدوير إلى 95 في المائة.
وفي الدول النامية، أعلنت الحكومة النيجيرية ومرفق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة مطلع سنة 2019 عن استثمار بقيمة مليوني دولار لبدء صناعة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية الرسمية في نيجيريا، في إطار تعزيز الاقتصاد الدائري. وسيجتذب هذا الاستثمار الجديد أكثر من 13 مليون دولار على شكل تمويل إضافي من القطاع الخاص، ويوفر ظروف عمل آمنة لمائة ألف شخص يعملون في مجال المخلفات الإلكترونية.
وفي العالم العربي توجد مبادرات محدودة لجمع وتدوير النفايات الإلكترونية تقوم بغالبها على مبادرات غير حكومية تحظى بدعم رسمي. وفي قطاع المعالجة يبرز «مركز التدوير» في دبي، الذي افتتح سنة 2019 باستطاعة 100 ألف طن سنوياً لتدوير المعدات الكهربائية والإلكترونية غير القابلة للاستخدام ومعدات تكنولوجيا المعلومات والأجهزة الحاوية على غاز التبريد وأنواع أخرى من النفايات.
إن مشكلة المخلفات الإلكترونية هي إحدى أكثر القضايا البيئية الناشئة إلحاحاً، لأنها تنطوي على تهديدات كبيرة لصحة الإنسان، خاصة النساء والأطفال والمجتمعات الفقيرة. وبعيداً عن المنافع المادية من استرجاع المخلفات الإلكترونية، لا بد من استراتيجيات أفضل لإدارتها وتطبيق معايير أكثر مراعاة للبيئة، إلى جانب ضمان تعاون أوثق بين جميع الأطراف للوصول إلى اقتصاد دائري يحقق الخير للناس والكوكب.


مقالات ذات صلة

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)
الاقتصاد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية د. أسامة فقيها مع عدد من المتحدثين (الشرق الأوسط) play-circle 01:04

فقيها لـ«الشرق الأوسط»: مساعٍ سعودية لزيادة التزامات الدول بمكافحة تدهور الأراضي

أكد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية الدكتور أسامة فقيها لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تسعى ليكون مؤتمر «كوب 16» نقطة تحول تاريخية بمسيرة «الاتفاقية».

زينب علي (الرياض)

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)
مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)
TT

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)
مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)

سجلت درجة حرارة الأرض خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ثاني أعلى درجة حرارة في مثل هذا الشهر من أي عام، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، بحسب مركز كوبرنيكوس للتغير المناخي.

وإذا لم يحدث المستحيل فستكون درجة حرارة الأرض خلال العام الحالي ككل أعلى من 1.5 درجة مئوية، مقارنة بالمستوى القياسي للمناخ وذلك للمرة الأولى، وفق المركز.

وبلغ متوسط درجة حرارة سطح الأرض خلال الشهر الماضي 14.1 درجة وهو ما يزيد بمقدار 0.73 درجة عن المتوسط خلال الفترة من 1991 إلى 2020 علاوة على ذلك كانت درجة الحرارة خلال الشهر الماضي أعلى بمقدار 1.62 درجة عن متوسط درجة حرارة الأرض فيما قبل عصر الثورة الصناعية، بحسب مركز كوبرنيكوس للتغير المناخي التابع للاتحاد الأوروبي والمعني بمتابعة ظاهرة التغير المناخي.

وفي ضوء بيانات درجة حرارة الأرض على مدى أول 11 شهراً من العام الحالي، أصبح واضحاً أن العام سيسجل درجة حرارة قياسية وستتجاوز درجة حرارة الأرض المستوى الذي تعهدت دول العالم بعدم تجاوزه وفقاً لاتفاق باريس للمناخ عام 2015

وقالت سامنتا بورجيس نائب مدير المركز: «في ضوء بيانات كوبرنيكوس للشهر قبل الأخير من العام، يمكننا التأكيد الآن بشبه يقين أن 2024 سيكون العام الأعلى حرارة في التاريخ المسجل بارتفاع يزيد على 1.5 درجة لأول مرة. ولا يعني هذا انتهاك اتفاق باريس، لكن يعني أن القيام بالتحرك المناخي الأشد طموحاً أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى».