عقدت لجنة النظام الداخلي بالبرلمان التونسي، أمس، أول اجتماع لها «عن بعد» مع ممثلي رئاسة الحكومة، للنظر في مشروع التفويض لرئيس لحكومة، ومنحه حق إصدار مراسيم حكومية مستعجلة، دون مصادقة البرلمان التونسي.
وضم الوفد الحكومي وزراء العدل والمالية والصحة والشؤون الاجتماعية، وأملاك الدولة، ووزير العلاقة مع البرلمان، علاوة على المستشار القانوني لرئاسة الحكومة. وخلال المناقشات، استمع أعضاء اللجنة إلى رأي خبيرين في القضايا القانونية والدستورية حول محتوى الفصل (70) من الدستور الذي اعتمدت عليه الحكومة، بصفتها الجهة التي بادرت لاستعجال التفويض لها بإدارة الشأن العام بطريقة مختلفة عن الظروف التي تسير بها القضايا الأمنية والصحية في الظروف العادية.
وأعلنت هذه اللجنة رفضها منح «تفويض مطلق» لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، قصد إصدار مراسيم خلال هذه الفترة تهم جميع القرارات الحكومية، وأكدت خلال اجتماعها الذي تواصل عن بعد لليوم الثاني على التوالي أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس «تقتضي إسناد تفويض إلى رئيس الحكومة لإصدار بعض المراسيم لضمان سرعة ونجاعة اتخاذ الإجراءات اللازمة، غير أن هذا التفويض يجب ألا يكون بصفة مطلقة، وفي كل المجالات»، مثلما تضمنه مشروع القانون الذي قدمته الحكومة وعرضته على البرلمان، مشيرة إلى أن أغلب المجالات المذكورة في المشروع «لا علاقة لها بفيروس (كورونا) المستجد، وما يتطلبه من إجراءات مستعجلة».
واقترح أعضاء اللجنة ضرورة تقليص هذه المجالات، والاقتصار فقط على تلك التي ترتبط مباشرة بمواجهة فيروس «كورونا»، كالمجال الصحي والأمني والاجتماعي والبيئي.
وتضمن مشروع القانون، المعروض بصفة عاجلة على لجنة النظام الداخلي بالبرلمان، التفويض لرئيس الحكومة لإصدار مراسيم لمدة شهرين، تشمل مجموعة من المجالات التي يتضمنها الفصل (65) من الدستور، لغرض مجابهة تداعيات انتشار وتفشي فيروس كورونا، وتأمين السير العادي للمرافق الحيوية للدولة، وضمان سرعة استجابة قصوى من السلطة التنفيذية، لتمكينها من اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية، ومجاراة تداعيات الوضع الصحي والاجتماعي الذي يتطوّر من يوم إلى آخر.
ويمكن الفصل (70) من الدستور رئيس الحكومة من إصدار مراسيم حكومية دون الرجوع الإجباري إلى سلطة البرلمان، وهو ما أثار حفيظة عدد من ممثلي الأحزاب السياسية التي اتهمت الرئيس الفخفاخ بـ«السعي لاستغلال الظروف الاستثنائية من أجل توسيع دائرة صلاحياته الدستورية، على حساب بقية السلطات»، خاصة سلطة رئيس البرلمان في مراقبة عمل الحكومة، ورئيس الجمهورية في المحافظة على الأمن القومي بصفته القائد الأعلى للجيوش.
وفي السياق ذاته، وجه رئيس الحكومة بياناً إلى الوزراء ووزراء الدولة والولاة ورؤساء البلديات، دعاهم فيه إلى ضرورة التنسيق مع السلطة المركزية قبل اتخاذ أي تدابير أو إجراءات، وذلك في إطار الوقاية من خطر تفشي فيروس كورونا، مشدداً على عدم اتخاذ تدابير خارج إطار الإجراءات والقرارات التي تم الإعلان عنها من قبل الحكومة، في إشارة إلى ضرورة العودة إلى السلطة المركزية عند اتخاذ قرارات على المستويين المحلي والجهوي.
وكان رئيس الجمهورية، قيس سعيد، قد انتقد بدوره لجوء عدد من الولاة (أعلى سلطة حكومية في الجهة) إلى إقرار حظر الدخول إلى مدن الولاية (المحافظة) دون الرجوع إلى السلطات المركزية، في حين عد عدد منهم أن الخطر الداهم على المنطقة، وتقييمهم للوضع الصحي هناك، هو الذي أجبرهم على الإسراع باتخاذ تلك القرارات.
وسبق أن أبدى الصحبي عتيق، القيادي بحركة النهضة (إسلامية)، معارضته الشديدة لهذا الطلب، وعد أنه يمس بـ«طبيعة النظام السياسي في البلاد التي ينص عليها الدستور»، أي «نظام برلماني معدل، تكون فيه السلطة التشريعية صاحبة الكلمة الفصل في المصادقة على تركيبة الحكومة، وفي مراقبتها في كل المراحل».
وفي المقابل، دعم نوفل سعيد، خبير القانون الدستوري، مطلب رئيس الحكومة، وعد أن تمكينه من تفويض البرلمان بإصدار مراسيم وقوانين لمدة لا تتجاوز شهرين «لا يعني تغييراً في طبيعة النظام السياسي، أو حداً من صلاحيات البرلمان ورئاسته، بل دعماً لنجاعة مؤسسات الدولة». كما دعم هذا الموقف الأكاديمي الخبير الدولي في الدراسات القانونية هيكل بن محفوظ، والمدير العام السابق لمعهد الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية طارق الكحلاوي. لكن بعض النواب من كتل وتيارات كثيرة، بينهم يسري الدالي الخبير الأمني البرلماني عن كتلة «ائتلاف الكرامة»، عبروا عن تخوفاتهم من سيناريو «تضخم دور السلطة التنفيذية على حساب البرلمان».
برلمان تونس يرفض منح «تفويض مطلق» لرئيس الحكومة
أحزاب اتهمت الفخفاخ بمحاولة استغلال الظروف الاستثنائية لتوسيع صلاحياته الدستورية
برلمان تونس يرفض منح «تفويض مطلق» لرئيس الحكومة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة