لماذا بايع «بيت المقدس» تنظيم «داعش»؟

مسؤولون وخبراء لـ(«الشرق الأوسط») : التنظيم المصري يسعى لحفظ ماء الوجه.. ويتأهب للهرب إلى جبهة سوريا والعراق

لماذا بايع «بيت المقدس» تنظيم «داعش»؟
TT

لماذا بايع «بيت المقدس» تنظيم «داعش»؟

لماذا بايع «بيت المقدس» تنظيم «داعش»؟

للدولة المصرية موقف واضح وصريح في مواجهة الإرهاب، فهي تواجهه أينما كان، وأيا كانت الراية والاسم الذي يرفعه. وهو ما ظهر جليا في رد الفعل الرسمي على إعلان تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابي الناشط في سيناء مبايعة تنظيم «داعش» أخيرا.
لكن ذلك الموقف الصارم والجازم للدولة لا يغني عن محاولة فهم الأسباب التي دفعت تنظيما إرهابيا نشأ في كنف «القاعدة» منذ نحو 3 أعوام إلى الانسلاخ والانقلاب على «القاعدة»، واتباع مسلك غريمه الجديد «داعش» الأكثر تطرفا وتشددا.
وهو ما دفع «الشرق الأوسط» لاستطلاع آراء خبراء ومسؤولين أمنيين ومحللين لفكر الجماعات المتطرفة، من أجل الوقوف على تلك الأسباب.
وتؤكد مصادر مصرية رفيعة لـ«الشرق الأوسط» أنها «تحلل الموقف لحساب تبعاته، رغم أن رد الفعل سيظل واحدا من حيث العقيدة في كل الأحوال، لكن طريقة التعامل والتفكير المضاد هي المتغير»، مؤكدة أن «إعلان الحرب على الإرهاب بكل أشكاله وصوره يتضمن في جزء هام منه متابعة موارده المادية والفكرية وتطورات عمله بشكل معمق من أجل القضاء عليه».
الموقف نفسه أشارت إليه الخارجية الأميركية ليلة أول من أمس في تعليقها على نبأ المبايعة، وقالت المتحدثة الرسمية جين ساكي: «يجب إجراء تقييم لهدف إعلان ما يسمي جماعة (أنصار بيت المقدس) الإرهابية انضمامها إلى ما يسمي تنظيم (داعش)، ومبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي»، موضحة أن التقييم يجب أن يشمل ما إذا كانت المبايعة تعنى الاندماج مع «داعش» أو تنفيذ تحرك معين، أو الانضمام إلى الأعمال التي يرتكبها «داعش» في المنطقة.
وتدرج الولايات المتحدة التنظيمين، «أنصار بيت المقدس» و«داعش»، على لوائح الإرهاب، وهو ما يتسق مع الموقف الرسمي للسلطات المصرية، التي تضيف إلى القائمة جماعة «الإخوان» كأحد تنظيمات الإرهاب، وترى أن الأخيرة هي المحرك الرئيس وهمزة الوصل بين كل التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، لكن واشنطن تعارض هذه الرؤية، مما كان أحد أسباب الشد والجذب الدبلوماسي بين الدولتين.
وعن ذلك التحول في فكر «بيت المقدس»، يشير الباحث في شؤون التيارات الإسلامية أحمد بان إلى أن «التوقيت لهذا الإعلان لا يمكن فصله عن أكبر حملة يخوضها الجيش المصري في سيناء ضد تنظيم أنصار بيت المقدس. هذه الحملة الكبيرة، غير المسبوقة منذ حرب أكتوبر عام 1973 وحتى الآن، أسهمت بلا شك في تضييق الخناق حول هذا التنظيم.
وربما دفع هذا الحصار التنظيم إلى التفكير في نقل عملياته من داخل سيناء إلى الوادي والدلتا، وهو ما بدا في نصائح (داعش) له خلال الفترة الأخيرة (قبل المبايعة) بنقل عملياته واستهداف بعض الأهداف الرخوة من أجل إنهاك الجيش المصري والدولة المصرية».
وتابع بان لـ«الشرق الأوسط»: «ربما ظهر هذا الإعلان إلى العلن متزامنا مع حصار مجموعة جبال أسيوط (جنوب القاهرة) الإرهابية، التي يشتبه أنها وراء عملية كرم القودايس (التي راح ضحيتها أكثر من 30 جنديا الشهر الماضي)، وكانت هذه المجموعة تنتوي تنفيذ عملية في وادي النيل، لكن أجهزة الأمن تحاصرها حاليا في عملية استباقية».
ويرى بان أيضا أن كل ذلك لا يمكن فصله عن تطور الأمور على الأرض في سوريا والعراق بالنسبة لـ«داعش»، والحديث الجاري دوليا عن تغيير الاستراتيجية من حصار تمدد التنظيم إلى الهجوم عليه، مضيفا: «وهو ما تبعه تنادي بعض الفصائل داخل هذا التنظيم لنصرة دولة الخلافة، وفق تصورهم، واعتبار ذلك الهدف هو الأولى بالرعاية الآن».
وحول الدوافع التي يمكن أن تقف خلف مبايعة تنظيم محلي على غرار «أنصار بيت المقدس»، الموالي لـ«القاعدة» سابقا، لتنظيم «داعش» خصمه اللدود، يقول بان إن «تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري يؤمن بأولوية العدو البعيد، متمثلا في أميركا، بينما يؤمن تنظيم داعش بأولوية قتال العدو القريب (الإقليمي).. والآن ربما أصبح هناك توجه داخل بيت المقدس لمساندة تنظيم داعش، والتوافق في نفس الرؤية. وقد يسعى التنظيم (بيت المقدس) لحفظ ماء وجهه في تبرير الخروج من سيناء، وتبريد هذه الجبهة في مقابل الالتحاق بـ(داعش)».
ويرى بعض المراقبين أن تنظيم بيت المقدس تبنى قبل ذلك عددا من العمليات خارج سيناء، على غرار المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية المصري، فتبادر سؤال عن مكاسب التنظيم من مبايعة «داعش» وتبعات ومكاسب ذلك، ويقول بان: «ربما أدرك التنظيم أنه لن ينجح في صراعه مع الدولة المصرية، وأن وجوده في ساحة مثل سوريا والعراق الآن أفضل له، حتى يلحق بمصادر التمويل وباقي المجموعات هناك».
وحول أثر مثل ذلك الإعلان، يقول مصدر أمني رفيع لـ«الشرق الأوسط» إنه «وفقا للتحليل المنطقي للمعلومات المتاحة لدى أجهزة الأمن، فإن هناك 3 سيناريوهات متوقعة، إما أن يسفر ذلك عن قدوم عناصر من (داعش) لمؤازرة بيت المقدس في مصر، وهو الأقل احتمالية، نظرا لأن هناك تشديدا كبيرا على المنافذ المصرية، واشتعال جبهة القتال بين (داعش) وجهات دولية عدة في العراق والشام.. وإما أن يتوجه عناصر بيت المقدس إلى سوريا والعراق، والثالث أن يضم بيت المقدس بعض العناصر التي يجندها (داعش) من مصر إليهم مباشرة دون إرسالهم إلى سوريا عبر تركيا».
ويرى المصدر الأمني أن السيناريو الثالث ربما لن يكون له أثر كبير على الأرض في مصر، لأن الأجهزة الأمنية الآن في مرحلة «خنق التنظيم»، وأن عدد العناصر الجديدة التي قد تنضم إليه محدود، بينما يبقى من المرجح أن التنظيم يسعى للهرب من مصر.
ومن جهته، يقول بان من واقع خبرته في سلوكيات تلك التنظيمات إنه يرجح أيضا السيناريو الثاني بأن تهرب المجموعات المصرية إلى سوريا والعراق، خصوصا مع وجود حواضن مثل تركيا، التي ترى استفادة من تلك المجموعات في حربها لتقويض فكرة إقامة دولة كردية، إلى جانب معادلة النفوذ الشيعي الإيراني في المنطقة بنفوذ سني.
ويتفق المصدر الأمني وبان في أنهما يتوقعان أن تخفف تلك التطورات من حدة الاحتقان في سيناء، وأن الفترة القادمة ستشهد انحسارا كبيرا لهجمات أنصار بيت المقدس في سيناء، بالتزامن مع محاولة «اختبار أهداف رخوة» داخل الوادي والدلتا في الفترة المقبلة، وهو ما يتطلب يقظة أكبر من الأمن والجيش على كل المحاور.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.