واشنطن وبكين تتفقان على تخفيف التوترات

بعد ساعات من توقيع ترمب قانوناً يعزز الدعم لتايوان

رئيسة تايوان تساي إنغ وين ردت على واشنطن قائلة «أصدقاء في الحرية... شركاء في الرخاء» (أ.ب)
رئيسة تايوان تساي إنغ وين ردت على واشنطن قائلة «أصدقاء في الحرية... شركاء في الرخاء» (أ.ب)
TT

واشنطن وبكين تتفقان على تخفيف التوترات

رئيسة تايوان تساي إنغ وين ردت على واشنطن قائلة «أصدقاء في الحرية... شركاء في الرخاء» (أ.ب)
رئيسة تايوان تساي إنغ وين ردت على واشنطن قائلة «أصدقاء في الحرية... شركاء في الرخاء» (أ.ب)

أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أن واشنطن وبكين اتفقتا على تخفيف التوترات بينهما في هذه المرحلة الحرجة، والعمل معاً من أجل مكافحة انتشار فيروس كورونا الذي اجتاح أجزاء كبيرة من العالم. وغرد ترمب أمس: «انتهيت للتو من محادثة جيدة للغاية مع الرئيس الصيني شي. ناقشنا بتفصيل كبير فيروس كورونا الذي يدمر أجزاء كبيرة من كوكبنا. لقد مرت الصين بالكثير، وطورت فهماً قوياً للفيروس. نحن نعمل معاً بشكل وثيق، ونحن نحترم ذلك».
وقال الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في منعطف حرج، معرباً عن أمله في أن «تتخذ الولايات المتحدة إجراءات جوهرية لتحسين العلاقات. ففي ظل الظروف الحالية، يتعين على الصين والولايات المتحدة التوحد لمحاربة الوباء».
وأوضح شي أن «الجانب الصيني يتفهم الصعوبات الحالية للولايات المتحدة، وأن بكين على استعداد لتعزيز تنسيق سياسة الاقتصاد الكلي مع واشنطن لتحقيق الاستقرار في الأسواق ودعم النمو وسط الوباء»، وفقاً لتقرير نشرته وكالات الأنباء الصينية.
وأضاف التقرير أن الجانب الصيني على استعداد لمواصلة تقديم المعلومات والخبرة مع الولايات المتحدة دون تحفظ، مشيراً إلى أن إدارات الصحة في البلدين وخبراء مكافحة الأمراض حافظوا على التواصل حتى خلال فترة التوتر بين الحكومتين.
وجاء اتصال الرئيسين الذي تم عقب اجتماع افتراضي لمجموعة العشرين بعد ساعات من توقيع الرئيس ترمب قانوناً يعزز زيادة الدعم الأميركي لتايوان دولياً، مما دفع الصين إلى التنديد، مهددة بأنها سترد إذا تم تطبيق القانون.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، جينغ شوانغ، إن الإجراء الأميركي مخالف للقانون الدولي، ويعد تدخلاً فظاً في الشؤون الداخلية للصين، ويعيق الدول الأخرى ذات السيادة من تطوير علاقات طبيعية مع الصين. وحث الولايات المتحدة على تصحيح أخطائها، وعدم تنفيذ القانون، أو عرقلة تطوير العلاقات بين الدول الأخرى والصين، وإلا فإنها ستواجه حتماً رد فعل قوي من الصين.
ويتطلب قانون «مبادرة الحماية والتحسين الدولية لحلفاء تايوان»، الذي حاز على دعم كبير من الحزبين في الكونغرس، ووقعه ترمب مساء الخميس، أن تقدم وزارة الخارجية الأميركية تقريراً إلى الكونغرس بشأن الخطوات المتخذة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع تايوان. كما ينص على أن الولايات المتحدة سوف تغير تعاملها مع الدول التي تقوض أمن تايوان أو تعرقل تقدمها.
وتعد الصين أن تايوان، التي تتمتع بحكم ذاتي، جزء من أراضيها، وتصف تايوان بأنها القضية الأكثر حساسية في علاقاتها مع الولايات المتحدة. وتشدد بكين على أن تايوان هي مجرد إحدى مقاطعاتها، وليس لها الحق في التعامل بصفتها دولة مستقلة، بينما ترى الولايات المتحدة أن استقلال تايوان في مصلحة واشنطن، وسيحافظ على النفوذ الأميركي التقليدي في آسيا، ويحد من تمدد الصين.
ونشرت رئيسة تايوان، تساي إنغ وين، صورة على صفحتها على «تويتر»، يرفرف فيها علم تايوان بجوار علم الولايات المتحدة، تحت شعار «أصدقاء في الحرية، شركاء في الرخاء»، ورحبت بتوقيع ترمب على القانون. وكتبت بالإنجليزية: «لقد كانت شهادة على الصداقة بين تايوان والولايات المتحدة، والدعم المتبادل بينهما، نعمل معاً لمواجهة التهديدات العالمية لصحة الإنسان وقيمنا الديمقراطية المشتركة».
وخلال الأسابيع الأخيرة، كثفت الصين تدريباتها العسكرية حول تايوان، رغم انشغال بكين بمكافحة وباء كورونا. وأعربت الولايات المتحدة بشكل مستمر عن قلقها بشأن قيام الصين بمعاقبة حلفاء تايوان في المحيط الهادي وأميركا اللاتينية، وهي مناطق من العالم تعدها واشنطن مناطق نفوذه لها. وتتمتع تايوان حالياً بعلاقات دبلوماسية مع 15 دولة فقط، وجميعها دول صغيرة ونامية.
وتشكو تايوان بشكل مستمر من أن الصين تضغط على الدول التي تحافظ على علاقات رسمية مع تايبيه، في حين أن الولايات المتحدة، مثل معظم البلدان، ليس لديها علاقات رسمية مع تايوان، فقد عززت إدارة ترمب دعمها للجزيرة، مع توقيع كثير من صفقات مبيعات الأسلحة، ومساعدة تايوان دبلوماسياً على التعامل مع الضغوط من الصين.
ومن المتوقع أن يزيد القانون الجديد حجم التوتر، القائم بالفعل، بين الصين والولايات المتحدة. وواجه ترمب انتقادات من بكين لوصفه فيروس كورونا بأنه «فيروس صيني»، وإلقائه اللوم على بكين في انتشار الوباء في العالم. وبعد أيام من استخدامه، تراجع الرئيس ترمب عن هذا المصطلح، وأخبر شبكة «فوكس نيوز»، في مقابلة يوم الثلاثاء، بأنه لم يندم على استخدامه، قائلا: «قررت أنه لا ينبغي لنا أن نجعل منه مشكلة كبيرة».
وجاءت المكالمة الهاتفية بين الزعيمين في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم توترات سياسية وتجارية غير مسبوقة. ورغم تخفيف هذه التوترات جزئياً في يناير (كانون الثاني) الماضي، بتوقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري، فإنه ما زال هناك مزيد مما يعكر صفو العلاقات، ويجعل من عودتها إلى طبيعتها أمراً صعباً، على الأقل في المدي المنظور.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».