مكافحة «إيبولا» تسجل نقاطاً إيجابية.. في أفريقيا وخارجها

رفع الحجر الصحي عن مائة شخص في مالي.. وشفاء آخر مصاب في أميركا

كريغ سبنسر (وسط يمين) الذي أعلن الأطباء شفاءه من «إيبولا» يسير رفقة عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو (وسط يسار)  في مستشفى بيليفو بنيويورك أمس (إ.ب.أ)
كريغ سبنسر (وسط يمين) الذي أعلن الأطباء شفاءه من «إيبولا» يسير رفقة عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو (وسط يسار) في مستشفى بيليفو بنيويورك أمس (إ.ب.أ)
TT

مكافحة «إيبولا» تسجل نقاطاً إيجابية.. في أفريقيا وخارجها

كريغ سبنسر (وسط يمين) الذي أعلن الأطباء شفاءه من «إيبولا» يسير رفقة عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو (وسط يسار)  في مستشفى بيليفو بنيويورك أمس (إ.ب.أ)
كريغ سبنسر (وسط يمين) الذي أعلن الأطباء شفاءه من «إيبولا» يسير رفقة عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو (وسط يسار) في مستشفى بيليفو بنيويورك أمس (إ.ب.أ)

مع رفع الحجر الصحي عن نحو مائة شخص في مالي واستمرار تراجع الإصابات الجديدة في ليبيريا، تسجل حملة التعبئة ضد «إيبولا» نقاطا إيجابية في غرب أفريقيا لكن لا يزال يتعين الاستمرار في بذل الجهود الحثيثة، بحسب السلطات وخبراء.
ففي سيراليون، ثاني أكثر الدول إصابة بفيروس «إيبولا» وحيث يتقدم الوباء بسرعة ولا سيما في منطقة فريتاون، يبقى الوضع مثيرا للقلق مع التقليل من تقدير مزمن لعدد الحالات والوفيات، بحسب منظمة الصحة العالمية. وأعلنت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية في سيراليون ويني رومريل أن «حصيلة الإصابات استقرت في بعض المناطق لكن في فريتاون وهاستينغز (جنوب شرقي العاصمة) في غرب البلاد، الحالات ترتفع»، معتبرة أن التقليل من التقييم أمر كلاسيكي في حالة وباء. وقالت: «هذه ليست رغبة السلطات في إخفاء الواقع، لكن الناس لا يصرحون عن الوفيات ليتمكنوا من دفن أقربائهم» بحسب الطقوس التقليدية على الرغم من مخاطر العدوى. في المقابل، اتهمت الطبيبة سيلفيا بليدن المستشارة الخاصة السابقة للرئيس أرنست باي كوروما، السلطات الصحية ووزارة الصحة «بتعمد خفض عدد الإصابات». واعتبرت أنها تجعل من البلد «سخرية» أمام شركائه الدوليين في مكافحة «إيبولا».
ووصل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي يدير مؤسسة تنشط من أجل أفريقيا والذي تشارك بلاده في الجهود التي تبذل في مستعمرتها السابقة، أمس، إلى فريتاون حيث التقى كوروما مع عدد من المسؤولين في الحكومة، كما أفاد مصدر رسمي.
وفي مالي، آخر دولة أصيبت بـ«إيبولا» مع وفاة طفلة في الثانية من عمرها في 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في كايس (غرب) سافرت مع جدتها براً من بايلا في جنوب غينيا المجاورة، بات رفع الحجر الصحي عن نحو مائة شخص قريبا لأن أياً منهم لم تظهر عليه عوارض الإصابة بالحمى النزفية. ومن أصل 108 أشخاص تم التعرف عليهم، «خضع 25 للمتابعة طيلة 21 يوما (المدة القصوى لاحتضان الفيروس) وقد تم إعفاؤهم من نظام المراقبة»، حسبما أعلنت منظمة الصحة العالمية أول من أمس. ومن أصل هؤلاء الأشخاص الـ25، يعيش 15 في باماكو وعشرة في كايس. وأعلن الطبيب عبد الله نيني كوليبالي من الفريق الطبي المالي المكلف متابعة الوضع على الأرض أمس الإفراج عن كل الأشخاص الذين وضعوا قيد العزل في كايس، مؤكدا أن الجميع في حالة جيدة بمن فيهم جدة الفتاة.
وخيم التفاؤل أيضا في ليبيريا، الدولة الأكثر إصابة وحيث لا يزال عدد الإصابات الجديدة يتراجع على عكس غينيا وسيراليون، بحسب منظمة «أطباء بلا حدود» التي تقف في طليعة حملة مكافحة «إيبولا» في غرب أفريقيا. وفي بيان نشر أمس في جنيف، قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إنها وضعت على موقعها الإلكتروني إرشادات حول «إيبولا» موجهة لكل العاملين في مكافحة انتشار هذه الحمى النزفية. وقال البيان إن «التأهيل يسمح منذ الآن للمهتمين باكتساب المعرفة الأساسية حول الفيروس ووسائل احتوائه». وأعلن نائب وزير الصحة الليبيري تولبرت نيانسوا أثناء تدشينه وحدة لمعالجة فيروس إيبولا أقامها العسكريون الأميركيون والليبيريون في توبمانبورغ على بعد 70 كلم من العاصمة مونروفيا أول من أمس «حاليا هناك 50 إلى 100 حالة مشتبه بها أو مرجحة يوميا في ليبيريا» في حين «كان العدد نحو 500 إلى 600 حالة يوميا قبل شهرين». وطلبت المنظمة وضع «استراتيجيات مرنة تسمح بالرد سريعا على بؤر صغيرة موزعة في ليبيريا»، حيث تم تسجيل نصف عدد الوفيات الخمسة آلاف الناجمة عن «إيبولا». وطلبت المنظمة مواءمة المساعدة الدولية مع المرحلة الجديدة وإرسال مجموعات متحركة جيدة التجهيز لنشرها سريعا والعمل على إعادة توفير خدمات الصحة العامة، بعد أن باتت ليبيريا تتمتع بقدرات «كافية» لعزل ومعالجة مرضى «إيبولا».
وخارج القارة، شفي طبيب تلقى العلاج في نيويورك من «إيبولا» (بعد أن التقط الفيروس في غينيا) كما أعلنت بلدية المدينة أول من أمس. وكان المريض الوحيد الذي لا يزال يتلقى العلاج من «إيبولا» في هذا البلد الذي توفي فيه أول مصاب بـ«إيبولا» هو زائر وصل من ليبيريا، في أكتوبر الماضي بعد أن نقل الإصابة إلى أشخاص آخرين شفوا جميعا اليوم. وكان الطبيب كريغ سبنسر (33 عاما) أدخل مستشفى بيلفو في مانهاتن في 23 أكتوبر بعدما ظهرت عليه عوارض المرض، ويبدو أنه أصيب بالفيروس عندما كان يعمل في غينيا مع منظمة «أطباء بلا حدود» في مكافحة المرض. وقد تحسنت صحته في الأيام الأخيرة لكن بقي في العزل في وحدة مجهزة للمصابين بهذا المرض في مستشفى بيلفو. وفي المجموعة عولج 9 أشخاص أصيبوا بـ«إيبولا» في الأراضي الأميركية.
ويعد هذا الوباء الذي ظهر في ديسمبر (كانون الأول) 2013 في جنوب غينيا، أسوأ نسخة من «إيبولا» منذ اكتشاف الفيروس في وسط أفريقيا قبل 38 عاما. وينتقل الفيروس عبر الاتصال المباشر بسوائل المريض. وأسفرت موجة «إيبولا» هذه عن وفاة 4960 شخصا من أصل 13268 إصابة مؤكدة ومشبوهة أو مرجحة سجلت في 8 دول وخصوصا في ليبيريا وسيراليون وغينيا، بحسب حصيلة لمنظمة الصحة العالمية.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.