«الشرق الأوسط» تلتقي فولكر شلندروف الحاصل على الأوسكار عن «الطبل الصفيح»

المخرج الألماني يعرض فيلم «دبلوماسية» ويقول: «عليك أن تساعد الممثل على التجديد»

مشهد من فيلم «الطبل الصفيح»  -  فولكر شلندروف    .. وآخر من فيلم «دبلوماسية»
مشهد من فيلم «الطبل الصفيح» - فولكر شلندروف .. وآخر من فيلم «دبلوماسية»
TT

«الشرق الأوسط» تلتقي فولكر شلندروف الحاصل على الأوسكار عن «الطبل الصفيح»

مشهد من فيلم «الطبل الصفيح»  -  فولكر شلندروف    .. وآخر من فيلم «دبلوماسية»
مشهد من فيلم «الطبل الصفيح» - فولكر شلندروف .. وآخر من فيلم «دبلوماسية»

إحدى أهم الفرص التي أتاحها المهرجان هي استقبال المخرج الألماني الفريد فولكر شلندروف الذي جاء ومعه فيلمه الأخير «دبلوماسية». بعد حفلة حصوله على جائزة نجيب محفوظ جلس مع عدد من الصحافيين والمهتمّين. لكن التقته «الشرق الأوسط» في حديث خاص صبيحة اليوم التالي.
فولكر شلندروف مخرج ألماني (من أصل بروسي) له خبرة طويلة في مجالات سينمائية متعددة يبقى الإخراج من أهمها وأكثر ذيوعًا، فهو بدأ سنة 1963 أي قبل 10 سنوات من نهضة السينما الألمانية في مطلع السبعينات، التي أثمرت عن حفنة من المخرجين الذين برزوا آنذاك ومن بعد، ومن بينهم رينر فرنر فاسبيندر وفرنر هرتزوغ وفيم فندرز. شلندروف كان سبّاقًا وكان حاضرًا عندما أثارت تلك النهضة اهتمام العالم، ففي ذلك الحين بدأ ينجز تلك الأعمال المتميّزة بدقة بحثه مثل «الشرف المفقود لكاترينا بلوم» (1975) و«الطبل الصفيح» (1979) ونسخته من «الحرب والسلام» (1982).
خسر وقتًا ثمينًا في الثمانينات والتسعينات عندما وافق على تسلم مهام إدارة استوديوهات «بابلسبيرغ» الألمانية. قال في المؤتمر الصحافي إن التجربة التي استمرّت لـ8 سنوات كانت إدارية ولم تثِره. وفي السنوات الأخيرة ضخ المزيد من الأعمال التي يأتي «دبلوماسية» أفضلها بمنواله المعهود من دقّة التنفيذ والقدرة على عدم الخضوع لشروط المسرح.
ليس كل الأفلام التي حققها كانت على مستوى واحد، ولو أن النقاد تبنّوا بعضها أكثر مما تنبّوا بعضها الآخر، ومن بين تلك التي أعجبوا بها كثيرًا «الطبل الصفيح» الذي نال أوسكار أفضل فيلم أجنبي والسعفة الذهبية في «كان» سنة 1979. على أهمية مصدره، كونه مقتبسا عن رواية غونتر غراس المعروفة، وإلى جانب أنه مُعالج بقدرة بصرية مشهودة، يبقى عملاً عليه الكثير من الملاحظات التي برز معظمها بعد انحسار الهالة من حوله.
على كل ذلك، اقترن هذا الفيلم بمخرجه والعكس أيضًا. هو أيضا الذروة التي بلغها شلندروف والتي من بعدها تقدّم منتقيًا ما يريد من أفلام يجمعها ذلك الحرص على الإجادة والتنوّع في المكان. وبينما يعرض المهرجان فيلمًا آخر له (غير أخيره «دبلوماسية») هو «بال» الذي حققه سنة 1969 من بطولة زميله لاحقًا فاسبيندر، وذلك في قسم «كلاسيكيات الأفلام الطويلة» لا يمكن أن ننسى «دائرة الخداع» الذي صوّره في عمّان التي لعبت دور بيروت وسط حربها الأهلية في الثمانينات. وهذا الفيلم كان مدخل حديثنا مع المخرج الذي كان بادر لشكر الإدارة على حسن استضافتها له و«تذكرها لي في مثل هذه الأوقات العصيبة».
ولا يمكن أن ننسى أيضا «اليوم التاسع» سنة 2004 الذي عاد به إلى الوضع النازي في ألمانيا عن سيناريو وضعه بنفسه. وهو موضوع تطرّق إليه أكثر من مرّة كما يتضح من «دبلوماسية» و«الطبل الصفيح» وعاد إليه سنة 2011 بفيلم «هدوء في البحر».
* ما قصدته يوم أمس عندما سألتك في المؤتمر الصحافي عن الرابط بين «دائرة الخداع» و«دبلوماسية» هو أن كليهما يدور حول خراب المدينة والإنسان. هل توافق أم أن هذا نوع من الشطط؟
- بالتأكيد هناك علاقة على هذا النحو. عندما قررت أن أحقق فيلمي عن الحرب الأهلية في لبنان، كان ذلك عائدا لرغبتي في تناول وضع غير إنساني ولّدته ظروف سياسية، كما هي العادة في مثل هذه الحروب وبل في كل الحروب، يلمّ ببلد سمعت عنه الكثير حتى قبل زيارتي له. الدمار الذي تشير إليه كان مفاجئًا لنا نحن في الغرب. الرأي الأوروبي العام يعرف لبنان كواحة جميلة تم تشبيهها بسويسرا الشرق. ما كان يحدث كان مخالفًا لتلك الصورة. في «دبلوماسية» هناك مشروع خراب أو دمار لم يتم، هذا صحيح. فالدراما تنحصر في كيف استطاع فرنسي إقناع الكولونيل بعدم المس بمدينة باريس قبل انسحابه منها وتوفيرها من الدمار الذي تم التخطيط له من قِبل قيادته في برلين. نقطة الوصل التي تبحث عنها ربما كانت في التحذير من هدم الحضارات والبنيات الاجتماعية في الأساس.
* بدا لي أن «دائرة الخداع» هي صرخة الرواية (وضعها نيكولاس بورن) متمثّلة بشخصية ذلك الصحافي التي أداها برونو غانز...
- بالتأكيد. ككثيرين في مثل هذا الوضع، وصل الصحافي إلى موقع أحداث خطرة معتقدًا أنه يستطيع أن يحافظ على مسافة كبيرة بينه وبين المواقف المتباينة وبينه وبين الحرب ذاتها. كل ما أراده هو أن ينقل الواقع عبر رسائل «ريبورتاجية»، لكنه وجد نفسه أيضا وقد تورّط من حيث لا يريد.
* البطل البريء الذي تتّسخ ملابسه...
- صحيح، بل هو نفسه أيضا (يضحك).
* بالنسبة إلى فيلمك الأخير «دبلوماسية» كيف استطعت التغلّب على الناحية المسرحية للعمل؟ ليس كل المخرجين يستطيعون استبدال اللغة المسرحية بتلك السينمائية، وكثير منهم يعمدون إلى الخروج بالكاميرا مرارًا وتكرارًا لكسر هذه القاعدة.
من ناحية معيّنة يفيد في هذا الوضع أن المسرحية جيّدة في الأصل. الكثير من المهام محلولة لأنه ليس من المطلوب تغيير شيء يذكر. الحوار جيد والتمثيل جيّد والموضوع جيد. كل ما عليك القيام به هو أن تصوّر سينما وليس أن تنقل الفيلم بكاميرا تكون في وضع عين المشاهد المسرحي. هذا اسمه الإيقاع، وهو يشمل كل شيء، بما فيه الحوار. الحوار مهم جدًّا، فهو الذي عليه أن يلتقط اهتمام المشاهد فينسى أنه حوار ورد سابقًا في المسرح.
* هل يساعد أن الممثلين، وفي هذه الحالة أندريه دوسولييه ونيلز أرستروب، قاما ببطولة المسرحية؟
- لا، على العكس، يعقّد المسألة.
* كيف؟
- تريد من الممثل أن يمثّل لك وليس أن يمثّل ما مثّله. الخطر هو أنه اعتاد تمثيل الدور على المسرح فبات من السهل عليه تكراره وتكرار حواره أمام الكاميرا. أنت كمخرج عليك أن تساعده على التجديد. أن تسعى لاكتشاف الوسيلة التي يستطيع فيها الممثل نسيان أو تجاهل ما سبق له وأن أدّاه ليخص الفيلم بأداء طري وجديد. هذا ليس هيّنًا لكن بعض المخرجين لا يعرفون أهميّته وكذلك بعض الممثلين. الممثل الجيّد سيسعى تلقائيًّا لعدم تكرار دوره ولمنح الفيلم شرط الاختلاف.
* «الطبل الصفيح» تحدّث عن نشأة صبي قبيل انطلاق الحرب العالمية الثانية. في الحقيقة هو فيلم يقع وأحداثه ما بين العشرينات والثلاثينات. لو أن هذا الفيلم تم تحقيقه في العشرينات لوصف بأنه نبوءة لوقوع الحرب...
- هذا مرجح جدًّا. الفيلم كان عن الفترة التي اشتد فيها ساعد النازية وقبل أن تنشب الحرب العالمية الثانية. إنها الفترة بين الحربين العالميين.
* بالطبع، منذ الحرب العالمية الأولى والعالم يوالي الحروب في مناطق شتّى، لكن هل توافق على أن أفلام العشرينات الألمانية الصامتة تنبأت بالنازية وصعودها وبوصول هتلر إلى السلطة كما كتب بعض المؤرخين؟
- هذا هو السؤال الكبير. أعتقد أنها كانت بالفعل تعبيرًا عن مخاوف، لكنها لم تكن تعلم يقينًا بما حدث لاحقًا. لقد قصد مخرجوها التعبير عن خشيتهم مغلّفة بأفلام الرعب.
* مثل «نوسفيراتو» و«عيادة الدكتور كاليغاري» وأخرى؟
- صحيح.
* لكن لو أن الحرب لم تقع، أو النازية لم تصل إلى السلطة، ما أقصد قوله هو أن بعض المؤرخين أكدوا أن هذا كان القصد من هذه الأفلام. كيف يمكن لهم التأكيد؟
- كلامك صحيح، لكن مراجعة هذه الأفلام اليوم، ولا بد أنك فعلت كونك تتحدث في هذا الموضوع، لا بد وأن يرشدك إلى رمزيات وتعبيرات تشير إلى أن هذه الأفلام حذّرت فعلاً لكن بطريقة ضمنية، فهي أولاً أفلام فنية تستخدم نوع سينما الرعب.
* ذكرت بالأمس أنك عشت في مدينة نيويورك التي حضنت السينما المستقلة في السبعينات والثمانينات وليس هوليوود. ما الذي تقوله في هوليوود؟
- ليس عندي شيء ضد هوليوود، لكني لم أستطع أن أتأقلم مع تلك العروض التي جاءتني من هناك. قررت أن لا أستجيب لها.
* تقيّدك؟
- لا. آنذاك كانت العروض مفتوحة وهم يعلمون من أنا ويعرفون تمامًا ما أستطيع تحقيقه وأنني لن أقوم بتنفيذ وصايا بل سأخرج الأفلام حسبما أريد، لكني راقبت صديقين ألمانيين لي ذهبا إلى هناك وعملا ثم عادا لاحقًا، أحدهما هو وولفغانغ بيترسون... حقق نجاحًا كبيرًا فيما بعد، لكنه قرر أيضا العودة إلى ألمانيا. هناك شيء في المدينة يختلف. ليس هناك خضار كافٍ. هي مدينة أعمال وأنا أفضل مدينة حياة. هذا على نحو خاص لكن لا شيء يمنعني من العمل مع هوليوود اليوم لو كان هناك مشروع مناسب.
* المخرج جون بورمان قال لي ذات مرّة بعد عودته من هوليوود إنه أفاق ذات مرّة على ابنه وهو يشتم. أمر لم يتعوّده من قبل لكنه التقطه من البيئة، وقال لي: «هنا أدركت أن علي أن أعود»...
- (يضحك) أمر مشابه.
* أريد أن أسألك عن التمثيل. أكثر وأكثر أزداد اقتناعًا بأن الممثل يترك بصمة كبيرة على الفيلم. تكاد بصمته أن تطغى...
- طبعًا. لذلك أسباب مهمّة، فما تراه ليس الفيلم أولاً، بل من في الفيلم، وهذا الممثل يستطيع أن يرفع مستوى العمل أو يقع تحت مستواه... هذا إذا ما كان الفيلم جيّدًا. لا أتحدّث عن الأفلام العادية.
* جان - لوك غودار كتب ذات مرّة: «ماذا أفعل بجون واين؟ يميني، لكنه يملك تلك النظرات».
- (يضحك مرة أخرى) صحيح. ها هو جوابك.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».