العراق: الزرفي يجري «مشاورات ناعمة» لطمأنة رافضيه

خلافات «البيت الشيعي» تقوّض فرصه وتمنع الاتفاق على بديل

عراقيون في سوق شعبية بالناصرية أمس (أ.ف.ب)
عراقيون في سوق شعبية بالناصرية أمس (أ.ف.ب)
TT

العراق: الزرفي يجري «مشاورات ناعمة» لطمأنة رافضيه

عراقيون في سوق شعبية بالناصرية أمس (أ.ف.ب)
عراقيون في سوق شعبية بالناصرية أمس (أ.ف.ب)

نفى سياسي عراقي مطلع على اتصالات رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، تقارير عن بدء مباحثات رسمية لتشكيل الحكومة، رغم مرور نحو عشرة أيام على إعلان التكليف. لكنه أكد أن الزرفي مستمر في «مشاورات ناعمة» لتذليل الاعتراضات على توليه المنصب.
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الزرفي لا يزال يواجه رفضاً واضحاً من قبل الكتل الشيعية الممثلة بتحالف الفتح بالدرجة الأولى». ويضم «الفتح» عدداً من الكتل الشيعية، أبرزها «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«فيلق بدر» بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي.
وأوضح، أن «تيار الحكمة الذي يتزعمه عمار الحكيم لا يزال هو الآخر معترضاً على آلية التكليف، وليس المكلف بالضرورة، وبالتالي فإن الزرفي أنفق الأيام الماضية منذ تكليفه في مشاورات يمكن أن نطلق عليها المشاورات الناعمة مع رافضيه؛ بهدف تبديد مخاوفهم، أكثر من إجرائه مباحثات مع الأطراف الأخرى سواء الشيعية المؤيدة له مثل تحالف (سائرون) المدعوم من مقتدى الصدر أو (النصر) الذي ينتمي إليه الزرفي نفسه ويتزعمه حيدر العبادي أو من الفضاء الوطني الذي يمثل السنة والأكراد».
ورداً على سؤال عما إذا كان الزرفي قادراً على حلحلة الخلافات داخل «البيت الشيعي»، قال المصدر، إن رئيس الوزراء المكلف «يبذل جهوداً كبيرة في هذا المجال وسط قبول برلماني واسع له حتى من بين الكتل الرافضة، لكنه لا يريد أن يمضي إلا بعد أن يحظى بقبول زعامات الكتل الرافضة أو المتحفظة؛ لأنه يسعى لتشكيل حكومة تواجه الأزمات والتحديات، سواء الطارئة منها مثل (كورونا) والأزمة المالية أو التحديات التي كانت قائمة وهي إجراء الانتخابات المبكرة، لا حكومة تخلق أزمات جديدة».
ولا تزال فرص تشكيل حكومة عراقية جديدة تراوح مكانها وسط استمرار الخلافات داخل «البيت الشيعي»، فالكتل الرافضة للزرفي لم تتمكن طوال الفترة الماضية من تقديم بديل متفق عليه بينها بعد أن اتخذت قراراً بأن تكون موافقتها على أي مرشح بالإجماع. وهي تارة تطالب بتقديم الزرفي اعتذاراً عن رفض التكليف، ثم تدعو إلى جمع تواقيع لإقالة رئيس الجمهورية برهم صالح الذي أصدر أمر التكليف، وهي تعرف أن هذه الخطوة غير ممكنة.
فطبقاً للمعلومات المتداولة، فإن رؤساء الجامعات الثلاثة الذين تم الاتفاق على أن يكون أحدهم مرشحاً لرئاسة الوزراء لم يتم التوافق على أي منهم، بعد أن رفضتهم كتلة «سائرون». وبينما لا يبدو أن الكتل الشيعية في وارد الاستسلام للزرفي، فإنها عادت إلى خيار سبق لها أن جربته ولم تحقق نتيجة منه، وهو اللجوء إلى القضاة، بترشيح قاضيين حظوظهما غير واضحة في منازلة الزرفي، حتى عند طرحهما داخل البرلمان.
ومع أن المهلة المحددة لتشكيل الحكومة وهي شهر لا يوجد ما رجح إمكانية أن تحسم لصالح الزرفي أو خصومه، لكنه طبقاً لما يحظى به الزرفي من تأييد برلماني، فإن فرص تمريره في البرلمان تبقى قائمة، ولا سيما أنه لا يوجد عليه فيتو من الأكراد أو السنة.
وفي هذا السياق، يقول النائب عن كتلة «إرادة» حسين عرب لـ«الشرق الأوسط»، إن «تشكيل الحكومة لا يزال يمر بظروف صعبة ويمكن القول: إنه لا يوجد طريق واضح المعالم حتى الآن». وأضاف، أن «الزرفي لم يتمكن حتى الآن من إقناع الزعماء، لكنه تمكن من إقناع غالبية نواب الشيعة كونه زميلاً لهم في البرلمان».
وفي حين أكد الأكراد، أن حواراتهم مع رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي تدور في إطار البرنامج الحكومي والالتزام بالدستور، بما في ذلك ثوابت الأكراد، فإن العرب السنة أكدوا على لسان القيادي البارز في كتلة «تحالف القوى العراقية» محمد الكربولي، أنهم لم يبدأوا بعد «حوارات رسمية مع الزرفي».
ووصف الكربولي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الزرفي بأنه «خيار جيد في هذه المرحلة»، مؤكداً أن «المشاورات الجارية معه حتى الآن شخصية وليست رسمية». وعما إذا كانت لدى السنة شروط مسبقة لإجراء مباحثات مع الزرفي حول تشكيل الحكومة، يقول الكربولي، إن «ما يهمنا هو ما يقوم به من مباحثات مع الكتل الشيعية وكيف سيكون اتفاقه معها، وبالتالي فإن ما ينطبق عليهم ينطبق علينا». وأكد أن «السنة لن يبدأوا مباحثات رسمية مع الزرفي إلا بعد أن يقنع نصف الكتل الشيعية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم