عبد الرفيع جواهري: «القبح» الموسيقي السائد سيتلاشى مهما طال

الشاعر المغربي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه ليست هناك وصفة صيدلية لكتابة قصيدة للغناء

الشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري
الشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري
TT

عبد الرفيع جواهري: «القبح» الموسيقي السائد سيتلاشى مهما طال

الشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري
الشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري

برز الشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري، في أكثر من مجال. فهو رئيس سابق لاتحاد كتاب المغرب، وفاعل سياسي وقانوني وحقوقي. وهو، قبل هذا وبعده، شاعر له حضوره، كما أنه من مؤسسي الكتابة الساخرة في الصحافة المغربية المكتوبة.
راكم جواهري، على مدى 6 عقود، كلمات أكثر من 30 أغنية، تعامل فيها مع عدد من كبار الملحنين، فيما تراوحت تجربته الشعرية بين مرحلة أولى غنائية، ومرحلة ثانية تساوقت مع الالتزامات السياسية التي أطرها ديوان «وشم في الكف» (1981)، وديوان «شيء كالظل» (1994)، وصولاً إلى «كأني أفيق» و«الرابسوديا الزرقاء» (2010).
وأخذاً بعين الاعتبار تحولات المشهد الغنائي المغربي والعربي، بين الأمس واليوم، وتصاعد النقاش بخصوص مستوى الأعمال الموسيقية والفنية التي صارت تقترح على المتلقي، حاورت «الشرق الأوسط»، جواهري، وتطرقت لعدد من الأسئلة المرتبطة بتجربته ووجهة نظره بخصوص راهن ومستقبل الممارسة الموسيقية.
تحدث جواهري عن إحياء الفنان المغربي عبد الوهاب الدكالي، أخيراً، لحفل موسيقي ضمن أسبوع التناغم الموسيقي في «شتاء طنطورة» بالسعودية؛ وعن عودة عزيزة جلال إلى الغناء، فقال: «حدث كبير يستحق الانتباه أن يقام بالمملكة العربية السعودية أسبوع التناغم الموسيقي في شتاء طنطورة. مشاركة الفنان عبد الوهاب الدكالي والمطربة عزيزة جلال في هذا الحفل الموسيقي تدخل في إطار ثقافة الاعتراف بمكانة الموسيقى والغناء في المغرب من طرف إخواننا في السعودية. وفيما يخص المشهد الفني اليوم، على مستوى الغناء، فمن الواضح أنه يعيش تردياً ملحوظاً باستثناء ومضات لمن بقي على قيد الحياة من الفنانين الذين يستحقون أسماءهم، والذين لا يتراجعون في مقاومة هذا القبح العام. لذلك فإن إحياء حفلات على غرار ما تم في شتاء طنطورة من شأنه توجيه الانتباه إلى الجيد من الموسيقى والغناء، وجعل الجيل الجديد يتعرف على الإبداعات الجيدة وتقريبه منها ومن روادها». وأضاف: «أنا متفائل بأن هذا القبح السائد مهما طال سوف يتلاشى أمام ما هو عميق وجميل من الإبداعات الموسيقية والغنائية».
وتحدث جواهري عن سياق تلحين وغناء عدد من الأغاني، التي كتب كلماتها، وتحولت إلى خالدات، فقال إن «لكل أغنية سياقها الخاص»، قبل أن يضرب المثل بأغاني: «ميعاد»، التي أسند تلحينها لعبد السلام عامر، و«راحلة» التي كتبها في عنفوان صعود التيار الموسيقي والغنائي الرومانسي في العالم العربي. فيما جاءت «القمر الأحمر»، التي لحنها عبد السلام عامر وغناها عبد الهادي بلخياط بمعية بهيجة إدريس، صورة غنائية تحتفي بجمال نهر أبي رقراق، الذي يفصل ما بين مدينتي الرباط وسلا.
وجواباً عن سؤال من أين استقى تلك الغنائية الهادئة والعذوبة في الموسيقى الشعرية، مع ما في الكلمات من استعارات، قال جواهري: «أنا عاشق للموسيقى السيمفونية، وبحكم اشتغالي في الإذاعة والتلفزيون طيلة 10 سنوات، من 1960 إلى 1970، فقد كنت أنتج برامج أدبية من بينها قصة الأسبوع، وكنت أقرأ بصوتي النصوص القصصية مع تمويج بالموسيقى الكلاسيكية كموسيقى شوبان وفرانز ليست وريمسكي كورساكوف صاحب معزوفة (شهرزاد)، وغيرهم. وفي السياق ذاته، فإن ما كتبته أو أكتبه لحد الآن يتم على وقع مؤلفات أولئك العباقرة. وهكذا تأتي القصيدة سيمفونية أو سوناتا شعرية مليئة بالغنائية الشفيفة».
وبخصوص متطلبات كتابة كلمات جميلة ترضي الملحن، وتصنع مجد المغني، قال جواهري: «ليس هناك وصفة صيدلية (روشيتة) لكتابة قصيدة للغناء. أسلوبي في التعامل مع الملحنين يقوم على مواكبة عمل الملحن، حيث نعقد جلسات عمل واستماع وإبداء الرأي المبني على النقاش إلى أن أقتنع بأن النص الشعري أخذ ما يستحقه من مجهود. وهذه الطريقة في العمل هي أحد أسباب نجاح الأغاني التي كتبت نصوصها».
وعن كيف تتجاور في تجربته الشعرية وثوقية الخطاب الذي ميز شعر جيل الستينيات، كما هو الحال في ديوان «وشم كالكف»، ورِقّة كلمات أغاني «ميعاد» و«القمر الأحمر» و«راحلة»، مثلاً، قال جواهري: «الشاعر ليس علامة تجارية جامدة مسجلة في الأرشيف التجاري لحفظ العلامات. إنه قبل أن يكون شاعراً، هو مواطن يمارس قناعاته الاجتماعية والثقافية والسياسية كأي مواطن، الفرق بينهما هو فقط ملكة التعبير الإبداعي عن ذلك. ومثلما هو كذلك، فإنه أيضاً عاطفة جياشة: يحب، يشتاق، يحزن ويفرح. وبين ما سميتَه أنت بالوثوقية في ديوان (وشم في الكف)، وبين صبوات الشاعر، تنتصب جدلية حية تمنحه مواطنته وإنسانيته، أيضاً».
وقال جواهري، إنه يتمنى دائماً لقاء المشرق بالمغرب في عمل غنائي يجسد الحب والجمال؛ وأنه ينتظر مفاتحته في موضوع تعاون فني من طرف الملحنين والمغنين والمغنيات من المشرق العربي.



الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
TT

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو» على أنه تراث مشترك بين 16 دول عربية.

ويأتي الملف التراثي نتيجة تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تعد الحناء من العناصر الثقافية الشعبية المرتبطة بمظاهر الفرح فيها، كما تمثل تقليداً رئيساً لمظاهر احتفالية في هذه المجتمعات وهي: السودان، مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر.

وتعقد اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي اجتماعاً يستمر منذ الاثنين الماضي وحتى الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في أسونسيون عاصمة باراغواي، للبت في إدراج 66 عنصراً جديداً رُشحَت على أنها تقاليد مجتمعية، وفق «اليونيسكو».

وذكّرت المنظمة بأن الحنّة (أو الحناء): «نبتة يتم تجفيف أوراقها وطحنها ثم تحويلها إلى عجينة تُستخدم في دق الوشوم وتحديداً تلك التي تتلقاها المدعوات في حفلات الزفاف، وتُستعمل أيضاً لصبغ الشعر أو جلب الحظ للأطفال».

الحنة تراث ينتقل بين الأجيال (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

وعللت «اليونيسكو» إدراج الحنّة في قائمة التراث الثقافي غير المادي بأنها «ترمز إلى دورة حياة الفرد، منذ ولادته وحتى وفاته، وهي حاضرة خلال المراحل الرئيسة من حياته، وترافق طقوس استخدام الحنّة أشكال تعبير شفهية مثل الأغنيات والحكايات».

من جهته أعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003، بحسب بيان للوزارة.

وأكدت الدكتورة نهلة إمام رئيسة الوفد المصري أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقساً اجتماعياً عريقاً في المجتمعات العربية؛ حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى «ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفهية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية».

وسلط الملف الذي قُدم لـ«اليونيسكو» بهدف توثيقها الضوء على أهمية الحناء بأنها عنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزاً للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية وفق الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ«اليونيسكو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل الحناء واحدة من أهم عناصر تراثنا الشعبي، فهي مرتبطة بمعظم مفردات التراث الشعبي المصري والعربي الأخرى؛ وهي وثيقة الارتباط بالنواحي الجمالية والتزيينية، وأغاني الحناء، فضلاً عن الأمثال والمعتقدات الشعبية، والاستخدامات والممارسات الخاصة بالمعتقدات الشعبية، وتستخدم الحناء في الكثير من طقوسنا اليومية، المتعلقة بالمناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد بشكل عام».

الحنة تراث عربي مشترك (بكسيلز)

وأكد جاد أن التعاون العربي تجاه توثيق العناصر التراثية يعزز من إدراج هذه العناصر على قوائم «اليونيسكو» للتراث اللامادي؛ مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقال: «تثمن (اليونيسكو) عناصر التراث الشعبي المشتركة بين الدول، وقد سبق تسجيل عناصر النخلة، والخط العربي، والنقش على المعادن المشتركة بين مصر وعدة دول عربية؛ مما يؤكد الهوية العربية المشتركة».

وأضاف: «نحن في انتظار إعلان إدراج عنصر آخر مشترك بين مصر والسعودية على القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ(اليونيسكو) اليوم أو غداً، وهو آلة السمسمية الشعبية المعروفة».

وكانت بداية الحناء في مصر القديمة ومنها انتشرت في مختلف الثقافات، خصوصاً في الهند ودول الشرق الأوسط، حتى صارت ليلة الحناء بمثابة حفل «توديع العزوبية» في هذه الثقافات، وفق عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة الأثرية والتحاليل العلمية وثقت دور الحنة باعتبارها مادة أساسية ذات أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء»، وتابع: «بخلاف استخدامها في الأغراض التجميلية مثل صبغ الشعر، فقد تمت الاستعانة بها في الطقوس الجنائزية؛ إذ يعتقد استخدامها في التحنيط، كما كانت جزءاً من الممارسات الروحية لتحضير المومياوات للحياة الآخرة، فضلاً عن صبغ الأقمشة والجلود».

ارتبطت الحناء بالمناسبات والأعياد (بكسيلز)

الفنان العُماني سالم سلطان عامر الحجري واحد من المصورين العرب الذين وثقوا بعدستهم استخدام الحنة في الحياة اليومية، وسجّل حرص الجدات على توريثها للأجيال الجديدة من الفتيات الصغيرات، يقول الحجري لـ«الشرق الأوسط»: «الحنة في سلطنة عمان هي رمز للفرحة، ومن أهم استخداماتها تزيين النساء والأطفال بها في عيد الفطر، حيث عرفت النساء العربيات منذ القدم دق ورق الحناء وغربلته ونخله بقطعة من القماش وتجهيزه، مع إضافة اللومي اليابس (الليمون الجاف)، لمنحها خضاب اللون الأحمر القاتم، وذلك قبل العيد بعدة أيام، ثم يقمن بعجن الحناء المضاف له اللومي الجاف بالماء، ويتركنه لفترة من الوقت، وقبل النوم يستخدمن الحناء لتخضيب اليدين والرجلين للنساء والفتيات».