العمل من المنزل في «زمن كورونا»... بيئة آمنة نفسياً ومنتجة مهنياً

بات عشرات الملايين حول العالم مضطرين للعمل من المنزل بعد تفشي وباء «كورونا». وعلى الرّغم من مشقة الروتين اليومي للعمل قبل إجراءات «كورونا»، من الاستيقاظ باكراً وارتداء أزياء رسمية ورحلة الذّهاب إلى العمل، فالوضع هذا يظلّ طبيعياً للعامل. أمّا اليوم فنحن أمام روتين مُستجد لا يتطلب من الموظف سوى الجلوس أمام الحاسوب.
ووفق دراسات علمية نشرت بين عامي 2015 و2016، فإن إنتاجية الفرد في حال إنجاز العمل من المنزل، قد تزيد بنسبة من 13 إلى 20 في المائة، وأرجعت الدراسات هذه الفرضيات إلى انخفاض فترات الراحة التي يحرص الموظف على الحصول عليها في مكان العمل التقليدي، حسب طارق محمد عبد الوهاب، أستاذ علم النفس والعميد السابق لكلية الآداب جامعة الفيوم المصرية الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بعيداً عن القلق من مستجدات (كورونا) فإن العمل من المنزل يعد بيئة آمنة وأكثر راحة، ولذلك فعّلت بعض الشركات العالمية هذا النظام قبل مواجهة جائحة (كورونا)».
الإنتاحيّة هي المقياس الطبيعي لأداء الموظف، أمّا الروتين فهو أكبر تهديد لكفاءته، والعمل من المنزل قد يكون فرصة ذهبية لتغيير الروتين الذي يصيب الموظف بالرتابة، وفق عبد الوهاب الذي يرى «أنّ إنتاجية الموظف في هذه الحال تتوقف على المرونة في تغيير السلوك».
«لا يوجد عمل من دون منغصات، والعمل من المنزل ليس استثناءً عن هذه القاعدة، حتى إن كان له وجه يعكس الرفاهية»، على حد تعبير الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي يرى «أنّ نمط الاقتصاد الحديث يقوم على تيسير العمل من أي مكان، خصوصاً في قطاعات مثل البنوك والتّعليم، كما أنّ هذا النّمط من العمل يوفر راحة جسدية نحن بأمسّ الحاجة لها في الوقت». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر له وجه آخر غير إنجاز العمل، مثل الآثار السلبية لعدم التواصل بين زملاء العمل، لا سيما أنّ التفاعل المباشر هو جزء من العلاقات الاجتماعية، وحجر زاوية في النجاح المهني». ويشير صادق أيضاً إلى الأثر السّلبي لانخفاض النشاط البدني والقلق الذي يدفع لمزيد من الرغبة في تناول الطعام.
ويتفق الدكتور طارق عبد الوهاب مع هذا الاتجاه ويستشهد ببعض الدراسات التي خلصت إلى أن الجلوس نحو 8 ساعات يومياً دون ممارسة نشاط بدني يعرّض الشخص لنفس مخاطر السمنة والتدخين. وللتغلب على هذه المخاطر ينصح عبد الوهاب بضرورة تحديد ساعات العمل حتى داخل المنزل مع أخذ فترات الراحة التي اعتاد عليها الشخص، والتواصل في هذه الأثناء مع أفراد الأسرة، وأيضاً الرياضة هي حل فعال لمواجهة الملل، ليس فقط لأنّها تحافظ على الصحة وترفع هرمون السعادة لمواجهة القلق.
العمل من المنزل أيضاً يخلق أمام الموظف تحدياً لإثبات كفاءته وقدرته على القيام بمهامه بوقت محدد من دون الحاجة لمراقبة مباشرة من رئيسه، ولكن لتحقيق أقصى استفادة، علينا تحديد ركن داخل المنزل يتمتع بالخصوصية والهدوء بعيداً عن موضع النوم.