موجة اعتقالات جديدة لرؤساء بلديات تركية منتخبين

عُزلوا بعد اتهامهم كسابقيهم بـ{الانتماء إلى منظمة إرهابية}

موجة اعتقالات جديدة لرؤساء بلديات تركية منتخبين
TT

موجة اعتقالات جديدة لرؤساء بلديات تركية منتخبين

موجة اعتقالات جديدة لرؤساء بلديات تركية منتخبين

عزلت وزارة الداخلية التركية 8 رؤساء بلديات منتخبين ينتمون إلى حزب الشعوب الديمقراطي المعارض ممن انتُخبوا في شرق وجنوب شرقي البلاد بدعوى «انتمائهم إلى منظمة إرهابية»، وعيّنت أوصياء في أماكنهم.
وذكر الحزب، في بيان، أن العزل شمل رؤساء بلديات في مدن بتليس وأغدير وبطمان وديار بكر وسيرت في شرق وجنوب شرقي البلاد، واصفاً الأمر بأنه «حملة تطهير عنصرية استبدادية» ضد الأكراد وإرادتهم الديمقراطية.
وأضاف الحزب أن الشرطة داهمت مقرات محلية وألقت القبض على العديد من السياسيين المنتمين للحزب.
كانت السلطات التركية قد أعلنت أول من أمس، اعتقال 6 رؤساء بلديات منتخبين في جنوب شرقي البلاد بعد أن قررت وزارة الداخلية عزلهم بدعوى «الانتماء إلى منظمة إرهابية»، وتعيين أوصياء من حزب العدالة والتنمية الحاكم في أماكنهم.
وعزلت وزارة الداخلية الرئيسين المشاركين للبلدية الكبرى لولاية بطمان محمد دمير وصون جول كوركماز، إضافةً إلى عزل كل من طارق مرجان، وأحمد كايا، ومصطفى أك جول، رؤساء بلديات ليجا، وأرجاني، وأي يل، التابعة لولاية ديار بكر جنوب شرقي البلاد.
كما اعتقلت الشرطة التركية بالجين ديكن، رئيس بلدية «يني شهر» التابعة لولاية ديار بكر، التي سبق عزلها من منصبها بالتهمة ذاتها في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وفرضت قوات الأمن في الولايتين أطواقاً مشددة حول مقرات البلديات التي تم اعتقال رؤسائها، وأغلقت جميع الشوارع المؤدية إليها.
وتعد هذه هي الموجة الثانية من عزل رؤساء البلديات المنتخبين عن حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر أحزاب البرلمان التركي والذي تتهمه السلطات بالارتباط بـ«العمال الكردستاني»، بعد موجة سابقة في نوفمبر الماضي تم خلالها عزل رؤساء البلديات الكبرى لولايات ديار بكر وفان وماردين، إضافة إلى 38 رئيس بلدية فرعية، عيّنت الحكومة بدلاً عنهم أوصياء من جانبها لإدارة شؤون البلديات.
ويتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وحكومته حزب الشعوب الديمقراطي، بأنه على صلة بحزب العمال الكردستاني. ويتعرض الحزب لحملات منتظمة منذ عام 2016، حيث تم اعتقال رئيسيه المشاركين صلاح الدين دميرطاش وفيجان يوكسيكداغ و10 من نواب الحزب بالبرلمان، إضافة إلى مقاضاة آلاف من أعضائه بتهم تتعلق بدعم الإرهاب أو الانتماء إلى منظمة إرهابية (حزب العمال الكردستاني).
وينفي حزب الشعوب الديمقراطي أي صلة له بالإرهاب أو بحزب العمال الكردستاني، وكان يحكم رؤساء بلديات ينتمون إليه العديد من المدن في شرق جنوب شرقي تركيا، التي تقطنها أغلبية من الأكراد. ويقول الحزب إنه هدف لمخطط حكومي ممنهج للنيل منه وإضعافه، لا سيما بعد أن نجح للمرة الأولى في عام 2015 في أن يدخل البرلمان كأول حزب سياسي كردي يتجاوز الحد النسبي لدخول البرلمان (10% من أصوات الناخبين في عموم تركيا).
وكرر الحزب فوزه في الانتخابات ودخول البرلمان بالقوة ذاتها على الرغم من اعتقال زعيمه الذي يشكل رمزاً قوياً للحركة السياسية الكردية في تركيا صلاح الدين دميرطاش، الذي خاض الانتخابات الرئاسية منافساً لإردوغان في انتخابات 2014 و2018 (من داخل سجنه الذي يقبع فيه بعد اعتقاله في 2016) وشكّل تحدياً كبيراً له، والذي يواجه اتهامات يصل مجموع الأحكام حال إدانته فيها إلى 143 عاماً.
وفي عام 2016 أيضاً، وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا في 15 يوليو (تموز) من العام ذاته ونسبت إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، عزلت الحكومة في ذلك الوقت أكثر من 90 رئيس بلدية منتخباً من صفوف الحزب، ومن بعدها أصبح عزل رؤساء البلديات التابعين له آلية تلجأ إليها الحكومة بشكل متكرر لمنعه من إدارة البلديات في المناطق ذات الأغلبية الكردية.
وكان إردوغان قد تعهد، قبل الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا في نهاية مارس (آذار) 2019، بعزل رؤساء البلديات من صفوف حزب الشعوب الديمقراطي حتى لو فازوا بالانتخابات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟