اتسعت حدة الانقسامات بين المؤيدين لحكومة «الوفاق» الليبي في طرابلس، وانتقلت من الردهات المغلقة والكتابات المحدودة على صفحات التواصل الاجتماعي، إلى شاشات الفضائيات المختلفة، وسط اتهامات متبادلة بأن هذه الأجواء قد «تربك الجبهة الداخلية، والتأثير عليها في مواجهة الجيش الوطني».
وأمام تصاعد وتيرة التراشق بالألفاظ بين رئيس مؤسسة «كويليام» للأبحاث نعمان بن عثمان، الموالي للسراج، ووزير الداخلية بحكومة «الوفاق» فتحي باشاغا، اضطر فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، إلى التدخل مساء أول من أمس، لوقف هذا التلاسن، الذي بات يملأ الشاشات الليبية، سواء الموالي منها أو المعارض، وبخاصة تلك التي تبثّ من خارج البلاد. وأبدى السراج رفضه واستهجانه للغة الخطاب، الذي وصفه بـ«التحريضي والمتحامل التي يستخدمه بعض المشاركين في برامج حوارية على القنوات الفضائية التي تبث من خارج الوطن». وقال في بيان أصدره مكتبه أمس، إنه «يُدين هذه التصرفات، تأكيداً للموقف المبدئي الحريص على الوحدة الوطنية، والداعي إلى الالتزام بقيم وأخلاق المجتمع الليبي المسلم، والرافض لأي استخدام لوسائل الإعلام وقنواته، ووسائل التواصل الاجتماعي في إثارة الفتنة، والتحريض على العنف والتعريض بالأبرياء وخدش الحياء».
ودائماً ما يوجّه ابن عثمان، أحد خصوم «الجيش الوطني»، والمقيم في لندن، عبر قنوات ليبية تبث من الخارج، انتقادات حادة للسراج والفريق المكلف بإدارة المعركة العسكرية حول طرابلس، بعضها يحمل خوفاً على قوات «الوفاق» من الهزيمة في مواجهة «الجيش الوطني». لكن انتقاداته تصل أحياناً إلى التجريح الشديد والنيل من الحكومة، التي يصفها بأنها ستكون سبباً في إلحاق الهزيمة بالمقاتلين على الجبهات، كما أنه بدأ يخوض فيما عدّه «اختراق وزارة الداخلية من خلال ضابط كبير».
وعارض الوزير باشاغا في مؤتمره الأخيرة الأسبوع الماضي تصريحات ابن عثمان، دون ذكره بالاسم، وقال: «إن الإعلام يجب أن يكون معول بناء لا هدم»، منتقداً «خروج أحد الليبيين في الفضائيات ليصف الليبيين بأوصاف سيئة غير مقبولة»، قبل أن يلفت إلى أن هناك من يتقاضى ألفي دولار على كل ساعة يظهر فيها على الهواء»، وهو الأمر الذي عدّه ابن عثمان إشارة إلى شخصه، فانهال الأخير عليه بانتقادات حادة.
بدروه، حمّل السراج كل من يتبنى خطاباً تحريضياً على العنف والكراهية المسؤولية القانونية، وقال إن «معركة الدفاع عن الدولة المدنية، وعن عاصمة الدولة التي نقودها، ويخوضها الأبطال من رجال ليبيا، هي حرب وطنية فُرضت علينا من أجل حاضر ومستقبل كل الليبيين، وبالتالي فهي ليست حرب مدينة ولا منطقة ولا حزب»، مستكملاً: «لهذا نرفض كل خطاب غير لائق، وغير مسؤول يطال وينال من أي مدينة أو منطقة، أو قبيلة أو مكون من مكونات الشعب الليبي الكريم على امتداد الوطن».
وتابع السراج متوعداً: «سنواجه أي مؤامرة لتقسيم ليبيا، وأي محاولة لزرع الفتنة، وبث الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، المنصهر أصولاً وأعراقاً وأرحاماً وتاريخاً ومصيراً في بوتقة واحدة». ورداً على منتقدي الوزير باشاغا، قال السراج إنه حرص عند تشكيل حكومته على «اختيار وتكليف الأكفاء بالمسؤوليات والمهام والأعمال الأساسية والمساندة، وبالتالي لا يمكن القبول بوجود من هم دون ذلك» ضمن هيكلته وإدارته ومؤسساته.
وانتهى السراج إلى أن مآل الدعاوى والاتهامات والأحكام «هو القضاء وليس الإعلام، وإذا كانت الأحكام القضائية هي عنوان الحق، فإن الإعلام يجب أن يكون صوت الحقيقة، وليس صوت الباطل، والتحريض على العنف المادي والمعنوي، أو إلحاق الأذى الشخصي بالمواطنين».
رد ابن عثمان لم يتأخر طويلاً، حيث قال: «كان من الأفضل أن يذكر باشاغا اسمي بوضوح في مؤتمره، الذي هاجم فيه الخطاب الإعلامي، الذي ساهم في صمود العاصمة عندما باعوها في تفاهم الخارج»، متابعاً: «تصرفاتك الأخيرة يا باشاغا الأخيرة أربكت الصف الداخلي، وتسببت في إحباط معنويات (الثوار) داخل المحاور وتبّات القتال، والكتلة الاجتماعية الرافعة لـ(ثورة) فبراير (شباط)، وعملية (بركان الغضب). وعليه أدعوك فوراً لكي نخرج في مناظرة على الهواء مباشرة لطرح الحقائق بشكل يليق بدولة القانون».
كما صعّد ابن عثمان من لهجته بالحديث عن وجود اختراق في وزارة داخلية (الوفاق) من قِبل ضابط رفيع المستوى، يتصل بأحد الأطراف لتهنئته على قصف طرابلس.
لكنّ الانتقادات التي تواجهها حكومة «الوفاق» لم تتوقف على ابن عثمان فحسب، بل إن موالين كثيرين للحكومة، وبخاصة من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، لا يكفّون عن ذلك أيضاً، حيث سبق لعضو المجلس عبد الرحمن الشاطر أن وصفها بأنها «حكومة فاشلة بامتياز، ولا تفكر إلاّ في كيفية تعيين الفاشلين، ولا تبحث عن الأكفاء»، بل إنه قال إن «حكومة الوفاق ستحقق لنا الهزيمة، ولا ننتظر منها انتصاراً يُنهي الحرب».
السراج يطالب أعضاء جبهته بوقف التحريض على العنف
السراج يطالب أعضاء جبهته بوقف التحريض على العنف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة