«توسيع صلاحيات الرئيس» يفجّر معركة سياسية في تونس

TT

«توسيع صلاحيات الرئيس» يفجّر معركة سياسية في تونس

تفجرت في تونس معركة مواقع جديدة بين السلطة التنفيذية والبرلمان والرؤساء الثلاثة؛ قيس سعيد وإلياس الفخفاخ وراشد الغنوشي، وذلك بسبب عرض مشروع قديم من جديد، يهدف إلى توسيع صلاحيات رئيس الحكومة على حساب البرلمان.
ومن المقرر أن يعقد مجلس النواب جلسة عامة تاريخية، غداً (الخميس)، للبت في قضية خلافية أثارت جدلاً واسعاً في كواليس السياسة ومؤسسات الدولة خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب تباين المواقف من بعض قرارات الرئيس الخاصة بإنزال الجيش إلى الشوارع، وتفعيل قرار إعلان حالة الطوارئ، واعتماد الفصل 80 من الدستور، الذي يفترض ألا يتم اللجوء إليه إلا عندما ترتقي المخاطر التي تهدد البلاد إلى مستوى «خطر داهم» يستوجب «تدابير استثنائية»، حسب بعض النواب.
كما استفحل خلاف قوي بين قيادات في البرلمان ورئاسة الحكومة، بسبب تباين في المواقف من مشروع حكومي يوسع صلاحيات رئيس الحكومة، ويفوضه استصدار الأوامر والقوانين وحده «مؤقتاً» على حساب البرلمان.
ففي الوقت الذي طالب فيه رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ من البرلمان «تفويض صلاحياته التشريعية إليه لمدة شهرين»، تطبيقاً للفصل 70 من الدستور الخاص بـ«التدابير الاستثنائية»، أعلن عدد من البرلمانيين، وبينهم الصحبي عتيق، القيادي في حركة النهضة (إسلامية)، معارضتهم بقوة لهذا الطلب، ورأوا أنه يمس «طبيعة النظام السياسي في البلاد، التي ينص عليها الدستور»، أي «نظام برلماني معدل تكون فيه السلطة التشريعية صاحبة الكلمة الفصل في المصادقة على تركيبة الحكومة، وفي مراقبتها في كل المراحل». في المقابل، دعم نوفل سعيد، خبير القانون الدستوري، مطلب رئيس الحكومة، واعتبر أن تمكينه من تفويض البرلمان بإصدار مراسيم وقوانين لمدة لا تتجاوز شهرين «لا يعني تغييراً في طبيعة النظام السياسي أو حداً من صلاحيات البرلمان ورئاسته، بل دعماً لنجاعة مؤسسات الدولة».
كما دعم هذا الموقف الأكاديمي والخبير الدولي في الدراسات القانونية هيكل بن محفوظ، والمدير العام السابق لمعهد الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية طارق الكحلاوي.
لكن بعض النواب من كتل وتيارات كثيرة، بينهم يسري الدالي، الخبير الأمني والبرلماني عن «كتلة ائتلاف الكرامة»، عبروا عن تخوفاتهم من سيناريو «تضخم دور السلطة التنفيذية على حساب البرلمان».
كما تحفظت شخصيات من المعارضة البرلمانية على مطلب «التفويض» لرئيس الحكومة، وحذرت من فرضية «النيل من استقلالية السلطات الثلاث».
لكن في المقابل، رحّب نواب من «الكتلة الديمقراطية» المشاركة في الحكومة، مثل البرلماني محمد عمار، بفكرة التفويض.
في سياق ذلك، اعتبر خالد الكريشي، رئيس «كتلة حركة الشعب» المشاركة في الحكومة، أن «البلاد تواجه مخاطر صحية وإنسانية واقتصادية كبيرة جداً، تستوجب تسهيل عمل الحكومة، وإجراءات عملية لفائدة ملايين المواطنين، وعدم تضييع الوقت في المشاورات المطولة مع البرلمان».
كما دعا الوزير غازي الشواشي، القيادي في حزب «التيار الديمقراطي» (يساري)، والوزير الحقوقي المستقل عياشي الهمامي، إلى منح رئيس الحكومة مثل هذا التفويض من البرلمان «مؤقتاً»، تطبيقاً للفصل 70 من الدستور، الذي يمنح النواب فرصة رفض القرارات، التي اتخذها رئيس الحكومة في مرحلة «التدابير الاستثنائية»، وذلك فور استئناف عمل البرلمان في ظروف عادية بعد نحو شهرين.
ولمحاولة التوفيق بين هذه الآراء المتباينة، تحركت أطراف سياسية واجتماعية عدة بحثاً عن «حلول توفيقية» لمحاولة «تجميد التناقضات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، من جهة، وبين الرؤساء الثلاثة من جهة ثانية، تحسباً لاستفحال الأزمة، ودخول البلاد في مأزق سياسي خانق وشامل».
فيما قلل بعض السياسيين المقربين من الرئيس قيس سعيد، مثل الجامعي طارق الكحلاوي، من خطر «تغول مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على حساب البرلمان».
وأعلنت رئاسة الحكومة، بعد ظهر أمس، أن مجلس الوزراء المنعقد صادق على «إحالة مشروع قانون يتعلق بالتفويض لرئيس الحكومة في إصدار مراسيم طبقاً للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور، بعد إدخال التعديلات اللازمة عليه، وذلك بهدف مزيد تحديد لمجالاته إلى مجلس نواب الشعب». وقد جاءت هذه الصيغة تفاعلاً مع «الوساطات وجلسة تفاوض بين وفدين عن رئاستي البرلمان ورئاسة الحكومة».
فهل تنجح مفاوضات ربع الساعة الأخير في إنقاذ الموقف، وتجنيب البلاد سيناريو أزمة سياسية تعمق المخاطر الأمنية والاقتصادية التي تواجهها على كل المستويات؟



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.