بعد وقت قصير من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 1998، التي فاز فيها ريال مدريد على يوفنتوس الإيطالي بهدف دون رد، أخذ رئيس ريال مدريد، لورينزو سانز، نسخة من صحيفة «آس» الإسبانية الرياضية، وعلقها في المرحاض الخاص به. وكانت الصفحة الأولى لهذه الصحيفة تحمل عنوان «ملك الملوك»، وتحته صورة لسانز وهو يحمل الكأس محمولاً على أعناق نجم الفريق كلارنس سيدورف، ونجله فرناندو. وقال سانز ذات مرة: «كيف يمكنني أن أنسى تلك الليلة؟ في كل صباح، عندما أستيقظ من نومي، وأذهب إلى المرحاض، أرى هذه الصورة».
وفي الحقيقة، لا يمكن لأي شخص آخر أن ينسى ما حدث أيضاً، حتى لو شعر سانز بأنه لم يحظَ بالتقدير المناسب على العمل العظيم الذي قام به، بعدما تمت إزالة اسمه عمداً من تاريخ وإنجازات النادي الملكي. وصباح الأحد الماضي، وبعد أن أصبح سانز أحدث ضحية لفيروس كورونا الذي أدى إلى وفاة أكثر من 1700 شخص في إسبانيا، عاد الجميع ليتحدث عن إنجازات هذا الرجل الذي رحل عن عالمنا وهو في السادسة والسبعين من عمره. وهذه المرة، وصفته صحيفة «آس» بأنه «رجل البطولة الأوروبية السابعة»، نظراً لأنه هو من قاد ريال مدريد للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا للمرة السابعة في تاريخه. أما صحيفة «ماركا»، فجاء عنوانها الرئيسي يقول: «وداعاً للرجل الذي أعاد البطولات الأوروبية إلى ريال مدريد».
وفي الواقع، من الصعب للغاية أن نتحدث عن حجم الإنجاز الذي حققه سانز بقيادة ريال مدريد للحصول على بطولة دوري أبطال أوروبا للمرة السابعة في تاريخه، ويكفي أن نعرف أن ريال مدريد انتظر 32 عاماً للفوز بهذه البطولة التي شكلت هوية النادي في السابق، والتي كان النادي يسعى بكل قوة لاستعادتها، وبالتالي كانت هناك ضغوط هائلة على الفريق من أجل استعادة البطولة الأقوى في القارة العجوز. وكان ريال مدريد يقدم مستويات سيئة للغاية على المستوى المحلي، عندما استدعى سانز المدير الفني الألماني للفريق يوب هاينكس قبل وقت قصير من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، وسأله عن أحوال الفريق، فرد قائلاً: «إنه يغرق».
ومع ذلك، استيقظ فرناندو، نجل سانز، في منتصف الليلة السابقة للمباراة، مقتنعاً بأن صديقه نجم الفريق بيديا مياتوفيتش سيسجل هدف الفوز على يوفنتوس، وكان بالفعل يخبر اللاعب بهذا الأمر خلال الأيام السابقة للمباراة. لكن مياتوفيتش أصيب، ولم يكن من المفترض أن يشارك في المباراة من الأساس، غير أن حالته البدنية تحسنت قبل اللقاء، وشارك وأحرز الهدف الذي يرى كثيرون أنه أهم هدف في تاريخ النادي الملكي عبر تاريخه الطويل.
وتشير بعض التقديرات إلى أن أعداد الجماهير التي نزلت إلى الشوارع للاحتفال بفوز ريال مدريد بهذه البطولة وصلت إلى مليون شخص. ويتذكر سانز ذلك الأمر قائلاً: «لم نرَ مثل هذه الأعداد الكبيرة من الناس من قبل. لقد جعلتنا هذه الاحتفالات ندرك حجم الإنجاز الذي حققناه؛ لقد كان إنجازاً كبيراً للغاية».
ووعد لورينزو سانز جمهور فريقه الملكي بالحصول على البطولة الثامنة لدوري أبطال أوروبا، وقد تحقق هذا الأمر أيضاً في عام 2000. ومع ذلك، رحل سانز عن ريال مدريد بعد شهرين فقط، إثر خسارته في انتخابات الرئاسة، وكأن الحصول على لقبين لدوري أبطال أوروبا ولقب للدوري المحلي خلال 5 سنوات لم يكن كافياً.
ولد سانز في مدينة شامبري، بالعاصمة الإسبانية مدريد، عام 1943، وكان والده ملاكماً على مستوى الهواة، وكان هو الشقيق الأكبر لـ10 أطفال، في عائلة نشأت في منطقة كارابانتشل للطبقة العاملة. وكان سانز، وعائلته بالكامل، مغرمين بالرياضة بشكل عام، وبنادي ريال مدريد بشكل خاص. كما كان سانز دائماً يعرب عن شعوره بالفخر لأنه حضر ثاني نهائي أوروبي لريال مدريد مع والده. وبدأ يذهب إلى ملعب «سانتياغو برنابيو» الذي يحتضن مباريات النادي الملكي وعمره 10 سنوات، مع جدته التي كانت تبيع الماء للجماهير، وكان عضواً بالنادي لمدة وصلت إلى 50 عاماً تقريباً. وبعد أن خسر انتخابات الرئاسة عام 2000، حاول العودة مرتين لكنه فشل.
ولعب سانز لفترة وجيزة في مركز حراسة المرمى بأحد الأندية المحلية، وارتبط جميع أبنائه بريال مدريد كرياضيين، وفاز لورينزو بدوري كرة السلة مع النادي الملكي. أما نجله الآخر، باكو، فانضم إلى صفوف الناشئين بالنادي، ولعب لفترة وجيزة لنادي أوفييدو. وغالباً ما كانت الاتهامات توجه لفرناندو لأنه نجل رئيس النادي -اعترف فابيو كابيلو بأنه «كان يتم تشجيعه» على ضمه للفريق الأول بالنادي- لكنه لعب 35 مباراة في الدوري الإسباني الممتاز، وقدم مسيرة كروية مثيرة للإعجاب مع نادي مالجا. كما أن نجم النادي السابق، ميشيل سالجادو، تزوج ابنة سانز، مالولا.
وكان سانز رجلاً عصامياً، قام بشراء نادي مالجا في وقت لاحق، وحاول شراء بارما الإيطالي، وتم إلقاء القبض عليه بزعم محاولته تهريب عمل فني خارج البلاد، لكنه نفى كل الاتهامات بالاحتيال، وتم تغريمه بتهمة التهرب الضريبي في عام 2018. وبدأ سانز عمله صبياً في صالون للحلاقة، ثم أسس شركة في مجال الطباعة، قبل أن يقتحم مجال العقارات والبناء، ثم انضم إلى مجلس إدارة ريال مدريد في عهد الرئيس رامون ميندوزا الذي تعرف عليه في أحد سباقات الخيول، لكن خسارة ريال مدريد أمام برشلونة أدت إلى رحيل ميندوزا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، مما أدى إلى وصول سانز إلى رئاسة النادي.
وفي الفترة التي تولى فيها سانز رئاسة ريال مدريد، كان هناك عدد من رؤساء الأندية البارزين، مثل رئيس نادي برشلونة خوان غاسبارت الذي دخل معه في مشادات قوية على الملأ، لكنهما كانا صديقين، وقد شعر غاسبارت بحزن شديد عندما علم بوفاة سانز.
وقال المدير الفني الإيطالي فابيو كابيلو عن سانز: «كانت لديه رؤية لتقليل الفجوة بين ريال مدريد وبرشلونة. لقد كان رئيساً جيداً للنادي، وهو يمتلك شخصية قوية. كانت لديه خبرة كبيرة في كرة القدم، وكان الفريق الذي بنيناه في تلك الفترة جيداً جداً».
ولم ينجح ريال مدريد في التأهل حتى للمشاركة في دوري أبطال أوروبا في موسم 1995-1996.
لذلك تعاقد سانز مع كابيلو لتولي القيادة الفنية للفريق، كما تعاقد مع كل من مياتوفيتش، ودافور وسوكير، وسيدورف، وروبرتو كارلوس، لكي ينضموا إلى مجموعة أخرى متميزة من اللاعبين، بقيادة راؤول، وفرناندو ريدوندو، وفرناندو هييرو. وبعد ذلك، انتصر في معركة شرسة مع برشلونة للظفر بخدمات كريستيان كاريمبو.
وفاز ريال مدريد بلقب الدوري الإسباني الممتاز في موسم 1996-1997. ورغم أن علاقة كابيلو بسانز لم تكن دائماً على ما يرام، وكان دائماً رئيس ميلان الإيطالي سيلفيو برلسكوني يسعى للتعاقد معه، فإنه نجح في قيادة النادي للفوز بدوري أبطال أوروبا في موسم 1997-1998. وفي عام 2000، نجح النادي الملكي في الحصول على الكأس ذات الأذنين مرة ثانية.
وإذا نظرنا إلى تشكيلة الفريق، سنجد أن 3 لاعبين فقط -راؤول وريدوندو وروبرتو كارلوس- هم من كانوا في تشكيلة الفريق في البطولتين. وبعد رحيل كابيلو، تعاقد سانز مع هاينكس، لكن المدير الفني الألماني أقيل من منصبه بعد أسبوع واحد فقط من فوزه بلقب دوري أبطال أوروبا. وكان ريال مدريد في ذلك الوقت يملك فريقاً قوياً للغاية، كان يوصف بـ«فريق الفيراري»، نظراً لقوته وسرعته.
ورغم النجاح الأوروبي، كان ريال مدريد يعاني على المستوى المحلي، حيث احتل المركز الرابع، ثم الثاني، ثم الخامس، في جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز في المواسم الثلاثة من 1998 حتى 2000، وبالتالي كانت هذه الأوقات غير مستقرة تماماً بالنسبة للنادي الملكي. وقد تعاقد سانز مع 8 مديرين فنيين خلال 5 سنوات فقط لتولي القيادة الفنية للفريق: خورخي فالدانو، وأرسينيو إغليسياس، وكابيلو، وهاينكس، وخوسيه أنطونيو، وجوس هيدينك، وجون توشاك، وفيسينتي ديل بوسكي. كما تعاقد مع عدد أكبر من اللاعبين، وحقق النجم الإنجليزي ستيف مكمانمان نجاحاً كبيراً، لكن بعض اللاعبين الآخرين لم يحققوا النجاح المتوقع. ووصف سانز التعاقد مع اللاعب الفرنسي نيكولا أنيلكا مقابل 5.500 متر بيزيتا بأنه «جنون جميل»، غير أن كثيرين كانوا يعتقدون أنه أخطأ في هذه الخطوة.
لكنه خسر انتخابات الرئاسة عام 2000 أمام بيريز الذي وعد بالتعاقد مع نجم برشلونة لويس فيغو، وإيجاد حلول للأزمات المالية للنادي. وكانت هناك معركة داخلية ألحقت ضرراً كبيراً بسانز، ورفعت ديون النادي إلى نحو 300 مليون يورو. وكان سانز يصر دائماً على أن الاتهامات الموجهة إليه غير صحيحة، وكان يجد صعوبة كبيرة في تقبل خسارته في الانتخابات، رغم قيادته النادي للحصول على لقبين لدوري أبطال أوروبا، وقال ذات مرة: «سيضعني التاريخ في مكاني الصحيح».
وكان هذا المكان بالطبع هو أمستردام في عام 1998، عندما أعاد النادي الملكي لمنصات التتويج الأوروبية، على حساب يوفنتوس الإيطالي، وهي الصورة التي ظل سانز يراها كل صباح لمدة 22 عاماً. وقد قال سانز عن تلك الليلة: «الآن، يمكنني أن أموت سعيداً».
لورينزو سانز... الرجل الذي أعاد ريال مدريد لمنصات التتويج الأوروبية
رئيس النادي الملكي توفي متأثراً بفيروس «كورونا» ولم ينسَ أبداً نهائي دوري الأبطال في أمستردام عام 1998
لورينزو سانز... الرجل الذي أعاد ريال مدريد لمنصات التتويج الأوروبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة