أنظمة صحة أوروبية «تنهار» تحت ضغط «كوفيد ـ 19»

مدريد تلجأ إلى علاجات تجريبية تؤخّر ظهور الأعراض الخطرة

أنظمة صحة أوروبية «تنهار» تحت ضغط «كوفيد ـ 19»
TT

أنظمة صحة أوروبية «تنهار» تحت ضغط «كوفيد ـ 19»

أنظمة صحة أوروبية «تنهار» تحت ضغط «كوفيد ـ 19»

مع القفزة الكبيرة في عدد الوفّيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد - 19)، عاشت إسبانيا أمس أصعب أيامها منذ أول إصابة بالوباء، واقتربت أسرع مما كان متوقعاً من المشهد الإيطالي الذي ما زال يشكّل البؤرة الرئيسية لتفشّي الوباء وإصاباته القاتلة في أوروبا. وكان عدد الوفّيات في إسبانيا قد ارتفع بمقدار 462 حالة بين ظهر الأحد الماضي ومنتصف نهار أمس الاثنين، أي بزيادة 26 في المائة، ليقترب العدد الإجمالي من 2500، فيما بلغت الإصابات 25 ألفاً، أكثر من نصفها في العاصمة مدريد.

ومع اقتراب العدد الإجمالي للإصابات في إيطاليا من 60 ألفاً وتجاوز الوفيّات 5500، أفادت وزارة الصحة بأن هناك 4800 إصابة في صفوف الطواقم الصحّية بين أطبّاء وممرّضين ومسعفين، أي 12 في المائة من مجموع الإصابات، ما يوازي ضعف هذه الحالات في الصين .
وفي إسبانيا، يشكّل الوضع في مدريد مصدر القلق الرئيسي، حيث قرّرت وزارة الصحة إغلاق جميع أقسام الطوارئ في مستشفيات العاصمة اعتباراً من صباح أمس الاثنين، وتحويلها لاستقبال المصابين بالفيروس، ووضعت قائمة بالمراكز المخصصة للولادة والحالات الخطرة التي تستدعي جراحة سريعة.
وللتخفيف من الضغط المتزايد على أقسام العناية الفائقة التي تجاوزت قدراتها الاستيعابية، بدأت مستشفيات العاصمة بتطبيق علاجات تجريبية على المصابين في مراحل مبكرة، بعد أن لوحظ أن عدداً كبيراً من الحالات التي كانت لا تبدي سوى عوارض طفيفة في البداية، تفاقمت بسرعة اقتضت إحالتها إلى العناية الفائقة. ويقول الأخصائيون إن الهدف من ذلك هو تأخير ظهور العوارض الخطرة على المرضى، وإن الأدوية المستخدمة في هذه الحالات معروفة ومجرّبة منذ فترة طويلة لمعالجة أمراض أخرى مثل نقص المناعة المكتسبة والتهاب المفاصل والملاريا.
وتواجه الحكومة الإسبانية مرحلة حرجة جدا، يجد فيها رئيس الوزراء بيدرو سانشيز نفسه أمام مهمة شبه مستحيلة لاتخاذ التدابير اللازمة لخفض وتيرة انتشار الفيروس من غير إلحاق المزيد من الضرر بالقطاع الاقتصادي، الذي دخل هو أيضاً غرفة العناية الفائقة. وتفيد المعلومات بأن ثمّة انقساماً في الآراء داخل الحكومة بين مؤيد لاتخاذ أشدّ التدابير الممكنة وقصر عجلة الاقتصاد على الأنشطة الحيوية، ومن يعتبر أن الإجراءات المتخذة فيها ما يكفي من الشدّة لوقف انتشار الفيروس في الأيام القليلة المقبلة، من غير شلّ الحركة الاقتصادية بصورة كاملة.
وفي ظهوره الأخير أمام المواطنين ظهر أمس الاثنين، بدا سانشيز مسكوناً بالشكّ أكثر من اليقين عندما قال: «نحن على استعداد للإصغاء، لأن هدفنا هو اتخاذ القرار الصائب»، وأعرب عن أمله في أن تكون نهاية هذا الأسبوع بداية التراجع في عدد الإصابات، مؤكداً أن الحكومة ستلجأ إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً إذا لم يطرأ تحسن على الوضع، لكن من غير أن يفصح عن طبيعة هذه الإجراءات .
ويرى بعض الأخصائيين أن الرهان على النموذج الإيطالي أصبح محفوفاً بمجازفات كبيرة في ضوء التفاقم المستمرّ الذي تشهده الأزمة في إيطاليا، وبعد أن قررت روما اعتماد النموذج الكوري الذي يقوم على نسبة عالية من الاختبارات لرصد الإصابات بصورة مبكرة وتعقّب أصحابها، وإجراءات عزل صارمة مع تعليق كل الأنشطة غير الحيوية .
وطلب سانشيز من الاتحاد الأوروبي مزيداً من التضامن والجهد المشترك في مواجهة أزمة الفيروس، مقترحاً «خطة مارشال» التي تقوم على برنامج واسع من الاستثمارات العامة في الاتحاد، وأعرب عن تأييده لاقتراح إصدار «سندات كورونا» الذي تدعمه إيطاليا وفرنسا، وما زال يواجه مقاومة من ألمانيا وهولندا لإقراره .
ورغم إعلان الحكومة الإيطالية نهاية الأسبوع الماضي عن اتخاذها قراراً بوقف الأنشطة الاقتصادية غير الاستراتيجية، استمرّت مصانع ومؤسسات عديدة في العمل، ما أدّى إلى احتجاجات في صفوف النقابات التي دعت أعضاءها إلى الإضراب، وطالبت الحكومة بإجراءات أكثر تشدداً للحفاظ على صحة العمّال.
وفي جزيرة صقلية تشهد مدينة «مسّينا» اضطرابات منذ أيام احتجاجاً على تدفّق النازحين من مناطق الشمال الإيطالي عن طريق المواصلات البحرية، بعد أن قررت الحكومة تعليق معظم الرحلات الجوية إلى الجزيرة وإخضاع ما تبّقى منها لمراقبة شديدة، تجاوباً مع طلب السلطات المحلّية التي تخشى أن يؤدي تدفق النازحين من الشمال إلى انتشار الفيروس على نطاق واسع في الجزيرة .
وفيما تنتظر إيطاليا وصول بعثة روسية تضمّ 100 خبير في العلوم الجرثومية للمساعدة في مواجهة أزمة فيروس «كورونا»، وبعد وصول البعثة الكوبية التي تضمّ 52 طبيباً متخصصاً في علوم الأوبئة، كشفت مصادر صحفية أن الحكومة الإيطالية طلبت مؤخراً من وزارة الدفاع الأميركية المساعدة لإقامة مستشفيات ميدانية والحصول على معدات للوقاية الصحّية وأجهزة للتنفّس الصناعي .


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.