أزمة «كوفيد ـ 19» الأسوأ منذ 1930 في نظر الاقتصاديين

إذا طالت مدة تفشي الفيروس في العالم فالأسواق تنتظر هبوطاً مريعاً (أ.ف.ب)
إذا طالت مدة تفشي الفيروس في العالم فالأسواق تنتظر هبوطاً مريعاً (أ.ف.ب)
TT

أزمة «كوفيد ـ 19» الأسوأ منذ 1930 في نظر الاقتصاديين

إذا طالت مدة تفشي الفيروس في العالم فالأسواق تنتظر هبوطاً مريعاً (أ.ف.ب)
إذا طالت مدة تفشي الفيروس في العالم فالأسواق تنتظر هبوطاً مريعاً (أ.ف.ب)

انكماش الاقتصاد العالمي بات حقيقة بنظر معظم الاقتصاديين الدوليين، لكن السؤال اليوم يدور حول ما إذا كانت الأزمة الحالية ستشبه ما حدث خلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، أو هي مشابهة لما وقع في 2008.
ويؤكد الخبراء أنه يصعب حالياً تقديم تقديرات عن حجم الأضرار التي تقع في العالم جراء تفشي فيروس كورونا المستجد، لأن الأوضاع تتطور يومياً باتجاهات مختلفة. فالأسبوع الماضي، لم تكن رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، متفائلة أبداً، لأن كل شهر من العزل يخفض النمو الأوروبي 2.1 نقطة، ما يعني أن الانخفاض سيبلغ نحو 5 نقاط على الأقل في أشهر قليلة، هي فترة الإجراءات المتخذة لاحتواء تفشي الوباء.
أما إذا طالت المدة، فالهبوط سيكون مريعاً، بحسب معظم الاقتصاديين. لكن لهجة المفوضية الأوروبية أقل تشاؤماً، بتوقعات تشير إلى تراجع النمو 2.5 نقطة لكامل عام 2020؛ أي أن النمو سيسجل 1 في المائة بالسالب فقط، على أن يعود للارتفاع في 2021.
وفي المقابل، فإن الاقتصاديين يرون أن الأمر أكثر سوءاً، إذ توقع تقرير صادر عن «دويتشه بنك» هبوطاً بنسبة 24 في المائة (على أساس سنوي) في الفصل الثاني من 2020 في منطقة اليورو، منها 28 في المائة في ألمانيا وحدها. وبالنسبة لكامل العام، فإن الاقتصاد الأوروبي سيتراجع 2.9 في المائة عموماً، و3.3 في المائة في ألمانيا.
وبالنسبة لبنك «غولدمان ساكس»، فإن الناتج الأوروبي سيتراجع 1 في المائة في الفصل الأول، و3 في المائة في الفصل الثاني، على أن تستقر نتيجة كامل 2020 عند نمو سلبي بنسبة 1.7 في المائة. وإيطاليا تدفع ثمناً غالياً بتراجع ناتجها 3.4 في المائة، وألمانيا 1.9 في المائة، وفرنسا 0.9 في المائة.
وقال محلل من «أكسفورد إيكونوميكس» إن تراجع الناتج الأوروبي سيبلغ 4 في المائة في الفصل الثاني من العام الحالي. ولكامل العام، فإن النمو السلبي سيبلغ 2.2 في المائة. ويضيف أنه متفائل بعودة النشاط بعد نجاح إجراءات احتواء تفشي وباء كورونا المستجد، وبدء تخفيف الحجر المنزلي، وعودة الأنشطة الاقتصادية تدريجياً، ومع بدء مفاعيل الإجراءات النقدية والتحفيزات المالية التي أقرت، وبدأ صرفها. أما «مورغان ستانلي»، فيشير إلى هبوط نسبته 5 في المائة في منطقة اليورو، وذلك بالنظر إلى التداعيات الاقتصادية التي خلفها الفيروس في الصين وقطاعاتها المختلفة.
وعلى صعيد متصل، أكد «دويتشه بنك» أن الهبوط الاقتصادي الحاد في الصين خلال شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) تسبب في تراجع النمو 5 في المائة على أساس سنوي، و9 في المائة على أساس فصلي. فإجراءات التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي هبطت بأعمال المطاعم، على سبيل المثال لا الحصر، بنسبة 43 في المائة في شهرين، وتراجعت مبيعات السيارات 37 في المائة. وبالنسبة للقطاعات الأخرى، فإن متوسط الهبوط بلغ 13 في المائة. والمتوقع للفصل الثاني في الاقتصاد الصيني هو انتعاشة بنسبة 0.7 في المائة على أساس سنوي، و7.4 في المائة مقارنة بالفصل الأول. أما نمو 2020 فقد يهبط في الصين إلى 1.5 في المائة فقط، وفقاً لـ«بنك أوف أميركا»، بعدما كانت التوقعات قبل الأزمة تشير إلى نمو صيني بنسبة 6.5 في المائة.
وعلى الجانب الأميركي، يتوقع «دويتشه بنك» أكبر «انقباض» اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، إذ يشير إلى تراجع بنسبة 13 في المائة في الفصل الثاني على أساس سنوي، علماً بأنه خلال أزمة 2008 كان التراجع 8.4 في المائة في الفصل الأخير من ذلك العام، وعلى أساس سنوي. ويقول تقرير «دويتشه بنك» إن الهبوط القياسي الذي سجله الاقتصاد الأميركي في الفصل الأول من عام 1958، وكان بنسبة 10 في المائة، سيتم تجاوزه هذه السنة، أي أن الهبوط في الاقتصاد سيكون أكبر من 10 في المائة بين فصلين. ويقول اقتصاديون في بنك «جي بي مورغان تشيس» إن تراجع الاقتصاد الأميركي قد يبلغ 2 في المائة في الفصل الأول، و3 في المائة في الفصل الثاني.
وبشكل عام، فإن معظم التوقعات تشير إلى هوة كما في الحرف (V)؛ أي أن الانتعاش سيعود فور انتهاء الأزمة بعد أشهر قليلة، على اعتبار أن الأسوأ سيبلغ القاع مع نهاية النصف الأول من العام الحالي، ليعود النصف الثاني إلى تسجيل وتيرة استئناف مسارات النمو، علماً بأن كل هذه التوقعات قد تسقط في الأسابيع المقبلة لتسجيل ما هو أسوأ منها، إذا تبين أن الأزمة أطول أمداً وأعمق تأثيراً مما هو ظاهر حتى الآن.
وقال سكوت مينرد، مدير الاستثمار في شركة «جوجنهايم»، لمحطة تلفزيون «بلومبرغ»: «إنها المرة الأولى منذ عام 1930 التي نواجه فيها كارثة بهذا الحجم»، مشيراً إلى كساد مرجح يعم معظم دول العالم، إذا طالت الأزمة أكثر من عدة أشهر إضافية.
أما الخبراء الذين استطلعت آراؤهم وكالة «رويترز»، فليسوا أقل تشاؤماً، إذ أجمعوا على أن الأزمة قد تطول نسبياً مع تواصل انتقال عدوى فيروس كورونا المستجد من قارة إلى أخرى، ومن إقليم أو بلد إلى آخر، مع تسجيل نجاحات محدودة هنا وفشل هناك في محاولات الاحتواء، ولذلك وقع سلبي لا تستطيع معه التريليونات فعل الكثير.
وأضافوا أن البرامج التحفيزية التي أعلنت عنها حكومات الدول حول العالم، وباتت بأحجام خيالية، تتجاوز الـ10 تريليونات دولار، بشكل مباشر وغير مباشر، سواء بحزم مالية من الحكومات أو إجراءات نقدية من البنوك المركزية، لم تستطع حتى الآن تخفيف هلع المستثمرين في الأسواق المالية، ولن تقف سداً منيعاً أمام الإفلاسات التي بدأت تطل برأسها في عدد من القطاعات. فما أعلن حتى الآن يتجاوز ما كان أعلن غداة الأزمة المالية العالمية في 2008. ومع ذلك، فالهبوط يشمل كل الأصول، من أسهم وسندات إلى ذهب ومواد أولية وسلع ونفط. وقال ثلاثة أرباع الخبراء الأوروبيين والأميركيين المستطلع رأيهم، وفق «رويترز»، إن التوسع الاقتصادي العالمي الذي كان مستمراً منذ سنوات طويلة قد توقف «فجأة، وبعنف، وعلينا تحضير أنفسنا للأسوأ»!



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».