أطفال «دواعش» يعالجون بالموسيقى في مركز كردي للتأهيلhttps://aawsat.com/home/article/2193816/%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%C2%AB%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%B4%C2%BB-%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2-%D9%83%D8%B1%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%87%D9%8A%D9%84
أطفال «دواعش» يعالجون بالموسيقى في مركز كردي للتأهيل
أطفال «دواعش» يلهون في خيمة بمخيم الهول شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
«كنت أحلم أن أكون ملاكماً كبيراً وأصبح مثل دينيس ليبيديف أشهر ملاكم في روسيا»، بهذه الكلمات، بدأ نيكولاي البالغ من العمر 16 رواية قصة سفره قبل 6 سنوات من مسقط رأسه نحو سوريا، إحدى أكثر بلدان الشرق الأوسط سخونة؛ حيث يتحدر الطفل من مدينة ساراتوف، المطلة على ضفتي نهر الفولغا جنوبي روسيا، وتنخفض درجات الحرارة فيها إلى تحت الصفر.
وبعد إعلان تنظيم «داعش» خلافته المزعومة في يونيو (حزيران) 2014 سافر نيكولا رفقة مع والديه وإخوته عبرَ رحلة جوية من مدينته إلى مطار أتاتورك بمدينة إسطنبول التركية، ومنها أكملوا الرحلة براً على متن حافلة حديثة اتجهت إلى مدينة أنطاكيا الحدودية مع سوريا، ليدخلوا بطريقة غير شرعية إلى مدينة إدلب، وكان الأب قد أخبرهم وجهته في سبيل تحقيق وهم لطالما كان يحلم بتحقيقه، لكن تقطعت أوصال الأسرة بعدما سلم والده نفسه لـ«قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية أثناء معركة الباغوز في مارس (آذار) العام الماضي، ونقلت والدته وإخوته الصغار إلى مخيم الهول.
نيكولا ينتمي لعائلة في روسيا، استقر بهم المطاف في سوريا منذ عام 2014. ولدى حديثه كان يلبس بدلة رياضية تحمل علامة «أديداس»، وقال: «أبي سمع عن الخلافة عبر الإنترنت، وقرر الالتحاق بهم. وافقت والدتي على السفر، وكان عمري آنذاك 10 سنوات فقط، لم أفهم وقتها ماذا يفعلون».
وبحسب الطفل الروسي، كان يعمل والده في ديوان الضيافة لدى التنظيم، يستقبل الأجانب والمهاجرين، ويقوم بتسيير أمورهم ومعاملاتهم الرسمية، فيما بقيت والدته ملازمة البيت، وتنقلت عائلته بين مدن سورية كثيرة، من بينها الطبقة والرقة ومعظم بلدات ريف دير الزور الشمالي، ولم تعتد أسرته على درجات الحرارة المرتفعة طوال العام، على عكس طقسه البارد في موطنه.
وخلال سنوات عيشه في مناطق التنظيم، وعلى الرغم من صغر سنه، استطاع رؤية كثير من الأعمال الوحشية. وعن أقسى الصور التي يتذكرها، ذكر نيكولا: «بعد وصولنا بشهر، وعندما خرجت من المسجد، قال لنا الإمام علينا التجمع بساحة الطبقة، آنذاك قتلوا شخصاً وقطعوا رأسه، ثم علقوها، وكانت أول مرة أشاهد منظراً هكذا».
وهذه الصورة وكثير من المشاهد المروعة حفرت في ذاكرة هذا الطفل حيث عمد تنظيم «داعش» إلى إرهاب الأهالي بأحكامه الجائرة والإعدامات الميدانية التي كان ينفذها في الساحات العامة، بعد سيطرة مسلحيه على مناطق كثيرة في سوريا والعراق المجاور قبل القضاء على سيطرته الجغرافية والعسكرية ربيع العام الفائت.
اليوم، يتابع الفتى الروسي ونحو 120 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، معظمهم في «أشبال الخلافة» أحد أذرع التنظيم الأخطر، حياتهم في سجن الأحداث في قرية تل معروف، التابعة لمدينة القامشلي، والواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، وهو عبارة مركز تأهيل تشرف عليها «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، يقضون وقتهم في تلقي الدروس وممارسة الرياضة وتعلم مهن يدوية مقربة لهم.
ولدى حديثها إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، تقول سارة عفريني مديرة مركز «هوري لحماية وتعليم الأطفال»، إن المركز عبارة عن قسمين؛ الأول خاص بأطفال وأبناء مسلحي «داعش» ويتراوح أعدادهم بين 70 إلى 130 طفلاً يتحدرون من 17 جنسية، أما القسم الثاني فخصص للأطفال الذين يرتكبون جنايات من أبناء مدن وبلدات شمال شرقي سوريا، وعددهم أقل بحدود 50 طفلاً، «المركز يستقبل الأطفال بين عمر 12 و17 سنة، وبعدما يدخل عامه 18 ينقل إلى السجن الخاص بالمحتجزين من عناصر التنظيم، ثم تأتي دفعة جديدة».
يقدم المركز 3 وجبات طعام في أوقات منتظمة، ويوجد في كل غرفة سرير وأغطية وخزانة خاصة بالطفل، مع مكيف وكاميرا مراقبة، مع غياب شاشة تلفاز وشبكة إنترنت، ويمنع استخدام الهواتف النقالة واللوحات الرقمية.
يقول ويدودو، المتحدر من العاصمة الإندونيسية جاكرتا، ويبلغ من العمر 17 سنة؛ وهو هادئ الطبع، وذو شعر أسود، يتحدث بكلمات عربية فصحى ركيكة، إنه انتسب إلى «أشبال الخلافة» بداية 2015 بعد وصوله إلى سوريا بأيام، ويعزو السبب إلى «وجود أطفال من أبناء بلدي كنت أظن أنني سأتعلم عوضاً عن دراستي التي تركتها مجبراً، بعدما قرر والدي العيش في مناطق التنظيم»، وانتهى بهم الحال للعيش في أخطر بقعة جغرافية تشهد نزاعات وحروباً داخلية محتدمة، لكن حياته تغيرت رأساً على عقب بسبب حادثة... «مرضت والدتي بعد قدومنا بسنة لأنها لم تحتمل الحياة هنا، حزنت كثيراً، وتركت الفصيل، ولازمت المنزل حتى ظن الجميع أنني فقدت عقلي».
وسينقل ويدودو خلال الفترة المقبلة إلى السجن الخاص بمحتجزي التنظيم، بعدما أمضى نحو عامين يتلقى الدروس والتأهيل النفسي، لكن لم يتبق من عائلته سوى أختيه الصغيرتين اللتين تعيشان في مخيم الهول، ووالده السجين لدى «قوات سوريا الديمقراطية».
ويتبع المركز نظاماً دراسياً علمياً بحسب مناهج خاصة، أعدت لهؤلاء الأطفال، أشرف عليها إخصائيون وخبراء، وتقول سارة مديرة المركز: «يتم تقسيم الأطفال بحسب الأعمار وتجاوب كل طفل، كل فئة تحصل على ساعتين دراسة، وساعة تمرينات»؛ حيث أكثرهم غير متعلمين ويخضعون بداية لدروس محو الأمية، وأضافت: «كونهم خضعوا لدورات شرعية وعقائدية وتعلم فنون السلاح، فالتحدي الأكبر إخراج هذه الأفكار وإدخال العلم والمعرفة والموسيقى وإعادتهم للحياة الطبيعية».
وأكدت المسؤولة الكردية أنهم لمسوا تغيراً إيجابياً على حياة الأطفال بعد خضوعهم لبرامج المركز، وقالت سارة: «نحن نتحدث عن أطفال حلمهم أن يكونوا مقاتلين أو انتحاريين. أول خطوة نقول لهم سابقاً كان هناك لون واحد، وهو الأسود، أما اليوم فيجب أن تشاهدوا جميع ألوان الحياة»، وشددت أن الأطفال السوريين أكثر تجاوباً من الأجانب، حيث يقوم الكادر التدريسي بجهود كبيرة لتغيير الصورة النمطية، «هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم هنا بقرار من أحد والديهم».
أما الطفل السوري حسن (16 سنة) والمتحدر من مدينة دير الزور، شرق سوريا، فدخل المركز بداية 2018 وهو ابن أحد القياديين السابقين بالتنظيم، وكان هو في فصيل الأشبال، ما اضطره للمشاركة في القتال، ومشاهدة كثير من الأعمال الوحشية وعمليات الذبح، وبحسب إدارة المركز وجدوا صورة له يظهر وهو يحمل رأس شخص.
حسن، أثناء الحديث معه كان يجلس في مكتبة المركز يحمل كتاباً عبارة عن مجموعة قصص للأطفال، وعبّر عن مشاعره المشوشة بالقول: «أنا هنا بسبب والدي. لا أعلم إذا كان على قيد الحياة أم قتل، ولا أعلم شيئاً عن أمي وإخوتي، منذ عامين أجهل كل شيء عنهم».
ويعمل في مطبخ المركز الأطفال أنفسهم بعد خضوعهم لتدريبات على كيفية إعداد وجبات الطعام، إلى جانب تعلم الخياطة ومهن يدوية كصناعة الهدايا، كحالة الطفل أوليان المتحدر من أوكرانيا، وعمره 15 سنة، وكان يصنع قلادة سيهديها إلى والدته، لأنه يحبها كثيراً، وارتسمت ابتسامة على وجهه الأبيض، واغرورقت عيناه الزرقاوان عندما قال: «عندما أخرج سأعطي هذه القلادة لوالدتي، وأطلب منها أن تعيدني إلى وطني ومنزلي وأصدقائي هناك»، في إشارة إلى بلده الأصلي والحي الذي ترعرع فيه بعدما أجبرهم والده على المجيء إلى سوريا، والذي لقي مصرعه في معركة الباغوز قبل عام.
ألقت قوات الأمن التركية القبض على العشرات من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي ممن نشطوا في صفوفه، وقاموا بأنشطة للتمويل في حملة شملت العديد من الولايات بأنحاء البلاد
من السمات الأقل شهرة للحرب على الإرهاب، خلال العقدين اللذين أعقبا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، المحادثات التي تشاركت فيها واشنطن مع روسيا والصين بشأنه.
هشاشة الحدود السورية ترسم علاقات شائكة مع دول الجوارhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5135878-%D9%87%D8%B4%D8%A7%D8%B4%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%B3%D9%85-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D9%83%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B1
هشاشة الحدود السورية ترسم علاقات شائكة مع دول الجوار
جندي إسرائيلي يقف عند نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان المحتلة والمطلة على جنوب سوريا 25 مارس (أ.ف.ب)
تشكِّل قضية الحدود السورية مع دول الجوار تحدياً كبيراً للإدارة الناشئة للرئيس أحمد الشرع، فهي المعبر الأول لصياغة علاقة سياسية وأمنية مستقبلية بين دمشق ومحيطها، وهي في الوقت نفسه حاجز مفخَّخ بكثير من رواسب النظام السابق.
وتعد الحدود السورية - التركية التي تمتد لأكثر من 900 كيلومتر، الجغرافيا الأبرز للصراع على الموارد والنفوذ، وهي التي شهدت تاريخياً فترات من التوتر والهدوء النسبي. وبعد اندلاع الثورة السورية مطلع عام 2011، كانت هذه الحدود أول خاصرة ضعيفة للنظام السابق. ففي حين بدأت دمشق تفقد السيطرة تدريجياً على مناطق واسعة من البلاد، كانت المناطق الحدودية، خصوصاً الشمالية منها، الأولى التي خرجت سريعاً عن سيطرتها.
وبالكاد انتصف عام 2012، حتى كانت فصائل المعارضة السورية المسلحة تسيطر على نقاط استراتيجية على الحدود مع تركيا؛ أولاها معبر باب الهوى الاستراتيجي على بُعد نحو 50 كيلومتراً غربي مدينة حلب في شمال غربي سوريا. بعده مباشرةً تمت السيطرة على معابر باب السلامة وجرابلس والراعي. وامتدت هذه السيطرة لاحقاً إلى معابر معينة مع العراق والأردن ولبنان، في ظل تراجع قدرة النظام على ضبط حدوده كما في السابق.
ومع تصاعد النزاع ودخول لاعبين دوليين وإقليميين على خط الأزمة، أُعيد رسم خريطة السيطرة على المعابر. فأصبحت تركيا من خلال فصائل سورية حليفة لها تهيمن على معظم الحدود الشمالية، في حين مارست إيران نفوذاً مباشراً عبر ميليشياتها على حدود سوريا مع العراق والأردن. أما «حزب الله» اللبناني ففرض سيطرة شبه كاملة على الحدود اللبنانية. في المقابل، تمركزت القوات الأميركية في الشمال الشرقي ومعبر التنف على المثلث الحدودي مع العراق والأردن.
ورغم تباين القوى المسيطرة على المعابر الرسمية وغير الرسمية، فإن القاسم المشترك بينها هو نشوء كيانات محلية ذات أنظمة أمنية واقتصادية منفصلة، لا تخضع للسلطة المركزية بشكل فعلي، ما أسهم في إضعاف تماسك الدولة ووحدتها.
ورغم ما أُعلن عن سيطرة «هيئة تحرير الشام» على إدارة العمليات العسكرية إثر سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، فإن الحكومة السورية الجديدة ورثت واقعاً هشاً ومعقداً، خصوصاً في إدارة الحدود وتواجه تحديات أمنية جسيمة في هذا ملف.
الحدود اللبنانية: «حزب الله» وشبكات تهريب
تمتد حدود سوريا مع لبنان لمسافة تصل إلى نحو 375 كيلومتراً، وكانت خاضعة بشكل شبه كامل لسيطرة «حزب الله» قبل سقوط النظام. وشكّلت المعابر الرسمية الستة، أبرزها معبر «جديدة يابوس - المصنع» و«الدبوسية - العبودية»، ممرات قانونية وشرعية تخضع عملياً للدولة اللبنانية، في حين سيطرت مجموعات تابعة لـ«حزب الله» والعشائر على نحو 20 معبراً غير رسمي في محافظتي حمص وريف دمشق.
نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)
هذه المعابر شكّلت شبكة تهريب ضخمة للأسلحة والبضائع والمخدرات وتسلل أو عبور المقاتلين. وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الشبكات لا تزال تنشط في ظل ضعف أجهزة الدولة الجديدة، وامتلاك المهربين خبرة طويلة في التعامل مع التضاريس الوعرة والاستجابة المرنة للضغوط الأمنية، وتغيير مساراتهم وفق الحاجة».
وأشارت المصادر إلى أن هذه «الشبكات المدعومة من (حزب الله) لبنانياً والفرقة الرابعة سورياً، أنشأت مستودعات وأنفاقاً في مناطق جبلية، بعضها يعود إلى ما قبل الثورة، تُستخدم لتخزين ونقل الأسلحة والمخدرات، وقد استهدفت إسرائيل بعض هذه الشحنات في غارات متكررة».
وفي هذا السياق، قال مسؤول عسكري في الجيش السوري الجديد، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد فككنا عدداً من شبكات التهريب التي تعمل على جانبي الحدود، ونحن في طور الملاحقة الأمنية وتفكيك تلك الشبكات المعقدة». وأشار المسؤول إلى أن «هناك تعزيزات عسكرية سورية مكثفة تصل إلى الحدود اللبنانية، خصوصاً في المناطق الأكثر عُرضة للخطر، والتي يُحتمل أن يتسلل منها عناصر تابعون لـ(حزب الله)».
وحذر المصدر من «صدامات متكررة مع مجموعات تابعة لـ(حزب الله) كتلك التي حدثت في منتصف مارس (آذار) الفائت»، مؤكداً أن الجيش في حالة «استنفار دائم لتفادي المخاطر الأمنية المحتملة».
صورة ملتقطة في 11 مارس 2025 بقرية حكر الظاهري شمال لبنان تظهر لاجئين سوريين يعبرون النهر الكبير إلى قرية حكر الظاهري اللبنانية هرباً من العنف في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين السوريتين (د.ب.أ)
تحديات المرحلة المقبلة
ورغم عزم الحكومة السورية الجديدة على مواجهة التهريب، لا سيما حين يرتبط بتهريب الأسلحة والمخدرات، فإن ضعف البنية الأمنية، والنقص في عدد العناصر، يشكلان عائقاً حقيقياً أمام ضبط الحدود، خصوصاً في ظل تمدد شبكات التهريب ذات الخبرة الطويلة والمعرفة الجغرافية الواسعة.
وتبقى الحدود اللبنانية - السورية إحدى أبرز بؤر التوتر، في ظل انعدام السيطرة التامة من الحكومتين، وتضارب المصالح الإقليمية والدولية. وتؤكد مصادر أمنية سورية أن معالجة هذا الملف تتطلب تعاوناً مباشراً بين دمشق وبيروت، إضافةً إلى دعم إقليمي لضمان أمن الحدود ومنع تهريب السلاح والمخدرات.
الحدود مع الأردن: ضبط الكبتاغون
كما هو الحال في معظم المناطق الحدودية، فقد النظام السوري سيطرته على الحدود الرسمية مع الأردن، وفي جنوب سوريا لجهة درعا، والقنيطرة، والسويداء، اتخذ الصراع مساراً مشابهاً لما جرى في الشمال، حيث ظهرت هيئات مدنية بديلة وحاربت جماعات مسلحة قوات النظام، مما أدى إلى تراجعه عن مناطق حدودية عدة.
في 2017، ومع تضاؤل الدعم الخارجي تدريجياً حتى توقفه تماماً، عاد النظام السابق ونجح في عقد «مصالحات» أعادت له السيطرة في العام التالي على مساحات واسعة من البلاد وعلى المعابر الحدودية الرسمية مع الأردن.
منذ ذلك الحين، تحولت الحدود السورية - الأردنية إلى ممر منظم لتهريب الكبتاغون إلى الخليج مروراً بالأردن، الذي أصبح منطقة عبور وأحياناً استهلاك. ويعد ذلك من أبرز مظاهر تواطؤ شبكات التهريب والسلطة بعد «استعادة السيطرة» وحتى سقوط النظام لاحقاً.
وتمتد الحدود بين البلدين على نحو 370 كيلومتراً، وتضم معبري نصيب وجابر. وحسب مصادر محلية علمت «الشرق الأوسط» أن عمليات التهريب مستمرة رغم الجهود التي تبذلها الإدارة السورية الجديدة وتعهدها بضبط هذه التجارة. لكن كما هو الحال مع الجانب اللبناني، فإن الشبكات متشعبة ومُلمَّة بالجغرافيا، وفي الحالة الأردنية يستخدم المهربون مُسيّرات صغيرة تنقل ما بين نصف كيلوغرام و3 كيلوغرامات من المواد المخدرة، مما يصعّب رصدها، ويمثل هذا تحدياً أمنياً هائلاً.
وأضافت المصادر أن الأردن يواجه محدودية في الإمكانات، بينما تواصل شبكات التهريب نشاطها، مستفيدةً من ضعف الحكومة السورية في مناطق جنوب البلاد لحسابات أمنية، أبرزها المخاوف من الاحتكاك مع إسرائيل.
كذلك، تُستخدم طرق وعرة في الوديان والمناطق الجبلية لتهريب المواد، مما يعقّد السيطرة الأمنية، ورغم تراجع الكميات مقارنةً بالسابق، فإن النشاط لم يتوقف كلياً.
وتغيّرت طبيعة التهريب من السلاح والكبتاغون سابقاً -بدعم إيراني- إلى التركيز الآن فقط على الكبتاغون، بعد انحسار النفوذ الإيراني. كما تطورت وسائل التهريب لتشمل التضليل بافتعال اشتباكات واستخدام ورش صغيرة وعشوائية للإنتاج بدلاً من المصانع الكبيرة التي دمَّرت وفككت السلطات الجديدة معظمها.
الجولان المحتل... «عيون دولة إسرائيل»
عادت قضية الحدود المشتركة مع إسرائيل إلى الواجهة بعد سقوط نظام بشار الأسد؛ إذ شهدت توغلات إسرائيلية كثيرة، وما كانت لعقود «جبهة باردة» أصبحت اليوم نقطة ساخنة أخرى.
وتتمحور إشكالية الحدود السورية - الإسرائيلية حول مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة في يونيو (حزيران) 1967 وتعدها جزءاً من سيادتها، ومرتكزاً أساسياً لأمنها القومي ووجودها. بينما تطالب سوريا عبر المجتمع الدولي باستعادة أراضيها المحتلة والعودة إلى ما قبل الحرب.
قصف مدفعي إسرائيلي يطول موقعين في ريف القنيطرة قرب الحدود مع الجولان السوري المحتل (أرشيفية)
وبعد سقوط نظام الأسد، شهدت الحدود السورية - الإسرائيلية، خصوصاً في مرتفعات الجولان والمنطقة العازلة، استغلالاً إسرائيلياً للفراغ الأمني والسياسي في سوريا لتوسيع سيطرتها على مناطق جديدة في جنوب غربي سوريا، خصوصاً في المنطقة العازلة التي تمتد من جبل الشيخ شمالاً حتى جنوب مرتفعات الجولان المحتلة، ورفضها الاتفاقيات السابقة التي كانت تنظّم وقف إطلاق النار. لكن ثمة من يرى إمكانية انسحاب إسرائيل مستقبلاً مع فتح الحكومة الانتقالية قنوات تواصل مع بعض دول الاتحاد الأوروبي التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي أو ضم أراضٍ سورية جديدة.
وترفض إسرائيل السماح لأي قوة «معادية» بالتمركز على حدودها في جنوب سوريا في محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا، مع مواصلة تعزيز وجودها العسكري في المناطق التي احتلتها حديثاً، وبنت فيها نقاطاً عسكرية مثل قمة جبل الشيخ التي وصفها رئيس وزراءها بأنها «عيون دولة إسرائيل»، فيما تواصل شن مئات الغارات الجوية على مخازن أسلحة بحجة منع وقوع هذه الأسلحة في أيدي جماعات معادية.
ومع إدراك الحكومة الانتقالية واقع «التوازن العسكري» مع إسرائيل، أبدت هذه الحكومة رغبتها «مراراً» في عدم مواجهة إسرائيل، أو السماح باستخدام الأراضي السورية منطلقاً لشن هجمات على إسرائيل أو تهريب الأسلحة عبر حدوها إلى «حزب الله» اللبناني، والتمسك باتفاقية «فصل القوات» الموقَّعة بينها في عام 1974، ومطالبة الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من مناطق التوغل الجديدة. لكنَّ إسرائيل على ما يبدو، تسعى لتكريس واقع جديد لفرض وجود عسكري طويل الأمد مع المراقبة عن «كثب» لتطور الملفات الداخلية، واحتمالات دخول البلاد في حرب داخلية تسهم في «تفتيت» الدولة السورية، وإضعاف قدرة السوريين على المواجهة، مع معطيات عدة تشير إلى تعرض مصدر التهديد الثاني، أي «محور المقاومة»، لضربات «مميتة» أنهت عملياً تهديدات «حزب الله» اللبناني على الأقل مؤقتاً، وتهديدات حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في غزة.
الإشكالية السورية - التركية
شهدت الحدود السورية - التركية تحولات جذرية منذ عام 2011، حيث تحوّلت من منطقة شبه مغلقة إلى بوابة مفتوحة للفارين والمقاتلين، قبل أن تُصبح واحدة من أكثر الحدود مراقبةً في العالم، وكذلك الممر الرئيسي لعبور السلع والبضائع.
2012 – 2014: الانفتاح والفوضى
مع نهاية عام 2012، فقد النظام السوري سيطرته على معظم الشريط الحدودي مع تركيا، لا سيما في شمال حلب وإدلب والرقة. وتحوّلت هذه الحدود إلى ممرّ مفتوح للمقاتلين الأجانب القادمين إلى سوريا، وللفارين من القصف المتصاعد فيها.
في هذه المرحلة، تساهلت تركيا في ضبط حدودها، ففتحت معابر رسمية وأخرى «طارئة» لاستقبال الجرحى المدنيين والعسكريين، وانتعشت حركة تهريب الأفراد من سوريا إلى تركيا بشكل غير مسبوق. وشملت عمليات التهريب أيضاً، الوقود، والدخان، والبضائع الأخرى، وكانت تُدار أحياناً من فصائل من الجيش الحر.
وبين عامي 2011 و2014، بلغت عمليات التهريب ذروتها، كما أصبحت حركة عبور المدنيين إلى تركيا سهلة وتكلف القليل نسبياً، إذ لم تتجاوز تكلفة التهريب حينها 500 ليرة سورية (بضعة دولارات)، مقارنةً بتكاليف تصل اليوم إلى نحو ألفي دولار.
وزير التجارة التركي عمر بولاط خلال تفقده البوابات والمعابر الحدودية مع سوريا يناير الماضي (من حسابه في «إكس»)
2015: التحصين والتشديد
ابتداءً من عام 2015، بدأت تركيا تشديد إجراءاتها على الحدود بعد ضغوط دولية، فشرعت في بناء جدار عازل وسياج أمني على طول الشريط الحدودي، وحوّلت الحدود إلى واحدة من أكثر المناطق مراقبةً عالمياً.
ورغم التشديد، بقيت المعابر الرسمية مفتوحة أمام دخول المساعدات الإنسانية، والبضائع التركية، والحالات الطبية المستعصية. كما تعاملت أنقرة بشكل رسمي مع المعابر الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة، مع الاعتراف بأختامها لعبور الأشخاص والبضائع. وكان أبرز هذه المعابر باب الهوى، الذي تنقلت السيطرة عليه بين فصائل مثل الجيش الحر، وأحرار الشام، وأخيراً هيئة تحرير الشام.
كما شملت المعابر التي ظلت فاعلة تحت إشراف فصائل «الجيش الوطني» المتحالفة مع أنقرة: باب السلامة، والراعي، وجرابلس، وتل أبيض، في حين أغلقت تركيا معابرها مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
الحدود كورقة سياسية
برزت تجارة التهريب البشري كإحدى أبرز سمات الحدود السورية - التركية، حيث نشأت شبكات تهريب منظمة تسهّل عبور المدنيين باتجاه تركيا ومنها إلى أوروبا. وكانت الفصائل المعارضة المسلحة تستفيد من هذه التجارة عبر فرض رسوم عبور وصلت إلى 25 دولاراً للشخص، تُدفع مقابل «وصل مرور» يسمح بالاقتراب من نقاط التهريب.
لاحقاً، تحوّلت هذه التجارة إلى ورقة ضغط سياسية. ففصائل مثل «هيئة تحرير الشام» أوحت لأنقرة بأنها تتحكم في الحدود ويمكنها فتح الطريق أمام اللاجئين، مما منحها هامشاً للمساومة السياسية. فمنذ أن فرضت هيئة تحرير الشام سيطرتها المطلقة على إدلب، بدأت تُظهر نفسها على أنها لاعب إقليمي يمسك بورقة الحدود مع تركيا، ويستخدمها للمناورة مع أنقرة وأوروبا.
وفي ديسمبر 2019، قدمت الهيئة نموذجاً لهذا الدور عندما منعت مئات المتظاهرين من الوصول إلى بوابة باب الهوى، من خلال إغلاق الطرق بالكتل الأسمنتية، ونشر عشرات العناصر الملثمين، بل استخدام الرصاص الحي بشكل مكثف لتفريقهم. المتظاهرون كانوا يطالبون «الضامن التركي» بالتحرك ضد التصعيد العسكري في ريف إدلب، وفرض الالتزام بتفاهمات سوتشي، لكنَّ تركيا لم تسعَ لمنع هجمات النظام السابق وروسيا، والهيئة من جهتها اختارت أن تكون سداً منيعاً بين الأهالي والبوابة الحدودية مقدمةً نفسها أنها هي من يتحكم في الحدود، وأن على أنقرة التفاهم معها.
بهذا السلوك، أرسلت «تحرير الشام» رسالة واضحة: من يسيطر على المعبر، يملك ورقة ضغط حساسة في وجه تركيا والمجتمع الدولي، سواء كانت على شكل تهديد بانفجار شعبي، أو إدارة تدفق اللاجئين والضغط الأمني.
وبدورها استخدمت تركيا ورقة اللاجئين في مفاوضاتها مع أوروبا، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، كما أسهمت الفصائل المتحالفة معها في ضبط الحدود ومنع الانفلات الأمني.
«كسب»... من التجاهل إلى التفعيل
كان معبر «كسب» الحدودي بين تركيا وسوريا، مغلقاً لسنوات خلال سيطرة النظام السابق. ورغم أنه لم يكن مفعّلاً، فإنه شهد عدداً من اللقاءات الأمنية بين استخبارات أنقرة ودمشق. وبعد سقوط النظام في ديسمبر 2024، أُعيد فتح معبر «كسب» رسمياً، وأصبحت جميع المعابر الرسمية بين البلدين تحت إدارة حكومة الرئيس أحمد الشرع ما عدا تلك التي لا تزال تحت إدارة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي موضع تجاذبات ومفاوضات.
معبر «كسب» الحدودي بين تركيا وسوريا (أ.ف.ب)
وقال مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علّوش لـ«الشرق الأوسط» إن «المعابر البرية كافة في سوريا تحت سيطرة الحكومة السورية، ومنها عشرة معابر بدأ العمل بها فعلياً، فيما لا تزال هناك أعمال صيانة على بقية المعابر ليتم افتتاحها بعد فترة قريبة». وأضاف: «في المقابل لا تزال المعابر ابتداءً من معبر عين العرب مع تركيا، حتى معبر اليعربية مع العراق، تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية».
وعن خطط الحكومة السورية لاستعادة هذه النقاط الاستراتيجية، قال علوش: «تسعى الحكومة السورية إلى استعادة السيطرة على جميع المعابر لتعزيز سيادتها وتأمين تدفق البضائع والأشخاص بشكل طبيعي، وتشمل خططها الحالية تسلم المعابر شمال شرقي سوريا من قوات سوريا الديمقراطية بعد الاتفاق الذي جرى توقيعه بين رئيس الجمهورية العربية السورية وقائد قوات سوريا الديمقراطية».
وإذ أكد علّوش أن «هناك تعاوناً كبيراً بين الدول المجاورة والحكومة السورية»، وأن العلاقات يسودها «التفاهم والاحترام المتبادل»، نفى وجود أي تهديدات مباشرة في الوقت الحالي، معتبراً إن الاشتباكات الأخيرة هي «شأن طبيعي».
وفيما يتعلق بخطط إعادة فتح المعابر المغلقة، قال: «توجد خطط لإعادة فتح بعض المعابر المغلقة، تعتمد على التطورات السياسية والأمنية والمفاوضات الجارية مع الدول المجاورة، خصوصاً لبنان، حيث تجري حالياً أعمال صيانة وترميم لمعبر العريضة الحدودي، وسيليه معبر الدبوسية، حيث كانت هذه المعابر قد تعرضت لقصف إسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على لبنان».
وأضاف علّوش: «هناك أيضاً خطط لتسلم معبر التنف الحدودي والبدء بأعمال الصيانة فيه خلال فترة قريبة حتى يتم تجهيزه، ومعبر البوكمال لتسهيل عبور البضائع والمسافرين إلى العراق، وننتظر تسلم المعابر الأخرى من قوات سوريا الديمقراطية، حتى يتم وضعها في الخدمة».
العراق... مقاتلون في اتجاهين
تُعد الحدود بين العراق وسوريا من أكثر المناطق الحدودية هشاشة واضطراباً في المنطقة، وهي هشاشة سبقت حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011 وسقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003. ويعود ذلك إلى الطبيعة الصحراوية الوعرة للمنطقة، وطول الحدود التي تمتد لأكثر من 600 كيلومتر، إضافة إلى ضعف إمكانات الدولتين في ضبطها، سواء في ظل نظامَي البعث في البلدين أو ما بعدهما.
معبر البوكمال على الحدود السورية - العراقية (آ ف ب)
في أواخر التسعينات وبداية الألفية، لعب جهاز المخابرات السورية دوراً فاعلاً في السماح بمرور عشرات المقاتلين الأجانب إلى العراق، خصوصاً بعد الغزو الأميركي في 2003. وقد اتُّهم النظام السوري لاحقاً من واشنطن والحكومة العراقية بتسهيل مرور الجهاديين، ودعمهم، وهو ما عمّق التوتر بين البلدين. المفارقة أن هذين الطرفين، المتخاصمين بالأمس، تحوَّلا إلى حليفين بعد اندلاع الثورة السورية، وأصبحت هذه المعابر نفسها التي ضخت جهاديين سُنة نحو العراق تستقبل مقاتلين من «الحشد الشعبي» والميليشيات الشيعية باتجاه سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد، وهي اليوم نقطة ساخنة أخرى تضاف إلى تحديات الإدارة السورية الجديدة.
ولكن قبل ذلك، وعلى أثر انسحاب قوات النظام السوري السابق من أغلب المواقع الحدودية بحلول نهاية 2013، ملأت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية الفراغ الأمني شمال شرقي البلاد، خصوصاً في محافظة الحسكة. أما في دير الزور، فقد تقاسمت السيطرة فصائل معارضة متنوعة، قبل أن يتمكن تنظيم «داعش» عام 2014 من بسط نفوذه على كامل المنطقة، معلناً قيام «دولة الخلافة الإسلامية» ومُلغياً الحدود بين سوريا والعراق من حلب إلى الموصل.
ثم في أعقاب هزيمة «داعش»، ظهرت على الجانب العراقي قوات «الحشد الشعبي»، والفصائل المرتبطة بإيران، لاعباً أساسياً في إدارة الحدود المشتركة مع سوريا. ومن أبرز هذه الفصائل «لواء الطفوف» و«كتائب حزب الله»، التي تركز وجودها في مناطق استراتيجية مثل القائم وعكاشات، حيث يقع معبر القائم - البوكمال، أحد أبرز المعابر بين البلدين. وقد بات هذا المحور جزءاً مما يُعرف بـ«محور المقاومة» المدعوم من إيران، مما منح طهران نفوذاً مباشراً في إدارة المعبر ومحيطه، رغم عودة السيطرة الاسمية للنظام السوري.
ورغم وجود عدة معابر رسمية أخرى مثل «اليعربية - ربيعة»، و«سيمالكا - فيشخابور»، و«الوليد - الفاو»، فإن أغلبها يخضع حالياً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. وبعد سقوط النظام السابق نهاية 2024، أغلق العراق رسمياً معبر القائم، وسط مخاوف أمنية متصاعدة، خصوصاً من عودة نشاط تنظيم «داعش».
وحسب مصادر محلية، فإن مفاوضات تُجرى حالياً بين دمشق وبغداد لإعادة افتتاح المعبر وتنظيم الحركة التجارية، وسط وعود سورية بعدم السماح باستخدام أراضيها نقطة انطلاق لتنظيم «داعش» نحو العراق أو غيره.
وبحسب الباحث العراقي رائد الحامد، وهو رئيس قسم الدراسات الأمنية في مركز العراق للدراسات الاستشرافية، فإن بعض فصائل الحشد الشعبي المرتبطة بإيران لا تُخفي قلقها من هشاشة الوضع الأمني في سوريا، الذي قد يهيئ لعودة «داعش». وأكد الحامد لـ«الشرق الأوسط» أن حكومة محمد شياع السوداني ترى ضبط الحدود أولوية قصوى، إلى جانب مكافحة التنظيم، لا سيما مع اقتراب انتهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل.
زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لبغداد منتصف مارس الماضي، كانت أول زيارة رسمية لمسؤول سوري رفيع منذ سقوط النظام، وهدفت إلى تنسيق المواقف في مواجهة «داعش» وتعزيز ضبط الحدود. وقد وعد الشيباني بأن سوريا لن تكون مصدر تهديد للعراق، لا من خلال «داعش» ولا عبر شبكات التهريب مقابل أن تسعى بغداد من جهتها إلى منع تسلل عناصر الميليشيات أو الضباط السابقين في النظام السوري.
ولم تقتصر هذه الجهود على المحادثات الدبلوماسية وإنما ترافقت بجهود ميدانية، إذ نشرت بغداد كاميرات مراقبة حرارية، وشيَّدت خنادق وسياجاً يمتد لأكثر من 100 كيلومتر، إلى جانب نشر مئات المراصد وعشرات المخافر، مع جهد استخباراتي فاعل يعتمد على السكان المحليين.
ورغم هذا الجهد المكثف، والتعاون مع دول الجوار، فإن جميع المصادر الذين تحدث إليهم «الشرق الأوسط» في هذا السياق تقاطعت عند التحديات الكثيرة التي لا تزال قائمة وستكون مرشحة للتفاقم، في ظل غياب سلطة مركزية قوية في دمشق، وقدرة بشرية موازية، مما يُبقي الحدود ثغرة مفتوحة أمام احتمالات التسلل، وعودة الفوضى مجدداً.