أطفال «دواعش» يعالجون بالموسيقى في مركز كردي للتأهيل

تدريبات نفسية ودروس تعليمية بلغات عدة (3 من 3)

أطفال «دواعش» يلهون في خيمة بمخيم الهول شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
أطفال «دواعش» يلهون في خيمة بمخيم الهول شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

أطفال «دواعش» يعالجون بالموسيقى في مركز كردي للتأهيل

أطفال «دواعش» يلهون في خيمة بمخيم الهول شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
أطفال «دواعش» يلهون في خيمة بمخيم الهول شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

«كنت أحلم أن أكون ملاكماً كبيراً وأصبح مثل دينيس ليبيديف أشهر ملاكم في روسيا»، بهذه الكلمات، بدأ نيكولاي البالغ من العمر 16 رواية قصة سفره قبل 6 سنوات من مسقط رأسه نحو سوريا، إحدى أكثر بلدان الشرق الأوسط سخونة؛ حيث يتحدر الطفل من مدينة ساراتوف، المطلة على ضفتي نهر الفولغا جنوبي روسيا، وتنخفض درجات الحرارة فيها إلى تحت الصفر.
وبعد إعلان تنظيم «داعش» خلافته المزعومة في يونيو (حزيران) 2014 سافر نيكولا رفقة مع والديه وإخوته عبرَ رحلة جوية من مدينته إلى مطار أتاتورك بمدينة إسطنبول التركية، ومنها أكملوا الرحلة براً على متن حافلة حديثة اتجهت إلى مدينة أنطاكيا الحدودية مع سوريا، ليدخلوا بطريقة غير شرعية إلى مدينة إدلب، وكان الأب قد أخبرهم وجهته في سبيل تحقيق وهم لطالما كان يحلم بتحقيقه، لكن تقطعت أوصال الأسرة بعدما سلم والده نفسه لـ«قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية أثناء معركة الباغوز في مارس (آذار) العام الماضي، ونقلت والدته وإخوته الصغار إلى مخيم الهول.
نيكولا ينتمي لعائلة في روسيا، استقر بهم المطاف في سوريا منذ عام 2014. ولدى حديثه كان يلبس بدلة رياضية تحمل علامة «أديداس»، وقال: «أبي سمع عن الخلافة عبر الإنترنت، وقرر الالتحاق بهم. وافقت والدتي على السفر، وكان عمري آنذاك 10 سنوات فقط، لم أفهم وقتها ماذا يفعلون».
وبحسب الطفل الروسي، كان يعمل والده في ديوان الضيافة لدى التنظيم، يستقبل الأجانب والمهاجرين، ويقوم بتسيير أمورهم ومعاملاتهم الرسمية، فيما بقيت والدته ملازمة البيت، وتنقلت عائلته بين مدن سورية كثيرة، من بينها الطبقة والرقة ومعظم بلدات ريف دير الزور الشمالي، ولم تعتد أسرته على درجات الحرارة المرتفعة طوال العام، على عكس طقسه البارد في موطنه.
وخلال سنوات عيشه في مناطق التنظيم، وعلى الرغم من صغر سنه، استطاع رؤية كثير من الأعمال الوحشية. وعن أقسى الصور التي يتذكرها، ذكر نيكولا: «بعد وصولنا بشهر، وعندما خرجت من المسجد، قال لنا الإمام علينا التجمع بساحة الطبقة، آنذاك قتلوا شخصاً وقطعوا رأسه، ثم علقوها، وكانت أول مرة أشاهد منظراً هكذا».
وهذه الصورة وكثير من المشاهد المروعة حفرت في ذاكرة هذا الطفل حيث عمد تنظيم «داعش» إلى إرهاب الأهالي بأحكامه الجائرة والإعدامات الميدانية التي كان ينفذها في الساحات العامة، بعد سيطرة مسلحيه على مناطق كثيرة في سوريا والعراق المجاور قبل القضاء على سيطرته الجغرافية والعسكرية ربيع العام الفائت.
اليوم، يتابع الفتى الروسي ونحو 120 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، معظمهم في «أشبال الخلافة» أحد أذرع التنظيم الأخطر، حياتهم في سجن الأحداث في قرية تل معروف، التابعة لمدينة القامشلي، والواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، وهو عبارة مركز تأهيل تشرف عليها «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، يقضون وقتهم في تلقي الدروس وممارسة الرياضة وتعلم مهن يدوية مقربة لهم.
ولدى حديثها إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، تقول سارة عفريني مديرة مركز «هوري لحماية وتعليم الأطفال»، إن المركز عبارة عن قسمين؛ الأول خاص بأطفال وأبناء مسلحي «داعش» ويتراوح أعدادهم بين 70 إلى 130 طفلاً يتحدرون من 17 جنسية، أما القسم الثاني فخصص للأطفال الذين يرتكبون جنايات من أبناء مدن وبلدات شمال شرقي سوريا، وعددهم أقل بحدود 50 طفلاً، «المركز يستقبل الأطفال بين عمر 12 و17 سنة، وبعدما يدخل عامه 18 ينقل إلى السجن الخاص بالمحتجزين من عناصر التنظيم، ثم تأتي دفعة جديدة».
يقدم المركز 3 وجبات طعام في أوقات منتظمة، ويوجد في كل غرفة سرير وأغطية وخزانة خاصة بالطفل، مع مكيف وكاميرا مراقبة، مع غياب شاشة تلفاز وشبكة إنترنت، ويمنع استخدام الهواتف النقالة واللوحات الرقمية.
يقول ويدودو، المتحدر من العاصمة الإندونيسية جاكرتا، ويبلغ من العمر 17 سنة؛ وهو هادئ الطبع، وذو شعر أسود، يتحدث بكلمات عربية فصحى ركيكة، إنه انتسب إلى «أشبال الخلافة» بداية 2015 بعد وصوله إلى سوريا بأيام، ويعزو السبب إلى «وجود أطفال من أبناء بلدي كنت أظن أنني سأتعلم عوضاً عن دراستي التي تركتها مجبراً، بعدما قرر والدي العيش في مناطق التنظيم»، وانتهى بهم الحال للعيش في أخطر بقعة جغرافية تشهد نزاعات وحروباً داخلية محتدمة، لكن حياته تغيرت رأساً على عقب بسبب حادثة... «مرضت والدتي بعد قدومنا بسنة لأنها لم تحتمل الحياة هنا، حزنت كثيراً، وتركت الفصيل، ولازمت المنزل حتى ظن الجميع أنني فقدت عقلي».
وسينقل ويدودو خلال الفترة المقبلة إلى السجن الخاص بمحتجزي التنظيم، بعدما أمضى نحو عامين يتلقى الدروس والتأهيل النفسي، لكن لم يتبق من عائلته سوى أختيه الصغيرتين اللتين تعيشان في مخيم الهول، ووالده السجين لدى «قوات سوريا الديمقراطية».
ويتبع المركز نظاماً دراسياً علمياً بحسب مناهج خاصة، أعدت لهؤلاء الأطفال، أشرف عليها إخصائيون وخبراء، وتقول سارة مديرة المركز: «يتم تقسيم الأطفال بحسب الأعمار وتجاوب كل طفل، كل فئة تحصل على ساعتين دراسة، وساعة تمرينات»؛ حيث أكثرهم غير متعلمين ويخضعون بداية لدروس محو الأمية، وأضافت: «كونهم خضعوا لدورات شرعية وعقائدية وتعلم فنون السلاح، فالتحدي الأكبر إخراج هذه الأفكار وإدخال العلم والمعرفة والموسيقى وإعادتهم للحياة الطبيعية».
وأكدت المسؤولة الكردية أنهم لمسوا تغيراً إيجابياً على حياة الأطفال بعد خضوعهم لبرامج المركز، وقالت سارة: «نحن نتحدث عن أطفال حلمهم أن يكونوا مقاتلين أو انتحاريين. أول خطوة نقول لهم سابقاً كان هناك لون واحد، وهو الأسود، أما اليوم فيجب أن تشاهدوا جميع ألوان الحياة»، وشددت أن الأطفال السوريين أكثر تجاوباً من الأجانب، حيث يقوم الكادر التدريسي بجهود كبيرة لتغيير الصورة النمطية، «هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم هنا بقرار من أحد والديهم».
أما الطفل السوري حسن (16 سنة) والمتحدر من مدينة دير الزور، شرق سوريا، فدخل المركز بداية 2018 وهو ابن أحد القياديين السابقين بالتنظيم، وكان هو في فصيل الأشبال، ما اضطره للمشاركة في القتال، ومشاهدة كثير من الأعمال الوحشية وعمليات الذبح، وبحسب إدارة المركز وجدوا صورة له يظهر وهو يحمل رأس شخص.
حسن، أثناء الحديث معه كان يجلس في مكتبة المركز يحمل كتاباً عبارة عن مجموعة قصص للأطفال، وعبّر عن مشاعره المشوشة بالقول: «أنا هنا بسبب والدي. لا أعلم إذا كان على قيد الحياة أم قتل، ولا أعلم شيئاً عن أمي وإخوتي، منذ عامين أجهل كل شيء عنهم».
ويعمل في مطبخ المركز الأطفال أنفسهم بعد خضوعهم لتدريبات على كيفية إعداد وجبات الطعام، إلى جانب تعلم الخياطة ومهن يدوية كصناعة الهدايا، كحالة الطفل أوليان المتحدر من أوكرانيا، وعمره 15 سنة، وكان يصنع قلادة سيهديها إلى والدته، لأنه يحبها كثيراً، وارتسمت ابتسامة على وجهه الأبيض، واغرورقت عيناه الزرقاوان عندما قال: «عندما أخرج سأعطي هذه القلادة لوالدتي، وأطلب منها أن تعيدني إلى وطني ومنزلي وأصدقائي هناك»، في إشارة إلى بلده الأصلي والحي الذي ترعرع فيه بعدما أجبرهم والده على المجيء إلى سوريا، والذي لقي مصرعه في معركة الباغوز قبل عام.


مقالات ذات صلة

شرطة جنوب أفريقيا تعتقل 95 ليبياً بموقع يُشتبه بأنه قاعدة عسكرية

شمال افريقيا عناصر من شرطة جنوب أفريقيا (رويترز)

شرطة جنوب أفريقيا تعتقل 95 ليبياً بموقع يُشتبه بأنه قاعدة عسكرية

أعلنت شرطة جنوب أفريقيا اعتقال 95 ليبياً، الجمعة، في عملية دهم في مزرعة يبدو أنها حوّلت قاعدة للتدريب العسكري.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
آسيا قوات الأمن التركية ألقت القبض على سيريبرياكوف عقب وصوله بودروم الأربعاء (صورة موزعة من الداخلية التركية)

تركيا سلمت روسيا مُنفِّذ تفجير سيارة أحد العسكريين في موسكو

سلمت تركيا مواطناً روسياً مطلوباً دولياً إلى السلطات في موسكو بعد أن هرب إلى موغلا في ولاية بودروم الجنوبية الغربية عقب تفجيره سيارة ضابط.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة)
أوروبا تحرك فرق الأمن ومكافحة الإرهاب في شانلي أورفا في إطار الحملة الموسعة على «داعش» الخميس (صورة مأخوذة من فيديو لوزارة الداخلية التركية)

تركيا: القبض على عشرات من عناصر «داعش» بينهم سوريون

ألقت قوات مكافحة الإرهاب التركية القبض على 82 من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي في عمليات نُفّذت في 14 ولاية في أنحاء البلاد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا الشرطة البلجيكية نفّذت 14عملية دهم صباح اليوم (أرشيفية - رويترز)

توقيف 7 أشخاص في بلجيكا للاشتباه بتخطيطهم لاعتداء إرهابي

أُوقف 7 أشخاص، (الخميس)، في بلجيكا للاشتباه بإعدادهم لهجوم «إرهابي».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا عناصر من شرطة إسطنبول (أرشيفية - أ.ب)

تركيا: اعتقال 72 شخصاً للاشتباه في صلتهم بـ«داعش»

وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا يقول إن السلطات التركية اعتقلت 72 شخصاً لاشتباه صلتهم بتنظيم «داعش»، وذلك خلال عمليات في 13 إقليماً. 

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
TT

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)

تفتتح، غداً، في باريس دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، وسط إجراءات استثنائية صارمة استدعتها المخاوف الأمنية وذكريات المجزرة التي شهدتها القرية الأولمبية في دورة ميونيخ عام 1972، إثر محاولة لاحتجاز رهائن إسرائيليين نفذتها مجموعة «أيلول الأسود» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» تعيد تسليط الضوء على تلك «الكارثة الأولمبية» انطلاقاً من أسئلة طرحتها على العقلين المدبرين للعملية. ولدت فكرة الهجوم في لقاء عُقد في مقهى بروما وضم صلاح خلف «أبو إياد» عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومساعده فخري العمري ومحمد داود عودة «أبو داود» عضو «المجلس الثوري» لـ«فتح». جاءت الفكرة من العمري وتبناها «أبو إياد» وأوكل التنفيذ إلى «أبو داود».

وتكشف رواية «أبو داود» عن أنه نجح في استطلاع مقر البعثة الإسرائيلية، وأن «أبو إياد» تولى شخصياً إحضار الأسلحة برفقة «زوجته» اللبنانية المزيفة التي سُميت جولييت. وشاءت الصدفة أن يسهم رياضيون أميركيون عائدون من سهرة عامرة في مساعدة الفريق الفلسطيني المهاجم في تسلق السياج ومن دون معرفة غرض الفريق ومحتوى الحقائب التي يحملها.

وتؤكد الرواية أن ياسر عرفات كان على علم بالعملية وأن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (مسؤول المالية آنذاك) صرف للفريق المبلغ اللازم لتنفيذها. وانتهت العملية بمقتل 11 إسرائيلياً وخمسة من المهاجمين حين اختلط الرصاص الألماني بالرصاص الفلسطيني.