فرنسا تطلق منصة بعشرات المواقع كي تؤمن «الثقافة في البيت»

بمشاركة نحو 100 مؤسسة كبرى بينها مكتبات ومتاحف

متحف اللوفر أغلق أبوابه وحضر افتراضياً
متحف اللوفر أغلق أبوابه وحضر افتراضياً
TT

فرنسا تطلق منصة بعشرات المواقع كي تؤمن «الثقافة في البيت»

متحف اللوفر أغلق أبوابه وحضر افتراضياً
متحف اللوفر أغلق أبوابه وحضر افتراضياً

كانت الحياة الثقافية من أول ضحايا فيروس «كورونا». ففي البدء جاء إلغاء معارض الكتب في المنطقة العربية وحول العالم، تبعها إغلاق المسارح وصالات السينما والعروض الفنية، على اعتبار أنها مكان للتجمعات وليست من الضرورات الحياتية الملحّة. لكن مع إعلان الوباء جائحة عالمية واستشعار الحكومات بالخطر، والتزام ملايين الناس منازلهم، في أكبر حالة حجر صحي تعيشها البشرية في وقت واحد، صار لزاماً إيجاد البدائل عن الأنشطة الخارجية في البيوت، حيث الإقامة ستطول لأسابيع، وربما لأشهر عديدة، كما يبشّر العارفون.
وحالة فرنسا في تقييد التنقل، ليست استثنائية، فقد سبقتها إليها دول عديدة، وأقربها إليها كل من إيطاليا وإسبانيا. وقبل أن يلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابه، مساء الثلاثاء الماضي، الذي اعتبر فيه فرنسا في حالة حرب ومواجهة شاملة، معلناً الحجر الجماعي على ملايين الفرنسيين، مهدداً بعقوبة لكل مَن يخلّ بالقرارات المتخَذة، كانت خلية نحل تعمل لتهيئة مبادرة ثقافية تعوض عن المحجور عليهم ما سيفتقدونه، من محاضرات، ومعارض فنية، وأفلام ومسرحيات وزيارات لأماكن تراثية.
ودشنت فرنسا مشروعاً إنترنتياً على موقع وزارة الثقافة، يدخل من خلاله الزائر، من خلال منصة، على عشرات المواقع التي تفتح له نوافذ على مختلف الفنون التي يرغب في التمتع بها. ولعلها أكبر وأغنى منصة مفتوحة للجمهور تعرفها فرنسا في تاريخها، لا تتوخى الربح أو الإعلان، وإنما مجرد تأمين استمرار الحياة دون خطر الخروج.
والمبادرة التي تحمل اسماً دالاً هو «الثقافة في بيتنا»، تشارك فيها أكثر من مائة مؤسسة كبرى، بينها «متحف اللوفر»، و«مركز جورج بومبيدو»، و«المكتبة الوطنية»، و«أوبرا باريس» و«معهد العالم العربي».
والمنصة ستشهد إضافات وتطوير مستمرين، لإرضاء الجالسين في المنازل، كما أنها ستكون جسراً للتواصل بين المسؤولين عن المؤسسات السينمائية والموسيقية والتشكيلية وغيرها والفنانين العاملين في المجال، للاستماع إلى مبادراتهم واحتياجاتهم واقتراحاتهم، خصوصاً أنهم كانوا من بين الأكثر تضرراً بعد أن توقفت أعمالهم جميعها. وقد أطلق تطبيق خاص لهذه الغاية.
ويمكن للزائر الوصول إلى محتويات مكتبات كبرى للقراءة وتنزيل الكتب، ومواقع أخرى للشراء، وكذلك بمقدوره زيارة مقتنيات المتاحف والتمتع بالعروض ومشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى، لتصبح هذه المواقع بمثابة الفسحة والنافذة التي يطل منها القابعون في الحجر على الحياة الثقافية من خلال شاشاتهم.
وتفتح المنصة في صفحتها الرئيسية على ثلاث نوافذ رئيسية؛ واحدة مخصصة لكل ما يعني الأطفال وأخرى للكبار وثالثة لتواصل الفنانين والمهنيين. وكما العرائس الروسية التي تأخذ واحدتها إلى أخرى، يمر الزائر من نافذة إلى نافذة باحثاً عن مبتغاه.
ولمحبي الأماكن التراثية والأثرية، مثل «قصر فرساي» مثلاً، و«متحف اللوفر»، تقترن هذه الزيارات الافتراضية بشروحات، وعودة إلى تاريخ المكان، والحِقَب الزمنية التي مرّ بها. ومن هذا الباب يطل الزوار على مراحل قديمة، وعلى أبرز شخصياتها الذين لعبوا دوراً يستحق إعادة التذكير به. ويمكن القيام بجولات افتراضية في قلاع وقصور وحصون، وأماكن مصنفة تراثية، في مختلف المناطق الفرنسية.
ويراعي المشروع الأعمار والأهواء، وعشاق الكلاسيكيات، حيث تضع «دار الأوبرا» في باريس وبالمجان أجمل عروضها في تصرُّف الجالسين في البيوت، في الوقت الذي يرونه مناسباً.
ومعلوم أن وزير الثقافة الفرنسي فرانك ريستر البالغ من العمر 46 عاماً، أُصيب بفيروس «كورونا»، لكنه مع ذلك عمل جاهداً كي يبصر هذا المشروع الافتراضي النور، كنوع من التعويض على الناس، مع إدراكه التام أن العاملين في هذا القطاع هم في أمسّ الحاجة للدعم وللنهوض بهم أيضاً، حيث كانوا أول مَن توقفت أعمالهم، وهو ما يحاول أن يسعى إليه رغم الظروف العسيرة، التي قد تطول أكثر مما يستطيعون تحمُّله.
والجهد الكبير الذي بُذِل وفي ظرف قياسي وشاركت فيه إذاعات ومحطات تلفزيونية بأرشيفها وبرامجها، ما كان ليصل إلى نتيجة مشجعة، لولا أن هذه المؤسسات المشاركة، هي أصلاً تمتلك قاعدة افتراضية غنية.
وإذا كانت فرنسا تستهدف جمهورها بالدرجة الأولى، ففي حقيقة الأمر، أنها تقدم خدمة جليلة لكل الفرنكوفونيين في العالم. إذ بات في متناولهم وهم في الحجر، إرث فرنسي أدبي فني، بصري سمعي، ضخم يمكنهم من الخروج من نمطياتهم المنزلية، والسفر إلى أجمل الأماكن الفرنسية، وأكثرها غنى، كما يتعرفون بالمجان على أهم النتاجات والعروض الراقصة والموسيقية أو الغنائية.
وبدأت وسائل الإعلام الفرنسية على اختلافها من لحظة إعلان الحِجْر الكبير، بتقديم مقترحات لعموم الناس، حول كيفية قضاء أوقاتهم التي ستبدو لهم طويلة ومملَّة. فهناك اقتراحات كثيرة حول نوعية الكتب التي يمكن للناس قراءتها في مثل هذه الظروف بما يتلاءم مع مزاجهم، مع مقترحات محددة بالأسماء. كذلك هناك اقتراحات لأفلام بعينها، من بينها «كونتاجيون» الذي يعتبر مشاهدوه أنه تنبَّأ بولادة فيروس «كورونا» في الصين، وانتشاره السوريالي في مختلف بقاع الأرض.
لكن كل هذه الاقتراحات المتفرقة التي تطال الموسيقى كما تعلُّم اللغات أو محاولة تعلم بعض المهارات، وربما تنمية المواهب في ممارسة فن ما، تبقى صغيرة أمام المبادرة الذكية والفعالة لوزارة الثقافة التي استفادت من وجود مؤسسات عريقة وضخمة تحت إشرافها، لتنسِّق بينها وتعرض ما في جعبة كل منها، على منصة أقل ما يُقال فيها، أنها عملية تقنياً، ومفيدة جداً من حيث المضمون.
وإذا كان من كلمة أخيرة، فإن هذه الكنوز المعروضة، وبفضل عمل تكنولوجي متميز، تمكّن الزائر من العثور على ما يريده بسهولة، نظراً لذكاء التبويب، كما تحقّق متعة المشاهدة بفضل نقاء المادة المقدمة. جدير بالذكر أنه منذ التزم الفرنسيون بيوتهم والطلب كثيف على الكتب والمواد الثقافية مما يجعل هذه المنصة في تناغم مع ما يطلبه الجمهور.



احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».