«التانكي»... رواية تنحاز للشكل ولا تضحي بالمضمون

من روايات القائمة القصيرة لـ«جائزة بوكر العربية» لعام 2020

«التانكي»... رواية تنحاز للشكل ولا تضحي بالمضمون
TT

«التانكي»... رواية تنحاز للشكل ولا تضحي بالمضمون

«التانكي»... رواية تنحاز للشكل ولا تضحي بالمضمون

تنحاز عالية ممدوح في رواية «التانكي» الصادرة عن «منشورات المتوسط» في مدينة ميلانو الإيطالية إلى الشكل، لكنها لا تُضحّي بالمضمون، حينما تلجأ إلى تشظية السرد وتحطيم نَسَقهِ الخطّي المتصاعد متجاوزة ما اعتادت عليه في رواياتها الثماني السابقات، التي نشعر فيها بهيمنة الشخصية الرئيسية التي تقود دفّة الأحداث.
أمّا في رواية «التانكي» فثمة «بطولة جماعية» حتى وإن كانت «عفاف» تحمل ظلال البطلة أو الشخصية المركزية لهذه الرواية التي تبدو أقرب إلى السهل الممتنع لكنها ليست كذلك في واقع الحال، لأنّ البنية المعمارية لهذا النص السردي لا تعوِّل على الرواية كجنس أدبي وإنما تتعداه إلى السينما، وفن الرسائل، والأغاني العربية، وما إلى ذلك. ولو تمعّنا في المضمون جيداً لوجدناه أوسع بكثير مما يرد في متون الرسائل التي تكتبها شخصيات الرواية إلى كارل فالينو، طبيب عفاف النفسي، فالمضامين أبعد من الحُب، والحرب، والسياسة، لأن فصول الرواية وتفرّعاتها تتناول التاريخ والجغرافيا العراقيين قبل أن تقترب من لعنة الاستبداد، والتفرّد بالسلطة، وهجرة العقول المتنورة التي تبحث عن ملاذ آمن أو موت كريم. وهذا التنوّع يمتدّ حتى إلى الشخصية الواحدة، وربما تكون عفاف أنموذجاً لهذا الثراء الذهني والروحي والمعرفي في آنٍ معاً، فقبل أن تدخل في مرحلة الهجرة أو الغياب درست الهندسة لسنتين متأثرة بأفكار المهندس المعماري معاذ الآلوسي، ورؤيته الفنية التي تتعلّق بالمنزل المكعّب الذي شيّده ولفت أنظار المسؤولين الكبار في الدولة الذين خيّروه بين بناء منزل مشابه له أو التخلّي عنه إليهم. ثم انتقلت إلى أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد وتخرّجت فيها، وحينما بلغت الثالثة والعشرين حسمت أمرها وغادرت إلى باريس، لتدخل في مرحلة الغياب الأبدي الذي تُبرّره إجابتها الصريحة لاستفسار صديقها المعماري معاذ الآلوسي عن السبب الذي يدفعها للهجرة حيث قالت: «أريد تنظيف حواسي جميعها، فلو بقيتُ هنا، لعميتُ، واختفيتُ»، والغريب أنها وصفت كثيراً من العراقيين بالعميان رغم أنّ عيونهم مفتوحة على اتساعها.
لا تحبّذ عفاف التقاط الصور الفوتوغرافية بسبب الحَوَل البسيط الذي تتحرّج منه في عينها اليسرى، ولعل هذا السبب هو دفعها إلى الشغف باللوحة التشكيلية، وكانت تطمح لأن تصل إلى مرتبة الفنانين العالميين الذين يتصدرون الصف الأول بخلاف ما يتوقعه «صميم» الكاتب السرِّي الذي سيطلب من أفراد العائلة برمتهم أن يكتبوا رسائل خاصة إلى الدكتور كارل فالينو، بل إن هذا الطلب قد تجاوزهم إلى بعض الأصدقاء والمعارف من خارج إطار العائلة، مثل النحّات يونس، والمعماري معاذ الآلوسي. تُقيم عفاف علاقتين عاطفيتين؛ الأولى مع النحّات يونس، التي لم تستمر طويلاً، فهي لم ترَ فيه فناناً متميزاً على أقرانه، بل إنها ترى «في منحوتاته بعض السوقية» فلا غرابة في أن تنفصل عنه. والثانية مع الناقد الفرنسي البارز كيّوم فيليب الذي يمتلك سطوة كبيرة على المشهد التشكيلي الفرنسي، ورغم تطوّر العلاقة، فإنها وجدت نفسها في مصحّة نفسية، وربما تكون الجملة الختامية هي من أجمل الأفكار العميقة التي ختمت بها هذه الرواية الإشكالية حينما قالت: «أعضاؤنا تصل نهاية الخدمة دكتور... وأنا لا أعرف بالضبط أيها أنجز مهمته أسرع؛ المرض الإفرنجي أم الداء البلدي؟».
تعود بنا الرواية زمنياً إلى العقد الثاني من القرن العشرين الذي شهد فيه العراق تطوراً عمرانياً ملموساً يتناسب مع تلك الحقبة الزمنية، من تعبيد الشوارع، وتشييد الدوائر الحكومية بعد احتلال الإنجليز للعراق. لا تريد عالية ممدوح أن تزجّ بالقارئ في الصفحات المأساوية لتاريخ العراق الدامي، لكنها تُذكِّر بهذه الوقائع المفجعة من خلال الإشارة إلى بعض الأسماء، فبينما تتحدث الروائية عن شارع «التانكي» الذي هو شارع «الأخطل» الواقع وسط «الصليخ الجوّاني» تأتي على ذكر العوائل العراقية المعروفة التي سكنت في هذا الحي مثل الدكتورة سعاد خليل، عميدة كليّة بغداد، أو صالح مهدي عمّاش، وزير الدفاع، وحينما تصل إلى بكر صدقي تقول إنه نفّذ مذبحة الآشوريين عام 1933. فالحروب تأتي كخلفية للسرد الروائي أو إشارات عابرة هنا أو هناك، الأمر الذي يخفّف من مأساوية الأحداث، لأن الكاتبة تريد التنويه بالمصائب والمحن الكبيرة التي مرّ بها العراق خلال قرن من الزمان، ثم تتواصل المذابح لتطال غالبية مكونات الشعب العراقي الذي يدفع ثمناً باهضاً في كل حقبة جديدة لم تتحرر فيها من ثنائية الضحية والجلاد.
تلامس الروائية كل الحروب الداخلية والخارجية التي شارك فيها العراقيون، لكنها تتوقف عند سنة 1979، وهي سنة عصيبة من تاريخ العراق حينما خرق نظام البعث اشتراطات «الجبهة الوطنية»، وطارد الشيوعيين العراقيين، في محاولة يائسة لاقتلاع هذا الفكر المتجذّر في أرض الرافدين. وبما أنّ الحروب التي شُنّت على العراق كثيرة، فقد توقفت الكاتبة عند الحرب الكونية التي قادتْها دول التحالف عام 2003، ليعود العراق فعلاً إلى عصر ما قبل الصناعة. ويكفي أن نشير إلى ما رآه هلال أيوب وقرأه وترجمه عن هذه الحرب الوحشيّة التي استمرت 42 يوماً؛ بأنّ قوات التحالف قد ألقت على العراق 88500 طن من الذخائر التي تعادل سبع قنابل ذرية بحجم قنبلة هيروشيما، أي ما يعادل قنبلة ذرية كل أسبوع!
لم تخض عالية ممدوح في تفاصيل المطاردة، والتغييب القسري، والتعذيب لكنها لمّحت لذلك وأشارت إليه، فالتلميح، في كثير من الأحيان، يُغني عن التصريح، وربما يكون التساؤل مشروعاً: هل أنّ سامي قد انتحر، أم مات مقتولاً؟
رغم كثرة الشخصيات المثقّفة في هذه الرواية، فإن عفاف تظل الشخصية الأكثر إثارة في هذا النص السردي؛ فهي ذكيّة، وموهوبة، وتستطيع أن تهضم الموضوعات الأدبية والفنية والعلمية في آنٍ معاً، فلا غرابة أن تكون صعبة المراس في آرائها الفنيّة، فهي تبحث دائماً عن النفحة الإبداعية في أي عمل فني تراه أو تتمثّله، حتى لو كان لأحد أساطين الفن العراقيين أو العرب أو الأجانب، ولعل معيارها النقدي يكمن في التفريق بين الفن والحرفة، حيث تقول في هذا الصدد: «أستاذي فايق حسن درسَ في البوزار، لكنه لا يُجيد سوى طهي صحن واحد لا غير، أعني هو حِرَفي فقط، وهناك مبدعون فوق الحرفة، كما هو الحال مع بيكاسو ومشاهير الفنانين».
وتتعاضد لدى عفاف القراءة مع الرؤية الفنية للعالم؛ فهي تمحض الروايات الكلاسيكية حُباً من نوع خاص، فقد تفهّمت أفراد أسرتها وأقاربها وأصدقاءها من خلال هذه الروايات، فالرواية هي قرينة اللوحة، تمنح قارئها نكهة لا يعرفها إلاّ من تذوّقها وأدمنَ عليها زمناً طويلاً، لذلك تصرّح بالفم الملآن: «صحيح الروايات لا تُحسِّن المعيشة، ولا تُجنِّب التفاهة والمهانة، ولكنها تجعل لحياتنا بعض المعنى».
لكن تشظية السرد وتفتيت الزمن الخطّي لم يؤثرا على النسق السردي العام للرواية، ولعل القارئ يشعر بتماسك البنية المعمارية لهذه الرواية التي جاءت بشيء جديد على صعيد الشكل وبعض المضامين التي لامست الألم العراقي الحاد.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.