فوضى وتكدس في المستشفيات الأميركية بسبب نقص المعدات الطبية

نيويورك تدرس تحويل الفنادق إلى مستشفيات... وكولورادو تخصص اختبارات «كورونا» للحالات الحرجة

أميركيون يصطفون خارج خيمة طبية للخضوع لفحص كورونا بنيويوك أول من أمس (رويترز)
أميركيون يصطفون خارج خيمة طبية للخضوع لفحص كورونا بنيويوك أول من أمس (رويترز)
TT

فوضى وتكدس في المستشفيات الأميركية بسبب نقص المعدات الطبية

أميركيون يصطفون خارج خيمة طبية للخضوع لفحص كورونا بنيويوك أول من أمس (رويترز)
أميركيون يصطفون خارج خيمة طبية للخضوع لفحص كورونا بنيويوك أول من أمس (رويترز)

مع ارتفاع عدد الحالات المصابة بفيروس «كورونا» المستجد «كوفيد - 19» في الولايات المتحدة بصورة متسارعة، سادت الفوضى معظم المستشفيات الحكومية والخاصة في جميع الولايات، بسبب الإقبال الشديد من المواطنين على إجراء اختبارات الفيروس التاجي. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة الفيدرالية، والسلطات المحلية، في كل ولاية، لتيسير إجراء الاختبارات، فإن نقص مواد التعقيم والأدوات والأجهزة الطبية اللازمة، أصاب بعض المستشفيات بالشلل، مما جعل السلطات المحلية تتخذ قرارات بإجراء الاختبارات للحالات الحرجة فقط.
يُعدّ الاختبار أمراً بالغ الأهمية للأشخاص المصابين، ليس فقط لتحديد المتابعة الطبية التي يحتاجون إليها، بل إنه يساعد مسؤولي الصحة على تتبع انتشار الوباء، وتحديد المخالطين للمصاب، والتوجيه بعزلهم لوقف الانتشار. إلا أن عدم استعداد المستشفيات لهذا النوع من الأوبئة، يضع حياة آلاف الأميركيين على المحكّ، وسط توقعات بزيادة الحالات بشكل كبير خلال الأسابيع المقبلة. وقد سجلت الولايات المتحدة، مساء أول من أمس (الخميس)، 10 آلاف إصابة وأكثر من 150 وفاة.
عندما كشفت الولايات المتحدة عن أولى الإصابات بـ«كوفيد - 19»، الشهر الماضي، تم إرسال جميع الاختبارات في البداية إلى مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. ومع تصاعد الحالات في وقت سابق من هذا الشهر، بدأت الحكومة الفيدرالية في السماح للسلطات المحلية، وكذلك الشركات الخاصة، بإجراء الاختبارات بنفسها، على أمل تسريع العملية.
ولكن مع زيادة عدد الحالات التي يتم اكتشافها يومياً، ظهرت سلسلة من الصعوبات، بسبب افتقار العديد من المناطق لأجهزة الاختبار الكافية. وبعضها يفتقر إلى معدات الحماية التي يحتاج إليها مقدمو الخدمات لإجراء الاختبارات، حتى المختبرات الخاصة، التي تلجأ إليها الولايات للمساعدة، تكافح من أجل توفير المواد الطبية اللازمة. وأصبح عدد الأشخاص الذين يحاولون إجراء الاختبار كابوساً لوجيستياً للقطاع الصحي الخاص والعام.
في ولاية كولورادو، قامت وزارة الصحة بتحويل عيادة الاختبار الوحيدة في مدينة دنفر، إلى عيادة متنقلة، مما تسبب في فوضى داخل المدينة، خصوصاً بعدما أكد المسؤولون أنهم سيقصرون إجراء الاختبار على الأفراد الأكثر ضعفاً في جميع أنحاء كولورادو. وقال متحدث باسم وزارة الصحة إن الولاية يمكنها إجراء نحو 250 اختباراً يومياً، لكن مع تراكم العينات، باتت النتائج تستغرق ما يصل إلى خمسة أيام.
وفي مينيسوتا، التي تعهدت في البداية بإجراء الاختبارات على نطاق واسع، تراجع مسؤولو الصحة عن تعهداتهم، واقتصرت الاختبارات على العاملين في مجال الرعاية الصحية، والمرضى الموجودين في المستشفيات، والأشخاص في مرافق خاصة بالمسنين. وقالت مفوض إدارة الصحة بالولاية، كريس إرسمان، إن ارتفاع الطلب جعل اختبار كلّ مَن قد يُصاب بالعدوى مستحيلاً. وأضافت أن «حجز هذه الاختبارات المعملية للمرضى هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله».
بينما قالت حاكم ولاية داكوتا الجنوبية، كريستي نويم، إن مختبر الولاية الحكومي اضطر إلى التوقف مؤقتاً عن إجراء الاختبارات، بسبب نفاد الإمدادات اللازمة. وأضافت أنهم يحاولون منذ أسابيع الحصول على المزيد من المواد الكيميائية المستخدمة في معالجة الاختبارات من الموردين، وطلبت من نائب الرئيس مايك بنس المساعدة.
بينما اتّجهت بعض الولايات، مثل فلوريدا، لإجراء الاختبار، من خلال القيادة، أي دون أن يخرج المرضى من سيارتهم، حيث يتلقون الاختبار وهم في سياراتهم، إلا أن هذا الوسيلة أيضاً تواجه صعوبات في ظل نقص الأدوات الطبية.
دعت العديد من الولايات، بما فيها مينيسوتا ونيومكسيكو، الحكومة الفيدرالية والمصنعون، للمساعدة في الحصول على الإمدادات، مثل معدات الحماية الشخصية وأجهزة الاختبار. واعترف مسؤولو الصحة الفيدراليون في شهادة أمام الكونغرس، هذا الأسبوع، أن هناك نقصاً محتملاً في المواد الكيميائية المستخدمة في الاختبارات.
من ناحية أخرىً، أعلنت مدينة نيويورك أنها تدرس تحويل الفنادق إلى مستشفيات لإيواء المرضى الذين ليس لديهم فيروس «كورونا»، في محاولة لزيادة القدرات في المرافق الطبية مع تمدد انتشار الفيروس. وقالت مفوضة إدارة الطوارئ في المدينة، دين كريسويل، في تصريحات، الأربعاء، إن الفنادق قد تكون مهمة جداً، لأن المدينة تحتاج إلى المزيد من الأسرّة لعلاج المصابين، مشيرة إلى أن الفنادق ستكون «لأولئك المرضى غير المصابين بالفيروس، ولكنهم بحاجة إلى رعاية».
وأضافت كريسويل أن المدينة تستخدم حالياً بعض الفنادق للحجر الصحي، ويمكن أن تستخدمها لإيواء العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يحتاجون إلى أماكن للإقامة، لافتة إلى أنه مع انهيار صناعة السياحة في المدينة بسبب الفيروس، أصبحت العديد من الفنادق خالية.
ويلامس عدد الحالات المؤكدة في نيويورك 4 آلاف، تُوفّي منهم أكثر من 20 شخصاً. ويأمل مسؤولو المدينة أيضاً تحويل مركز مؤتمرات «جاكوب جافيتس»، في مانهاتن إلى مستشفى كبير، باستخدام المحطات الطبية الفيدرالية.
وقال عمدة نيويورك، بيل دي بلاسيو، إن الطاقة الاستيعابية للمدينة تبلغ 1300 سرير إضافي، بعدما تمت إعادة فتح المستشفيات المغلقة والمرافق الأخرى. ولتوفير مساحة أكبر، تقوم المدينة أيضاً بإخراج المرضى الذين يمكنهم مغادرة المستشفيات، وإلغاء العمليات الجراحية غير الضرورية، وبناء المزيد من القدرات داخل المستشفيات.
وقال: «سيكون هذا سباقاً مع الزمن لإنشاء هذه المرافق لتشغيلها، والعثور على الأفراد والمعدات التي نحتاج إليها. ليس لدينا خيار سوى التوسع بسرعة والاستعداد لأي شيء». وأعلن دي بلاسيو أن قدرة المدينة على الاختبار تصل إلى ستة آلاف عينة يومياً.


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.