لأول مرة منذ 13 شهراً «حراك الجزائر» يغيب عن الشوارع

شوارع العاصمة الجزائرية بدت أمس لأول مرة منذ 13 شهراً خالية من المتظاهرين (أ.ب)
شوارع العاصمة الجزائرية بدت أمس لأول مرة منذ 13 شهراً خالية من المتظاهرين (أ.ب)
TT

لأول مرة منذ 13 شهراً «حراك الجزائر» يغيب عن الشوارع

شوارع العاصمة الجزائرية بدت أمس لأول مرة منذ 13 شهراً خالية من المتظاهرين (أ.ب)
شوارع العاصمة الجزائرية بدت أمس لأول مرة منذ 13 شهراً خالية من المتظاهرين (أ.ب)

«جمعة الهدنة»... هكذا وصفها بعض نشطاء الحراك الجزائري الشعبي، تعبيراً عن عزمهم تعليق المظاهرات ظرفياً، والعودة في أقرب وقت إلى ساحات الاحتجاج بالعاصمة والمدن الكبيرة، التي كانت فارغة أمس إلا من عربات رجال الشرطة، التي اصطفت على أطراف الشوارع، وطائراتهم العمودية المحلقة في السماء، وهي عادتهم منذ أكثر من سنة. ولقيت نداءات ودعوات رموز الحراك إلى تعليق المظاهرات استجابة واسعة من جانب الآلاف، الذين لم يتخلفوا عن «مظاهرات الجمعة»، وذلك منذ أول جمعة (22 فبراير/ شباط 2019)، لأن «الظرف استثنائي»، بحسب تعبير جمال الدين حريز، أحد تجار مدينة الحراش بالضاحية الشرقية للعاصمة، الذي ظل يداوم على المشاركة في الحراك، ولأن الأمر يتعلق بالصحة العامة للجزائريين، حسبه.
وخلت أمس شوارع «ديدوش مراد» و«عسلة حسين» و«عميروش»، و«ساحة موريس أودان» والبريد المركزي بالعاصمة من المتظاهرين، وحتى من المارة العاديين غير المنخرطين في الحراك، ومنهم من يعارضه ويطالب بوقفه. وبالمقابل انتشر عمال بلدية الجزائر الوسطى، حاملين وسائل الرش ومواد مطهرة لتعقيم واجهات العمارات والمحلات التجارية والطرق. كما شوهدت أستاذة كلية الإعلام لويزة إدريس الناشطة بالحراك، وهي توزع رفقة زوجها الأستاذ الجامعي، قفازات على أعوان حمل المخلفات المنزلية ببلدية بوزريعة بأعالي العاصمة.
وجرت العادة أن يتجمع أكثر المتمسكين بمواصلة الحراك قبل صلاة الجمعة في الفضاءات، التي تتحول إلى خلايا نحل، مباشرة بعد خروج المصلين من المساجد، ثم تصبح سيولاً بشرية تجوب أهم الشوراع تحت مراقبة لصيقة لقوات الأمن.
ومن خلال مشاهد أمس وسط العاصمة، بات واضحاً أن رموز الحراك استطاعوا التأثير في موقف أكثر المتظاهرين «المتشددين». ومن أبرز «المؤثرين» الذين حذروا من الخروج هذا الجمعة، المحامي مصطفى بوشاشي، الذي طرح اسمه قبل عام ليكون محاوراً للسلطة باسم الحراك، والمناضل الحقوقي عبد الغني بادي، «محامي معتقلي الحراك»، والكاتب الصحفي نجيب بلحيمر، وأستاذ الإعلام بالجامعة رضوان بوجمعة، وناشطون غادروا السجن منذ أسابيع قليلة، بعدما دخلوه بسبب مواقفهم المعارضة للنظام، وأهمهم حكيم عداد الرئيس السابق للتنظيم الشبابي «تجمع - عمل - شباب» القوي في الميدان. وكتب عبد العزيز بوباكير، الكاتب المعروف، على حسابه بـ«فيسبوك»: «الحراك سلمي ومنضبط. برافو»، في إشارة إلى التجاوب الواسع مع دعوة تعليق المظاهرات.
يشار إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون كان أعلن الثلاثاء الماضي عن منع كل المظاهرات «مهما كان». وحرص الناشطون على «سحب البساط من رجل الحكومة»، حسب بعضهم، وذلك بأن يقتنع الحراك بأن من مصلحته حماية صحة المتظاهرين وعامة الجزائريين، وأن يبادر من تلقاء نفسه بوقف الاحتجاج، قبل أن تطلب السلطة ذلك، أو تمنعه باستعمال القوة.
ونقل محامو وأقارب معتقلين عنهم أنهم يناشدون «الحراكيين» تعليق المظاهرات حتى تتغير الظروف، وأبرزهم كريم طابو، رئيس حزب «الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي» غير المعتمد، الذي سيغادر السجن الأسبوع الجاري، بعد استنفاد العقوبة التي حكم بها القضاء، وعبد الوهاب فرساوي الرئيس الحالي لـ«تجمع - عمل - شباب»، الذي وجه رسالة من سجنه، نشرها رفاقه بالتنظيم، جاء فيها: «توقيف المظاهرات مؤقتاً ليس أبداً استسلاماً، بل يعكس روح مسؤولية، ووعياً وتعقلاً لدى المتظاهرين».
وكتب حكيم عداد محاولاً وصف غياب الحراك لأول مرة، فقال: «حزين للغاية لعدم تمكني من التظاهر في الشارع مع أبناء بلدي، كما كان دأبنا منذ 13 شهراً سعياً لبناء جزائر تسودها الديمقراطية والعدل. إنه حزن مشفوع بمسؤولية يتحلى بها الشعب الجزائري، حفاظاً على الصحة العامة. والحرص على صحتنا سيسمح لنا بالعودة أقوى عن قريب لاستئناف مسيرة البحث عن مستقبل أفضل. وفي هذا الظرف العصيب أعبر عن تضامني مع المعتقلين الذين يتعرضون لحجر مزدوج: العزلة في الزنازين والإجراءات الصحية الوقائية المفروضة في السجون بسبب تفشي الوباء. وفوق ذلك، يتعرضون لفيروس من نوع آخر... فيروس نظام بوليسي عسكري عقدنا العزم على محاربته الى آخر رمق... بكل سلمية».
وفي وهران، كبرى مدن الغرب، حاول ناشطون أول من أمس، خلال اجتماع بالمدينة إقناع المتظاهرين بالخروج إلى شوارعها الجمعة. لكنهم لم يلقوا آذاناً صاغية، حيث خلت وهران أمس من متظاهريها المعتادين. وقاد المسعى أستاذ الجامعة قدور شويشة، الذي سجنته النيابة منذ أشهر بتهمة «التحريض على التجمهر غير المسلح»، لكن برأه القضاء منذ أسبوعين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».