قضية الفاخوري تطيح رئيس المحكمة العسكرية

الخارجية استدعت السفيرة الأميركية للاستماع إلى حيثيات إخراجه من بيروت

TT

قضية الفاخوري تطيح رئيس المحكمة العسكرية

لا تزال قضية الإفراج عن العميل الإسرائيلي آمر معتقل الخيام السابق عامر الفاخوري، الذي يحمل أيضا الجنسية الأميركية، تتفاعل في لبنان نتيجة الاتهامات المتبادلة والحديث عن «صفقة» مع واشنطن أدت إلى اتخاذ هذا القرار.
وأولى تداعيات هذه القضية أدت إلى تنحي رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد الركن حسين عبد الله عن مهامه في رئاسة المحكمة التي اتخذت قراراً بـ«وقف التعقّب» بحق الفاخوري، بالنظر إلى «مرور الزمن» على ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه.
وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن رئيس المحكمة العسكرية تنحى عن مهامه في كتاب رفعه إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، على خلفية الحملة التي تعرض لها مع أعضاء هيئة المحكمة، على إثر القرار الذي أصدره في قضية الفاخوري. وجاء في كتاب التنحي: «احتراما لقسمي وشرفي العسكري، أتنحى عن رئاسة المحكمة العسكرية، التي يساوي فيها تطبيق القانون، إفلات عميل، وألم أسير، وتخوين قاض». ولفتت الوكالة إلى أن العميد عبد الله أصرّ على قرار التنحي، على أن يستمر مؤقتا في تسيير الأمور الإدارية في المحكمة إلى حين تعيين رئيس بديل.
وأول من أمس، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الإفراج عن الفاخوري، الذي يحمل الجنسية الأميركية، وقال إنه في طريقه للعودة إلى الولايات المتحدة، شاكرا الحكومة اللبنانية على تعاونها للإفراج عنه.
وكانت مروحية أميركية ضخمة قد هبطت أول من أمس في مبنى السفارة الأميركية في بيروت، لدقائق معدودة، وذكرت المعلومات أنها أقلت الفاخوري.
وبينما غابت قضية الفاخوري عن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أول من أمس، رغم تفاعلها في لبنان، لم تصدر أي مواقف من قبل المسؤولين اللبنانيين حيالها، إلا بعدما تحدث ترمب صراحة عن القضية، شاكرا الحكومة اللبنانية.
واكتفى رئيس الحكومة حسان دياب أمس بتغريدة له على حسابه على «تويتر»، قائلاً: «لا يمكن أن تُنسى جريمة العمالة للعدو الإسرائيلي. حقوق الشهداء والأسرى المحررين لا تسقط في عدالة السماء بمرور الزمن»، فيما استدعى وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، واستمع منها إلى شرح حول حيثيات وظروف إخراج عامر الفاخوري من السفارة الأميركية في عوكر إلى خارج لبنان.
وأعلنت وزيرة الدفاع زينة عكر أنها ستعمل على إقرار تعديل لقانون العقوبات بما يحول دون تطبيق مرور الزمن على أعمال العدوان على لبنان (المواد 273 - 274 - 275) وأيضاً إدخال الجرائم ضد الإنسانية ضمن أحكامه وهي بالمفهوم القانوني العام غير مشمولة بمرور الزمن.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر مواكبة للملف لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يمكن لرئيس المحكمة العسكرية أن يكون كبش محرقة في الوقت الذي كان واضحا أن قضية الفاخوري كانت حاضرة في كل اللقاءات التي جمعت المسؤولين الأميركيين بمسؤولين سياسيين وغير سياسيين في لبنان، وبالتالي فإن ما حصل لم يكن مفاجئا للجميع، وبالتالي كان يمكن للحكومة ومنتقدي القرار اليوم أن يقوموا بأي خطوات من شأنها تدارك ما حصل. وسألت: «لماذا لم يتم العمل على تعديل قانون العقوبات الذي استندت إليه المحكمة العسكرية لوقف التعقّب بحق الفاخوري، بالنظر إلى مرور الزمن العشري؟» وهو الذي استفاد منه كثير من الأشخاص قبل ذلك، وأضافت: «ولماذا لم يتم تدارك الموضوع منذ وصول الفاخوري إلى لبنان في سبتمبر (أيلول) عام 2019، وهو الذي دخل عبر المطار بعد التأكد أن اسمه شطب من البرقية 303 التي يصدرها الجيش لضبط تحركات المشتبه فيهم والمدانين بجرائم التعامل مع العدو والإرهاب، ليعود بعدها ويوقف بعد الضجة التي رافقت دخوله إلى لبنان؟».
وتؤكد المصادر: «منذ توقيف الفاخوري في لبنان وقضيته لم تغب عن لقاءات الأميركيين بالمسؤولين اللبنانيين وغير المسؤولين، من وزير الخارجية ديفيد هيل إلى السفيرة الأميركية السابقة إليزابيث ريتشارد والجديدة دوروثي شيا». وتضيف: «ورغم أن (حزب الله) كان على علم بكل ما يحصل لكنه لم يحرك ساكنا وهو الممثل عبر وزراء له في الحكومة المحسوبة عليه وعلى حلفائه ويمثلون الأكثرية في البرلمان، ليعود ويصعّد بعد الإفراج عن الفاخوري والمواقف المنتقدة له»، وتساءلت المصادر أيضا: «أين موقف رئيس الجمهورية ميشال عون وأين الحكومة اللبنانية التي نأت بنفسها عن الموضوع وبقيت في صمت مطبق واجتمعت بعد قرار المحكمة العسكرية من دون أن تطرح القضية على طاولة مجلس الوزراء ولو من باب رفع العتب، حتى إن رئيس الحكومة في تعليقه المقتضب لم يردّ على ما قاله ترمب؟».
ومن هنا تسأل المصادر من المستفيد من هذه القضية؟ مضيفة: «هل الهدف منها قطع الطريق أمام العقوبات التي طالما تم الحديث عنها وبأنها ستطال شخصيات من غير الطائفة الشيعية، أو أنها ستشكل بابا لتطبيع علاقة لبنان مع أميركا؟».
وعلى وقع استمرار السجال وتبادل الاتهامات حتى بين الحلفاء، خاصة بين مناصري «حزب الله» و«التيار الحر» كان موقف أمس للأخير ردّ فيه أيضا على حلفائه، مؤكدا أنه لا علاقة لرئيسه النائب جبران باسيل لا بدخول الفاخوري إلى لبنان ولا بقرار المحكمة العسكرية.
وقال التيار في بيان: «يتعرض التيار الوطني الحر ورئيسه لحملة افتراءات متواصلة تتغيّر فصولها بحسب طلب صانعيها وقد كشفت هذه المرّة تناقض القائمين بها من أصحاب نظريات المؤامرة الدائمة فهم اتهموا باسيل سابقاً بأنه ‏سهّل دخول الفاخوري إلى لبنان تجاوباً مع طلب إيراني، وهم أنفسهم يتهمونه اليوم بتسهيل خروجه من لبنان تجاوباً مع طلب أميركي». وأضاف أن هذه اللغة التخوينية التي تستعمل فقط للمزايدات لا تقتصر على فريق سياسي واحد بل تأتي من الفريقين، وبعض من الفريق المدافع عن المقاومة هو الذي يسيء إليها أكثر من أخصامها. وبينما عبر البيان عن تفهم مواقف البعض الرافضة لقرار المحكمة العسكرية بكف التعقبات، أكد «أنه ليس بحاجة للتأكيد على إدانة ‏العمالة وعلى اعتبار إسرائيل عدوّاً وقد دفع وسيدفع إلى ما لا نهاية ثمن مواقفه المعروفة، ولكنّه في الوقت نفسه يحرص على وضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبار».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.