رئيس الوزراء العراقي المكلّف يكثف اتصالاته رغم الرفض الشيعي

أطراف اعتبرت لقاءات الزرفي مع المبعوثة الأممية وسفيرين عربيين «مستفزة»

عدنان الزرفي
عدنان الزرفي
TT

رئيس الوزراء العراقي المكلّف يكثف اتصالاته رغم الرفض الشيعي

عدنان الزرفي
عدنان الزرفي

رغم الحملة التي سبقت اجتماع قيادات الكتل الشيعية في منزل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، الهادفة إلى رفض تكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فإن مخرجات الاجتماع لم تكن بمستوى تلك الحملة. فبعد ساعات من إعلان رئيس الجمهورية برهم صالح تكليف الزرفي، محافظ النجف السابق عضو البرلمان عن تحالف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، تداعى عدد من قادة الشيعة إلى اجتماع عاجل لرفض تكليف الزرفي.
الحملة التي سبقت الاجتماع تمثلت في نشر معلومات، مفادها أن الزرفي بات مرفوضاً من قبل مراجع النجف الأربعة، وهو ما لم يتم التأكد منه عبر بيان رسمي من مكاتب تلك المراجع. كما نشرت معلومة مفادها أن الزعيم الكردي مسعود بارزاني رفض لقاء الزرفي قبل أن يحظى بتوافق كامل داخل البيت الشيعي. لكن لا مكتب الزرفي أكد أو نفى تلك المعلومات، ولا مكتب بارزاني.
الاجتماع الذي حضره نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم، وحيدر العبادي نفسه الذي ينتمي الزرفي إلى تياره، وفالح الفياض، وممثلون عن «عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، ونصار الربيعي ممثل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لم يصدر عنه بيان واضح برفض الزرفي بسبب استمرار الخلافات بينهم حول البديل الذي يجب تقديمه إلى رئيس الجمهورية.
وفي حين طالب المجتمعون بأن يقدم الزرفي اعتذاره عن تولي المنصب، لتبدأ جولة أخرى من المباحثات بينهم لاختيار البديل، فإن الزرفي لم يقابل تلك المحاولات بالصمت، وإنما بتحدٍ من نوع جديد لم يقدم عليه أي مرشح سابق لتشكيل الحكومة. فقد بدأ الزرفي مشاورات واضحة معلنة مع القوى والكتل السياسية، بما فيها الكتل السنية والكردية، بانتظار تبلور مواقف الكتل الشيعية. وبدا الزرفي مستفزاً لخصومه عبر عقده 3 اجتماعات مع جهات خارجية. ففي اليوم الثاني من تكليفه، التقى الزرفي ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت التي أكدت أهمية تشكيل حكومة عراقية، وهو ما يعني حصوله على دعم أممي، بالإضافة إلى تغريدة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أكد فيها دعم واشنطن للزرفي. وبالإضافة إلى مساعيه للحصول على الدعم الدولي، فقد التقى الزرفي كلاً من السفيرين المصري والكويتي. وطبقاً للبيانين اللذين صدرا عن مكتبه، فقد حصل الزرفي على دعم عربي. وحسب بيان حول لقائه مع السفير الكويتي، جرى التأكيد على أن «استقرار العراق يصب في صالح الدول المجاورة والصديقة». وأضاف البيان أن الزرفي أكد خلال اللقاء «أهمية أن يضطلع العراق بمكانته في محيطه العربي والإقليمي». وأكد السفير الكويتي «استعداد الكويت لمزيد من التعاون في الملفات المشتركة بين البلدين الشقيقين».
ومن جانبها، سعت إيران إلى النأي بنفسها حيال ما بدا أنه أزمة على صعيد تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. وفي هذا السياق، أعلن مساعد السفير الإيراني في بغداد، موسى علي زادة طباطبايي، أن سياسة بلاده مبنية على عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية. ونقلت وكالة «إرنا» الإيرانية، أمس، عن طباطبايي «أمنياته وأمنيات بلاده للسياسيين العراقيين بالتوفيق في الخطوات التي يتخذونها من أجل الأمن والإعمار والاستقرار في بلدهم».
إلى ذلك، أكد رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي أن أسباب رفض الكتل الشيعية للزرفي ليست سياسية، وأضاف في تغريدة له على حسابه في موقع «تويتر» أن بعض الكتل الشيعية الرافضة «تتحجج بعدم حصوله على إجماع البيت الشيعي»، وتابع: «نحن نسأل هنا: هل حصل إجماعٌ من تلك القوى على رؤساء الوزراء السابقين»، مبيناً أن «أسباب الرفض ليست سياسية، ولم تكن واقعية، ولذا ندعو الجميع إلى أن يكون القرار وطنياً».
وحول سبل تفكيك الأزمة الحالية، وكيف يمكن لرئيس الوزراء المكلف أن يواصل مهمته التي تبدو شاقة، يقول الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، لـ«الشرق الأوسط» إن «رفض الزرفي جاء فقط من قبل كتلتي (دولة القانون) بزعامة نوري المالكي، و(الفتح) بزعامة هادي العامري، ولم يشمل هذا الرفض قوى أخرى، ربما حتى من المقربين منهم، فضلاً عن وجود قبول من قبل الأقوياء لدى الشيعة، فضلاً عن ترحيب من قبل السنة، وترحيب حذر من التحالف الكردستاني».
وأضاف الشمري أن «الاجتماع الذي عقد في منزل الحكيم (مساء أول من أمس) لم يكن لأغراض الرفض بقدر ما هو محاولة لتوحيد الآراء، والوصول إلى مساحة مشتركة، فيما يرتبط بالمرحلة المقبلة، بالإضافة إلى أن هناك أطرافاً داخل الاجتماع حاولت الوصول إلى تفاهمات مع القوى الرافضة، وهي داعية إلى ترشيح عدنان الزرفي وداعمة له، حيث سعت للوصول إلى نوع من التفاهمات بشأن ذلك».
وأوضح الشمري أنه «تم الاتفاق على عدم رفض التكليف دستورياً، مع مضي المرشح بتفاهماته، واستكمال حواراته مع القوى السياسية خلال المدة الدستورية، مع استمرار الخلافات حول ما يمكن أن يقدمه لهذه القوى السياسية، حيث إن البيت الشيعي يريد ضمانات بشأن الحكومة المقبلة».
وبيّن الشمري أن «هناك كثيراً من الضمانات التي يجب على الزرفي التعهد بها، خصوصاً لجهة مكاسب بعض الجهات، والموقف من الفصائل المسلحة، وعدم استعداء إيران، كون ما يؤخذ على الزرفي موقفه الإيجابي من الوجود الأميركي في العراق، وأمور أخرى، بما في ذلك دعم الصدر له، حيث لا يزال الخلاف بين المالكي والصدر حاضراً في قضية تكليف الزرفي».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم