«كورونا» يجدِّد المطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في ليبيا

TT

«كورونا» يجدِّد المطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في ليبيا

تتصاعد داخل الأوساط الليبية دعوات كثيرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والموقوفين في سجون طرابلس، الواقعة تحت سلطة الميليشيات ووزارتي الداخلية والدفاع، ومن بينهم قيادات بالنظام السابق، في ظل مخاوف متزايدة من تفشي فيروس «كورونا» المستجد بالبلاد، وتأثيره على حياة المئات من الموقوفين.
وكان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، قد وعد أمام مؤتمر برلين في التاسع عشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، ببحث أزمة المعتقلين؛ لكنها أصبحت الآن أزمة جد معقدة، بعد أن انشغلت جميع الأجهزة في العاصمة بحرب طرابلس، والتصدي لقوات «الجيش الوطني»، وبسبب ذلك ظل المعتقلون والسجناء على حالهم، ومن بينهم الساعدي نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، وبعض قيادات النظام السابق.
وفي ظل الأعداد الكبيرة التي تقبع داخل حوالي 20 سجناً في جنوب وشرق العاصمة، طالب سياسيون وحقوقيون بضرورة الإفراج في أسرع وقت ممكن عن جميع السجناء والمعتقلين؛ خصوصاً مع حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد، والتي ترفع احتمالات تعرضهم لخطر الوفاة. وفي هذا السياق، طالب الحقوقي الليبي أحمد عبد الحكيم حمزة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «بضرورة سرعة النظر في وضعية هؤلاء المعتقلين والسجناء فوراً، قبل وقوع الكارثة»، وقال: «أضمُّ صوتي إلى جميع المطالب السياسية والحقوقية بضرورة إطلاق سراح المئات من المعتقلين، وحتى من هم على ذمة قضايا جنائية أو جنح، ولا يشكِّلون خطراً على المجتمع». مشدداً على ضرورة تفعيل اللوائح الخاصة بالسجون، واتخاذ إجراءات احترازية من التعقيم وتوفير أدوات تطهير، مع أهمية أن يتم تخفيف تكدس السجناء للحيلولة دون تفشي وباء «كورونا» المستجد.
واتخذ المستشار محمد الحافي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا، قراراً، الخميس الماضي، بالنظر الفوري والسريع لملفات القضايا الجنائية، للإفراج عن كل من لا يشكل إطلاق سراحه خطراً على المجتمع، واستثنى الموقوفين على ذمة القضايا الخطيرة كالقتل والإرهاب، وجلب المخدرات، على أن يكون قرار الإفراج مشروطاً بالكشف الطبي، قبل تنفيذ قرار الإفراج عنهم. بينما لم يأتِ قرار مجلس القضاء الأعلى على المعتقلين السياسيين، أو قيادات النظام السابق الذين لا يزالون قيد التوقيف، وهو ما أزعج جل الأوساط في البلاد، وخصوصاً أنصار النظام السابق.
وتوصف سجون «الهضبة»، و«الرويمي (أ) و(ب)» في جنوب طرابلس بمنطقة عين زارة، بأنها من أخطر المعتقلات وأسوئها سمعة. فالأول كان يضم شخصيات من النظام السابق، ومن بينهم الساعدي القذافي، وعبد الله السنوسي الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الليبية، وعبد الله منصور المدير الأسبق للأمن الداخلي في عهد القذافي، قبل أن يغلق في عام 2017، ليتم نقلهم إلى «الرويمي». ويضم القسم الأول (أ) المحكوم عليهم بأحكام مغلظة، والموقوفين في قضايا سياسية.
وسبق أن هددت أسرة القذافي بتحريك دعاوى قضائية، محلياً ودولياً، للإفراج عن نجلها الساعدي، محملة محتجزيه ومن سمَّتهم «الجهات المعنية» مسؤولية سلامته الشخصية، بعدما قالت إنه تعرض للتعذيب، ومنع عنه العلاج.
وكان الساعدي قد نال حكماً بالبراءة في أبريل (نيسان) 2018، بعد اتهامه بقتل لاعب ومدرب فريق الاتحاد لكرة القدم بشير الرياني، ورغم وعود سابقة من سلطات طرابلس بالإفراج عنه، فإنه لا يزال قيد الحبس. كما طالبت عائلتا السنوسي ومنصور بالإفراج عنهما؛ خصوصاً بعد حكم أصدرته محكمة استئناف طرابلس نهاية العام الماضي، بإسقاط التهمة عن المتهمين في قضية سجن «أبوسليم» لانقضاء مدة الخصومة؛ وكان من بين المتهمين السنوسي ومنصور.
ويعتقد أن قضية سجن «أبوسليم» عملية قتل جماعية، وقعت في 29 يونيو (حزيران) 1996 من قبل نظام القذافي، وراح ضحيتها 1269 معتقلاً، معظمهم من سجناء الرأي.
وكان الدكتور مصطفى الزائدي، أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية الليبية، قد قال إن «استمرار اعتقال السجناء في ظل ازدياد المخاوف من انتشار وباء (كورونا) المستجد، جريمة مزدوجة»، موضحاً أنه «علاوة على أن اعتقالهم تم من دون أوجه قانونية، فهم يعرضون حياتهم إلى أخطار محدقة»، وبالتالي «يجب الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين بسجون معيتيقة ومصراتة، والمعتقلين لدى الميليشيات».
من جهتها، اعتبرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، برامج التدابير التي أعلنت عنها وزارة العدل في حكومة «الوفاق»، غير كافية، مما يعرض حياة السجناء في المعتقلات المختلفة لخطر الموت، بسبب المضاعفات الصحية الناجمة عن الإصابة بفيروس «كورونا». ورأت أن الوزارة أغفلت الحديث عن مسألة اكتظاظ مراكز الاعتقال، المتمثلة في «مؤسسات الإصلاح والتأهيل»، التي توجد بها أعداد كبيرة من المعتقلين في زنازين ضيقة، وفي ظروف صحية غير ملائمة للبشر. كما أنها «تفتقر للصرف الصحي، والماء الصالح للشرب، بالإضافة إلى أنهم يتعرضون لإهمال طبي، وسوء تغذية، والحرمان من الزيارات العائلية»، بحسب قولها. وانتهت اللجنة إلى أن كل «هذه الظروف تجعل وباء (كورونا) المستجد سريع الانتشار بين المعتقلين والمحتجزين».
وكانت الوزارة قد أعلنت عن مجموعة من الإجراءات الاحترازية، منها إجراء مسح طبي شامل للمعتقلين، وتوفير مطهرات وكمامات وقفازات واقية لهم، وقالت إنها «تدابير جيدة إن تحققت؛ لكن تبيَّن لنا من خلال مقابلات مع معتقلين تم الإفراج عنهم العام الماضي ومع ذويهم، أنهم محرومون في أغلب مراكز الاعتقال من أبسط أنواع الرعاية الطبية، وحالة مراكز الاعتقال سيئة للغاية، ومكتظة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».