بوتين رئيساً حتى عام 2036 متحدياً «كورونا» والغرب والأزمة المالية

بعدما وجد الروس أنفسهم أمام خيارين: «الاستقرار أو الفوضى؟»

بوتين رئيساً حتى عام 2036 متحدياً «كورونا» والغرب والأزمة المالية
TT

بوتين رئيساً حتى عام 2036 متحدياً «كورونا» والغرب والأزمة المالية

بوتين رئيساً حتى عام 2036 متحدياً «كورونا» والغرب والأزمة المالية

أخيراً، اتضحت معالم السيناريو الذي طال الجدل حوله في روسيا.
كانت الخيارات المطروحة متعددة، وكلها يحاول أن يجيب عن سؤال واحد: ماذا سيفعل فلاديمير بوتين هذه المرة؟ وكيف سيرتّب لبقائه في الكرملين بعد انقضاء ولايته الثانية على التوالي والرابعة منذ أن تسلم مقاليد السلطة في عام 2000؟
ولقد كان واضحاً أن «سيد الكرملين» لن يكون بمقدوره هذه المرة، تكرار سيناريو 2008 عندما تبادل الأدوار مع صديقه المقرّب ديمتري مدفيديف، واضطر إلى الانتظار في مقعد رئيس الوزراء الذي بدا ضيقاً عليه، لكنه تعايش معه لأربع سنوات، قبل أن يتوّج مجدّداً زعيماً للأمة في 2012. هذه المرة لم تعد لعبة تبادل الكراسي تصلح. ولم يعد ثمة بديل عن تعديل الدستور.
كانت الخيارات التي وضعها مقربون من الكرملين متعددة، بينها «سيناريو كازاخستان»، حيث انتقل نور سلطان نزاباييف «الرئيس الخالد» و«الشمس المضيئة» وفقاً للتعابير التي تطلقها عليه الصحافة المحلية، من مقعد الرئاسة، إلى كرسي «أعلى» حمل تسمية رئاسة مجلس الدولة، جرى تفصيله على مقاسه، ليشرف من فوقه على أمور البلاد وهي تدار، وليكون قادراً على التدخل و«تصويب» المسار إذا دعت الحاجة.
لم يكن الخيار الذي يبدو قريب الشبه بفلسفة «المرشد الأعلى» إنما بهالة شخصية خاصة وليس بإسقاط ديني، يصلح لبوتين، الذي اعتاد على مدار عشرين سنة أمضاها في الحكم على الإدارة المباشرة، وإظهار أنه سيد الموقف وصاحب القرار الأوحد. والأمثلة على ذلك كثيرة، بينها أنه كان رئيساً للوزراء عندما اندلعت المواجهات مع جورجيا في صيف عام 2008، ولم يتمكن «الرئيس» مدفيديف خلال 24 ساعة من إعلان موقف واضح، قبل أن يظهر بوتين أمام الكاميرات وكان حينها في الصين للمشاركة في افتتاح دورة ألعاب رياضية، وأعلن للصحافيين أن «المجرم يجب أن يعاقَب» في إشارة إلى الرئيس الجورجي آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي. وعلى الفور بدأت الحرب وخلال خمسة أيام كانت الدبابات الروسية على مشارف العاصمة الجورجية تبليسي.
الخيار الثاني، كان أن يُتوّج بوتين قبل حلول عام 2024، موعد انتهاء ولايته الرئاسية، رئيساً لدولة الوحدة مع بيلاروسيا، عبر عملية اندماج كاملة تتيح وضع دستور جديد، ما يمكّن الرئيس من «المنافسة» على المنصب وفقاً لمعايير انتخابية جديدة. وحقاً، عمدت موسكو منذ نهاية العام الماضي إلى تسريع الاتصالات مع الجارة السوفياتية السابقة التي تربطها بروسيا معاهدة اتحاد منذ عشرين سنة بقيت عملياً حبراً على ورق. وأعلن الكرملين أن خطوات واسعة تُتخذ لتسريع عملية الاندماج. لكن ما أعاق التقدم في هذا المسار هو «عناد» الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاتشينكو، آخر الزعماء السوفيات وآخر «الديكتاتورات» في أوروبا، وفقاً لتعبير أطلقه الأميركيون عليه، قبل أن يخففوا لهجتهم حياله أخيراً، بهدف الضغط على موسكو.
لوكاتشينكو أعلن أنه لن يسمح لـ«حيتان المال» الروس بأن «يلتهموا» بلاده، وأن يكرروا فيها ما حصل في روسيا خلال عهود الخصخصة العشوائية الكارثية في تسعينات القرن الماضي.
علنياً، وقف بعض النقاط الأساسية عقبة أمام الاندماج الكامل، بينها إصرار روسيا على الإبقاء على الروبل عملة لدولة الوحدة، فضلاً عن رفض مينسك بعض آليات دمج المؤسسات السيادية، لكن عملياً كان السؤال الأساسي يتعلق بهوية الرئيس والمنصب الذي سيشغله الرئيس الآخر.
أما الخيار الثالث، فكان تحويل روسيا إلى جمهورية برلمانية، والعودة إلى السلطة عبر غالبية مريحة في مجلس النواب، إلا أن الدراسات دلّت إلى خطورة هذا «السيناريو» على روسيا على المدى البعيد، وكما قال بوتين نفسه، فإن روسيا المترامية الأطراف، والتي تشكل مطمعاً للآخرين كونها تمتلك ثلث ثروات العالم من المواد الخام، لا يمكن أن تُحكم إلا عبر مؤسسة رئاسة قوية، ومركز فيدرالي متماسك يدير أمورها. لم يكن الروس بحاجة إلى كثير من العناء حتى يتذكروا الماضي القريب، إذ أسفر ضعف المركز الفيدرالي في تسعينات القرن الماضي عن بروز النزعات الانفصالية التي وجدت من يدعمها من الخارج.

تعديل الدستور
أمام هذا الواقع، لم يبقَ أمام بوتين إلا تعديل الدستور وشطب فقرة تشدِّد على حصر الترشح بولايتين رئاسيتين متتاليتين، وهذا أمر خطر، لأن التعديلات لن تكون في هذه الحالة مفصَّلَة على مقاس بوتين وحده، وسيكون بمقدور أي رئيس لاحق استخدامها، كما أن سيد الكرملين أكد أكثر من مرة أنه لا يميل إلى «العبث» بالوثيقة الأساسية للبلاد.
لكنّ تضاؤل الخيارات، والرغبة في حسم سريع لهذا الملف، بسبب تداعيات الجمود الاقتصادي، وتراجع شعبية بوتين إلى معدلات غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، وتصاعد مزاج التذمر في الشارع، كلها عناصر دفعت إلى تسريع الخطوات للوصول إلى السيناريو النهائي.
وقد تَشكّل خليط مخفف من بعض الأفكار التي طُرحت على طاولة الرئيس. إذ جرى تعديل الدستور، من دون المساس بالفقرات الأساسية. ووسّعت البرلمان مع تأكيد إبقاء النظام الرئاسي القوي في روسيا. ومُنحت الأقاليم صلاحيات أوسع، مع التشديد على سلطة المركز الفيدرالي الحاسمة عليها. وأخيراً لا آخراً، أُبقي على حصر الرئاسة في ولايتين رئاسيتين فقط مع «تصفير العداد» للرئيس الحالي... وهو ما يمكّنه من الترشح مجدداً لولايتين رئاسيتين جديدتين.
هكذا ببساطة سُوّي الموقف عبر اقتراح قُدم في أثناء مناقشات مجلس الدوما لإقرار وثيقة التعديلات في القراءة الثانية. إذ انتقل الحوار بين النواب من بحث التفاصيل الواردة في الوثيقة التي أقرتها اللجنة الدستورية لإقرارها أمام البرلمان، إلى بحث عدد من الملفات المرتبطة بهياكل السلطة الأولى.
أيضاً، أثار بعض النواب فكرة حل مجلس الدوما واللجوء إلى انتخابات برلمانية مبكرة في سبتمبر (أيلول) المقبل، في حين اقترح آخرون «تصفير» فترات الرئاسة لبوتين لتمكينه من خوض السباق الرئاسي مجدداً بعد نهاية ولايته الحالية في عام 2024.

اقتراح تيريشكوفا
الاقتراح الأخير قدمته رائدة الفضاء الشهيرة فالانتينا تيريشكوفا، وهي عضو عن كتلة حزب «روسيا الموحدة» الحاكم. وكان قد بدا أن الاقتراح «لم يأتِ من فوق» بل جرى وضعه خلال المناقشات بشكل عرضي، وقالت تيريشكوفا في وقت لاحق إن من طلب منها تقديم الاقتراح بهذه الطريقة ليست أطرافاً سياسية، بل استمدته من مطالب شعبية.
هكذا اتضحت معالم التعديلات الدستورية وأسباب توقيتها، التي بدأت بقرارات لتحسين الأوضاع للأسرة والطفل وانتهت بتعديل «طارئ» خلال المناقشات، يُبقي الرئيس لسنوات طويلة مقبلة.
ولم يكن صعباً ملاحظة أن السيناريو تم إعداده بشكل مسبق، إذ قطع رئيس البرلمان فيتشيسلاف فولودين، لإجراء مشاورات مع زعماء الكتل النيابية حول هذه الاقتراحات. وأشار إلى أنه من الضروري معرفة رأي الرئيس في هذه القضايا، ثم أعلن أن بوتين سوف يلقي كلمة أمام البرلمان حول هذا الموضوع، وهو أمر لم يكن مدرجاً مسبقاً على جدول الأعمال، ما شكّل مفاجأة لكثيرين. وحملت عبارات الرئيس الروسي أمام الهيئة التشريعية مفاجأة أخرى، فهو عارَض الذهاب نحو انتخابات نيابية مبكرة، لكنه وافق على إقرار التعديل الدستوري بصيغته المقترحة، مشترطاً لتنفيذ ذلك موافقة مجلس الدوما وموافقة المحكمة الدستورية الروسية عبر تأكيد أن هذا الإجراء لن يشكّل مخالفة للقانون الأساسي للبلاد.
عارض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في دوما الدولة، كما وصفها، بأنه من غير المناسب إزالة القيود المفروضة على عدد الفترات الرئاسية من دستور الاتحاد الروسي.
وبرر موقفه حول معارضة الانتخابات المبكرة بأنه «عندما يتوجه المواطنون الروس في 22 أبريل (نيسان) المقبل للتصويت على التعديلات المقترحة على القانون الأساسي، فإن هذه التغييرات سوف تدخل حيز التنفيذ بعد نشر التعديلات؛ مما يعني أن مجلس الدوما سوف يحصل تلقائياً على سلطات موسعة وعلى تجديد للثقة به؛ لذلك لا أرى ضرورة لإجراء انتخابات مبكرة لمجلس الدوما».

تسارع الخطى
وكان من الطبيعي أن تتسارع الخطوات بعد ذلك، إذ سرعان ما أقر مجلس الدوما التعديلات بصيغتها الأخيرة، ومن دون معارضة أي عضو، مع امتناع نواب كتلة الحزب الشيوعي عن التصويت. وفي مجلس الشيوخ، في اليوم التالي، تم إقرار الوثيقة بالإجماع. كما أقرتها المحكمة الدستورية سريعاً لتزول بذلك العقبة الأخيرة أمام دفع الوثيقة للتصويت عليها كـ«رزمة واحدة» في الاستفتاء. وهذه النقطة أثارت استياء لدى أوساط في الشارع، رأت أن الوثيقة سوف تحصل على عدد الأصوات اللازم، لأن المواطنين لن تكون أمامهم فرصة لقبول بعض الإصلاحات المتعلقة بزيادة معاشات أو تحسين أوضاع الأسرة، ورفض التعديلات الأخرى التي تتعلق بالرئاسة وهياكل السلطة.
في كل الأحوال كان من الطبيعي أن يندلع سجال واسع في الشارع، وأن تبدأ المعارضة في لملمة صفوفها للنزول إلى الشارع. وجهّزت بالفعل لاعتصامات حاشدة متزامنة في عشرين إقليماً روسياً، لكنّ التدابير المتخَذة في مواجهة انتشار فيروس «كورونا»، وضعت هذه الخطط في مهبّ الريح.

بوتين... أو الفوضى
يدور السجال في روسيا بين موقفين، يرفع أولهما لواء «الاستقرار السياسي»، وأن بوتين هو الشخص القادر على إمساك الأمور بيد قوية والمحافظة على الإنجازات التي تم تحقيقها على مدار سنوات. كما أنه الزعيم القادر على مواجهة خطط الغرب المتواصلة لإضعاف روسيا وتطويقها عسكرياً وإنهاكها اقتصادياً.
الرئيس الروسي نفسه، فضّل أن يترك النقاش في هذا الاتجاه للخبراء والماكينة الإعلامية الضخمة، وأعلن أنه يثق بإرادة الناس. إذ قال بوتين في اجتماع مع برلمانيين إنه من الضروري أن يوحّد الدستور الناس بغضّ النظر عن الجنس والثروة والدين والمنطقة.
وتابع الرئيس: «أعتقد أننا سنتمكن من تقديم مسودة تعديل الدستور للتصويت على جميع الروس»، مضيفاً أن «الروس أنفسهم» يجب أن يصبحوا واضعي القانون.
اللافت أنه في زحمة السجالات حول الشق المتعلق بولاية بوتين المتجددة في الكرملين، غابت تفاصيل كثيرة في التعديلات الدستورية المقترحة، أثارت جدلاً لا يقل عنفاً، بينها فقرات حول تعريف روسيا والشعب الروسي تضع روابط دينية وتاريخية لا يبدو كل الروس متفقين عليها. فضلاً عن فكرة الانتماء إلى «الأسلاف الذين نقلوا إلى الأجيال الإيمان الحي بالله» وهي فكرة قال بعضهم إنها لا تنطبق على روسيا التي اعتنقت المسيحية قبل ألف عام فقط، وإشارة أخرى إلى روسيا الحالية تعد «وريثة من الاتحاد السوفياتي» وهي أيضاً مختلَف عليها لأن البعض رأى فيها أمراً وقتياً مرتبطاً بمعالجة ملفات سياسية وطموحات محددة، ولا يمكن أن تكون في وثيقة تشكّل العقد الأساسي للمجتمع والدولة في المستقبل.
وهنا يقول خبراء مقربون من الكرملين: «لسوء الحظ، فإن جميع هذه المناقشات تشترك في شيء واحد: فهي مكثفة للغاية، ولكنها ليست بنّاءة على الإطلاق، أي إن أياً من قادة النقاشات لا يحاول (توضيح التعريفات)، كما لا يضع هدف إزالة التناقضات على الإطلاق. يرى المناقشون، كقاعدة عامة، هدفهم في الاتجاه المعاكس تماماً: تحديد التناقضات أكثر إثارة».
هكذا يتحدث مقربون من الكرملين عن «استعراضات بلاغية معلبة وعاطفية»، يقوم بها من حاول التخفيف من حدة اندفاع وسرعة النواب في تبني وثيقة فيها، فضلاً عن الخلاف على موضوع الرئاسة، الكثير من القضايا الجدلية.
في المقابل، لا تكاد تهدأ اعتراضات الطرف الآخر، الذي رأى أن تعجّل الكرملين في حسم عملية تمرير الوثيقة بهدف حسم ملف بقاء بوتين في السلطة، سوف تكون له تداعيات كثيرة، ليس فقط من بوابة عودة روسيا إلى النموذج السوفياتي لزعماء يحكمون إلى الأبد، مع إغلاق الطريق نهائياً في هذه المرحلة أمام أي محاولة لإصلاح سياسي في البلاد، فالأخطر من ذلك من وجهة نظرهم أن التسرع في تمرير الوثيقة وهي محملة بألغام وأعباء جدلية، سوف تكون له عواقب لاحقاً، وسوف تكون روسيا مضطرة في غضون سنوات للعودة مجدداً إلى تعديل الدستور لإصلاح ما تم وضعه، أو لوضع دستور جديد كامل للبلاد، وهو أمر اقتُرح أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، انطلاقاً من فكرة أن الدستور الحالي وُضع في فترة فوضى شاملة في البلاد، وأن تبدلات كثيرة طرأت على روسيا والعالم منذ ذلك الحين. لكنّ بوتين عارض بحزم طرح فكرة وضع دستور جديد.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».