أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين

أحد أبرز الشخصيات في مكافحة فيروس {كورونا}

أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين
TT

أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين

أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين

قبل نحو شهر، لم يكن الطبيب الأميركي الدكتور أنتوني فاوتشي شخصية معروفة على نطاق واسع في الولايات المتحدة، رغم كونه مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في البلاد. بل، حتى بعدما عينه الرئيس دونالد ترمب عضوا في «فريق العمل» الخاص لمحاربة انتشار وباء الكورونا أو ما يعرف بـ«كوفيد – 19»، لم يلفت تعيينه النظر. ذلك أن ترمب الذي أجّل لأسابيع ثمينة تفعيل آلية عمل الفريق والإعلان عن خطة فيدرالية لمواجهة الوباء، اتهم بأنه كان يركّز على الجانب السياسي بدلاً من الجانب الصحي للتداعيات المرتقبة على انتشار الفيروس، بحسب العديد من المنتقدين.
يوم 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بعد نحو شهر من إعلان الصين عن إغلاق مدينة ووهان، بؤرة انتشار الوباء، أعلن البيت الأبيض تشكيل «فريق عمل» للإشراف على وتنسيق جهود الإدارة لرصد ومنع انتشار واحتواء وتخفيف انتشار فيروس «كوفيد – 19». ولقد تشكّل الفريق من 22 عضواً برئاسة نائب الرئيس مايك بنس، بينما كلفت الطبيبة الدكتورة ديبورا بيركس بمهام منسقة العمل والاستجابة.

فاوتشي يفرض نفسه
في الأسابيع الأولى من تشكيل «فريق العمل»، تولى ترمب غالبية التغريدات التي تتحدث عن الفيروس، محاولا التقليل من خطورته وانعكاساته على حملته الانتخابية، وعلى الوضع الاقتصادي الذي يراهن عليه في دعم تجديد انتخابه. غير أن الارتفاع المفاجئ في عدد الإصابات وبدء تسجيل أولى الوفيات في عدد من الولايات، فضلا عن الضغوط التي تعرض لها من الكونغرس إثر شيوع أنباء عن احتمال تعرض العديد من أعضائه للإصابة - من الحزبين الجمهوري والديمقراطي - اضطر ترمب للاقتناع بتقديم شخصية مؤهلة وموثوقة لتولي التحدث إلى الجمهور بمعايير طبية وعلمية، بعيدا عن السياسة.
بقامته القصيرة وشخصيته المتواضعة، تقدم أنتوني فاوتشي ليصبح مصدرا نادرا للصدق الصريح من بين أفراد فريق عمل البيت الأبيض. ورغم دفاعه عن تفاؤل ترمب، قدّم الطبيب المخضرم (79 سنة) توصياته بإجراءات حازمة في مواجهة الوباء من دون أن يثير غضب الرئيس، الذي أشاد به.
لا بل أضاف ترمب في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه حالة الطوارئ في البلاد، أن فاوتشي كان يقوم «بعمل هائل» و«يعمل لساعات طويلة»، وهذا، رغم إبلاغ فاوتشي قبل يوم واحد أعضاء الكونغرس في جلسة استماع بأن الإجراءات التي دُعي الأطباء لتنفيذها لطلب اختبارات الفيروس قد فشلت، مقابل إصرار ترمب على القول بأنها كانت ناجحة.
وعندما سئل الرئيس ترمب خلال اجتماع في البيت الأبيض الأسبوع الماضي عما إذا كان هناك جدول زمني لاكتشاف لقاح للوباء، لم يخش فاوتشي من تصحيح معلومات الرئيس أمام الصحافيين. إذ قال ترمب «أنا لا أعرف الوقت اللازم، لكنني سمعت أن الأمر سيكون سريعا جدا، خلال أشهر. وسمعت أنه قد يكون سنة على أبعد تقدير، لذا أعتقد أن الأمر ليس سيئا، سواء كان خلال أشهر أو سنة». لكن فاوتشي بادر فوراً لتصحيح كلام ترمب قائلا: «دعني أتأكد من حصولك على المعلومات الصحيحة. إن اللقاح الذي نصنعه وسنبدأ في اختباره خلال سنة ليس لقاحا يمكن تعميمه». وبينما تابع الطبيب شرح الجدول الزمني قائلا «إن الأمر سيكون في غضون سنة أو سنة ونصف، بغض النظر عن السرعة التي نسير فيها»، وقف ترمب مستمعا لشرحه.
وتكررت تصحيحات فاوتشي العلنية للرئيس يوم الاثنين الماضي، حين أعلن ترمب للصحافيين في البيت الأبيض أن هذا الفيروس التاجي «يمكن أن يستمر في التأثير على حياة الأميركيين حتى يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) المقبل وقد يكون أطول من ذلك». فأوضح الدكتور فاوتشي، «أن المبادئ التوجيهية لن تستمر بالضرورة حتى أشهر الصيف، بل إن الجدول الزمني كان مسارا محتملا لتفشي الفيروس». وتابع «المبادئ التوجيهية هي دليل تجريبي لمدة 15 يوما لإعادة النظر... لا يعني أن هذه الإرشادات ستكون سارية المفعول حتى يوليو. ما كان يقوله الرئيس هو أن مسار التفشي قد يستمر حتى ذلك الحين». ومن على المنصة أعلن ترمب اتفاقه معه.
كيف تقبّل ترمب تصريحات الطبيب الخبير وملاحظاته العلمية، وهو لطالما وصف نفسه بأنه أحد «العباقرة»، سواءً تعلق الأمر بموضوع علمي أو سياسي أو مناخي؟

بطاقة هوية
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى تاريخ الدكتور أنتوني فاوتشي، الذي حاز على احترام الأميركيين مبكرا. فهو لا يزال في موقعه كمدير للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، منذ العام 1984، ولقد قدم النصح لكل الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض منذ عهد رونالد ريغان وحتى اليوم. اسمه الكامل أنتوني ستيفن فاوتشي، من مواليد عام 1940 في منطقة بروكلين بمدينة نيويورك، وهو كاثوليكي من أصول إيطالية. والدته يوجينيا فاوتشي ووالده الصيدلي ستيفن فاوتشي، كان يمتلك صيدلية خاصة، عمل فيها أنتوني لبعض الوقت. وهو متزوج من الدكتورة كريستين غرادي منذ عام 1985، بعد لقائهما أثناء علاج أحد المرضى. وزوجته هي رئيسة قسم أخلاقيات البيولوجيا في مركز المعاهد الوطنية للصحة السريرية. ولهما ثلاث بنات بالغات هن: جينيفر وميغان وأليسون.
تلقى فاوتشي تعليمه الابتدائي والثانوي في نيويورك، إذ تخرج من مدرسة ريجيس الثانوية في المدينة، قبل أن يلتحق بكلية هولي كروس (الصليب المقدس) التي تعد من أعرق الجامعات الكاثوليكية في الولايات المتحدة وتخرج فيها بشهادة بكالوريوس علوم. ومنها انتقل إلى كلية الطب في جامعة كورنيل الشهيرة حيث حصل على درجة الدكتوراه في الطب عام 1966، ومن ثم أكمل تدريبه وتخصصه في مستشفى الجامعة.
في عام 1968 انضم إلى المعهد الوطني للصحة كمساعد في مختبر التحقيق السريري. في عام 1974 أصبح رئيسا لقسم علم وظائف الأعضاء السريري. وفي عام 1980 تم تعيينه رئيسا لمختبر التنظيم المناعي. في عام 1984، أصبح مديرا للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في البلاد. وهو المنصب الذي لا يزال يشغله حتى اليوم.
فاوتشي عضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم، والأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم، والأكاديمية الوطنية للطب، وجمعية الفلسفة الأميركية، والأكاديمية الملكية الدنماركية للعلوم والآداب، بالإضافة إلى العديد من الجمعيات المهنية الأخرى بما في ذلك جمعية التحقيق السريري، وجمعية الأمراض المعدية الأميركية، والجمعية الأميركية لأختصاصيي المناعة. ثم إنه يعمل في هيئات تحرير العديد من المجلات العلمية. عمل كمحرر لمبادئ هاريسون للطب الباطني، بجانب كونه مؤلفا أو محررا لأكثر من 1000 مطبوعة علمية، بما في ذلك العديد من الكتب المدرسية.

خبرته قديمة في حالات الطوارئ
لم يكن أنتوني فاوتشي غريبا عن قيادة الاستجابة الفيدرالية لحالات الطوارئ الصحية على المستوى الوطني. إذ سبق له أن لعب دورا مهما في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 في وضع خطة البيت الأبيض الطارئة للإغاثة من مرض الإيدز (مرض نقص المناعة المكتسب) وفي دفع تطوير العقاقير واللقاحات ذات الدفاع البيولوجي بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. ومع ترقيته مديرا للمعهد الوطني للحساسية NIAID، أصبح فاوتشي وجها عاما للاستجابة الفيدرالية لوباء الإيدز، بعدما شجع الحوار بين المعهد الوطني والمتظاهرين والناشطين الذين كانوا ينتقدون قصور الإجراءات الفيدرالية عن مواجهة المرض، قائلا إن توصياتهم كانت منطقية تماما. بعدها عمل أيضا على الاستجابة الفيدرالية لوباء «إيبولا» وفيروس «زيكا» و«الجمرة الخبيثة». وفي عام 2001. وسط المخاوف من «الجمرة الخبيثة» التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، كان أسلوب التواصل المباشر لفاوتشي واضحا. ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإنه بينما كان النقاش في واشنطن يدور حول مدى خطورة فيروس «الجمرة الخبيثة» التي عثر عليها في مكتب السيناتور الديمقراطي توم داشل، قال فاوتشي: «إذا كانت تمشي كالبطة وتتصرف مثل البطة، فهي بطة». وتابع «يمكنك أن تسميه ما شئت فيما يتعلق بدرجة وحجم الفيروس وهل استخدم كسلاح أم لا، لكن الحقيقة هي أنه يجب أن نتصرف معه على أنه عمل إرهابي بيولوجي عالي الكفاءة».

صاحب إنجازات علمية مثبتة
لقد قدم فاوتشي عددا من الإنجازات العلمية المهمة التي ساهمت في فهم تنظيم الاستجابة المناعية للبشر. وطوّر علاجات للأمراض المميتة سابقاً مثل التهاب العقيدات المتعددة، والتورم الحبيبي مع التهاب الأوعية، والورم الحبيبي اللمفاوي. وفي دراسة استقصائية لمركز التهاب المفاصل في جامعة ستانفورد الشهيرة في كاليفورنيا عام 1985 لجمعية الروماتيزم الأميركية، صُنّفت ابتكارات فاوتشي في علاج التهاب المفاصل العقيدي والورم الحبيبي مع التهاب الأوعية الدموية كأحد أهم التطورات في إدارة المرضى بأمراض الروماتيزم على مدى السنوات العشرين الماضية. ثم إنه ساهم في فهم كيفية تدمير فيروس نقص المناعة دفاعات الجسم ما يؤدي إلى تطور مرض الإيدز، وأوجز آليات تحريض التعبير عن فيروس نقص المناعة البشرية. كذلك عمل على تطوير استراتيجيات للعلاج وإعادة تكوين جهاز المناعة للمرضى المصابين، وأيضاً على لقاح لمنع الإصابة بفيروس الإيدز. وفي عام 2003. ذكر معهد المعلومات العلمية أنه في الفترة من 1983 إلى 2002. كان أنتوني فاوتشي العالم الثالث عشر الأكثر مرجعية من بين 2.5 إلى 3 ملايين مؤلف في جميع التخصّصات في جميع أنحاء العالم الذين نشروا مقالات في المجلات العلمية. في أكتوبر (تشرين الأول) 2014. خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي بشأن أزمة فيروس «إيبولا»، أوصى فاوتشي بأهمية القيام بفحوص متكررة للمرضى لعدة أسابيع، وأكد بشكل صريح أن المعهد الوطني لا يزال بعيدا بعض الشيء عن إنتاج كميات كافية من العلاجات أو اللقاحات لتجارب واسعة النطاق. واليوم، ومع تصاعد غضب الرئيس ترمب من فشل محاولاته لاحتواء تداعيات فيروس كورونا، وتصاعد الارتباك بين المواطنين بشأن توافر ومعايير اختبار الفيروس، للتأكد مما إذا كان الشخص مصابا، فرض فاوتشي نفسه على كل من البيت الأبيض والرأي العام الأميركي، ليتحول مرجعا موثوقا تجاه التعامل مع الوباء.

يوازن بين ترمب والدقة
بدا فاوتشي مدركا للدور الذي يلعبه تجاه ترمب، وفي الوقت ذاته الحفاظ على أهمية قول الحقيقة خلال أزمة صحية وطنية حادة. وفي مقابلة مع مجلة «بوليتيكو»، قال: «لا يجوز أن تدمر صدقيتك أبدا. صحيح لا تريد خوض حرب مع الرئيس، لكن عليك أن تسير في توازن دقيق للتأكد من أنك تواصل قول الحقيقة». وحقاً، نادرا ما يتسامح ترمب مع المسؤولين الذين يتحدثون عن الفشل، كما فعل فاوتشي الأسبوع الماضي عندما سئل عن اختبار فيروس كورونا أمام الكونغرس. لكن حتى الآن، لا يبدو أن إدارة ترمب معنية بالرد عليه لمواجهة التوقعات الأكثر تفاؤلا من الرئيس وفريق العمل، الذي يتشكل إلى حد كبير من مسؤولين سياسيين وليس من الأطباء والخبراء. بل على العكس، نقلت وسائل إعلام أميركية تعليقات إيجابية عن تصريحات فاوتشي ودوره. وقال مسؤولون في البيت الأبيض إنها «كانت صريحة ومفيدة وجيدة جدا حتى الآن».
وفي الحقيقة، لم يكن فاوتشي ينتقد تماما طريقة تعامل ترمب مع فيروس كوفيد - 19. لا بل أعلن الأسبوع الماضي أن قرار الرئيس إصدار قيود على السفر من وإلى أوروبا أنقذ العديد من الأرواح. وهنا لا بد من القول بأنه في العادة، عندما يتعرض مسؤولو الصحة لأسئلة صعبة، فإنهم يلجأون إلى الإشادة بترمب، وهو ما ظهر مرارا سواء في المؤتمرات الصحافية التي عقدها الرئيس محاطا بأعضاء فريق العمل، أو في جلسات الاستماع أمام الكونغرس. لكن خلال الأيام الأخيرة، حثّ العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الرئيس على جعل فاوتشي الوجه العام لاستجابة الإدارة للوباء. ورغم تجاوب ترمب وإشادته به وبدوره في فريق العمل، طالب العديد من الجمهوريين ترمب بالذهاب أبعد من ذلك والسماح لهذا الطبيب المعروف بنزاهته وعمله الدؤوب بالتحدث والتعامل مباشرة مع وسائل الإعلام. وهو ما حدث بالفعل حين بدأ في الظهور أمامها ويحضر اجتماعات البيت الأبيض اليومية ويدلي بشهاداته أمام الكونغرس.
وما يُذكر أنه خلال جلسة استماع للجنة الفرعية بمجلس النواب في وقت سابق من هذا الشهر لمناقشة تمويل المعاهد الوطنية للصحة، اقترحت النائبة الديمقراطية عن ولاية كونتيكت روزا ديلورو تقديم الليمون والعسل و«ربما جرعة من الشراب» لتخفيف صوته. كما قال النائب الجمهوري عن ولاية ميريلاند أندي هاريس مازحا «أنا مندهش من قوة صوتك. يبدو أنك كنت في كل مكان. يجب أن يكون لديك توأم أو شيء من هذا القبيل». ولكن حتى في الأوقات الأكثر هدوءا يبدو أن فاوتشي يعمل على مدار الساعة. وسبق له القول بأنه يعمل من ستة إلى سبعة أيام في الأسبوع، من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، حتى عندما لا تكون هناك أزمة. ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قبل تفشي كوفيد - 19 في الولايات المتحدة، كان يعمل على خطة للقاح جديد للإنفلونزا، يمكن أن يغني عن أخذ اللقاحات السابقة التي تؤخذ سنوياً.



ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

ديفيد لامي
ديفيد لامي
TT

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

ديفيد لامي
ديفيد لامي

ديفيد لامي، وزير الخارجية الجديد، هو «ذراع» كير ستارمر اليمنى على المستوى الدولي، ومنه يتوقّع العالم أن يسمع عن توجهات حكومة بريطانية جديدة تتمتع بتفويض عريض يتيح لها حرية التصرف مع الخصوم والأصدقاء.

النشأة والبداية

ولد ديفيد ليندون لامي يوم 19 يوليو (تموز) 1972 في حي هولواي، بشمال وسط العاصمة البريطانية لندن، لأسرة سوداء تتحدّر من غيانا (أميركا الجنوبية). وترعرع مع إخوته الأربعة في حي توتنهام المجاور برعاية أمه وحدها؛ إذ غادر أبوه منزل الأسرة عندما كان ديفيد في الثانية عشرة من العمر، وترك هذا الأمر تأثيراً بالغاً في حياته لجهة اهتمامه الشديد بالعناية بالأطفال. وفي أثناء دراسته في مدرسته الأولى بلندن، وكان يومذاك في العاشرة من عمره، حصل على منحة دراسية كورالية للإنشاد في كاتدرائية بيتربورو (شرق إنجلترا)، وكانت الدراسة في مدرسة «كينغز سكول» الخاصة في مدينة بيتربورو.

بعد إكمال لامي تعليمه المتوسط والثانوي في مدرسة «كينغز سكول» - بيتربورو، التحق بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية «سواس» العريق في جامعة لندن، ومنه تخرّج مُجازاً بالحقوق، وانتمى لنقابة المحامين في إنجلترا وويلز عام 1994. ثم درس في جامعة هارفارد الأميركية الشهيرة، وأكمل هناك شهادة الماجستير في القانون. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه كان أول بريطاني أسود يتخرّج في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وبعد الماجستير عمل محامياً في مكتب شركة هوارد رايس القانونية بولاية كاليفورنيا عامي 1997 – 1998، ثم شركة دي جي فريمان بين عامي 1998 و2000. كما كان لفترة قصيرة أستاذاً زائراً للمارساة المحاماة في «سواس» بلندن.

وأما بالنسبة لحياته الزوجية، فإنه تزوّج عام 2005 من الرسامة نيكولا غرين ورزقا بصبيين وبنت. وهو يصف نفسه بأنه مسيحي ومتحدر من أصل أفريقي... وبريطاني وإنجليزي ولندني وأوروبي، كما أنه يحمل جنسية مزدوجة غيانية - بريطانية.

لامي السياسي الطموح

منذ مرحلة الشباب المبكّر انتسب لامي إلى حزب العمال ونشط في صفوفه. وفي عام 2000 دخل «مجلس لندن التمثيلي»، وانتقل بعد ذلك في عام 2002 ليشغل مقعد دائرة منطقة توتنهام، بشمال لندن، عبر انتخاب فرعي أجري لملء شغور المقعد البرلماني إثر وفاة شاغله النائب الأسود العمالي اليساري بيرني غرانت. ويومذاك، في 22 يونيو (حزيران) 2002 حصل على 53.5 في المائة من الأصوات، ومتغلباً على أقريب منافسيه بفارق 5646 صوتاً، وغدا، بالتالي، وهو في سن السابعة والعشرين أصغر أعضاء مجلس العموم سناً... واحتفظ بهذا اللقب حتى انتخاب النائبة سارة تيثر في العام التالي.

ولقد احتفظ لامي بهذا المقعد منذ ذلك الحين، كما أنه شغل عدة مناصب وزارية ثانوية في حكومتي بلير وبراون بين عامي 2002 و2010؛ إذ عيّنه بلير عام 2002 مساعد وزير دولة بوزارة الصحة العامة، وعام 2003 أصبح مساعد وزير دولة للشؤون الدستورية. ثم عيّن وزير دولة في وزارة الثقافة عام 2005، ثم نائب وزير دولة للابتكار والجامعات والمهارات عام 2007، وبين عامي 2008 و2010 شغل لامي منصب وزير دولة للتعليم العالي.

الابتعاد التدريجي عن اليسار

بعد خسارة حزب العمال انتخابات 2010، أيّد لامي انتخاب إد ميليباند لزعامة الحزب، لكنه لم يدخل «حكومة الظل»، مفضلاً البقاء خارج الصفوف القيادية. وخلال هذه الفترة كانت توجهات لامي السياسية لا تزال تعتبر عن قناعات يسارية، وهذا بالتوازي مع الصعود الحثيث للتيار اليساري المتشدد، الذي تجسّد عام 2015 بانتخاب اليساري المخضرم جيريمي كوربن زعيماً.

في عام 2012، أيّد لامي ترشيح عمدة لندن الكبرى اليساري كين ليفينغستون لتولي منصب رئيس بلدية العاصمة، بل كان ضمن فريق مستشاريه ومعاونيه. وبعدها، عام 2014 أعلن عن رغبته بالترشح لمنصب رئيس البلدية، وقال إنه يخطّط لخوض المنافسة عام 2016. ولكن خلال الانتخابات العامة عام 2015 أعيد انتخابه نائباً في مجلس العموم، معزّزاً غالبيته بحصوله على نسبة 67.3 من أصوات دائرته، ومتقدّماً على أقرب منافسيه بأكثر من 23560.

حتى بعد هزيمة حزب العمال في تلك الانتخابات، كان لامي واحداً من 36 نائباً رشحوا جيريمي كوربن لزعامة الحزب... وكان محسوباً أحد أصدقائه. إلا أن طموحه لرئاسة بلدية لندن تعرض لانتكاسة كبرى عندما حل رابعاً بين المرشحين العماليين في التصويت الترشيحي، وفي نهاية المطاف فاز برئاسة البلدية متصدّر المنافسين صديق خان، الذي ما زال يشغل المنصب.

عند هذه المحطة بدأ تحول لامي - وبعض أترابه من اليساريين - التدريجي نحو الاعتدال والوسط. وتجلّى هذا التحوّل في تأييده لتوليّ ستارمر، الشخصية القانونية ذات التوجهات الوسطية، خلال انتخابات الزعامة عام 2020. ويُذكر أن انتخابات عام 2019 شهدت هزيمة مريرة للعمال، أنهت حقبة كورين واليسار لمصلحة التيار الوسطي المدعوم بقوة من مناصري إسرائيل داخل الحزب. وبالفعل، أثمر ولاء لامي للزعيم الجديد - المقرب جداً من إسرائيل - وخطه السياسي عندما عيّن في «حكومة الظل» لحقيبة العدل وكبير القانونيين. ولاحقاً، في التعديل الذي أجري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، انتقل لتولي حقيبة وزارة الخارجية في «حكومة الظل».

تعيينه وزيراً للخارجية

في أعقاب فوز العمال الساحق بالانتخابات الأخيرة، واحتفاظ لامي بمقعده في توتنهام، بشمال لندن، أسند رئيس الوزراء الجديد ستارمر إليه منصب وزير الخارجية رسمياً. وجاء هذا التعيين على الرغم من أن لجنة تحقيق اكتشفت عام 2022 ارتكابه من دون قصد مخالفة مسلكية، واضطر على الأثر إلى تقديم كتاب اعتذار عن المخالفة إلى مفوضة المعايير البرلمانية. أما على الصعيد السياسي، فمنذ تولي لامي منصبه الوزاري الجديد، كان بين أبرز مواقفه تأييده الصريح لأوكرانيا في الحرب الروسية عليها، ودعمه حرب إسرائيل ضد حركة «حماس»، وهو في هذا الشأن، على الرغم من تأييده وقف إطلاق النار في غزة، فإنه مثل ستارمر، ما زال يربطه بإطلاق جميع الرهائن.

الموقف من إسرائيل

أيضاً حول موضوع إسرائيل والقضية الفلسطينية، تجدر الإشارة إلى أن ديفيد لامي يُعد من أكثر أعضاء الحكومة العمالية الجديدة تلقياً للدعم المالي من جماعة «أصدقاء إسرائيل في حزب العمال». وهو، بعد هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) في غلاف قطاع غزة، زار إسرائيل في أواخر العام الفائت، تحديداً يوم 19 نوفمبر 2023، وهناك اجتمع برئيس الدولة الإسرائيلي إسحق هرتسوغ ووزير الخارجية إيلي كوهين.

وخلال ذلك الشهر، اعتبر لامي الغارة الإسرائيلية على أحد مخيمات اللاجئين في قطاع غزة «عملية مبرّرة». على الأثر، اتسمت بالسلبية علاقته بالشارع البريطاني المؤيد للقضية الفلسطينية، والمعارض لاستمرار الأعمال التهجيرية الدامية في القطاع، وأيضاً في الضفة الغربية. ومجدداً زار لامي إسرائيل يوم 14 يوليو (تموز) الحالي، والتقى في أثناء الزيارة بعائلات الرهائن الإسرائيليين الذين اختطفتهم «حماس»، وكرر من هناك المطالبة بوقف لإطلاق النار في غزة مشروط بالإفراج عن جميع الرهائن.

... ومن أوكرانيا

أما ما يخصّ أوكرانيا وانعكاسات حربها على المشهد الأوروبي، فكانت من أولى مهام ديفيد لامي وزياراته الخارجية بصفته وزيراً للخارجية البريطانية، اجتماعه بنظرائه: البولندي رادوسواف سيكورسكي، والألمانية آنالينا بيربوك، والسويدي توبياس بيلستروم، لمناقشة الوضع ومستجدات الحرب الروسية إلى جانب مواضيع أخرى. وحول علاقة بريطانيا - ما بعد «بريكست» (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، شدد لامي الوزير لنظرائه الأوروبيين على أن الحكومة الجديدة في لندن حريصة على «إعادة ضبط» علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تعزيز الخطط الخاصة بالأمن المشترك، وسياسات الطاقة، وأزمة تغير المناخ، ومواجهة الجوائح والأوبئة، والهجرة غير الشرعية.

ديفيد لامي، الذي يتمتع بخبرة سياسية وقانونية كبيرة، لديه أيضاً - كما سبقت الإشارة - اهتمامات أكاديمية وثقافية. وكان قد نشر خلال نوفمبر 2011 كتاباً بعنوان «بعيداً عن الرماد: بريطانيا في أعقاب اضطراب الشوارع»، تناول فيه الاضطرابات التي اجتاحت بعض المدن الإنجليزية عام 2011. ثم نشر كتاباً ثانياً من تأليفه بعنوان «قبائل» ناقش فيه أزمة الانقسامات الاجتماعية، ومدى الحاجة إلى الانتماء. ومن جهة ثانية، ظهر مقدِّماً خلال الفترة بين عامي 2022 و2024 في برنامج تلفزيوني قبل ظهر أيام الأحد. وهنا، نشير إلى أن المعلومات الموثقة عنه تفيد بأنه تلقى بين عامي 2019 و2024 أعلى دخل مادي بين النواب العماليين، إلى جانب مرتبه نائباً في مجلس العموم. من أبرز مواقف لامي في منصبه الوزاري

تأييده الصريح لأوكرانيا في الحرب الروسية عليها،

ودعمه حرب إسرائيل ضد «حماس»