«كورونا» ليس الأول... ماذا تعلّم العالم من الأوبئة السابقة عبر التاريخ؟

مريض بالإنفلونزا يُعالج في مستشفى بنيو أورلينز في صورة تعود لعام 1918 (أرشيف - رويترز)
مريض بالإنفلونزا يُعالج في مستشفى بنيو أورلينز في صورة تعود لعام 1918 (أرشيف - رويترز)
TT

«كورونا» ليس الأول... ماذا تعلّم العالم من الأوبئة السابقة عبر التاريخ؟

مريض بالإنفلونزا يُعالج في مستشفى بنيو أورلينز في صورة تعود لعام 1918 (أرشيف - رويترز)
مريض بالإنفلونزا يُعالج في مستشفى بنيو أورلينز في صورة تعود لعام 1918 (أرشيف - رويترز)

صنفت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا المستجد المعروف باسم «كوفيد – 19»، بأنه جائحة بعد أن أصبح من الواضح أنه ينتشر بحرية في معظم أنحاء العالم. لكنها ليست المرة الأولى في التاريخ التي يشهد بها العالم تفشي الأمراض، وقد تعلمنا من كل وباء شيئاً مميزاً عن كيفية إدارة هذه الأزمات، وفقاً لتقرير نشره موقع «كوورتز».
وأوضح غراهام موني، مؤرخ الطب بجامعة جونز هوبكنز الأميركية: «هناك أمثلة كثيرة تدل على تجاهلنا دروس الماضي».
وتابع «أحد الأمثلة يكمن في فشل الحكومات بالعديد من الأوقات في توقع الأمراض ودعم المواطنين خلال التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للأوبئة، من الحجر الصحي الإلزامي وقيود السفر إلى إغلاق المدارس وأماكن العمل والشركات المحلية».
وقال موني «هذه الأزمات تكشف عدم المساواة الاجتماعية».
ومع ذلك، نحن بالتأكيد أفضل حالاً من الفيلق الروماني، الذي كان أفراده من أوائل الأشخاص الذين عانوا من مرض قاتل سريع الانتشار. وإليك بعض ما تعلمه خبراء الصحة العامة والعلماء من الأوبئة الماضية:
- الطاعون الأنطوني :165- 180 و250 م
وصلت أحد الأوبئة الأولى في العالم والتي تشبه أحد أشكال الجدري أو الحصبة إلى روما لأول مرة من قبل الفيلقائيين العائدين من حصار في العراق المعاصر. ربما يكون المرض في ذروته قد قتل ما يصل إلى ألفي شخص يومياً - فقد دمر الجيش الروماني وكان مساهماً في انهيار الإمبراطورية في نهاية المطاف. كما قدم الوباء لمحة مبكرة عن مبدأ رئيسي للفيرولوجيا: تفشي المرض يكون أكثر فتكاً عندما يصادفه الناس للمرة الأولى، أي عندما يفتقر الجسم إلى الحصانة ضده.

- الموت الأسود: 1347-1351
جلب تجار جنوة الطاعون إلى أوروبا بعد الهرب من الحصار الذي استخدم فيه جنرال مغولي الجثث المصابة سلاحاً. وفي غضون سنوات قليلة، قُتل ما يصل إلى 25 مليون شخص، أي ثلث سكان أوروبا. واستمرت أوبئة أخرى انتشرت عن طريق البراغيث في الظهور لقرون عدة، وأنتجت بعض الانتصارات للعمل من المنزل: استغل الكاتب البريطاني وليام شكسبير الشهير إغلاق المسارح في عام 1590 لكتابة الشعر، وخلال تفشي المرض عام 1665، أرسلت جامعة كمبردج طلابها إلى المنزل بما في ذلك السير إسحاق نيوتن الذي استغل الفرصة للجلوس بالقرب من شجرة تفاح واكتشف احد أهم القوانين الأساسية للفيزياء وهي الجاذبية.

- جائحة الإنفلونزا الأولى عام 1580
وعلى الرغم من أن أولى حالات الإنفلونزا ربما حدثت بين الجنود اليونانيين الذين خاضوا حرب البيلوبونيز في عام 430 قبل الميلاد، فقد ظهرت أول جائحة إنفلونزا حقيقية في صيف عام 1580 في آسيا، وسرعان ما انتشر الوباء عبر طرق التجارة إلى أوروبا وأميركا الشمالية. وعلى الرغم من أن عدد القتلى غير معروف، لكن تم الإبلاغ عن 8 آلاف حالة وفاة على الأقل في روما وحدها.
وشهدت هذه الفترة ظهور إجراءات الحجر الصحي ونقاط التفتيش الحدودية في أوروبا. وترجع الإشارة الأولى إلى الإنفلونزا في الأدبيات العلمية إلى عام 1650، وهي مستمدة من الكلمة الإيطالية التي تعني «التأثير».

- الكوليرا: القرن التاسع عشر
طوال القرن التاسع عشر، كان هناك ما لا يقل عن ست فترات تفشى خلالها وباء الكوليرا. وبدأ كل شيء في منطقة خليج البنغال في الهند، وحصد الوباء العديد من الأرواح أثناء انتشاره على طول طرق التجارة الاستعمارية. وأدت المعلومات الخاطئة، بالإضافة إلى الاستياء من عدم المساواة الاقتصادية، إلى تفاقم تهديد المرض.
كما وأدى تفشي الوباء إلى ظهور موجة من نظريات المؤامرة التي تقول إن طرفاً ما ينشر الكوليرا عمداً لتقليص صفوف الفقراء. وفي المملكة المتحدة وروسيا، استهدف المشاغبون المستشفيات. لكن الباحثين طوروا رؤى أساسية حول مصدر المرض. وتم تتبع إحدى حالات تفشي الوباء في لندن، وأظهرت النتائج أن المرض كان مصدره مضخة مياه ملوثة.

- الإنفلونزا الإسبانية عام 1918
من المحتمل أن تكون أسوأ كارثة طبية في التاريخ، فقد أصابت الإنفلونزا عام 1918 ما يصل إلى ثلث سكان العالم وقتلت ما يصل إلى 50 مليون شخص. كشف الوباء عن عدد الأرواح التي يمكن إنقاذها عن طريق التباعد الاجتماعي: فالمدن التي ألغت الأحداث العامة كان لديها حالات أقل بكثير. في الوقت الذي كان يتفشى فيه المرض، أقامت فيلادلفيا موكباً شارك فيه 200 ألف شخص في مسيرة لدعم جهود الحرب العالمية الأولى. وبحلول نهاية الأسبوع ، قُتل 4500 شخص بسبب الإنفلونزا. وفي الوقت نفسه، أغلقت سانت لويس المباني العامة وقلصت التجمعات؛ الأمر الذي تسبب في تسجيلها نصف معدل الوفيات من الإنفلونزا مقارنة بالأعداد التي أحصتها فيلادلفيا.

- أوبئة الإنفلونزا في منتصف القرن (1957 و1968)
بحلول منتصف القرن، كان العالم بيئة أكثر تفشياً للأوبئة مما كان عليه في عام 1918، مع تزايد الكثافة السكانية ووجود المزيد من التجارة العالمية والسفر الجوي.
لكن كانت هناك أيضاً تطورات مهمة في علم المناعة: تم تطوير لقاح الإنفلونزا في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، وتم إنشاء معظم وكالات الصحة العامة التي نعترف بها اليوم، بما في ذلك مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية. ومع ذلك تسببت جائحتان منفصلتان لإنفلونزا الطيور نشأتا في هونغ كونغ والبر الرئيسي للصين في مقتل أكثر من مليون شخص.

- فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)
منذ سبعينات القرن الماضي، أصيب 75 مليون شخص بفيروس نقص المناعة البشرية، وتوفي ما يصل إلى 32 مليون شخص. وعلى الرغم من أن الوباء أدى إلى تقدم طبي في الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية، وبرامج الصحة العامة مثل منع تبادل الإبر، إلا أنه أعطى أيضاً العديد من الدروس حول الخطر المميت للوصم الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

10 علامات تحذيرية من ارتفاع ضغط الدم... وكيفية التعامل معها

صحتك ارتفاع ضغط الدم تحدٍّ كبير للصحة العامة (رويترز)

10 علامات تحذيرية من ارتفاع ضغط الدم... وكيفية التعامل معها

بعض العلامات التحذيرية التي تنذر بارتفاع ضغط الدم، وما يمكنك القيام به لتقليل المخاطر:

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك المشي اليومي يسهم في تعزيز الصحة ودعم الحالة النفسية (رويترز)

6 فوائد صحية للمشي اليومي

أكدت كثير من الدراسات أهمية المشي اليومي في تعزيز الصحة، ودعم الحالتين النفسية والجسدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

حذَّرت دراسة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)

كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني كثير من الأشخاص من كثرة التفكير ليلاً؛ الأمر الذي يؤرِّقهم ويتسبب في اضطرابات شديدة بنومهم، وقد يؤثر سلباً على حالتهم النفسية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».