شباب غزة يضمدون جراح «النصيرات» بالورود ورسائل الحب

على عجالة انتشر عدد من الشباب المبادرين داخل قلب سوق مخيم النصيرات الواقع وسط قطاع غزة، يحملون الورود والرسائل الخطّية، التي جمعوها على مدار الأيام الماضية من مختلف مناطق القطاع لتوزيعها على الأهالي وأصحاب المحال التجارية، الذين عايشوا قبل نحو عشرة أيام تفاصيل فاجعة «حريق النصيرات»، التي راح ضحيتها حتّى هذه اللحظة 19 مواطناً منهم نساء وأطفال، وأصيب نحو 55 آخرين.
يقول الشاب المبادر رامز أبو غبن الذي يقطن مخيم جباليا الواقع في شمال القطاع لـ«الشرق الأوسط»: «منذ وقوع الحريق، ورؤيتنا لحجم المصيبة التي حلّت بإخواننا في المحافظة الوسطى، فكرنا كثيراً بالطريقة التي يمكن من خلالها أن نساندهم بها، موضحاً أنّه اجتمع مع عدد من أصدقائه على فكرة توزيع الرسائل والورود، وشرعوا في تطبيقها فوراً.
ويلفت إلى أنّهم تقسّموا إلى مجموعاتٍ توزعت على مختلف مناطق غزة، حيث حملوا أوراقاً صغيرة وزعوها على مواطنين في الشوارع والمرافق العامّة وطلبوا منهم أن يكتبوا رسائل تضامن ومحبة لأهل النصيرات، منوهاً إلى أنّهم لاقوا تجاوباً كبيراً مع المبادرة، حيث إن العبارات التي صاغها الناس، عبّرت بشكلٍ كبير عن الروح الإنسانية والتضامنية التي يحملها الناس في غزة.
واستخدم رامز ورفاقه مواقع التواصل الاجتماعي لأجل توسيع نطاق جمع الرسائل في إطار تلك «المبادرة الارتجالية»، ويشير إلى أنّ ذلك كان بهدف الوصول لأكبر قدر ممكن من الفلسطينيين في الخارج، الذين تأثروا بالفاجعة، التي غيّرت معالم منطقة تعدّ من بين الأشهر في قطاع غزة، وتحمل بين ثنايا حجارتها ومحلاتها التجارية ذكرياتٍ وتفاصيل كثيرة عايشها معظم الزوار والسكان.
«من القلب نحبكم، ونحن معكم في شدّتكم. المُصاب واحدٌ كما هو الخاطر»، هذه الكلمات الواردة في رسالة مُوقعة باسم السيدة نرمين التي تسكن محافظة غزة. قدمها أحد أعضاء المبادرة للشابّ إياد أبو شاويش بينما كان يعبر الشارع العام، فكانت بمثابة جرس إنذارٍ أعادت له ذكرى ذلك اليوم، الذي مرّت عليه ساعاته كأنّها سنوات، حين شاهد «المأساة» في مكان الحريق والانفجار، الذي لم يكن يبعد عنه سوى عشرة أمتار. ويحكي: أنّ «المبادرة اللطيفة من شباب القطاع، تؤكد على مدى رصانة العلاقة بين كلّ مكونات الشعب الفلسطيني، وتكاتفه إلى جانب بعضه في كلّ المناسبات والأوقات»، منبهاً إلى أنّ فكرة الرسائل المليئة بالحبّ، والمرفقة بالورود حملت كثيراً من معاني الإنسانية، وساهمت في إدخال البسمة على وجوه المواطنين التي امتلأت بالحزن والشّحوب منذ وقت وقوع الحادثة.
عودة بالحديث للشابّ رامز، الذي يبيّن أنّهم وزعوا خلال مبادرتهم ألف رسالة تقريباً كتبها إنسان سواء من داخل القطاع أو خارجه، شارحاً أنّ الأمر جعلهم كمبادرين يشعرون بأنّهم قدموا شيئاً، وأدوا واجباً تجاه إخوانهم. والورد بالنسبة للعشريني، الأداة الأفضل للتّعبير عن التضامن والحبّ.
وإلى جانب توزيع الورود شارك عدد كبير من أصحاب المواهب في مجال السيرك والمسرح والرياضات المختلفة ضمن المبادرة، التي استمرت فعالياتها نحو ساعتين، حيث أدوا جميعهم عروضاً متنوعة تهدف التفريغ النفسي ورفع الضغط عن المواطنين، كما يذكر أبو غبن.
يُشار إلى أنّ سكان قطاع غزة أظهروا منذ وقوع الحادث تضامناً كبيراً مع أهل المنطقة «المنكوبة»، وبدا ذلك من خلال تدخل شركات الباطون وتوزيع المياه في عملية إطفاء الحريق، كما أنّ الآلاف خرجوا في اليوم التالي للحادث في جنازات تشييع الضحايا ولمواساة ذويهم، وبعد ذلك بأيام شارك المئات من الشباب، في مبادرة تنظيف مكان الحريق.
ولا بد من التنويه إلى أنّ وزارة الصحة في غزة، كانت قد أعلنت عن مصرع 19 شخصاً، وإصابة نحو 55 آخرين، جراء حريق كبير اندلع في سوق مخيم النصيرات وسط القطاع، وأوضحت وزارة الداخلية كذلك أنّ النتائج الأولية التي توصلت لها، كشفت عن أنّه نجم عن تسرب للغاز داخل أحد المخابز التي تقع في المكان، الأمر الذي تسبب بانفجار عدد من أسطوانات الغاز، ودفع النيران للمرافق والمحلات المجاورة، التي تكبدت خسائر بملايين الدولارات.