صالح يدافع عن موقفه... والصدر ينتقد المعترضين

خلافات «البيت الشيعي» تربك مهمة تشكيل الحكومة العراقية المقبلة

مدرعة خلال حظر التجول في حي الكاظمية ببغداد أمس (رويترز)
مدرعة خلال حظر التجول في حي الكاظمية ببغداد أمس (رويترز)
TT

صالح يدافع عن موقفه... والصدر ينتقد المعترضين

مدرعة خلال حظر التجول في حي الكاظمية ببغداد أمس (رويترز)
مدرعة خلال حظر التجول في حي الكاظمية ببغداد أمس (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة دعماً مشروطاً لمهمة رئيس الوزراء العراقي المكلف عدنان الزرفي، فيما انتقد زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر ما أسماه «تغيير آليات الاختيار» من قبل قادة «البيت الشيعي» الذين جاءوا بمرشح لا يبدو مقرباً منه ومنهم، في إشارة إلى كون الزرفي مقرباً من الأميركيين.
الزرفي أعلن في بيان بعد تكليفه رسمياً من قبل الرئيس العراقي برهم صالح، أنه سيعمل على إجراء انتخابات مبكرة في غضون سنة بعد نيله الثقة، فضلاً عن سلسلة إجراءات أخرى، بينها حزمة إجراءات اقتصادية وأخرى صحية، ثم وجد نفسه في اليوم التالي من ترشيحه مغضوباً عليه مما بدا أنها غالبية شيعية تحشد لإسقاطه بالأساليب السياسية والشعبية، طبقاً للبيان الصادر عن عدد من الكتل، بينها «دولة القانون» و«الفتح».
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي كان منتظراً منه تقديم دعم غير مشروط للزرفي المتهم بقربه من أميركا التي يحمل جنسيتها، قال في تغريدة إن بلاده ستدعم الزرفي إذا تمكن من محاربة الفساد والقيام بإجراءات أخرى ينتظرها الشارع العراقي.
هذه المرة، بدا الموقف الأميركي مختلفاً، إذ لم يسبق لواشنطن أن رهنت دعمها لأي رئيس وزراء عراقي بشروط مسبقة. ولم يسارع الزرفي الذي لم يبدأ مشاوراته الرسمية بعد، مكتفياً بجس النبض، إلى التخلي عن جنسيته الثانية بخلاف ما عمله سلفه الذي لم يكمل مهمته، محمد توفيق علاوي، الذي تخلى عن الجنسية البريطانية، فاهتزت ثقة البريطانيين به، ولم ينل في المقابل ثقة البرلمان.
الزرفي الذي يصفه المقربون منه بأنه «مراوغ وذكي»، يبدو مثلما يقول السياسي العراقي حيدر الملا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قادراً على «تفكيك الأزمة الحالية التي يواجهها عبر رفض كتل شيعية رئيسية له». الملا وإن أقر بـ«صعوبة الوضع الحالي للزرفي»، رأى أن «الأمور ليست خارج السيطرة؛ خصوصاً أنه قادر على استيعاب المعترضين». ويضيف أن «طبيعة الأزمة السياسية في العراق لا تحتمل كسر الإرادات، ولذلك يتوجب على الزرفي العمل على احتواء الموقف واستيعاب المعترضين قبل البحث في مسألة الكابينة الحكومية».
من جهته، أعلن مقتدى الصدر الداعم لكتلة «سائرون» المؤيدة لترشيح الزرفي لرئاسة الحكومة في تغريدة له على موقع «تويتر» أنه «سواء أكان المرشح وفق الضوابط أم لم يك كذلك، فهذا أمر راجع لنا نحن العراقيين لا غير، وسواء أكانت آلية اختياره صحيحة أم لم تك كذلك، فهذا شأن عراقي بحت، فلا داعي لتدخل أصدقائنا من دول الجوار أو غيرها، ولا سيما المحتل».
وأضاف: «لتعلموا أن صراع السياسيين الشيعة الذي ما عاد يطاق هو من غير آلية الاختيار»، مشيراً إلى أن «اختياراتهم لأناس غير أكفاء أو اختلافهم وعدم توافقهم على مرشح، هو ما استدعى اختيار شخص غير مقرب لنا ولكم. وعموماً فلست بصدد إعطاء رأي بهذا المرشح أو غيره، بل جل ما يهمني هو سيادة العراق».
وأبدى كل من السنة والأكراد ترحيبهم بتكليف الزرفي لرئاسة الوزراء، لكن «تيار الحكمة» الذي يتزعمه عمار الحكيم أبدى اعتراضه على الآلية التي اعتمدها رئيس الجمهورية برهم صالح في تكليف الزرفي. وقال بيان إن «تيار الحكمة يؤكد حرصه الكامل على تجاوز المنعطف الذي تشهده البلاد في ظرفٍ دقيق وسعيه الحثيث إلى لملمة المواقف وإنضاجها وتقريب الوجهات باتجاه الخروج من الأزمة السياسية القائمة»، مؤكداً في الوقت نفسه على «أهمية احترام المباني الأساسية التي يقوم عليها الدستور والعملية السياسية في العراق والالتزام بما يعزز التلاحم ويعقد الشَمل الوطني».
وأضاف أن «التيار تابع الآلية التي اعتمدها رئيس الجمهورية في التكليف الجديد لمهمة تشكيل الحكومة الانتقالية المقبلة»، مبيناً أننا «نبدي اعتراضنا على تلك الآلية وتحفظنا على الطريقة التي اعتمدت في هذا التكليف بنحوٍ يعكس عدم الاكتراث لعدد مهمٍ من القوى الأساسية في الساحة السياسية، على رغم ثقتنا بحسن النوايا وتقدير المصلحة العامة».
في المقابل، دافع الرئيس العراقي برهم صالح عن موقفه لجهة تكليف عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة المقبلة. وتمثل دفاع صالح عن موقفه بعد ظهور الاعتراضات من خلال الرسالة التي وجهها إلى الزعامات الشيعية قبل يوم من نهاية المهلة الدستورية بضرورة حسم الأمر قبل آخر يوم من تلك المهلة.
كما أنه دافع عن موقفه عبر الرسالة التي وجهها إلى المحكمة الاتحادية بشأن أحقيته بتكليف مرشح جديد، طبقاً للمادة 76 من الدستور، وهو ما أجازته المحكمة الاتحادية فعلاً، بينما اعترض مجلس القضاء الأعلى على قرار «الاتحادية» لجهة اعتراض سابق على أحد أعضاء المحكمة العليا التسعة لعدم اكتمال شروط عضويته في هذه المحكمة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.