فرنسا تبحث إعلان «الطوارئ الصحية»... و«تأميم» شركاتها الاستراتيجية

باريس تحذّر لندن: سنوقف الانتقال بين البلدين إذا لم تفرضوا «الحظر»

شرطيان يتفقدان تصريح تنقّل أحد العاملين في مجال التوصيل بباريس أمس (إ.ب.أ)
شرطيان يتفقدان تصريح تنقّل أحد العاملين في مجال التوصيل بباريس أمس (إ.ب.أ)
TT

فرنسا تبحث إعلان «الطوارئ الصحية»... و«تأميم» شركاتها الاستراتيجية

شرطيان يتفقدان تصريح تنقّل أحد العاملين في مجال التوصيل بباريس أمس (إ.ب.أ)
شرطيان يتفقدان تصريح تنقّل أحد العاملين في مجال التوصيل بباريس أمس (إ.ب.أ)

تتحضر الحكومة الفرنسية لإعلان «حالة الطوارئ الصحية» التي تتيح لها فرض قيود إضافية على تلك المعمول بها، منذ ظهر أول من أمس (الثلاثاء)، لمواجهة التفشي الخطير والمتواصل لوباء «كوفيد - 19» بين السكان. ووفق الإحصائيات الرسمية، فإن 7730 شخصاً أصابهم الوباء بينهم 2579 في حالة خطرة، و699 في غرف العناية الفائقة. أما عدد الوفيات فقد بلغ 175 شخصاً بزيادة ثلاثين ضحية قياسا على اليوم السابق. وبالنظر لهذه الأرقام والتوقعات، فإن الحكومة تبحث عن تدابير إضافية للجم توسع دائرة الوباء، بحيث إنها لم تعد تعتبر أن ما فرضته من قيود كافٍ.
انطلاقاً من هذا المعطى، فإن مجلس الوزراء انكبّ، يوم أمس، في جلسته الأسبوعية على دراسة مشروع قانون يتيح الانتقال إلى مرحلة أعلى من تقييد حركة السكان. ومنذ 48 ساعة، فرضت الحكومة «حظراً» شاملاً على التحرك، بعد أن أغلقت كل ما يمكن إغلاقه من مدارس وجامعات ومسارح وصالات سينما ومواقع سياحية ومراكز تجمع ومطاعم ومقاهٍ ونوادٍ، وحتى الحدائق العامة لغرض منع انتقال العدوى. وبشكل عام، فإن التدابير الحكومية احتُرمت بعد أن فرضت الحكومة على كل فرنسي أو مقيم أن يبرز شهادة يبيّن فيها سبب خروجه من منزله؛ أكان ذلك للتبضع أو شراء الدواء أو الذهاب إلى مقر عمله، وحتى لتنزيه كلبه.
ومن أجل فرض احترام ما طلبته، فإن الحكومة نشرت ما لا يقل عن مائة ألف رجل شرطة ودرك، واستعانت بالجيش، وفرضت غرامة مالية تصل إلى 135 يورو لكل مخالف. ورغم ذلك كله، فإنها تتأهب للاستحصال على حق فرض «حالة طوارئ صحية». وفي حال تم لها تشريع ذلك، فإنها ستتمكن من أداة إضافية لتنفيذ ما يُنظر إليه على أنه أقسى الإجراءات التي تعرفها فرنسا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبحسب المعلومات التي توافرت أمس، فإن هذه «الحالة» ستعطي رئيس الحكومة الحق في أن يفرض بمراسيم «تدابير عامة من شأنها أن تحد من حرية التنقل والقيام بنشاطات وكذلك عقد الاجتماعات». ويُضاف إليها تمكين الحكومة من أن «تصادر كل ما تراه مناسباً من بضائع وممتلكات وخدمات تراها ضرورية لمواجهة (الكارثة الصحية) التي تعيشها البلاد.
وسيحق للحكومة أن تقدم على هذه الخطوة الاستثنائية إن كان على كل أراضي الجمهورية أو على مناطق بعينها حيث يتفشى الوباء بكثرة. إلا أن الإقدام على هذه الخطوة يتطلب الضوء الأخضر من البرلمان بمجلسيه «النواب والشيوخ». وبالنسبة للوضع الراهن، فإن الحصول عليه يبدو «شكلياً» بالنسبة للحكومة، خصوصا أن كل التدابير ستكون مؤقتة ومحصورة بمحاربة الوباء.
ولا تتوقف المخاطر عند هذا الحد. فالوزراء المعنيون قرعوا ناقوس الخطر بالنسبة للوضع الاقتصادي، حيث بينت أرقام وزارة الاقتصاد التي نشرت أمس أن النقص الحاصل في عائدات الدولة من الرسوم والضرائب ستنقص بمقادر يزيد على عشرة مليارات يورو عن التوقعات السابقة، بسبب فيروس «كوفيد - 19»، في الوقت الذي تتزايد فيه أعباؤها المالية لمواجهة الكارثة الصحية التي تعرفها.
ووفق الحسابات الجديدة، فإن الجدولة سوف تجني 282.3 مليار يورو عوض 293 مليار. وحتى اليوم، قررت الحكومة توفير مبلغ 45 مليار يورو لمساعدة الشركات والموظفين، كما أنها رصدت 300 مليار يورو ضمانات للقروض التي قد تطلبها الشركات. وأبعد من ذلك، فقد أعلن رئيس الحكومة إدوار فيليب ووزيرا الاقتصاد والمال أن الدولة مستعد لـ«تأميم» الشركات ذات الأهمية الاستراتيجية لفرنسا في حال دعت الحاجة لذلك، وذكر منها على سبيل المثال شركة «إير فرانس» وشركتي «رينو» و«بيجو ــ سيتروين» لصناعة السيارات.
وبموجب «حالة الطوارئ الصحية»، فإن الحكومة ستكون مؤهلة لأن تصدر المراسيم الضرورية لمواجهة نتائج الفيروس على الشركات، خصوصاً «الضرورية» منها للأمن الوطني ولاستمرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وأعلن برونو لومير، وزير الاقتصاد، في حديث لقناة «بي إف إم» الإخبارية ظهراً أن الحكومة «عازمة على حماية نسيجها الصناعي»، وأنها «لن تتردد أبداً» في اللجوء إلى جميع التدابير التي تراها مناسبة من أجل هذا الغرض، إذ «لا يمكنها أن تقف مكتوفة اليدين أمام اندثار كبريات شركاتها».
من جانب آخر، حذر إدوار فيليب الحكومة البريطانية من أن باريس يمكنها أن تمنع التنقل بين فرنسا وبريطانيا إذا لم تعمد لندن إلى فرض «حظر» شبيه بما فعلته فرنسا على سكانها. بالمقابل، فإن الصين قدمت لفرنسا هدية من مليون كمامة، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من نقص فاضح من هذه الوسيلة التي تشكل وسيلة الحماية الأولى من انتقال العدوى. كذلك، فإن شركة «سانوفي» الفرنسية لصناعة الأدوية أعلنت، أمس، أنها «جاهزة» لتوفير ملايين العقارات من الدواء المسمى «بلاكونيل». ويبدو أن التجارب التي أجرتها الشركة بيّنت أنه مفيد في معالجة «كوفيد - 19»، يبقى أن تتوفر تأكيدات من الجهات الرسمية الفرنسية حول نجاعة هذا الدواء.


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ الولايات المتحدة تزيد القيود على تلقي اللقاحات المضادة لكوفيد (أ.ف.ب)

الولايات المتحدة ستزيد القيود على لقاحات كوفيد

تعتزم الولايات المتحدة زيادة القيود على تلقي اللقاحات المضادة لكوفيد، مع حصر التوصية بها للأشخاص في سن 65 عاماً وما فوق أو لأولئك المعرضين للخطر بصورة أكبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم تايلانديون يضعون كمامات واقية في منطقة عامة ببانكوك الثلاثاء (إ.ب.أ)

«منظمة الصحة» تتبنى اتفاقاً تاريخياً لمكافحة الجوائح العالمية

شكّلت جائحة «كوفيد 19» صدمة عالمية، وذكّرت بأن الفيروسات لا تعترف بالحدود، وبأن أي بلد، مهما بلغت قوته، لا يستطيع بمفرده مواجهة أزمة صحية عالمية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
علوم «لقاحات الحمض النووي»: تطويرات باهرة أم أسلحة دمار شامل؟

«لقاحات الحمض النووي»: تطويرات باهرة أم أسلحة دمار شامل؟

لا تؤثر على الحمض النووي للإنسان ولا تندمج مع الجينوم

آسيا رجل يمر أمام مجسمَيْن لفيروس «كورونا» (رويترز)

الصين: «كوفيد - 19» نشأ في الولايات المتحدة

أعادت الصين تكرار مزاعمها بأن «كوفيد - 19» ربما نشأ في الولايات المتحدة، وذلك في تقرير أصدرته أمس الأربعاء حول استجابتها للجائحة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

​«مطرقة منتصف الليل»... تفاصيل عملية خداع وتضليل عسكري

وزير الدفاع الأميركي متحدثاً عن عملية «مطرقة منتصف الليل» في مؤتمر صحافي بالبنتاغون (أ.ب)
وزير الدفاع الأميركي متحدثاً عن عملية «مطرقة منتصف الليل» في مؤتمر صحافي بالبنتاغون (أ.ب)
TT

​«مطرقة منتصف الليل»... تفاصيل عملية خداع وتضليل عسكري

وزير الدفاع الأميركي متحدثاً عن عملية «مطرقة منتصف الليل» في مؤتمر صحافي بالبنتاغون (أ.ب)
وزير الدفاع الأميركي متحدثاً عن عملية «مطرقة منتصف الليل» في مؤتمر صحافي بالبنتاغون (أ.ب)

أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، صباح الأحد، تفاصيل الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، معلناً أن الولايات المتحدة دمرت برنامج طهران النووي بالكامل، وأن التدمير كان «ناجحاً وباهراً وساحقاً»، وأن العملية كانت «جريئة ورائعة وأظهرت الردع الأميركي».

وقال هيغسيث خلال مؤتمر صحافي في البنتاغون، صباح الأحد، إن الهجمات الأميركية لم تستهدف القوات الإيرانية أو الشعب الإيراني، وإن الرئيس ترمب حقق الهدف الذي أعلنه بالقضاء على التهديدات التي يشكلها البرنامج النووي الإيراني لمصالح الولايات المتحدة الوطنية، ومن أجل الدفاع المشترك عن القوات الأميركية وعن إسرائيل، مشيراً إلى أن كثيراً من الرؤساء الأميركيين حلموا بتوجيه ضربة قاضية للبرنامج النووي ولم يستطع أحد تحقيق ذلك.

وقال هيغسيث إن قرار نقل عدد من قاذفات (بي 2) من قاعدتها في ميسوري في وقت سابق من يوم السبت كان بمثابة عملية خداع لتضليل الإيرانيين.

وأضاف أن الولايات المتحدة استخدمت أيضاً وسائل خداع أخرى، حيث نشرت مقاتلات لحماية قاذفات (بي 2) التي أسقطت 14 قنبلة خارقة للتحصينات على أقوى موقع نووي إيراني.

وأوضح وزير الدفاع الأميركي أن كل هذه الأساليب ساعدت الولايات المتحدة على إسقاط القنابل دون أن تنذر المقاتلات الإيرانية أو أنظمة الدفاع الجوي لديها، وأن خطة توجيه هذه الضربات استغرقت شهوراً وأسابيع من التمركز، والإعداد الذي تطلب قدراً كبير من الدقة وأعلى درجات الأمن التشغيلي لدخول الطائرات الحربية الأميركية إلى إيران ذهاباً وإياباً بأمان، وتوجيه ضربة تاريخية لقاذفات (بي 2) في أول استخدام عملي للقنابل الخارقة للتحصينات.

وأضاف وزير الدفاع أن الرئيس ترمب «يسعى إلى السلام ولا يسعى إلى الحرب، وعلى إيران سلوك هذا الطريق» وهدد قائلاً إن أي رد إيراني على الولايات المتحدة سوف يقابل بقوة أكبر بكثير، ومن الحكمة أن تصغي إيران إلى هذه الكلمات.

خريطة توضيحية لعملية «مطرقة منتصف الليل» عرضتها وزارة الدفاع الأميركية خلال مؤتمر صحافي في البنتاغون (أ.ب)

ليس الهدف تغيير النظام

قال هيغسيث في رده على أسئلة الصحافيين إن «هذه المهمة لم تكن تهدف إلى تغيير النظام»، بل تحييد التهديدات التي يشكلها البرنامج النووي الإيراني، وأشار إلى أن الهدف الرئيس للهجمات كان تدمير القدرات الإيرانية، وأن أي هجمات للميليشيات التابعة لإيران في المنطقة ضد المصالح الأميركية سواء في العراق أو سوريا أو الخليج سوف تكون «فكرة سيئة للغاية»، وأن الولايات المتحدة ستتصرف بشكل استباقي وليس كرد فعل.

وأشار وزير الدفاع إلى أداء الجنرال مايكل كوريلا بالقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، وتنسيقه بشكل وثيق مع إسرائيل، مؤكداً أن الضربات التي استهدفت المواقع النووية الإيرانية كانت بقيادة أميركية فقط، لكنها استفادت من الضربات التي حققتها إسرائيل خلال الأسبوع والنصف الماضيين.

مطرقة منتصف الليل

قدم الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، تفاصيل الضربات على المواقع النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان قائلاً: «كانت هذه مهمة سرية للغاية، ولم يكن أحد في واشنطن يعلم بتوقيتها أو طبيعتها». وأضاف كين أن المهمة، التي أُطلق عليها اسم «عملية مطرقة منتصف الليل»، شملت سبع قاذفات (بي 2 سبيريت)، انطلقت شرقاً من قاعدتها في ميسوري إلى إيران. وتطلبت الرحلة التي استغرقت 18 ساعة عمليات تزويد بالوقود جواً متعددة، والتقت القاذفات بطائرات مقاتلة أميركية وطائرات دعم فور تحليقها فوق اليابسة في الشرق الأوسط في «مناورة معقدة ودقيقة التوقيت»، وفقاً لكين.

رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال دان كين في مؤتمر صحافي بالبنتاغون (أ.ف.ب)

وأوضح الجنرال كين أنه وفي نحو الساعة 5 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة يوم السبت، قبيل دخول الطائرة المجال الجوي الإيراني، أطلقت غواصة أميركية أكثر من 24 صاروخ توماهوك كروز على أهداف في موقع أصفهان. ومع اقتراب الطائرات من أهدافها، استخدمت الولايات المتحدة عدة أساليب خداع، بما في ذلك توجه عدد من تلك الطائرات إلى المحيط الهادئ في محاولة للخداع، فيما حلّقت الطائرات المقاتلة في المجال الجوي أمام القاذفات، بحثاً عن طائرات معادية وصواريخ أرض - جو.

وأشار إلى أنه حينما اقتربت المقاتلات من قاعدتي فودو ونطنز أسقطت قاذفات (بي 2) قنبلتين من نوع جي بي يو 57 على أول نقطة من عدة نقاط في فوردو، وأصابت القاذفات الأخرى أهدافها بإجمالي 14 قذيفة، وتم ضرب جميع أهداف البنية التحتية النووية، وضرب أصفهان بصواريخ توماهوك.

125 طائرة أميركية

قال الجنرال كين: «غادرت المقاتلات الأميركية المجال الجوي الإيراني بأمان، ويبدو أن أنظمة صواريخ أرض جو الإيرانية لم ترصدنا طوال المهمة التي استخدمت فيها القوات الأميركية ما يقرب من 75 سلاحاً موجهاً بدقة، وشاركت 125 طائرة أميركية في هذه المهمة، بما في ذلك القاذفات الشبحية (بي 2)، ومقاتلات الجيل الرابع والجيل الخامس وعشرات من ناقلات التزود بالوفود جواً، وغواصة صواريخ موجهة، ومجموعة كاملة من طائرات المراقبة والاستطلاع الاستخباراتية».

صورة بالأقمار الاصطناعية لمنشأة فوردو النووية التي تم قصفها في إيران (أ.ب)

وقدّم كين شرحاً وافياً للضربات قائلاً إنه في نحو الساعة 6:40 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، أو 2:10 صباحاً بتوقيت إيران، أسقطت القاذفة الرئيسية من طراز (بي 2) قنبلتين «خارقتين للتحصينات»، ثم خلال الـ25 دقيقة التالية، تم إسقاط ما مجموعه 14 قنبلة «خارقة للتحصينات على منطقتين مستهدفتين».

وأكد كين أنه لم تُطلق أي طلقات نارية على الطائرات أثناء مغادرتها المجال الجوي الإيراني. وقال: «لم تُحلّق المقاتلات الإيرانية، ويبدو أن أنظمة الصواريخ أرض - جو الإيرانية لم ترصدنا. طوال المهمة، حافظنا على عنصر المفاجأة».