{أوراق فنية} تجمع بين الأدب والفن والتوثيق

المشهد الثقافي العراقي خلال عقدين

{أوراق فنية} تجمع بين الأدب والفن والتوثيق
TT

{أوراق فنية} تجمع بين الأدب والفن والتوثيق

{أوراق فنية} تجمع بين الأدب والفن والتوثيق

صدر عن «مركز باليت للطباعة والنشر» في بغداد كتاب «أوراق فنيّة» للناقد عبد العليم البنّاء، وهو ثمرة جهود متراكمة لعمله في مسارين ثقافيين يُعاضد كلاهما الآخر، وهما وظيفته مسؤولاً عن قسم الإعلام في دائرة السينما والمسرح، وكتاباته النقدية في صحف عراقية عدة أخراها صحيفة «المواطن» التي يعمل فيها مُحرراً ثقافياً وفنياً، حيث دأب على كتابة عموده الثابت «أوراق فنية» الذي أخذه عنوان الكتاب، وانتظمت فيه 130 مقالة جمعت بين الأدب والفن والتوثيق، لكنها اشتطّت في بعض الحالات لتضمّ المقالة الاقتصادية التي أخلّت برونق العنوان وأفقدته بعض بريقه الأدبي والفني.
يقع الكتاب في 3 فصول طويلة، إضافة إلى توطئة الكاتب، وتقديم الدكتور عقيل مهدي. يتضمن الفصل الأول 38 مقالة راجع فيها كتباً وأبحاثاً وأطروحات أدبية ومسرحية وسينمائية وموسيقية، كما عرض بعض المجلات التشكيلية والسينمائية، وتوقف عند بعض المعارض الفنيّة، وسأستثني المقالات الاقتصادية الخمس لأنها تقع خارج السياق، وتشذّ عن العنوان الرئيسي بوصفه عتبة نصية تفضي بالقارئ إلى استطرادات بعيدة عن ثيمة الكتاب وعموده الفقري.
لا يمكن التوقف أو حتى مجرد المرور العابر على مقالات الفصل الأول، لكنني سأنتقي الكتب النوعية المختلفة، وأولها «الرهان على الزمان» لمحسن العزاوي، لأنه سيرة ذاتية مكتوبة بطريقة مغايرة أخذت شكل النص المسرحي المقسّم إلى فصول ومَشاهد كتلك التي أخرجها وتماهى بها. وبغض النظر عن التقديم والتأخير في الوقائع والأحداث، فإن هذه السيرة تُحيط قارئها علماً بعدد المسرحيات المحلية والعربية والعالمية التي أخرجها حتى الآن، وبلغت 65 مسرحية، كما تضعنا السيرة أمام تجربته الإخراجية التي دفعت بكثير من روّاد المسرح إلى أن يتأملوا في رؤيته الفنية، ويكتبوا عنها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. تحتشد هذه السيرة بمعلومات كثيرة؛ تبدأ بالعائلة، وسنوات الدراسة، وتمرّ بأبرز معالم مدينة الناصرية وشواخصها الثقافية والحضارية.
ينفرد نصير شمّة في أطروحته «الأسلوبية موسيقياً»، التي تناول فيها بطريقة علمية ممنهجة محاور عديدة؛ من بينها الأسلوب والأسلوبية، والتناص، والبوليفونية، وفواصل الصمت الموسيقية، ومركزية اللحن في الموسيقى.
يلفت عبد العليم البناء انتباهنا إلى مجموعة شعرية مهمة جداً تحمل عنوان: «نجوى وألم» للشاعر حسّون البحراني، وهو قاصٌ وكتاب مقال، وشاعر «سبق السيّاب في قصيدته «هل كان حُباً؟» في ريادة الشعر الحرّ، حسبما ذكر الدكتور علي حسون السنيد في مقالة منشورة في موقع «المنتدى»، حيث أشار إلى أنّ البحراني قد كتب قصيدة «الريف الكئيب» عام 1945، ونُشرت في دورية «شعراء النجف»، ثم أُعيد نشرها في جريدة «السياسة البغدادية» عام 1954. كما وجدت طريقها إلى ديوان «نجوى وألم» الذي ضمّ 54 قصيدة سلسة تستحق البحث والدراسة التي قد تعيد النظر في مسألة الريادة الشعرية الحديثة التي شغلت الناس.
يتضمّن الفصل الثاني 44 مقالة كتبها عبد العليم البنّاء عن أبرز الأدباء، والشعراء، والنقّاد، والصحافيين، والفنانين، والملحنين، والموسيقيين، والمُخرجين المسرحيين، والمعماريين وبقية المشتغلين ببقية الأجناس الأدبية والعلمية.
ولو تأملنا مقالات هذا الفصل لوجدناها مادة كتاب منفرد عن مبدعين عراقيين، قسم منهم رحل داخل الوطن، أمثال: أسعد عبد الرزاق، ويوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وطه سالم، وعبد المرسل الزيدي، وفاضل خليل، وشفيق مهدي، وأمل طه، وراكان دبدوب، وعمونوئيل رسام، ومحمد جواد أموري... وغيرهم. أما الذين غادرونا في المنافي فهم كُثر ولا يتسع المجال لذكرهم جميعاً؛ من بينهم: خليل شوقي، وناهدة الرمّاح، ومكي البدري، ومنتهى محمد رحيم، وزها حديد، ونزيهة رشيد، وكارلو هارتيون، وفؤاد سالم، ومحمد الجزائري، وفوزي كريم، ومحمد شاكر السبع... وآخرون. وينبهنا البناء في أثناء حديثه عن الفنانة ناهدة الرماح إلى أنها سجّلت مذكراتها على عدد من الأشرطة التي قالت عنها: «لو خرجت هذه المذكرات إلى النور، فلن تكون مذكرات فنية فحسب؛ بل تاريخ الحركة الفنية والسياسية في العراق». تُرى، ما مصير هذه الأشرطة، ومتى نقرأها مدوّنة في كتاب؟
يضمّ الفصل الثالث الأخير 47 مقالة كرّسها المؤلف للمبادرات الثقافية والمجتمعية التي تهدف إلى تطوير ساحات بغداد، وترميم بعض المناطق التاريخية، وتأهيل النُصب، والتماثيل، وأزقة بغداد القديمة.
ثمة مقالات مهمة جداً في هذا الفصل، مثل: «الطريق إلى هوليوود» وهو فيلم وثائقي إنجليزي عن المخرج محمد شكري جميل، وهو سابقة فنية لم يعرفها المشهد السينمائي العراقي من قبل. وفي السياق الوثائقي ذاته أنجز المخرج حميد حدّاد فيلماً وثائقياً جميلاً بعنوان: «برج بابل»، ناقش فيه فكرة «تبلبل الألسن» للجيل الثاني من المهاجرين العراقيين في المنافي العالمية؛ إذ تبلبلت ألسنة الصغار بلغات عالمية جديدة بينما تقوقع الكبار بعزلتهم الأبدية التي تجترّ الماضي وتعيش على ذكرياته البعيدة التي أخذت تنأى كلما بعُدت المسافة واشتطّ المزار.



كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية
TT

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية

اشتهر كارل فون كلاوزفيتز، كبير فلاسفة الحرب في الغرب، بملاحظته أن الحرب امتداد للسياسة، كما أشار إلى نقطة ثانية، وهي أن الحرب تابعة للسياسة، ومن ثم فهي تتشكّل من خلالها، مما يجعل «تأثيرها ملموساً حتى في أصغر التفاصيل العملياتية».

نحن نرى هذا اليوم في الشرق الأوسط، حيث قد تسترشد محاولات إنقاذ الرهائن الفتاكة، والاغتيالات الكبرى، كتلك التي أودت بحياة حسن نصر الله زعيم «حزب الله»، بنقاط سياسية بقدر ما تسترشد بالرغبة في إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، يبدو أن أحدث سرب من الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي انفجر معظمها من دون ضرر فوق إسرائيل، كان عملاً من أعمال المسرح السياسي الذي يهدف في المقام الأول إلى رفع المعنويات على الجبهة الداخلية.

من المفيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وآية الله علي خامنئي من إيران، ناهيكم عن الرئيس الأميركي المقبل، أن يقرأوا كتاب جفري فافرو «حرب فيتنام: تاريخ عسكري» (652 صفحة، دار «بيسك بوكس» للنشر).

إنه يُلقي أفضل نظرة عامة على المغامرة الأميركية في جنوب شرقي آسيا، ومن المؤكد أنه سوف يصبح كتاباً معيارياً عن تلك الحرب، وبينما نتابع المعاناة الجارية في الشرق الأوسط، فإن هذا الكتاب يقدّم لنا أيضاً دروساً قوية بشأن المخاطر المترتبة على شن حرب مفتوحة من دون إستراتيجية حقيقية.

تركّز أغلب كتب التاريخ عن حرب فيتنام على الدبلوماسية والسياسة في الصراع، بالعودة إلى العمليات العسكرية للأحداث الرئيسية فقط، مثل هجوم «تيت» ومعركة مدينة «هوي»؛ إذ يتبع واورو، المؤرخ في جامعة نورث تكساس، نهجاً أكثر تنويراً.

ووفقاً لرأي فافرو، كان التدخل الأميركي في فيتنام بمثابة درس كبير في كيفية تجنّب شنّ الحرب، وقد أدى الاعتقاد الطائش في فاعلية القوة النارية المحضة، إلى حملات القصف الأميركية المدمِّرة التي كما يقول واورو: «أدّت إلى إحراق سُبع أراضي جنوب فيتنام» و«خلقت خمسة ملايين لاجئ داخلي»، على أمل دفع قوات «فيت كونغ» الفيتنامية إلى العراء، ورفض الخصم الشيوعي القتال بهذه الطريقة، بل كانوا يشتبكون سريعاً، ثم ينسحبون عندما يردّ الأميركيون بوابل عنيف من نيران المدفعية والغارات الجوية. في الأثناء ذاتها، كلما حاول الرئيس ليندون جونسون - الذي لم يدرس مبادئ كلاوزفيتز - فصل الحرب عن السياسة، بالكذب بشأن تكاليفها ورفض تعبئة الاحتياطي العسكري؛ صارت الحرب أكثر سياسية، وهيمنت على الخطاب الأميركي، ثم عصفت به خارج الرئاسة.

لم يكن أداء أميركا أفضل مع الهجمات المستهدفة، وكما هو الحال مع أجهزة البيجر المتفجرة التي استخدمتها إسرائيل، فإن برنامج «فينكس» من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاغتيال أعضاء «فيت كونغ» قد «ركّز على (القبض أو القتل)»، كما كتب واورو، وأدى إلى سقوط ضحايا أبرياء، كما أنه لم يؤدِّ إلى الاقتراب من نهاية الحرب؛ لأن البرنامج بأكمله كان مبنياً على «أرقام ملفقة»، كما يوضح المؤلف، «وليس على الواقع الحقيقي»، وكان البرنامج عبارة عن طريقة أخرى لقتل الناس من دون فهم الحرب.

جعلتني قراءة التاريخ الرائع الذي كتبه فافرو أفكّر في نتيجة لازمة جديدة لنظريات كلاوزفيتز: كلما كانت الاستراتيجية أقل تماسكاً في الحرب، أصبحت أكثر تسييساً، دخلت الولايات المتحدة الحرب لأسباب سياسية ودبلوماسية غامضة (الظهور بمظهر الصرامة أمام خصوم الحرب الباردة ليس نهاية المطاف). بعد عقدين من الزمان كان الغزو القصير والفوضوي لجنوب «لاوس» من قِبل القوات البرّية الفيتنامية الجنوبية والقوة الجوية الأميركية بمثابة «مسرحية سياسية، وليس حرباً»، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 1972، لم تكن هناك نهاية في الأفق، وكان الدافع وراء الهجوم هو رغبة الرئيس ريتشارد نيكسون في جعل الأمر يبدو وكأن فيتنام الجنوبية تتولّى زمام الأمور في القتال، وبدلاً من ذلك، زاد من زعزعة استقرار المنطقة، ولم يفعل شيئاً يُذكر لقطع خطوط إمداد العدو.

لحسن الحظ، خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة السياسة لخدمة المجهود الحربي بدلاً من العكس، وإن لم يكن الجميع يرَون الأمر على هذا النحو. في كتاب «أميركا أولاً: روزفلت ضد ليندبيرغ في ظل الحرب» (444 صفحة، دار «دوبلداي للنشر»)، يُصوّر إتش دبليو براندز، نجم الطيران الشهير تشارلز ليندبيرغ، الذي تحدث عن النزعة الانعزالية في البث الإذاعي الوطني، بوصفها أمراً ساذجاً، ولكن صادقاً، في حين يُصوّر الرئيس فرانكلين روزفلت بأنه مخادع بشكل ملحوظ في جهوده لدفع الولايات المتحدة إلى الحرب.

لكن في الواقع، كان فرانكلين روزفلت هدفاً كبيراً لهذه التهمة؛ إذ تعهد الرئيس أثناء حملته الانتخابية للفوز بولاية ثالثة غير مسبوقة، قائلاً: «لن يُرسَل أبناؤكم إلى أي حروب خارجية»، وكان جيمس، نجل روزفلت، يتساءل عن سبب اتخاذ والده هذا الموقف، فقال والده موضحاً: «جيمي، كنت أعلم أننا ذاهبون إلى الحرب، كنت متأكداً من أنه لا يوجد مخرج من ذلك، كان لزاماً أن أثقّف الناس بشأن الحتمية تدريجياً، خطوة بخطوة»، ربما يكون هذا مخادِعاً، لكن هذه السياسة ساعدت الأميركيين على المشاركة في المجهود الحربي، كان كلاوزفيتز ليفخر بذلك.

في الوقت نفسه، عندما يرفض ليندبيرغ الدعوة إلى هزيمة ألمانيا في أواخر يناير (كانون الثاني) 1941، يُعيد إلى الأذهان رفض دونالد ترمب دعم المعركة الأوكرانية ضد العدوان الروسي، ويلاحظ براندز، وهو مؤرخ في جامعة تكساس فرع أوستن، ليونةَ ليندبيرغ إزاء ألمانيا النازية، ولكن - في رسم صورة متعاطفة للرجل - يستبعد عديداً من التفاصيل التي تظهر في كتب أخرى، مثل السيرة الذاتية تأليف «إيه سكوت بيرغ»، الفائزة بجائزة بوليتزر لعام 1998.

لا يذكر براندز، على سبيل المثال، أن ليندبيرغ رفض في مايو (أيار) 1940 الحديث عن مخاطر انتصار النازية، بوصفه «ثرثرة هستيرية»، أو أنه، في العام نفسه، ألّفت زوجة الطيار آن مورو ليندبيرغ كتاب «موجة المستقبل»، وفيه جادلت بأن العهد الجديد ينتمي إلى أنظمة استبدادية، وكان ذلك الرجل يحمل مثل هذه الولاءات المُرِيبة حتى بعد بيرل هاربر، كما قال ليندبيرغ (في تصريحات أغفلها براندز أيضاً): «إن بريطانيا هي السبب الحقيقي وراء كل المتاعب في العالم اليوم».

إن مثل هذه الإغفالات تجعل كتاب براندز يبدو وكأنه مُوجَز متحيّز إلى ليندبيرغ أكثر من كونه كتاباً تاريخياً نزيهاً. كتب براندز يقول: «لقد أصاب ليندبيرغ كثيراً في حملته ضد الحداثة، لكنه أخطأ في أمر واحد كبير- فهو لم يرَ أن الأميركيين كانوا على استعداد للتدخل في الصراعات الخارجية». وأودّ أن أزعم أن ليندبيرغ كان مخطئاً أكثر من ذلك؛ فقد عبث بمعاداة السامية، وهو شيء ينتقص براندز من أهميته، وعلى نحو مفاجئ بالنسبة لطيار شهير، لم يكن يبدو أن لديه الكثير من البصيرة في دور القوة الجوية في الحرب، وحتى في القراءة الأكثر تعاطفاً، لا بد أن كلاوزفيتز كان ليحتدم غيظاً.

الجنرال البروسي العجوز هو موضوع تحليل جديد لاذع، وربما شديد التحريض من ناحية «أزار غات»، المؤرخ الفكري في جامعة تل أبيب. في كتابه «أسطورة كلاوزفيتز: أو ملابس الإمبراطور الجديدة» (228 صفحة، دار «كرونوس للنشر»)، يزعم غات أن كتاب كلاوزفيتز «عن الحرب» مؤثر بصورة رئيسية؛ لأنه مُحير للغاية. ويَخلُص إلى أن «الكثير من سمعة الكتاب تستند إلى سوء فهم دائم لما يعنيه في الواقع».

هناك في الأساس اثنان من كلاوزفيتز؛ الأول ألّف في وقت مبكر من حياته المهنية الكثير من كتب «عن الحرب»، بينما يسعى إلى فهم انتصارات نابليون السريعة والساحقة على بروسيا، والآخر كان يحاول بعد سنوات رسم مسارٍ لاستعادة بروسيا مكانتها في أوروبا، ولكن بدلاً من تأليف كتاب ثانٍ، كما يقول غات، عاد الضابط البروسي ونقّح كتاب «عن الحرب» بطرق تتناقض على نحو جَلِيّ مع بعض الأجزاء الأسبق من نفس الكتاب. بدأ كلاوزفيتز بكتابة أن النصر يعتمد على هزيمة سريعة للعدوّ في معركة كبيرة واحدة. وفي وقت لاحق أدرك أن العديد من الأطراف الفاعلة، سيما الأضعف منها، قد يكون لديها سبب لإطالة أمد القتال. وشرع في التنقيح، لكنه لم يكن لديه الوقت لعلاج هذا التضادّ قبل وفاته عام 1831.

وبينما كنت أقرأ كتاب غات، ظللتُ أفكّر في أنه لم يدرك النقطة الأكثر أهميةً؛ قد تشوب الأعمال الكلاسيكية حالة من النقص إلى حد بعيد؛ إذ تطرح أسئلة أكثر مما تقدّم من إجابات، وهو ما كان بمثابة طريق أكثر أماناً للاستمرار عبر الزمن. في الواقع، كانت واحدة من أشهر ملاحظات كلاوزفيتز تتعلّق بطرح الأسئلة، وهو يقول إنه قبل أن تتصاعد أعمال العنف يجب على القادة المفكرين أن يسألوا أنفسهم: ما نوع هذه الحرب؟ وما الذي تريد أمّتي تحقيقه؟ وهل يمكن أن تحقّق ذلك فعلاً؟

هذه اعتبارات جيدة. إن مواصلة حرب استنزاف لا نهاية لها، سواء في جنوب شرقي آسيا، أو في الشرق الأوسط، من غير المرجّح أن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والموت، وعلى نحو مماثل، لو تعامل قادة أميركا بجدّية مع نهاية المسألة قبل غزو فيتنام، ناهيكم عن العراق أو أفغانستان، ربما كانت حروبهم لتسير على نحو أفضل كثيراً، أو ربما لم تكن لتحدث على الإطلاق.

-------------------

خدمة: «نيويورك تايمز».