قاعة مشاهير الدوري الممتاز... جدال جديد بلا معنى

كثير من الشركات التكنولوجية العملاقة تردد على أسماعك أنها توجّه استثمارات ضخمة إلى جهود ابتكار سيارات ذاتية القيادة رغبةً منها في إنقاذ الأرواح. ومثلما تعرف، فإن هذا القول قريب من الحقيقة، لكن ليس الحقيقة تماماً. في واقع الأمر، توجه هذه الشركات استثمارات ضخمة إلى مجال إنتاج سيارات ذاتية القيادة لرغبتها في الحصول على المزيد من البيانات السلوكية الخاصة بك، وهذه مهمة تصبح أسهل بكثير عندما تقضي وقتك في التفاعل مع منتجات هذه الشركات، بدلاً عن قيادة سيارتك. في كل الأحوال، ستكون داخل سيارة، لكن في وقت قريب ستقضي وقتك داخل السيارة في التفاعل مع المنتجات الإلكترونية لهذه الشركات، بدلاً عن التركيز في القيادة. أو يمكننا التعبير عن هذا المعنى بشكل مختلف: هؤلاء الأشخاص لا يرغبون في إنقاذ الأرواح! وإنما يرغبون في إلحاق مزيد من الدمار بها! (بالطبع أمزح هنا، خصوصاً أننا لا نزال في بداية استكشاف ما فعلته كل هذه الأجهزة الإلكترونية من حولنا بنا).
المثير أن نفس نمط التفكير الخيّر موجود بين صفوف مسؤولي بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز الذين يبدو أنهم يضخون مزيداً من الاستثمارات باتجاه فكرة المحتوى الكروي الأقل ارتباطاً بكرة القدم الحقيقية. ومثلما سبق أن أشرت منذ بضعة أسابيع، فإن الحجم الهائل للمحتوى الذي تناول أول عطلة شتوية يقرها الدوري الممتاز كشف بجلاء كيف أن كرة القدم الفعلية تراجعت أهميتها كـ«منتج»، بينما تتزايد باطراد أهمية المحتويات ذات الصلة بكرة القدم، مثل الأحداث الدرامية التي تقع خارج الملاعب والتفاعلات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وثقافة عقود الرعاية التجارية وما إلى غير ذلك.
على هذه الخلفية، صدر الإعلان عن مقترح لإنشاء «قاعة مشاهير الدوري الممتاز»، والذي لاقى الاستقبال المتوقع، بمعنى أنه أثار حالة جدال واسعة هيمنت عليها الأصوات الساخرة، لكن مثلما نعلم جميعاً يبدو أن نمط التفاعلات وردود الأفعال لم يعد له أهمية حقيقية هذه الأيام. منذ أيام، أعلن المدير الإداري لنادي مانشستر يونايتد، ريتشارد أرنولد، على نحو متعجرف أن صفقة إعارة النيجيري أوديون إيغالو كانت «الهاشتاغ» الأول على موقع «تويتر». في الحقيقة، يبدو هذا مقياساً غريباً حقاً للنجاح. وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه الكلمات، فإن أول «هاشتاغين» عبر الموقع داخل بريطانيا هما بيتر أندري وليز ستروس، واللذين بالتأكيد كانا سيعدّهما أرنولد صفقتين مبهرتين.
والآن، دعونا نعاود الحديث عن الفكرة الكبرى الجديدة التي طرحها مسؤولو الدوري الممتاز. في هذه المرحلة، لا تبدو هناك خطط لجعل «قاعة مشاهير الدوري الممتاز» كياناً فعلياً، على غرار «الصالة الفخرية للروك آند رول» في كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية. وللأسف فإن الفكرة المطروحة لا تدور حول إنشاء متحف لتاريخ بطولة الدوري الممتاز، والذي يمكن أن يضم بين جنباته قطعاً ثقافية لا تقدر بثمن، مثل مسدس ضغط الهواء الذي أصاب به آشلي كول فتى متدرباً.
بدلاً عن ذلك، فإنه تبعاً للبيان الصحافي الرسمي الصادر في هذا الصدد، فإن الاختيار لنيل هذا التكريم سيعني الحصول على ميدالية والتي ستمثل «أعلى وسام فردي يُمنح للاعبين من جانب مسؤولي الدوري». يمكنك اعتبار هذه الميدالية مكافئاً لوسام «صليب فيكتوريا» الرفيع، ما يعني بطبيعة الحال أن أي ميدالية أخرى حصل عليها لاعب نتيجة فوزه فعلياً ببطولة الدوري الممتاز ستتراجع قيمتها وأهميتها على الفور. ومن المفترض الإعلان عن أول اثنين من الفائزين بهذا التكريم في غضون أسبوعين، ويكاد يكون في حكم المؤكد أن الأعداد الغفيرة من الجماهير التي ستعبّر عن غضبها إزاء الاختيار ستوجه إليها الدعوة للمشاركة في التصويت لصالح آخرين كي ينضموا إلى اللاعبين الفائزين. في الحقيقة يبدو أن هذا هو النهج الكلاسيكي المألوف من جانب القائمين على الدوري الممتاز. لقد نجحوا في اجتذابنا نحو النقطة التي يرغبونها تماماً.
وحسب المعلومات التي أُعلن عنها، فإن «قاعة المشاهير» سيجري تقديمها من جانب مؤسسة «بدوايزر»، التي أعلن نائب رئيس شؤون التسويق بها أنه: «نحمل شغفاً تجاه كرة القدم، وكذلك الحال مع عملائنا». وربما يكون محقاً في ذلك.
على أي حال، تلك هي الخطة المعلنة. وقد استمتعت حقاً بأول فكرة كبرى يقترحها الرئيس الجديد لبطولة الدوري الممتاز، ريتشارد ماسترز، بالنظر إلى أنه كان في الترتيب السابع تقريباً بين المرشحين لهذا المنصب.
ومع هذا، لا يسعني سوى التساؤل: ما الجدوى من مثل هذه الأفكار والمقترحات سوى إثارة موجات من الجدال التي لا تحمل أي معنى حقيقي عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟ وبالطبع، لا نصف ما يحدث بهذا الاسم، وإنما نفضل استخدام كلمات أخرى مثل «تفاعل» أو «تواصل» أو «ولاء». اللافت أن ثمة قطاعات واسعة من الحياة والثقافة الحديثة أصبحت محكومة اليوم بسلسلة من الألفاظ المجردة اللطيفة التي تعكس محاولات لطيفة لوصف فكرة قضاء أفراد ساعات في تبادل الشتائم والسباب بحدّة عبر شبكة الإنترنت -أو مثلما يروق لماسترز وصف الأمر: «ستكون تلك مناسبة لطيفة لجماهيرنا حول العالم كي ينظروا إلى سنوات مضت ويعاونونا في الاحتفاء ببعض المسيرات المهنية الاستثنائية بعالم كرة القدم».
كما ستكون تلك بالتأكيد مناسبة لصدور الكثير من المقالات الصحافية -مثل هذا المقال. خلال عطلة نهاية الأسبوع، قرأت مقالاً يقول إن «قاعة المشاهير» تلك تحطّ من قدر قاعة المشاهير الحقيقية الموجودة بالمتحف الوطني لكرة القدم في مانشستر، ثم انتقل المقال على نحو مثير للحط من قدر قاعة المشاهير الفعلية تلك بتساؤله عن السر وراء عدم وجود تيري بوتشر بها. وتحدث صاحب المقال بثقة مطلقة قائلاً: «بالتأكيد لا يمكن لأحد الاعتراض على ضرورة وجود بوتشر بالقاعة»، لكنني كتبت على الفور تعليقاً على المقال قلت فيه: «أنا أعترض تماماً»!
في ذلك اليوم، تمكنت من السيطرة على نفسي ومسحت العبارة بعد كتابتها، أما اليوم فكانت الغلبة من نصيبها وها أنا أكتبها وأعلن استسلامي.