«حرب» أوروبا على الوباء تعزل سكانها

سيدة تقطع شارعاً خالياً في برشلونة أمس (إ.ب.أ)
سيدة تقطع شارعاً خالياً في برشلونة أمس (إ.ب.أ)
TT

«حرب» أوروبا على الوباء تعزل سكانها

سيدة تقطع شارعاً خالياً في برشلونة أمس (إ.ب.أ)
سيدة تقطع شارعاً خالياً في برشلونة أمس (إ.ب.أ)

على مشارف اكتمال شهر واحد من اندلاع المعركة الأوروبية في الحرب العالمية ضد «كوفيد-19»، تنطوي أوروبا على ذاتها في قلق عميق وخوف من المجهول، وتعود بين ليلة وضحاها لترفع الحواجز التي أمضت سبعين عاماً في إزالتها، وتشطب بأسطر كل الاتفاقيات والقواعد التي اقتضى إبرامها عقوداً من المفاوضات.

وإذا كان انفجار أزمة الهجرة في عام 2015 قد أحدث شرخاً عميقاً في اتفاقية «شينغن» التي تعتبر أهمّ إنجازات المشروع الأوروبي، إلى جانب العملة الموحّدة، فإن أزمة فيروس كورونا توشك أن تسدل الستار على هذا الإنجاز التاريخي الذي يتيح لما يزيد على 400 مليون أوروبي التنقّل بين 26 دولة من غير جواز سفر. وبعد أن كانت المفوضية الأوروبية تحذّر منذ بداية انتشار الوباء من مغبّة العودة إلى فرض المراقبة على الحدود الداخلية، أصبحت اليوم تكتفي بالحفاظ على حرّية تنقّل البضائع والعمّال الذين يقدّمون خدمات أساسية.
وفي سابقة تاريخية، قرّر الاتحاد الأوروبي، أمس، إقفال جميع حدوده في وجه غير الأوروبيين لفترة 30 يوماً، قابلة للتجديد، وإخضاع الذين يُسمح لهم بالدخول لإجراءات صارمة خلال هذه الفترة. وتولّت رئيسة المفوضية، أورسولا فون در لاين، إبلاغ قادة مجموعة الدول الصناعية السبع بهذا القرار الذي يأتي بعد أيام من قرار الإدارة الأميركية إغلاق حدود الولايات المتحدة في وجه القادمين من دول منطقة «شينغن»، ثم بريطانيا وإيرلندا. ويشمل القرار الأوروبي مواطني 62 دولة لا يحتاجون لتأشيرة من أجل الدخول إلى الاتحاد، وأولئك الذين يطلبون تأشيرات لإقامة قصيرة، ويقدّر عددهم بنحو 14 مليوناً سنوياً.
وإذ يقدّر خبراء البنك المركزي الأوروبي أن هذه الأزمة ستقضي على 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في دول الاتحاد مع نهاية هذا العام، يتوقّع الاختصاصيون في المفوضية أن ينتشر هذا الوباء في جميع الدول الأعضاء، على غرار ما حصل في إيطاليا ويحصل في إسبانيا، الأمر الذي دفع إلى قرار إغلاق الحدود للسيطرة على الفيروس.
وفي إيطاليا التي ما زالت البؤرة الرئيسية لانتشار الفيروس داخل الاتحاد الأوروبي، يقترب عدد الإصابات من 30 ألفاً، وتزداد الوفّيات يومياً بنسبة 19 في المائة، بعد أن تجاوزت الألفين، وسط حالة من الهلع العام الذي تجتهد الحكومة لمعالجته بصعوبة كبيرة، من خلال تعزيز الموارد الصحّية، والقدرات العلاجية، والمساعدات المالية والتسهيلات للمواطنين المتضررين.
وفي الذكرى السنوية الـ159 لتوحيد إيطاليا، التي صادفت أمس (الثلاثاء)، قررت الحكومة إلغاء جميع الاحتفالات المعتادة في هذه المناسبة، ودعا رئيس الوزراء جوزيبي كونتي الجميع إلى رصّ الصفوف، والتقيّد بإجراءات الحجر، وقال: «معاً سنهزم هذا العدو الذي لا نراه».
وكانت مدينة بيرغامو الصناعية في الشمال قد سجّلت 385 حالة وفاة في الأيام الخمسة المنصرمة، وشهدت احتجاجات في أوساط العمّال الذين طالبت نقاباتهم بوقف الحركة الإنتاجية لعدم توفّر تدابير الحماية الكافية. وبينما شهدت مناطق الجنوب آلاف المخالفات للتعليمات الرسمية بمنع التجمّع وحظر التجوال، تعرّضت منطقة كالابريبا لهزّة أرضية مساء الاثنين دفعت بأعداد كبيرة من المواطنين للخروج إلى الشوارع خوفاً من الارتدادات.
وفي حين دعت منظمة الصحة العالمية إلى تكثيف الفحوصات على الحالات المشتبه بها، كأنجع وسيلة للحد من انتشار الفيروس، توقّع رئيس اللجنة الصحيّة الإيطالية أن يصل عدد الوفّيات في إيطاليا إلى 5 آلاف، قبل أن يبدأ بالتراجع بعد 10 أيام أو أسبوعين.
الجبهة الأخرى المشتعلة في «الحرب» الأوروبية ضد «كوفيد-19» هي إسبانيا التي تجاوز عدد الإصابات فيها 12 ألفاً، وعدد الوفيّات 500، نصفها تقريباً في العاصمة مدريد. وكانت الحكومة الإسبانية قد عقدت اجتماعاً آخر طارئاً صباح أمس (الثلاثاء)، قرّرت فيه ضخّ مبلغ 200 مليار يورو لمساعدة المـؤسسات والعائلات على مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة. وكانت مدريد قد أعلنت مساء الاثنين إغلاق حدودها الخارجية في وجه الوافدين، باستثناء الرعايا الإسبان المقيمين في الخارج. ومنذ السبت الماضي، تتولّى وحدة الطوارئ العسكرية التابعة للقوات المسلّحة الإشراف على تطبيق إجراءات الحجر في جميع المدن الكبرى.
ولأول مرة منذ سنوات، رصّت القوى السياسية صفوفها وراء الحكومة، وأعلنت تأييدها لخطة الطوارئ، واستعدادها الكامل للتعاون من أجل تنفيذها. وفي كاتالونيا، أصرّ رئيس الحكومة الإقليمية كيم تورّا على المطالبة بعزل الإقليم كليّاً عن بقية المناطق الإسبانية، واعتبر أن إعلان حالة الطوارئ ووضع أجهزة الأمن الإقليمية تحت إشراف الجيش يشكّل انتهاكاً للسيادة الإقليمية.
إجراءات الحجر العام التي بدأتها إيطاليا، ثم إسبانيا، انضمّت إليها فرنسا وألمانيا اعتباراً من أمس (الثلاثاء)، بعد أن كانت برلين قد أعلنت عن خطة لإنقاذ الاقتصاد من تداعيات الأزمة بقيمة 550 مليار يورو، وتبعتها فرنسا بخطة أعلن عنها إيمانويل ماكرون مساء الاثنين بقيمة 330 مليون يورو.
وفيما تنشلّ الحركة الاقتصادية تدريجياً في دول الاتحاد الأوروبي، عادت الحركة إلى العجلة الصناعيّة في الصين التي لم تسجّل أمس (الثلاثاء) سوى إصابة واحدة جديدة بالفيروس الذي انطلق منها أواخر العام الماضي.


مقالات ذات صلة

«أولمبياد 2024»: إصابة رياضيين بلجيكيين بـ«كوفيد» قبل السفر لباريس

رياضة عالمية رياضيو بلجيكا اضطروا إلى تأجيل مغادرتهم إلى باريس (رويترز)

«أولمبياد 2024»: إصابة رياضيين بلجيكيين بـ«كوفيد» قبل السفر لباريس

ثبتت إصابة كثير من الرياضيين البلجيكيين المشاركين في دورة الألعاب الأولمبية بفيروس «كوفيد-19» مؤخراً، واضطروا إلى تأجيل مغادرتهم إلى باريس.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

طبيب: نتائج اختبار بايدن لـ«كوفيد» جاءت سلبية

أعلن طبيب البيت الأبيض في رسالة، اليوم (الثلاثاء)، أن نتيجة اختبار جو بايدن لـ«كوفيد-19» جاءت سلبية، في الوقت الذي عاد فيه الرئيس إلى واشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة عالمية آنا ميريس رئيسة بعثة أستراليا خلال حديثها لوسائل الإعلام (رويترز)

بعثة أستراليا: عزل لاعبة كرة ماء في أولمبياد باريس بعد إصابتها بكوفيد

قالت آنا ميريس رئيسة بعثة أستراليا في أولمبياد باريس اليوم الثلاثاء إن لاعبة في فريق كرة الماء المحلي تم عزلها بعد إصابتها بفيروس كورونا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم عودة السفر الجوي إلى طبيعته بعد طفرة دامت سنوات في أعقاب جائحة كورونا وسط إحجام المصطافين والمسافرين بسبب ارتفاع الأسعار (رويترز)

الطلب على السفر الجوي يعود إلى طبيعته بعد الطفرة التي أعقبت «كورونا»

قال مسؤولون تنفيذيون في شركات طيران كبرى مشاركون بمعرض «فارنبورو» للطيران في إنجلترا، الاثنين، إن الطلب على السفر الجوي يعود إلى طبيعته بعد «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم كبار السن وضعاف المناعة معرضون بشكل خاص للمتغيرات الفرعية الجديدة للفيروس (أرشيفية - رويترز)

لماذا ينتشر فيروس «كورونا» هذا الصيف؟

في شهر يوليو (تموز) من كل عام، على مدى السنوات الأربع الماضية، لاحظ علماء الأوبئة ارتفاعاً مفاجئاً في حالات الإصابة بفيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فجر السبت، إلى لاوس حيث سيحضر اجتماعات رابطة دول «آسيان» ويجري محادثات مع نظيره الصيني، وذلك في مستهل جولة آسيوية تشمل دولاً عدة وتهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين في مواجهة بكين.

ومن المقرر أن يلتقي بلينكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش محادثات وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعقد في فينتيان، عاصمة لاوس.

منافسة حادة

ويسعى بلينكن لتحقيق تطلّع بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ «منطقة حرة ومفتوحة ومزدهرة»، وهو شعار يحمل في طيّاته انتقاداً للصين وطموحاتها الاقتصادية والإقليمية والاستراتيجية في المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية في بيان صدر قبل وقت قصير من وصول بلينكن إلى فينتيان، إنّ «محادثات الوزير ستواصل البناء والتوسع غير المسبوق للعلاقات بين الولايات المتحدة وآسيان»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذه هي الزيارة الـ18 التي يقوم بها بلينكن إلى آسيا منذ توليه منصبه قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما يعكس المنافسة الحادة بين واشنطن وبكين في المنطقة.

ووصل بلينكن بعد يومين على اجتماع عقده وزيرا خارجية الصين وروسيا مع وزراء خارجية تكتل «آسيان» الذي يضم عشر دول، وقد عقدا أيضاً اجتماعاً ثنائياً على الهامش.

وناقش وانغ وسيرغي لافروف «هيكلية أمنية جديدة» في أوراسيا، وفق وزارة الخارجية الروسية.

وقالت الوزارة إن وانغ ولافروف اتفقا على «التصدي المشترك لأي محاولات من جانب قوى من خارج المنطقة للتدخل في شؤون جنوب شرق آسيا».

وتقيم الصين شراكة سياسية واقتصادية قوية مع روسيا. ويعتبر أعضاء حلف شمال الأطلسي بكين مسانداً رئيسياً لموسكو في حربها على أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، الجمعة، إن وانغ وبلينكن «سيتبادلان وجهات النظر حول مسائل ذات اهتمام مشترك».

ووفق وزارة الخارجية الأميركية سيناقش بلينكن «أهمية التقيّد بالقانون الدولي في بحر الصين الجنوبي» خلال محادثات «آسيان».

توترات متصاعدة

وتأتي المحادثات في خضم توترات متصاعدة بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، حيث سجّلت مواجهات في الأشهر الأخيرة بين سفن فلبينية وصينية حول جزر مرجانية متنازع عليها.

وتتمسك بكين بالسيادة شبه الكاملة على الممر المائي الذي تعبره سنوياً بضائع بتريليونات الدولارات، على الرغم من حكم أصدرته محكمة دولية قضى بأن لا أساس قانونياً لموقفها هذا.

وفقد بحار فلبيني إبهامه في مواجهة وقعت في 17 يونيو (حزيران) حين أحبط أفراد من جهاز خفر السواحل الصيني محاولة للبحرية الفلبينية لإمداد قواتها في موقع ناء.

وانتقدت الصين في وقت سابق من العام الحالي تصريحات لبلينكن أبدى فيها استعداد واشنطن للدفاع عن الفلبين إذا تعرضت قواتها أو سفنها أو طائراتها لهجوم في بحر الصين الجنوبي.

وتصر بكين على أنه «لا يحق» للولايات المتحدة التدخل في بحر الصين الجنوبي.

والبلدان على طرفي نقيض في ملفات التجارة وحقوق الإنسان ووضع جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي.

وتشمل جولة بلينكن ستّ دول هي لاوس وفيتنام واليابان والفلبين وسنغافورة ومنغوليا.

ومن المقرر أن يصدر وزراء خارجية الدول المنضوية في «آسيان» بياناً مشتركاً في ختام الاجتماعات التي ستُعقد على مدى ثلاثة أيام.