انقسام داخل الكتل الشيعية يؤخّر تسمية المكلف تشكيل الحكومة العراقية

الحكيم ينسحب... والصدر يخول صالح اختيار مرشح

شرطي عراقي يقف في أحد شوارع كربلاء خلال حظر تجول فرضته السلطات العراقية (أ.ب.إ)
شرطي عراقي يقف في أحد شوارع كربلاء خلال حظر تجول فرضته السلطات العراقية (أ.ب.إ)
TT

انقسام داخل الكتل الشيعية يؤخّر تسمية المكلف تشكيل الحكومة العراقية

شرطي عراقي يقف في أحد شوارع كربلاء خلال حظر تجول فرضته السلطات العراقية (أ.ب.إ)
شرطي عراقي يقف في أحد شوارع كربلاء خلال حظر تجول فرضته السلطات العراقية (أ.ب.إ)

انتهت المهلة الدستورية الخاصة باختيار مرشح لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وأمدها أسبوعان، ولم تستقر الكرة في ملعب أي من الأطراف المعنية. الأهواء والخلافات بين مكونات البيت الشيعي حالت دون أن تتمكن اللجنة السباعية التي شكلوها لغرض الخروج من المأزق، من الاتفاق على مرشح من بين أكثر من 30 مرشحاً.
انغلاق الأفق السياسي انسحب حتى على ما بدا أنها قرارات تمثل مخرجاً بعد أن حصل 3 من بين الـ30 مرشحاً على أعلى الأصوات من قبل أعضاء اللجنة، وهو ما يعني منطقياً إبقاءهم في دائرة التنافس ليجري اختيار واحد من 3؛ لا العودة إلى نقطة الصفر ليعود الـ30 كلهم إلى دائرة الترشيح مجدداً. والسبب أن أعضاء اللجنة السبعة يملك كل واحد منهم حق «الفيتو» وبالتالي يسقط أي مرشح ما لم يحصل على الإجماع.
وفيما كان رئيس كتلة «السند» في البرلمان العراقي أحمد الأسدي أعلن أول من أمس أنه تم الاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء قبل يوم من نهاية المهلة الدستورية، فإن الاسم الذي بدا الأوفر حظاً، وهو نعيم السهيل نائب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، هوت حظوظه ثانية بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من التكليف.
في هذه الأثناء أعلن زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم الانسحاب من مشاورات اختيار رئيس الوزراء في إشارة واضحة إلى عمق الخلافات داخل مكونات البيت الشيعي. وقال الحكيم في بيان أمس: «قررنا ألا نتدخل في مهمة اختيار أسماء المرشحين لمنصب رئيس الوزراء للمرحلة الانتقالية بعد الآن»، عازياً هذا القرار إلى «رفضنا البقاء في معادلة التلكؤ، وتحفظنا على حسابات سياسية لا تأخذ بنظر الاعتبار المصلحة العليا للعراق والعراقيين، ولا تراعي الظروف الحالية التي تمر بها البلاد». وأشار الحكيم إلى أن «دخول (تيار الحكمة الوطني) كان لإيجاد مخرج للانغلاق السياسي وتعطيل مصالح الناس؛ ليس إلا»، مجدداً المطالبة بأن «تنحصر مهمة المرشح القادم في إطار إعادة هيبة الدولة والتهيؤ لإجراء الانتخابات المبكرة خلال هذا العام».
وبينما أعلن تحالف «سائرون» المدعوم من قبل زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر فشل مفاوضات اللجنة السباعية لاختيار مكلف لتشكيل الحكومة، فإن «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي أعلن رفضه تكليف أي مرشح قبل التوافق عليه، وهو ما يعني رداً ضمنياً على تخويل «سائرون» رئيس الجمهورية برهم صالح تكليف من يراه مناسباً. وقال رئيس تحالف «سائرون» في البرلمان، نبيل الطرفي، في بيان إن «تحالف (سائرون) يعلن أن اللجنة السباعية لم تتوصل إلى اتفاق على اختيار مرشح لتكليفه بتشكيل الحكومة بدلاً عن الحكومة المستقيلة الحالية». وأضاف الطرفي: «على سيادة رئيس الجمهورية ممارسة صلاحياته الدستورية بالتكليف».
من جانبه، أعلن «ائتلاف النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أنه سيواصل اجتماعاته مع القوى السياسية لاختيار مرشح لتشكيل الحكومة.
وفي سياق الجدل بشأن الخلافات الشيعية - الشيعية وانتهاء المهلة الدستورية من دون توافق، يقول السياسي العراقي والنائب السابق في البرلمان العراقي حيدر الملا لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس بوسع رئيس الجمهورية الانتظار حتى تنتهي خلافات الفرقاء السياسيين، وبالذات القوى الشيعية المعنية باختيار اسم رئيس الوزراء». وأضاف الملا أن «لدى رئيس الجمهورية خياراته الدستورية التي باتت تمنحه الحق في تكليف من يراه ما داموا لم يتمكنوا من الاتفاق على اسم معين خلال المهلة التي يمنحها الدستور وهي 15 يوما»، مضيفاً أن «رئيس الجمهورية سيأخذ عند ترشيح أي اسم مدى مقبوليته في الفضاء الوطني حتى يتم تمريره داخل البرلمان في حال أكمل كابينته الحكومية خلال المدة المقررة له وهي شهر من مدة التكليف».
من جهته، أكد عضو المكتب السياسي لـ«تيار الحكمة الوطني» فادي الشمري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «(الحكمة) شارك مع القوى السياسية الأخرى حوارات تسمية المكلف ودعمه لتشكيل حكومة مستقلة»، مبيناً أن التيار «رفض مرشحي الأحزاب، وأصر على استقلالية المرشح والكابينة، لتكوين حكومة فنية مهمتها الإعداد للانتخابات المبكرة، ودعم المفوضية، والمساعدة في إتمام قانون الانتخابات، فضلاً عن العمل الجاد والمنهجي للتصدي للأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاسها على العراق وتحدي مواجهة وباء (كورونا)». وأضاف الشمري أن «الحوارات كانت في بادئ الأمر تتسم بالمرونة والتعاطي الإيجابي، وكانت هناك فرص للوصول إلى الرؤية ذاتها والاتفاق على المنهج، لكن في الساعات الأخيرة انهارت الحوارات أمام مطلبيات وانقلاب على المواقف ومحاولات الاستفادة الذاتية، والتي لا نقبلها ولا نساوم عليها مطلقاً». وأوضح الشمري أن «(الحكمة) دأبت دائماً على الالتزام الأخلاقي والسياسي ومنهج الاعتدال في تعاطيها مع أهلها ومع الشركاء أيضاً، بعيدا عن المصالح الضيقة والذاتية»، مؤكداً أن «موقفنا واضح وشفاف، وأعلناه بأننا لن نشارك بعد الآن في أي حوار غير مجدٍ وغير شفاف ولا يستوضح النوايا».
في السياق نفسه، أكد السياسي المستقل محمد العكيلي لـ«الشرق الأوسط» أن «العملية السياسية في العراق تنطوي على أخطاء بنيوية لم تجر مراجعتها طوال الفترات الماضية؛ بل تعمقت أكثر فأكثر، وصولاً إلى الدورة الحالية التي غابت عنها الكتلة الكبرى في انتهاك واضح للدستور». وأضاف أن «الاتفاق على تسمية رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي كان بمثابة خطأ دستوري ارتكبته القوى السياسية، وفي المقدمة منها الكتل الشيعية التي تملك الحق الحصري في اختيار رئيس الوزراء ولم تتمكن من تعديل هذا الخطأ بل جرى تراكمه». وأوضح أن «الانسداد السياسي الذي وصل إليه الجميع الآن هو أمر طبيعي لكل تلك المخرجات السلبية، وبالتالي، فإن الأصح بالنسبة لهم هو الإبقاء على رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، وهذا أسلم للجميع؛ حتى بافتراض أن ما حصل كان حالة سلبية». وأكد العكيلي أن «المدة المتبقية لم يجرِ الاتفاق عليها من قبل الكتل السياسية لا باتجاه الانتخابات المبكرة ولا أي أمر آخر». وبين أن «ما يجري الآن ليس أكثر من مضيعة مقصودة للوقت، لكن الكتل السياسية لا تملك الشجاعة الكافية للإفصاح عن أنها وصلت إلى طريق مسدودة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.