ماكرون يوبّخ منتهكي الحجر ويمنع التنقل غير الضروري في فرنسا

قلق واسع بعد اتساع الإصابات إلى فئات الشباب

فرنسيون يصطفون للتسوق شمال فرنسا أمس (أ.ف.ب)
فرنسيون يصطفون للتسوق شمال فرنسا أمس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يوبّخ منتهكي الحجر ويمنع التنقل غير الضروري في فرنسا

فرنسيون يصطفون للتسوق شمال فرنسا أمس (أ.ف.ب)
فرنسيون يصطفون للتسوق شمال فرنسا أمس (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، في كلمة عبر التلفزيون، منع التنقل غير الضروري اعتباراً من ظهر اليوم للحد من تفشي وباء كورونا المستجد في البلاد. وقال ماكرون إنه «اعتباراً من ظهر غد، ولمدة 15 يوماً على الأقل، سيتم الحد من تنقلاتنا في شكل كبير جداً»، مشدداً على «معاقبة» أي انتهاك لهذا القرار، ومعلناً أيضاً إرجاء الدورة الثانية من الانتخابات البلدية التي كانت مقررة في 22 مارس (آذار).
وتابع ماكرون قائلاً: «أود أن أبلغكم هذا المساء، وأنا في غاية التأثر، بأنه عليكم الاستماع إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يقولون إذا كنتم تريدون مساعدتنا، يجب أن تبقوا في المنزل وتتجنبوا المخالطة». ووبّخ الرئيس ماكرون المواطنين الذين احتشدوا في الأسواق والمتنزهات، الأحد، بعد إغلاق المطاعم، قائلاً: «أنتم لا تحمون أنفسكم ولا الآخرين، لقد أظهرت التطورات الأخيرة أنه لا يوجد أحد في مأمن».
وقد ولجت فرنسا دائرة الخطر الشديد. فرغم التدابير القاسية التي فرضتها الحكومة للجم انتشار وباء كورونا المستجد، مع إغلاق المدارس والجامعات والمتاحف ثم المطاعم والمقاهي والنوادي وتشجيع الشركات على اعتماد العمل عن بعد وقصر الحركة على التسوق، معطوفة على خفض الرحلات الجوية وإغلاق صناعات أساسية مثل شركة بيجو لصناعة السيارات، تواصلت موجة تفشي الوباء على نطاق واسع، حيث أصبح المعدل اليومي للمصابين الجدد يلامس سقف الألف يومياً.
والأخطر من ذلك أن الإصابات لم تعد مقصورة على المسنّين، بل أخذت تطال كل الفئات العمرية، بمن فيهم الشباب. وحسب التوقعات التي كشف عنها مدير عام وزارة الصحة، وأثارت قلقاً كبيراً لدى المواطنين، فإن نصف الفرنسيين البالغ عددهم 66 مليوناً يمكن أن يصاب بالعدوى. وفي السياق، كشفت صحيفة «لو موند» عن دراسة علمية قُدمت إلى رئاسة الجمهورية، مبنية على السيناريو الأعلى لأعداد الضحايا، فإن تفشي «كوفيد - 19» يمكن أن يودي بحياة ما بين 300 إلى 500 ألف شخص في فرنسا وحدها، إذا لم تعمد الحكومة سريعاً لاتخاذ تدابير صارمة.
حقيقة الأمر أن الحكومة أعطت إشارات متناقضة. فبينما كان رئيسها إدوار فيليب يعلن، مساء السبت، إقفال المطاعم والمقاهي والنوادي، ويحث الفرنسيين على البقاء في بيوتهم والتزام أقصى درجات الحذر، دعا في الوقت عينه الناخبين إلى التوجه في اليوم التالي إلى صناديق الاقتراع في إطار الجولة الأولى من الانتخابات المحلية. وكانت النتيجة أن نسبة الذين لم يتمّوا واجبهم الانتخابي بلغت 55 في المائة، وهي الأعلى منذ تأسيس الجمهورية الخامسة أواسط الخمسينات من القرن الماضي. وبالمقابل، فإن الفرنسيين لم يلتزموا بالدعوة لتجنب التجمعات والتنقل، فامتلأت الحدائق والمتنزهات والغابات وضفاف الأنهر حتى الشوارع بالمتنزهين، ما حمل فيليب، في اليوم التالي، إلى التعبير عن الأسف، لأن الفرنسيين لا يأخذون بجدية خطورة ما يتعرضون له.
وكانت الخلاصة أن سلسلة من الاجتماعات استضافها مقر رئاسة الحكومة وقصر الإليزيه غرضها النظر في اتخاذ تدابير إضافية لوقف تمدد العدوى على نطاق واسع. وبحسب ما تسرّب من مصادر قصر الإليزيه والجهات الحكومية، فإن فرنسا تستعد للالتحاق بما قررته قبلها إيطاليا وإسبانيا من فرض حظر على خروج المواطنين من بيوتهم إلا لأسباب محددة. وكان من المنتظر أن يعلن الرئيس ماكرون التدابير الجديدة بكلمة متلفزة هي الثانية له بعد كلمته مساء الخميس الماضي، عندما أعلن عن إقفال المدارس والجامعات والمتاحف وعن جملة من التدابير الاقتصادية والمالية لمساعدة الشركات والموظفين على اجتياز المطبات الخطيرة التي تواجهها.
في كل مرة كانت الحكومة تعلن عن تدابير للحد من تحركات المواطنين، كانت «تحتمي» وراء توصيات لجنة من الخبراء شكلها ماكرون من 10 اختصاصيين. والحال، أن هذه اللجنة، بحسب رئيس الحكومة إدوار فيليب، هي التي نصحت بإجراء الجولة الأولى من الانتخابات البلدية. لكن هذه التوصية أوقعت الحكومة في فخّ محكم بالنسبة للجولة الثانية من الانتخابات التي يتفق الجميع على القول إنه لا يمكن السير بها في ظل التدابير والقيود بالغة التشدد التي تتهيأ السلطات للإعلان عنها. وبحسب القانون الانتخابي، يفترض أن تجرى الجولة الثانية في الأحد الذي يعقب الدورة الأولى. الأمر الذي سيكون تحقيقه مستحيلاً في ظل الظروف الحالية. ومنذ مساء الأحد والكشف عن أول النتائج، برز شبه إجماع على الدعوة لتأجيل الجولة الثانية. وأمس، أعلنت رئاسة حزب «فرنسا إلى الأمام» «وهو الحزب الرئاسي» عن تجميد حملة الحزب الانتخابية. ومشكلة الحكومة أن القانون الانتخابي لا يرصد حالة كتلك التي تعيشها فرنسا في الوقت الحاضر. وإذا كان التأجيل أو الإلغاء مؤكداً، فإن الآلية كانت تنتظر ما سيصدر عن ماكرون في كلمته المتلفزة، علماً بأن الحقوقيين منقسمون على أنفسهم بين من يرى أن مرسوماً رئاسياً يكفي لإغلاق الملف، وبين من يحذر مما قد يصدر عن المجلس الدستوري المكلف السهر على التوافق بين ما تقرره السلطة التنفيذية وبين نصوص الدستور.
وطيلة يوم أمس، كان قصر الإليزيه كخلية نحل، إذ تواصلت الاجتماعات، وترأس ماكرون اجتماعاً لمجلس الدفاع الأعلى لدراسة وإقرار التدابير التي كان سيعلنها مساء. وعلى الصعيد الخارجي، تواصل ماكرون مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومع رئيسي المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي أورسولا، فان دير لاين، وشارل ميشال، للتحضير لاجتماع القمة الذي دعا إليه الأخير اليوم عصراً، وهو الثاني من نوعه في الأيام الأخيرة. وفي السياق عينه، ولغرض البحث عن ردّ دولي وليس فقط أوروبياً على النتائج الاقتصادية المترتبة على كورونا، حصل اجتماع عبر دوائر تلفزيونية مغلقة بين قادة مجموعة السبع للدول الأكثر تصنيعاً، بناء على مبادرة فرنسية. وقالت مصادر فرنسية إن باريس تسعى لتنسيق الجهود في محاربة الوباء على الصعد الصحية والمالية والاقتصادية والعلمية، أي لجهة دعم الأبحاث التي تسعى للعثور على طعم أو أدوية ضد فيروس كورونا.
وتقدر دراسات فرنسية أن الاقتصاد الفرنسي عمل حتى اليوم بنسبة 70 في المائة من طاقته، لكن استفحال الفيروس والتدابير المتخذة ستجعل النسبة تهبط إلى 20 في المائة، ما يعني انكماش الاقتصاد بما لا يقل عن 2 إلى 3 في المائة.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
TT

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)

أعلن قادة مجموعة الدول السبع الكبرى في بيان، الخميس، إنهم على استعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت مجموعة السبع أن الانتقال السياسي بعد نهاية الحكم الاستبدادي، الذي دام 24 عاماً لبشار الأسد، يجب أن يضمن «احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

وطالبت المجموعة أيضاً بضرورة «محاسبة نظام الأسد».

وأضاف البيان: «ستعمل مجموعة السبع مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير، وتكون نتاج هذه العملية، وتدعمها بشكل كامل».

كما دعا القادة «كل الأطراف» إلى «الحفاظ على سلامة أراضي سوريا، ووحدتها الوطنية، واحترام استقلالها وسيادتها».