التزام صارم في دمشق بالإجراءات الوقائية من «كورونا»... رغم الفقر

عاملان يعقمان موقفاً للحافلات في دمشق أمس (أ.ف.ب)
عاملان يعقمان موقفاً للحافلات في دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

التزام صارم في دمشق بالإجراءات الوقائية من «كورونا»... رغم الفقر

عاملان يعقمان موقفاً للحافلات في دمشق أمس (أ.ف.ب)
عاملان يعقمان موقفاً للحافلات في دمشق أمس (أ.ف.ب)

في ظل نظام صحي متردٍ، ورغم الأوضاع الكارثية التي يعيشها السوريون بسبب الحرب وحالة الفقر المدقع الذي تعاني منه أغلبية الأسر، يلتزم الدمشقيون بالإجراءات الوقائية للحيلولة دون تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في البلاد.
فبعد إعلان الحكومة السورية، مساء الجمعة، سلسلة إجراءات للوقاية من احتمال تفشي الفيروس في البلاد التي تدخل اليوم الحرب المستمرة فيها عامها العاشر، انحسرت إلى حد كبير حركة السيارات والمارة في شوارع دمشق وأسواقها، بسبب المخاوف من انتشار المرض الذي اجتاح عدة دول عبر العالم.
وبدا واضحاً خلو كثير من المجمعات الكبيرة المخصصة لتسوق المستلزمات الغذائية إلى حد كبير من الزبائن، بينما عمد القلة القليلة ممن يوجدون فيها إلى شراء كميات كبيرة من الحاجيات، بهدف عدم اضطرارهم للخروج من المنازل لأطول فترة ممكنة لتجنب الاختلاط مع الناس.
ولوحظ توخي الغالبية العظمى ممن يوجدون في تلك الأماكن أقصى درجات الحذر من الاقتراب بعضهم من بعض، أو ملامسة كل من الزبائن والبائعين بعضهم بعضاً قدر الإمكان، بينما حاول الزبائن الخروج من المكان بأقصى سرعة بعد قضاء حاجاتهم.
رجل في العقد الرابع من العمر قال لـ«الشرق الأوسط» وهو يسرع الخطى لـلخروج، بعد أن انتهى من شراء مستلزماته من مجمّع على أطراف العاصمة: «الأمر ليس مزحة (...) ونحن يجب أن نعمل ما يترتب علينا».
وبكلمات سريعة أضاف الرجل: «كثير من الدول التي انتشر فيها المرض، وحصلت فيها حالات موت، لم تستطع فعل شيء، رغم أنها دول متقدمة، فكيف إذا انتشر عنا؟ ماذا نفعل؟»، في إشارة إلى وضع النظام الصحي المتردي في سوريا بسبب الحرب والعقوبات المفروضة على البلاد.
وتضمّنت إجراءات الحكومة للوقاية من احتمال تفشي الفيروس في البلاد تعليق الدوام في الجامعات والمدارس والمعاهد التقنية العامة والخاصة لدى كل الوزارات والجهات المعنية ابتداء من يوم 14 مارس (آذار) حتى الثاني من أبريل (نيسان) المقبل، واتخاذ «الإجراءات اللازمة لتعقيم وحدات السكن الجامعي، بما يضمن توافر شروط الإقامة الصحية للطلاب».
كما تقرّر تخفيض حجم العاملين في مؤسسات القطاع العام الإداري إلى حدود 40 في المائة، وتخفيض عدد ساعات العمل، واقتصارها على الفترة الممتدة من 9 صباحاً حتى 2 بعد الظهر، وإلغاء نظام البصمة اليدوية لمدة شهر، وإيقاف كل النشاطات العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية، والتشدد في تطبيق منع تقديم النراجيل (الشيشة) في المقاهي والمطاعم، وإغلاق صالات المناسبات العامة، واعتماد خطة تعقيم لوسائل النقل الجماعي، إضافة إلى التوسع في تجهيز مراكز الحجر الصحي بمعدل مركزين في كل محافظة، وتزويدهما بالتجهيزات المادية والبشرية اللازمة.
وما زالت الحكومة السورية تنفي تسجيل إصابات بفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، رغم أنباء أوردها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن تفشي الفيروس في محافظات دمشق وطرطوس واللاذقية وحمص.
ولوحظ منذ ساعات صباح يوم أمس توجه كثير ممن خرجوا من منازلهم إلى المحال المخصصة لبيع المنظفات والصيدليات لشراء المواد المعقمة والكمامات. وتؤكد عاملة في إحدى الصيدليات لـ«الشرق الأوسط» تزايد الطلب بشكل كبير جداً على المواد المعقمة، مثل الكحول ومطهّر اليد.
ورغم الفقر الذي تعاني منه الغالبية العظمى من الأسر، فإنه نادراً ما كان الزبائن يجادلون أصحاب الصيدليات ومحال بيع المنظفات بأسعار تلك المواد التي ارتفعت بشكل جنوني في الأيام الأخيرة، نتيجة الطلب الزائد وشح الكميات المتوافرة، فسعر الكمامة الواحدة ارتفع من 80 ليرة إلى أكثر من 250 ليرة، وعبوة المطهّر الصغيرة ارتفعت من 259 ليرة إلى 500 ليرة، وعبوة الكحول الطبية المتوسطة ارتفعت من 500 ليرة إلى 2500 ليرة (الدولار يعادل 1060 ليرة تقريباً).
وقالت سيدة في العقد الخامس من العمر، بعد أن اشترت كمية كبيرة من المعقمات والمنظفات: «الجوع ممكن الصبر عليه، ونادراً ما يقتل، ولكن الإصابة بالمرض قد تميت، ولذلك الآن الصحة أبدى من الأكل».
ووسط أنباء وتأكيدات على التزام الغالبية العظمى من المقاهي والمطاعم بمنع تقديم النراجيل (الشيشة) بعد ثبوت أنها ناقل قوي لعدوى الفيروس، في حال استخدامها من أكثر من شخص، وكذلك دخانها والرذاذ المتصاعد من فم مدخنها، أوضح سمير، وهو اسم مستعار لأحد الذين يترددون دائماً على المقاهي لتناول النرجيلة مع أصدقائه، أنه منذ تزايد الأنباء عن توسع انتشار المرض، بات معظم مدخنيها «يعزفون عنها، ليس فقط في المقاهي، بل حتى في المنازل».


مقالات ذات صلة

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)
صحتك طفل يخضع لاختبار الكشف عن فيروس كورونا (أرشيفية - أ.ب)

دراسة: «كورونا» يزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بالسكري

كشفت دراسة جديدة عن أن عدوى فيروس كورونا تزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بمرض السكري من النوع الثاني مقارنة بعدوى أمراض الجهاز التنفسي الأخرى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».