سباق مبادرات لحل الأزمة الليبية... و«النتيجة صفر»

اجتماع مجموعة الاتصال التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا في أويو بالكونغو (البعثة الأممية)
اجتماع مجموعة الاتصال التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا في أويو بالكونغو (البعثة الأممية)
TT

سباق مبادرات لحل الأزمة الليبية... و«النتيجة صفر»

اجتماع مجموعة الاتصال التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا في أويو بالكونغو (البعثة الأممية)
اجتماع مجموعة الاتصال التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا في أويو بالكونغو (البعثة الأممية)

دفع تردي الأوضاع في ليبيا، غالبية الأطراف السياسية والاجتماعية بالبلاد، إلى عدم التعويل على ما يُطرح من الدعوات إلى عقد مؤتمرات دولية أو مبادرات إقليمية تتعاطى مع أزمة بلادهم، فقد تراكم لديهم منها الكثير على مدار السنوات التسع الماضية دون جدوى. وبات كثير من الليبيين يطالبون اليوم فقط بوقف «التدخلات الخارجية» التي ينظرون إليها على أنها «السبب الأهم في تعقيد القضية الليبية».
وتزامنت هذه الحالة الرافضة للتحركات الخارجية مع دعوة مجموعة اتصال الاتحاد الأفريقي حول ليبيا إلى عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية الليبية، في يوليو (تموز) المقبل، على أن يضم بجانب أفرقاء السياسة والأطراف الفاعلة في المشهد الراهن، رؤساء القبائل والمدن والنساء والشباب، برعاية أممية.
لكن المؤتمر، الذي أعلن عبد العزيز جراد رئيس الحكومة الجزائرية، عن رغبة بلاده في احتضانه، يأتي على خلفية ما يراه كثيرون في ليبيا فشلاً للمبادرات والمؤتمرات التي تتناول أزمة بلدهم، التي كان آخرها «مؤتمر برلين»، الذي عقد بمشاركة رؤساء دول وحكومات وأطراف دولية ومؤسسات أممية عديدة، لافتين إلى أن جميعها منذ انطلاق مؤتمر «غدامس 1» مع نهاية سبتمبر (أيلول) عام 2014، وحتى الآن، لم تتمكن من «ردع الفوضى التي نتجت عن سقوط نظام معمر القذافي، ووقف آلة الحرب».
ويقول صالح قلمة عضو البرلمان الأفريقي ومقرر مجموعة الشمال، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، «نسمع من حين إلى آخر عن كثير من مبادرات الحل السياسي، لكن أعتقد أنها ليست رؤى مكتملة، لأنها لم تطرح بشكل رسمي، وإنما هي اجتهادات ومحاولات من البعض للظهور بالمشهد، خصوصاً من طرف الاتحاد الأفريقي لا أكثر»، متحدثاً عن «صعوبة المشهد، وعدم معرفة من يقدمون هذه المبادرات بالواقع الليبي جيداً».
ومبكراً اتجه ملف الأزمة محلياً إلى مدينة غدامس بجنوب غربي البلاد، مع تولي الإسباني برناردينو ليون، المبعوث الأممي الرابع، مهمته في أغسطس (آب) 2014، لتنطلق جولات الحوار الليبي، فيما عرف بـ«غدامس 1» مع نهاية سبتمبر، و«غدامس 2» في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، غير أنها فشلت في التوصل إلى تسوية، فانتقل الملف سريعاً إلى جنيف منتصف يناير (كانون الثاني) عام 2015 في جولتين سريعتين لم يفصل بينهما إلاّ 10 أيام. ومع ذلك لم يفقد الليبيون الأمل في تسوية تعيد الأمن والسلام إلى البلاد.
وجاء «اتفاق الصخيرات» بالمغرب، مع نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، لكن سرعان ما اتسعت رقعة الاختلافات حوله، وهو الاتفاق الذي تتمسك به سلطات طرابلس. وقال خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، من الرباط، نهاية الأسبوع الماضي، إن «ليبيا ليست بحاجة إلى مبادرات سياسية»، لافتاً إلى أن «المبادرات والمؤتمرات الدولية لا يمكن أن تجد حلاً للأزمة الليبية أكثر مما هو موجود، وهو الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية».
لكن المواطن الليبي إمحمد بوبكر، عبّر بلهجة محلية عن رأيه في طرح مبادرات سياسية من وقت إلى آخر، وقال «ضقنا ذرعاً بهذه اللقاءات، ولم نحصل منها على شيء سوى الاشتباكات والميليشيات والحروب»، معتبراً أن الصراع في بلاده يتمحور بالدرجة الأولى حول «الثروة والحكم (...) الجميع يريد حصة من كعكة النفط والجلوس على كرسي السلطة، سواء من أطراف داخلية أم دول خارجية، وهو ما يطيل أمد الأزمة».
ويقول إمحمد، الذي يعمل في مهنة صيد الأسماك بمدينة صبراتة (غرب طرابلس)، لـ«الشرق الأوسط»، إنه حاصل على شهادة في الهندسة، ويمثّل شريحة معتبرة من شباب ليبيا باتت تستبعد أي حل للأزمة بالتعاطي الإيجابي مع المبادرات السياسية التي تطرحها دول الجوار أو أطراف خارجية، فهو يعتقد أن «التدخلات الخارجية في ليبيا كانت سبباً في تعميق أزمة ليبيا».
وبامتداد خط الرفض على استقامته، يطرح قلمة وهو عضو ومقرر مجلس النواب الليبي في شرق البلاد سؤالاً: «أين كان الاتحاد الأفريقي، أو دولة الجزائر، أو غيرهما، من الأوضاع في ليبيا طيلة السنوات الماضية؟ أعتقد أنه لا توجد نية حقيقية من الاتحاد الأفريقي لحلحلة الوضع، إنما النية أراها متجهة أكثر لإيجاد موضع قدم لكي يكون لهم مندوب أممي أو ممثل ضمن فريق البعثة الأممية لدى البلاد».
وفي 19 يناير الماضي، وعدت 11 دولة في مؤتمر برلين باحترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، وبعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، حسب تقارير الأمم المتحدة.
وقال مسؤول مقرب من حكومة «الوفاق» في طرابلس، إنه ليس لديهم أي مانع من المشاركة في مؤتمرات ومبادرات، سواء تبناها الاتحاد الأفريقي، أو غيره، طالما أن ذلك «يستهدف البحث عن حلول سياسية عادلة». وأضاف المسؤول لـ«الشرق الأوسط»: «ذهبنا إلى برلين بنية صادقة، لكن كان هناك من تعمّد نسف أي جهود لوقف الحرب»، في إشارة إلى «الجيش الوطني» الذي اتهم المتحدث باسمه اللواء أحمد المسماري، غير مرة، قوات «الوفاق»، بخرق الهدنة في طرابلس.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».