«الوباء» يؤجل مؤتمراً اقتصادياً سودانياً مصيرياً

التحالف الحاكم يتمسك بعدم رفع الدعم عن المحروقات والقمح

«الوباء» يؤجل مؤتمراً اقتصادياً سودانياً مصيرياً
TT

«الوباء» يؤجل مؤتمراً اقتصادياً سودانياً مصيرياً

«الوباء» يؤجل مؤتمراً اقتصادياً سودانياً مصيرياً

أعلن السودان عن تأجيل انطلاق أعمال المؤتمر الاقتصادي بالبلاد، المقرر في 29 مارس (آذار) الحالي، التزاماً بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، فيما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم بالبلاد إلى 71.36 في المائة في شهر فبراير (شباط) الماضي.
وأقرت الحكومة، وحاضنتها السياسية تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير»، إقامة مؤتمر اقتصادي يخرج برؤية موحدة متفق عليها لمعاجلة الاختلالات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد السوداني، وذلك في أعقاب الجدل الذي صاحب إعداد الموازنة العامة للدولة 2020 التي أقرت رفعاً تدريجياً للدعم الحكومي عن السلع الأساسية.
واتفقت أطراف الحكم على إرجاء رفع الدعم لحين انعقاد المؤتمر الاقتصادي المنتظر منه تحديد الخيارات والبدائل، لتصحيح مسار الاقتصاد السوداني، والخروج به من حالته المتداعية الراهنة.
وقالت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاقتصادي القومي، في نشرة صحافية أمس، إنها قررت تأجيل المؤتمر، والورش القطاعية السابقة للمؤتمر، إلى موعدٍ يتم تحديده لاحقاً، وذلك بعد التشاور مع السلطات المختصة، على أن تتواصل أعمال اللجنة التحضيرية.
وأهابت اللجنة، في البيان، بكل الوزارات والجهات والشخصيات المعنية بالإعداد للمؤتمر مواصلة التحضير للورش القطاعية، وتعظيم مساهماتها في المؤتمر الرئيسي.
وقال عضو اللجنة الاقتصادية للمؤتمر القيادي بقوى الحرية والتغيير، عادل خلف الله، لـ«الشرق الأوسط» إن الأطراف اتفقت مع الجهاز التنفيذي على تأجيل المؤتمر، على أن يتم الالتزام بالاتفاق الخاص بإجراءات الموازنة المبرم بين الحكومة وقوى الحرية والتغيير، بعدم رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وخفض سعر صرف الجنيه، لحين انعقاد المؤتمر بعد شهر، أو إصدار تشريع جديد متعلق بالموازنة.
وأضاف خلف الله: «اللجنة المكلفة بالمؤتمر وجهت انتقادات لوزارة المالية، بتخفيض قيمة الجنيه السوداني من 18 جنيهاً إلى 55 جنيهاً مقابل الدولار الجمركي، وانتقدت تعاقد المالية مع شركات خاصة لشراء الذهب، مقابل استيراد مشتقات بترولية وقمح».
وتأمل الحكومة السودانية وقوى الحرية والتغيير في أن تؤدي نتائج وتوصيات المؤتمر إلى إطار عام للدولة، يسهم في الإصلاح الشامل، وتهيئة المناخ للانتعاش والتنمية الاقتصادية، والعبور بالبلاد من مرحلة الأزمة إلى مرحلة النهوض.
وتعول الحكومة السودانية على مخرجات المؤتمر لتحديد رؤية كلية تساعد على النهوض باقتصاد البلاد الذي يواجه تحديات كبيرة متعلقة بضعف الإنتاج، واختلال الميزان التجاري، وتدهور سعر صرف العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة معدلات البطالة بالبلاد.
وتتضارب الرؤى داخل المؤتمر المزمع بين الجهاز التنفيذي الذي يعتمد بشكل كلي «روشتة صندوق النقد الدولي» لإصلاح الاقتصاد، وقوى إعلان الحرية والتغيير التي ترى التركيز على البدائل المحلية، المتمثلة في زيادة الإنتاج لتغطية عجز الموازنة، والتخلي عن روشتة صندوق النقد الدولي القائمة على هيكلة الاقتصاد بناء على محدداته المعروفة.
ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» إن تأجيل موعد المؤتمر، بحسب الاتفاق بين الحكومة وقوى الحرية والتغيير، وإرجاء المعالجات الاقتصادية في الموازنة، سينعكس بشكل سالب على الأوضاع الاقتصادية بالبلاد.
ودعا عبد المنعم لوضع معالجات سريعة لتخفيف الأزمات الاقتصادية المتعلقة بالمشتقات البترولية، وتوفير دقيق الخبز والكهرباء، وأشار إلى أن الحكومة لا تملك خيارات للخروج من الأزمة الراهنة، إلا برفع الدعم كلياً عن المحروقات، وتحريك سعر الدولار الجمركي، وأضاف: «الأزمة الاقتصادية الحالية مرتبطة بتدهور سعر العملة الوطنية، وهذا يتطلب رفع الدعم، واتخاذ سياسات راشدة لزيادة الإنتاج ورفع الإنتاجية. وإن تحريك سعر الدولار الجمركي سيؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية بسبب اعتماد البلاد على الاستيراد بشكل كبير».
وتواجه الموازنة العامة للدولة تحدي ارتفاع معدلات التضخم، حيث تجاوز المعدل 71 في المائة في فبراير (شباط) الماضي، وتدهوراً حاداً في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، الذي بلغ نحو 110 جنيهات للدولار الأميركي الواحد، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وبحسب تقارير حكومية، تتراوح نسبة البطالة بين 45 و50 في المائة وسط السُكان، مع تراجع مطرد لأداء القطاع الاقتصادي الرئيسي (الزراعة والصناعة) الذي تسبب في اختناقات هائلة في الإنتاج، أنتجت زيادة كبيرة في الاعتماد على الاستيراد.
وشهد السودان تدهوراً في الأداء المالي العام والاقتصادي، أدى لكساد اقتصادي ونمو سالب بنحو 2.20 في المائة في عامي 2018 و2019. وانعكس تضارب السياسات المالية سلباً على الاستقرار الاقتصادي، وتزايد معدلات التضخم في البلاد، وتواصل انخفاض سعر صرف العملة الوطنية.
ويعاني الاقتصاد السوداني من متلازمة تدهور متوالٍ منذ انفصال الجنوب في عام 2011، إذ ذهب ثلثا الإنتاج النفطي الذي كان يمثل 75 في المائة من موارد الموازنة العامة، والذي انعكس على سعر صرف الجنيه، وأدى إلى تعطل القطاعات الإنتاجية، وتدني الصادرات، وأصبحت البلاد تعتمد بشكل كلي على الاستيراد، ما أدى لضائقة معيشية أسهمت في نجاح الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكم الإسلاميين، ورئيسه المعزول عمر البشير، في 11 أبريل (نيسان) الماضي، بعد 30 عاماً من الحكم.
وفي تطور جديد، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، أول من أمس، ارتفاع معدل التضخم السنوي الذي بلغ 71.36 في المائة في فبراير (شباط) الماضي، من 64.3 في المائة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بسبب ارتفاع سعر مجموعة الأغذية والمشروبات.
وعزا بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء تزايد معدلات التضخم إلى ارتفاع جميع مكونات مجموعة الأغذية والمشروبات، خاصة أسعار الخبز والألبان والزيوت.
وكشف البيان أن معدل التضخم في المناطق الريفية تصاعد إلى 78.51 في المائة في شهر فبراير (شباط) الماضي، مقابل 69.96 في المائة في شهر يناير (كانون الثاني). وأعلن عن ارتفاع معدل التضخم في المناطق الحضرية إلى 61.86 في المائة في فبراير (شباط)، مقارنة بنسبة 56.71 في المائة في شهر يناير (كانون الثاني).



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».