لمن الغلبة في الحرب على الجراد؟

الإنذار المبكر أساس المكافحة الفعَّالة

إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم
إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم
TT

لمن الغلبة في الحرب على الجراد؟

إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم
إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم

وباء «كورونا» الجديد الذي أصاب العالم بالذعر، وما زال يحصد آلاف القتلى والمصابين، طغى إخبارياً على كارثة من نوع آخر لم تشهدها منطقتنا منذ عشرات السنين. فغزو الجراد الصحراوي الذي قُرعت لأجله نواقيس الخطر في القرن الأفريقي خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، وصل إلى شبه الجزيرة العربية، وانتشر في مناطق واسعة من باكستان وأفغانستان، وأضحى يهدد سلامة المزروعات في إيران التي تعاني أيضاً من تبعات فيروس «كورونا»، بعدما أصبحت بؤرة أساسية لانتشاره.
ويعدُّ غزو الجراد الصحراوي أحد أخطر الآفات الحشرية في أفريقيا والشرق الأدنى وجنوب غربي آسيا، بسبب قدرة أسرابه على الطيران إلى أماكن بعيدة، بسرعة تصل إلى 150 كيلومتراً في اليوم. ويمكن لسرب الجراد الذي تبلغ مساحته كيلومتراً مربعاً واحداً أن يلتهم من الطعام في يوم واحد ما يكفي لإطعام 35 ألف شخص، كما يمكنه التكاثر لتكوين حتى 5 أجيال في السنة، بمعدل تضاعف يراوح بين 10 و20 مرة في كل جيل.
وإلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم. ويتميَّز الجراد الصحراوي بانتشاره في الصحاري القاحلة وشبه القاحلة، على مساحة تقارب 16 مليون كيلومتر مربع تضم نحو 30 دولة تنتشر النزاعات في كثير منها، مع ما يعنيه ذلك من ضعف في الاستجابة المنسقة لمواجهة هذه الآفة، على الرغم من وجود منظومة دولية لتعقبها.
يعمل نظام مراقبة الجراد الصحراوي التابع لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) على رصد الأحوال الجوية والظروف البيئية، وحالة الجراد على أساس يومي. ويتلقى النظام نتائج عمليات المسح والتحكم التي تقوم بها الفرق الوطنية في البلدان المتأثرة، وتُجمع هذه المعلومات مع بيانات الأقمار الصناعية وتقديرات هطول الأمطار، والتنبؤات الموسمية بالحرارة، لتقييم الوضع الحالي، وتوقع توقيت وموعد وموقع التكاثر والهجرة قبل ستة أسابيع.
وتعتبر بيانات منظمة الأغذية والزراعة مشكلة الجراد هذه السنة في القرن الأفريقي مقلقة للغاية. وبينما تعاني منطقة شرق أفريقيا من الصدمات المرتبطة بالمناخ والنزاعات التي تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد، تواجه حالياً ما وصفه بيان «الفاو» على أنه «طفرة جراد لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث».
ومنذ أطلقت المنظمة الدولية مناشدتها الأولى في 20 فبراير الماضي لمساعدة ثلاثة بلدان متضررة، هي كينيا وإثيوبيا والصومال؛ حيث يتكاثر الجراد على نطاق واسع ويدمر الإمدادات الغذائية، تحركت أسراب الجراد بسرعة عبر مسافات شاسعة، فشوهدت في جيبوتي وإريتريا وجنوب السودان وأوغندا وتنزانيا.

- الصلح: من المراقبة إلى المكافحة
يقول الدكتور محمود الصلح، عضو فريق الخبراء الدولي الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي، والمدير العام السابق للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، إنه «على الرغم من تكاثر الجراد بشكل كثيف، والأضرار الجسيمة للمزروعات في اليمن، لم يتمكن المجتمع الدولي حتى الآن من المساعدة بسبب الأوضاع الأمنية في هذا البلد، علماً بأنه المصدر الأساسي لانتشار الجراد في الجزيرة العربية. ومن المتوقع أن ينتقل الجراد إلى شمال السودان وباكستان والهند في الصيف المقبل، في حال عدم مكافحته بطريقة فعَّالة».
ويلاحظ الصلح أنه مع أن أضرار الموجة الحالية من الجراد في القرن الأفريقي، ولا سيما كينيا، كانت جسيمة، فإنها لم تبلغ حتى الآن مستوى الأضرار التي حصلت في موسم الجراد عام 2005 في دول الساحل وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، حين وصلت الأسراب إلى مصر والمملكة العربية السعودية، واستعملت في مكافحتها كميات هائلة من المبيدات الكيميائية تجاوزت قيمتها 110 ملايين دولار. وقد شارك الصلح في إدارة هذه الحملة بصفته مديراً لشعبة الإنتاج والحماية النباتية في «الفاو» في ذلك الوقت.
ويشير الصلح إلى أن هناك مبيدات كيميائية عدة فعالة تستعمل لمكافحة الجراد، إن على الأرض أو عن طريق الطائرات الخاصة برش المبيدات. وعلى الرغم من الأضرار الجسيمة لهذه المبيدات الكيميائية، فإن بعضها يتفكك خلال 24 ساعة تحت الظروف الطبيعية، من دون أن يترك رواسب في التربة أو المياه أو الهواء. وهناك أدوية تعمل عن طريق المكافحة البيولوجية، مثل «متاريزيوم»، ويمكن استخدامها في المناطق الحساسة بيئياً. ولكن لما كانت تستغرق ما بين 8 أيام و18 يوماً لتبدأ في التأثير الفعلي، فهي لا تصلح لعلاج الجراد البالغ، وينبغي أن تُستخدم فقط لعلاج الحشرات غير الناضجة، في وقت مبكر من دورة حياتها.
ولكن على الرغم من المخاطر على البيئة، كان رش المبيدات الكيميائية السامة هو الخيار المتاح في كينيا. ويبدو أن السلطات الكينية لم تكن مستعدة بما يكفي لمواجهة الجيل الأول من الجراد الذي دمَّر بالفعل آلاف الهكتارات في منطقة يعاني فيها 13 مليون شخص من تراجع حاد في الأمن الغذائي. ومع قلة المبيدات وعدم كفاية طائرات الرش، قد تكون الحرب غير متكافئة في مواجهة مليارات البيوض التي تفقس حالياً.
وما لبثت مؤسسة وقاية النبات في إيران أن أعلنت عن وصول أسراب ضخمة من الجراد الصحراوي إلى جنوب البلاد. واعتبرت المؤسسة في مطلع مارس (آذار) أن الغزو ضخم للغاية وليس بالإمكان مواجهته إلا باستخدام المبيدات الحشرية السامة. وكانت كثافة الأسراب الغازية مرتفعة للغاية؛ حيث شكَّل الجراد المتساقط بعد رشه بالمبيدات طبقة بلغت سماكتها نحو 10 إلى 15 سنتيمتراً. ولم تفلح الطرق البيولوجية التقليدية، كاستخدام الطيور مثل البط والإوز، أو حفر الخنادق ونصب الشباك، في مواجهة أسراب الجراد.
وتتركز مكافحة الجراد عندما يكون في طور الحورية؛ لأنه يكون أكثر تنقلاً وطلباً للطعام في هذه المرحلة. وعندما يصبح في طور الحشرة الكاملة بعد أربعة أو خمسة أسابيع من فقسه، يقل تنقل الجراد وينشغل أكثر في التكاثر ووضع البيض. كما يجري رش أسراب الجراد في فترة الخمول بين السادسة مساءً والسادسة صباحاً.
وتستخدم أنواع عديدة من المبيدات السامة للقضاء على الجراد، إلا أن هذه المنتجات السامة لا تؤثر على الجراد فحسب؛ بل تقتل أيضاً الحشرات المفيدة، مثل النحل والخنافس وغيرها من الأنواع التي تُعد ملقِّحات للأزهار، وأعداء طبيعيين لحشرات ضارة أخرى. وهذا يعني أن الاستخدام المكثف للمبيدات سيخل بالنظام البيئي، ويخلق حلقة مفرغة قوامها الاعتماد على المكافحة الكيميائية لمواجهة الآفات الحشرية.
وبينما يعتمد تلقيح ثلاثة أرباع المحاصيل حول العالم على الحشرات، يستهلك نحو ملياري شخص في 113 بلداً الحشرات كغذاء مباشر، كما أنها تلعب دوراً مهماً، ليس فقط في الهرم الغذائي وإنما أيضاً في تحلل الكائنات الحية، وتخصيب التربة، والحفاظ على التنوع الحيوي. ولذلك يحذِّر العلماء من المخاطر الكبرى التي ستتعرض لها البشرية من التهديدات المتزايدة التي تطال الحشرات، نتيجة استخدام المبيدات السامة، بالإضافة إلى تغيُّر المناخ، والقضاء على الموائل والأنواع الغازية وغيرها.
ولا تزال المكافحة الكيميائية لأسراب الجراد أكثر فعالية حتى الآن من ناحية الوقت، مقارنة بالمكافحة البيولوجية التي تشمل الفطريات والبكتيريا والمستخلصات الطبيعية. ولكنها - إلى جانب إخلالها بالتنوع الحيوي - تشكل خطراً صحياً في المجتمعات التي تستسيغ تناول الجراد كطعام.
ويُذكر أن الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية في الكويت أصدرت في مايو (أيار) 2019 تحذيراً من تناول الجراد وحتى لمسه، لتلوثه بمبيدات سامة. كما أن وزارة الصحة السعودية أصدرت تحذيرات سابقة من أن أسراب الجراد قد تسبب أمراضاً عديدة، وربما تكون مصدراً لنقل أمراض فيروسية غير معروفة.

- الجراد يهدد المنطقة العربية
تواجه دول شبه الجزيرة العربية حالياً غزواً من الجراد الصحراوي لم تشهده منذ نحو ربع قرن. ففي السعودية، غزت أسراب الجراد مناطق الرياض وحائل والقصيم ونجران وعسير والشرقية، كما رُصد تكاثر الجراد الصحراوي في الربع الخالي. وفي البحرين، انتشرت أسراب هائلة من الجراد الصحراوي في مناطق عدة. ويستمر تكاثر الجراد على ساحل البحر الأحمر في اليمن وعلى ساحله الجنوبي بالقرب من عدن، وكذلك الحال على السواحل الشمالية والشرقية في عُمان التي تتأثر بأسراب قادمة من منطقة الحدود بين الهند وباكستان.
ولم تكن الكويت استثناءً بين الدول الخليجية، إذ تعرَّضت لغزو أسراب كثيفة من الجراد الصحراوي الذي ساعدته الرياح القوية على الانتشار في المناطق البرية والزراعية شمال البلاد وجنوبها. كما شوهدت أسراب الجراد ضمن مناطق محدودة في إمارة أبوظبي، وفي جنوب شرقي العراق بين البصرة والناصرية.
وبينما ساهمت الأحوال الجوية حتى الآن في تغيير اتجاه أسراب الجراد بعيداً عن بلاد الشام، فإن هطول الأمطار الربيعية المتوقعة في وسط شبه الجزيرة العربية وشمالها، مع الاعتدال في درجات الحرارة، سوف يساعد الجراد على النضج والتزاوج كبداية للتكاثر الربيعي، مما سيزيد من فرص هجرة أسرابه في مطلع أبريل (نيسان) نحو الدول المجاورة.
وتبدو الظروف الحالية المحيطة بالحرب في سوريا مشابهة لما أصاب بلاد الشام خلال الحرب العالمية الأولى، عندما قضى الجراد على المحاصيل طيلة ثلاثة أشهر متتالية، فأدى مع ظروف الحرب إلى مجاعة واسعة راح ضحيتها عشرات الآلاف.
واللافت أن البريطانيين استفادوا خلال الحرب العالمية الثانية من الدروس السابقة، فأسسوا سنة 1942 وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط (MEALU) بهدف القضاء على أسراب الجراد من مصدرها، وضمان استمرار الإمدادات العسكرية. ومن خلال الاستعانة بالطعم المسموم ورشِّ المواد الكيميائية من الطائرات، نجحت بعثات المكافحة البريطانية المرسلة إلى السعودية وإيران واليمن والكويت وعُمان سنة 1943، في الحيلولة دون حدوث تفشٍّ كبير للجراد.
وفي زمننا المعاصر، يزداد تهديد الجراد لأنه أقدر على التكيُّف في كوكب ترتفع درجة حرارته سنة بعد سنة. ويرى كثيرون أن الأعاصير المتكررة في الآونة الأخيرة فوق البحار الدافئة جلبت الرطوبة إلى الأراضي الصحراوية؛ حيث يتكاثر الجراد، فوفرت غطاءً نباتياً لتغذيته وانتشاره إلى مسافات أبعد خلال فترات أطول. وعلى الجانب الآخر من الكوكب، يبدي جراد الطاعون الأسترالي تكيفاً كبيراً مع دورات الحرارة والجفاف؛ حيث صار بإمكانه العيش لمدة تصل إلى الشهر من دون ماء.
وبينما تكافح الأنواع الأخرى للبقاء في عالم متغيِّر المناخ، فإن قدرة الجراد بجميع أنواعه على تحمل الحرارة مع انخفاض المنافسة من قبل أنواع الحشرات الأقل حظاً ستمنحه السيادة على مناطق أكثر اتساعاً، مما يهدد الإمدادات الغذائية لمئات الملايين من البشر. وفي الغالب، قد تنتهي المعارك الدورية التي تخوضها البلدان المهددة، متسلحة بالمبيدات الكيميائية، في صالح الجراد.
في هذه الظروف المتغيِّرة، يؤكد الصلح أن أهم استراتيجية لمكافحة الجراد الصحراوي بطريقة فعالة، مع تقليل استخدام المبيدات الكيميائية، هي تفعيل أنظمة الإنذار والتدخل المبكرة، ضمن استراتيجية المكافحة لبرنامج منظمة الأغذية والزراعة للطوارئ. ولكن نجاح أي برنامج يتطلَّب أولاً تعاون البلدان المتأثرة.


مقالات ذات صلة

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

بيئة عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق نفايات القهوة تعزز قوة الخرسانة وتقلل البصمة الكربونية (معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا)

نفايات القهوة تصنع خرسانة أقل انبعاثاً للكربون

تكشف الدراسة عن إمكانية تحويل مخلفات القهوة إلى مادة بناء مستدامة تعزز صلابة الخرسانة وتخفض بصمتها الكربونية، مما يدعم التوجه نحو اقتصاد دائري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون عالمة الرئيسيات والناشطة البيئية جين غودال

جين غودال وإرث البشرية المضطرب

غيابها ليس مجرد فقدانٍ لعالمةِ رئيسياتٍ أو ناشطةِ بيئةٍ، بل هو إغلاق للنافذة التي فتحتها بنفسها بقوةٍ وصبرٍ في غابات غومبي التنزانية قبل أكثر من ستة عقود.

ندى حطيط (لندن)
آسيا فيضانات في تايلاند (أ.ب)

ارتفاع عدد الوفيات جراء الفيضانات في تايلاند وسريلانكا

ذكر بيان حكومي أن حصيلة الوفيات جراء الفيضانات في جنوب تايلاند ارتفعت إلى 87 اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
يوميات الشرق يعكس ظهور النسر ضمن المحمية أهميتها المتزايدة بوصفها ملاذاً للطيور المهاجرة (واس)

رصد أول ظهور للنسر أبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاماً

رصدت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ظهوراً نادراً للنسر أبيض الذيل، أحد الطيور المهاجرة، وهو الرصد المؤكد الأول لهذا النوع في السعودية منذ أكثر من 20 عاماً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.