لمن الغلبة في الحرب على الجراد؟

الإنذار المبكر أساس المكافحة الفعَّالة

إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم
إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم
TT

لمن الغلبة في الحرب على الجراد؟

إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم
إلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم

وباء «كورونا» الجديد الذي أصاب العالم بالذعر، وما زال يحصد آلاف القتلى والمصابين، طغى إخبارياً على كارثة من نوع آخر لم تشهدها منطقتنا منذ عشرات السنين. فغزو الجراد الصحراوي الذي قُرعت لأجله نواقيس الخطر في القرن الأفريقي خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، وصل إلى شبه الجزيرة العربية، وانتشر في مناطق واسعة من باكستان وأفغانستان، وأضحى يهدد سلامة المزروعات في إيران التي تعاني أيضاً من تبعات فيروس «كورونا»، بعدما أصبحت بؤرة أساسية لانتشاره.
ويعدُّ غزو الجراد الصحراوي أحد أخطر الآفات الحشرية في أفريقيا والشرق الأدنى وجنوب غربي آسيا، بسبب قدرة أسرابه على الطيران إلى أماكن بعيدة، بسرعة تصل إلى 150 كيلومتراً في اليوم. ويمكن لسرب الجراد الذي تبلغ مساحته كيلومتراً مربعاً واحداً أن يلتهم من الطعام في يوم واحد ما يكفي لإطعام 35 ألف شخص، كما يمكنه التكاثر لتكوين حتى 5 أجيال في السنة، بمعدل تضاعف يراوح بين 10 و20 مرة في كل جيل.
وإلى جانب الجراد الصحراوي، توجد أنواع عدة من الجراد الغازي في جميع أنحاء العالم. ويتميَّز الجراد الصحراوي بانتشاره في الصحاري القاحلة وشبه القاحلة، على مساحة تقارب 16 مليون كيلومتر مربع تضم نحو 30 دولة تنتشر النزاعات في كثير منها، مع ما يعنيه ذلك من ضعف في الاستجابة المنسقة لمواجهة هذه الآفة، على الرغم من وجود منظومة دولية لتعقبها.
يعمل نظام مراقبة الجراد الصحراوي التابع لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) على رصد الأحوال الجوية والظروف البيئية، وحالة الجراد على أساس يومي. ويتلقى النظام نتائج عمليات المسح والتحكم التي تقوم بها الفرق الوطنية في البلدان المتأثرة، وتُجمع هذه المعلومات مع بيانات الأقمار الصناعية وتقديرات هطول الأمطار، والتنبؤات الموسمية بالحرارة، لتقييم الوضع الحالي، وتوقع توقيت وموعد وموقع التكاثر والهجرة قبل ستة أسابيع.
وتعتبر بيانات منظمة الأغذية والزراعة مشكلة الجراد هذه السنة في القرن الأفريقي مقلقة للغاية. وبينما تعاني منطقة شرق أفريقيا من الصدمات المرتبطة بالمناخ والنزاعات التي تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد، تواجه حالياً ما وصفه بيان «الفاو» على أنه «طفرة جراد لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث».
ومنذ أطلقت المنظمة الدولية مناشدتها الأولى في 20 فبراير الماضي لمساعدة ثلاثة بلدان متضررة، هي كينيا وإثيوبيا والصومال؛ حيث يتكاثر الجراد على نطاق واسع ويدمر الإمدادات الغذائية، تحركت أسراب الجراد بسرعة عبر مسافات شاسعة، فشوهدت في جيبوتي وإريتريا وجنوب السودان وأوغندا وتنزانيا.

- الصلح: من المراقبة إلى المكافحة
يقول الدكتور محمود الصلح، عضو فريق الخبراء الدولي الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي، والمدير العام السابق للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، إنه «على الرغم من تكاثر الجراد بشكل كثيف، والأضرار الجسيمة للمزروعات في اليمن، لم يتمكن المجتمع الدولي حتى الآن من المساعدة بسبب الأوضاع الأمنية في هذا البلد، علماً بأنه المصدر الأساسي لانتشار الجراد في الجزيرة العربية. ومن المتوقع أن ينتقل الجراد إلى شمال السودان وباكستان والهند في الصيف المقبل، في حال عدم مكافحته بطريقة فعَّالة».
ويلاحظ الصلح أنه مع أن أضرار الموجة الحالية من الجراد في القرن الأفريقي، ولا سيما كينيا، كانت جسيمة، فإنها لم تبلغ حتى الآن مستوى الأضرار التي حصلت في موسم الجراد عام 2005 في دول الساحل وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، حين وصلت الأسراب إلى مصر والمملكة العربية السعودية، واستعملت في مكافحتها كميات هائلة من المبيدات الكيميائية تجاوزت قيمتها 110 ملايين دولار. وقد شارك الصلح في إدارة هذه الحملة بصفته مديراً لشعبة الإنتاج والحماية النباتية في «الفاو» في ذلك الوقت.
ويشير الصلح إلى أن هناك مبيدات كيميائية عدة فعالة تستعمل لمكافحة الجراد، إن على الأرض أو عن طريق الطائرات الخاصة برش المبيدات. وعلى الرغم من الأضرار الجسيمة لهذه المبيدات الكيميائية، فإن بعضها يتفكك خلال 24 ساعة تحت الظروف الطبيعية، من دون أن يترك رواسب في التربة أو المياه أو الهواء. وهناك أدوية تعمل عن طريق المكافحة البيولوجية، مثل «متاريزيوم»، ويمكن استخدامها في المناطق الحساسة بيئياً. ولكن لما كانت تستغرق ما بين 8 أيام و18 يوماً لتبدأ في التأثير الفعلي، فهي لا تصلح لعلاج الجراد البالغ، وينبغي أن تُستخدم فقط لعلاج الحشرات غير الناضجة، في وقت مبكر من دورة حياتها.
ولكن على الرغم من المخاطر على البيئة، كان رش المبيدات الكيميائية السامة هو الخيار المتاح في كينيا. ويبدو أن السلطات الكينية لم تكن مستعدة بما يكفي لمواجهة الجيل الأول من الجراد الذي دمَّر بالفعل آلاف الهكتارات في منطقة يعاني فيها 13 مليون شخص من تراجع حاد في الأمن الغذائي. ومع قلة المبيدات وعدم كفاية طائرات الرش، قد تكون الحرب غير متكافئة في مواجهة مليارات البيوض التي تفقس حالياً.
وما لبثت مؤسسة وقاية النبات في إيران أن أعلنت عن وصول أسراب ضخمة من الجراد الصحراوي إلى جنوب البلاد. واعتبرت المؤسسة في مطلع مارس (آذار) أن الغزو ضخم للغاية وليس بالإمكان مواجهته إلا باستخدام المبيدات الحشرية السامة. وكانت كثافة الأسراب الغازية مرتفعة للغاية؛ حيث شكَّل الجراد المتساقط بعد رشه بالمبيدات طبقة بلغت سماكتها نحو 10 إلى 15 سنتيمتراً. ولم تفلح الطرق البيولوجية التقليدية، كاستخدام الطيور مثل البط والإوز، أو حفر الخنادق ونصب الشباك، في مواجهة أسراب الجراد.
وتتركز مكافحة الجراد عندما يكون في طور الحورية؛ لأنه يكون أكثر تنقلاً وطلباً للطعام في هذه المرحلة. وعندما يصبح في طور الحشرة الكاملة بعد أربعة أو خمسة أسابيع من فقسه، يقل تنقل الجراد وينشغل أكثر في التكاثر ووضع البيض. كما يجري رش أسراب الجراد في فترة الخمول بين السادسة مساءً والسادسة صباحاً.
وتستخدم أنواع عديدة من المبيدات السامة للقضاء على الجراد، إلا أن هذه المنتجات السامة لا تؤثر على الجراد فحسب؛ بل تقتل أيضاً الحشرات المفيدة، مثل النحل والخنافس وغيرها من الأنواع التي تُعد ملقِّحات للأزهار، وأعداء طبيعيين لحشرات ضارة أخرى. وهذا يعني أن الاستخدام المكثف للمبيدات سيخل بالنظام البيئي، ويخلق حلقة مفرغة قوامها الاعتماد على المكافحة الكيميائية لمواجهة الآفات الحشرية.
وبينما يعتمد تلقيح ثلاثة أرباع المحاصيل حول العالم على الحشرات، يستهلك نحو ملياري شخص في 113 بلداً الحشرات كغذاء مباشر، كما أنها تلعب دوراً مهماً، ليس فقط في الهرم الغذائي وإنما أيضاً في تحلل الكائنات الحية، وتخصيب التربة، والحفاظ على التنوع الحيوي. ولذلك يحذِّر العلماء من المخاطر الكبرى التي ستتعرض لها البشرية من التهديدات المتزايدة التي تطال الحشرات، نتيجة استخدام المبيدات السامة، بالإضافة إلى تغيُّر المناخ، والقضاء على الموائل والأنواع الغازية وغيرها.
ولا تزال المكافحة الكيميائية لأسراب الجراد أكثر فعالية حتى الآن من ناحية الوقت، مقارنة بالمكافحة البيولوجية التي تشمل الفطريات والبكتيريا والمستخلصات الطبيعية. ولكنها - إلى جانب إخلالها بالتنوع الحيوي - تشكل خطراً صحياً في المجتمعات التي تستسيغ تناول الجراد كطعام.
ويُذكر أن الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية في الكويت أصدرت في مايو (أيار) 2019 تحذيراً من تناول الجراد وحتى لمسه، لتلوثه بمبيدات سامة. كما أن وزارة الصحة السعودية أصدرت تحذيرات سابقة من أن أسراب الجراد قد تسبب أمراضاً عديدة، وربما تكون مصدراً لنقل أمراض فيروسية غير معروفة.

- الجراد يهدد المنطقة العربية
تواجه دول شبه الجزيرة العربية حالياً غزواً من الجراد الصحراوي لم تشهده منذ نحو ربع قرن. ففي السعودية، غزت أسراب الجراد مناطق الرياض وحائل والقصيم ونجران وعسير والشرقية، كما رُصد تكاثر الجراد الصحراوي في الربع الخالي. وفي البحرين، انتشرت أسراب هائلة من الجراد الصحراوي في مناطق عدة. ويستمر تكاثر الجراد على ساحل البحر الأحمر في اليمن وعلى ساحله الجنوبي بالقرب من عدن، وكذلك الحال على السواحل الشمالية والشرقية في عُمان التي تتأثر بأسراب قادمة من منطقة الحدود بين الهند وباكستان.
ولم تكن الكويت استثناءً بين الدول الخليجية، إذ تعرَّضت لغزو أسراب كثيفة من الجراد الصحراوي الذي ساعدته الرياح القوية على الانتشار في المناطق البرية والزراعية شمال البلاد وجنوبها. كما شوهدت أسراب الجراد ضمن مناطق محدودة في إمارة أبوظبي، وفي جنوب شرقي العراق بين البصرة والناصرية.
وبينما ساهمت الأحوال الجوية حتى الآن في تغيير اتجاه أسراب الجراد بعيداً عن بلاد الشام، فإن هطول الأمطار الربيعية المتوقعة في وسط شبه الجزيرة العربية وشمالها، مع الاعتدال في درجات الحرارة، سوف يساعد الجراد على النضج والتزاوج كبداية للتكاثر الربيعي، مما سيزيد من فرص هجرة أسرابه في مطلع أبريل (نيسان) نحو الدول المجاورة.
وتبدو الظروف الحالية المحيطة بالحرب في سوريا مشابهة لما أصاب بلاد الشام خلال الحرب العالمية الأولى، عندما قضى الجراد على المحاصيل طيلة ثلاثة أشهر متتالية، فأدى مع ظروف الحرب إلى مجاعة واسعة راح ضحيتها عشرات الآلاف.
واللافت أن البريطانيين استفادوا خلال الحرب العالمية الثانية من الدروس السابقة، فأسسوا سنة 1942 وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط (MEALU) بهدف القضاء على أسراب الجراد من مصدرها، وضمان استمرار الإمدادات العسكرية. ومن خلال الاستعانة بالطعم المسموم ورشِّ المواد الكيميائية من الطائرات، نجحت بعثات المكافحة البريطانية المرسلة إلى السعودية وإيران واليمن والكويت وعُمان سنة 1943، في الحيلولة دون حدوث تفشٍّ كبير للجراد.
وفي زمننا المعاصر، يزداد تهديد الجراد لأنه أقدر على التكيُّف في كوكب ترتفع درجة حرارته سنة بعد سنة. ويرى كثيرون أن الأعاصير المتكررة في الآونة الأخيرة فوق البحار الدافئة جلبت الرطوبة إلى الأراضي الصحراوية؛ حيث يتكاثر الجراد، فوفرت غطاءً نباتياً لتغذيته وانتشاره إلى مسافات أبعد خلال فترات أطول. وعلى الجانب الآخر من الكوكب، يبدي جراد الطاعون الأسترالي تكيفاً كبيراً مع دورات الحرارة والجفاف؛ حيث صار بإمكانه العيش لمدة تصل إلى الشهر من دون ماء.
وبينما تكافح الأنواع الأخرى للبقاء في عالم متغيِّر المناخ، فإن قدرة الجراد بجميع أنواعه على تحمل الحرارة مع انخفاض المنافسة من قبل أنواع الحشرات الأقل حظاً ستمنحه السيادة على مناطق أكثر اتساعاً، مما يهدد الإمدادات الغذائية لمئات الملايين من البشر. وفي الغالب، قد تنتهي المعارك الدورية التي تخوضها البلدان المهددة، متسلحة بالمبيدات الكيميائية، في صالح الجراد.
في هذه الظروف المتغيِّرة، يؤكد الصلح أن أهم استراتيجية لمكافحة الجراد الصحراوي بطريقة فعالة، مع تقليل استخدام المبيدات الكيميائية، هي تفعيل أنظمة الإنذار والتدخل المبكرة، ضمن استراتيجية المكافحة لبرنامج منظمة الأغذية والزراعة للطوارئ. ولكن نجاح أي برنامج يتطلَّب أولاً تعاون البلدان المتأثرة.


مقالات ذات صلة

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

يوميات الشرق معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثّلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
TT

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين، تزامناً مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في السعودية.

وصارت الأراضي الجافة الآن تغطي 40 في المائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، حسبما خلصت دراسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، محذرة من أن هذا التحول يمكن أن يؤثر فيما يصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2100، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأظهر التقرير الذي يشير إلى «تهديد وجودي» تفرضه مسارات يتعذّر تغيير اتجاهها، أن الأراضي الجافة، المناطق التي تصعب زراعتها، زادت بمقدار 4.3 مليون كلم مربع بين عامي 1990 و2020، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة الهند.

تحذيرات من «القحط»

وجاء التحذير خلال اجتماع مؤتمر «كوب 16» الذي بدأ الأسبوع الماضي في الرياض ويستمر 12 يوماً، بهدف حماية الأراضي واستعادتها والاستجابة إلى الجفاف في ظل تغير المناخ المستمر.

ويحذّر التقرير من أن القحط، وهو نقص مزمن في المياه، يمتد الآن على 40.6 في المائة من كتلة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مقابل 37.5 في المائة قبل 30 عاماً.

أشخاص يسيرون عبر جزء من نهر الأمازون تظهر عليه علامات الجفاف في كولومبيا (أ.ب)

كما يحذّر من أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وجنوب أستراليا وبعض مناطق آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: «على عكس الجفاف -فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار- يمثّل القحط تحولاً دائماً لا هوادة فيه».

وأضاف أن «المناطق المناخية الأكثر جفافاً التي تؤثر الآن في أراضٍ شاسعة في جميع أنحاء العالم لن تعود إلى ما كانت عليه، وهذا التغيير يعيد تعريف الحياة على الأرض».

«أسوأ سيناريو»

وأضاف التقرير أن التغييرات تُعزى إلى حد كبير إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تغيّر هطول الأمطار وتزيد من نسب التبخر.

وتشمل آثار نقص المياه المزمن تدهور التربة وانهيار النظام البيئي وانعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية، وفقاً للعلماء.

وحسب التقرير، يعيش بالفعل 2.3 مليار شخص في مناطق جافة تتوسع، مع توقعات تشير إلى أن «أسوأ سيناريو» يتمثّل في عيش 5 مليارات شخص في هذه الظروف مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولمواجهة هذا الاتجاه، حثّ العلماء الأعضاء على «دمج مقاييس القحط في أنظمة مراقبة الجفاف الحالية»، وتحسين إدارة التربة والمياه، و«بناء القدرة على الصمود في المجتمعات الأكثر ضعفاً».