إدلب... المدينة المنسية في مرمى «انتقام الأسد»

رجل يرسم على مبنى دمره القصف في إدلب بمناسبة مرور تسع سنوات على اندلاع الحرب السورية (أ.ف.ب)
رجل يرسم على مبنى دمره القصف في إدلب بمناسبة مرور تسع سنوات على اندلاع الحرب السورية (أ.ف.ب)
TT

إدلب... المدينة المنسية في مرمى «انتقام الأسد»

رجل يرسم على مبنى دمره القصف في إدلب بمناسبة مرور تسع سنوات على اندلاع الحرب السورية (أ.ف.ب)
رجل يرسم على مبنى دمره القصف في إدلب بمناسبة مرور تسع سنوات على اندلاع الحرب السورية (أ.ف.ب)

وصفت بأنها «المدينة المنسية» على مدى سنوات، بحسب تعبير سكانها الذين يشيرون إلى إهمالها، كرد على تعرُّض الرئيس الأسبق حافظ الأسد للرشق بالطماطم خلال زيارة لها في سبعينات القرن الماضي. واليوم لا تزال إدلب التي تحولت إلى «قلعة الثورة» تدفع الثمن في عهد نجله؛ إذ تشهد آخر حلقة ضمن سلسلة الأزمات الإنسانية في سوريا، وذلك حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بيروت أمس.
تعرضت المدينة ومحيطها لقصف عنيف منذ ديسمبر (كانون الأول) من قبل قوات النظام السوري والطائرات الروسية، ما خلَّف مئات القتلى ودفع كثيرين للفرار باتجاه الحدود التركية.
ومع الإعلان عن وقف لإطلاق النار في السادس من مارس (آذار)، عاد مالك حاج خليل إلى منزله في سرمين، شرق إدلب، على أمل استعادة بعض مقتنياته من تحت أنقاض منزله؛ لكنه لم يجد غير مكيف وبضع أوانٍ مكسورة وسط القضبان الحديدية الملتوية التي كانت في الماضي منزله. وقال: «كنا نأمل أن نعثر على بضعة أشياء، بعض المفروشات أو البطانيات؛ لكن لا يوجد شيء».
كان بعض جيرانه أكثر حظاً؛ إذ حملوا مواقد الغاز والفرشات والأرائك على متن شاحنات. وقال خليل: «عندما دخل الجيش صب كل الانتقام والحقد علينا وعلى كل الشعب والسُّنة (...) فاستهدف المدنيين ومنازلهم».
اعتبرت إدلب بين أولى المحافظات التي انضمت إلى الانتفاضة المناهضة للرئيس بشار الأسد، وهي حالياً آخر معقل لفصائل المعارضة، وكذلك لتنظيمات متطرفة؛ لكن جذور نقمة النظام عليها التي يتحدث عنها أهاليها تسبق «ثورة» 2011، وطالما شعرت المحافظة الواقعة في شمال غربي البلاد بإهمال السلطات في دمشق لها.
ويستذكر السكان والباحثون خصوصاً يوم قام حافظ الأسد الذي حكم البلاد من عام 1971 حتى وفاته سنة 2000، بزيارته الأولى والوحيدة إلى إدلب مطلع السبعينات، لتستقبله مجموعة غاضبة بالطماطم وغيرها.
ويقول مدير مركز «جسور» للأبحاث في إسطنبول، محمد سرميني، إنه كرد على الحادثة: «لم يزرها حافظ الأسد أبداً، وانعكس ذلك على البنية التحتية والتعليم». وأضاف: «نتيجة هذا الإهمال، كانت إدلب من أولى المحافظات التي انخرطت في الثورة».
وبحسب طالب الدغيم، المتخصص في تاريخ سوريا: «غضب الأسد عليها غضباً كبيراً. ذاكرة الديكتاتور كانت كفيلة بأن تحفظ لإدلب ذلك الاستقبال، فلذلك لاقت من القمع والتهميش الكثير». ولم ينسَ النظام دور إدلب في أحداث الثمانينات، وفق دغيم، عندما أيد كثيرون انتفاضة حماة التي قمعها النظام بعنف.
يدرك أسعد فلاحة هذا «الحقد» جيداً. ويترأس فلاحة «تجمع غوث التطوعي» الذي يدير روضة أطفال في بنش، شرق مدينة إدلب، تعرضت لقصف النظام ثلاث مرات، كان آخرها أثناء هجومه الأخير على المنطقة. وقال: «تم تدمير 70 في المائة منها» مشيراً إلى أن «استهداف روضة بهذا الشكل يدل على حقد النظام على إدلب بمجملها».
وكان يعيش في المحافظة ثلاثة ملايين شخص، نحو نصفهم نزح من مناطق أخرى، وتديرها بشكل جزئي مجموعات مسلحة مدعومة من تركيا و«هيئة تحرير الشام» («النصرة» سابقاً).
ولم يخفِ الأسد اهتمامه شخصياً بمعركة استعادتها.
وقال دغيم: «حتى بشار الأسد زار (بلدة) الهبيط بعد أن انتزعوها من أهلها وهجروهم، ووقف على رأس المدافع الأسدية أثناء دك ريف معرة النعمان الغربي» الذي كان خاضعاً لسيطرة فصائل المعارضة. وأضاف أن «هذا دليل على الحقد الكبير تجاه هذه المحافظة التي تعتبر أكبر قلعة للثورة السورية». وأكد: «لقد عانت هذه المحافظة من عزل كامل؛ كأن الأدالبة ليسوا سوريين».
واستعادت قوات النظام السوري مدينة كفرنبل في جنوب المحافظة في فبراير (شباط). وكانت المدينة بين آخر رموز «الثورة»؛ إذ تميزت بلافتاتها وشعاراتها المناهضة للنظام، التي أعربت بطريقة اتسمت بكثير من السخرية عن مواقف سياسية من تطور الأحداث في سوريا.
ورغم استهدافها والأزمة الإنسانية التي تعيشها، يبدو أن هذه الروح ما زالت تجد مكاناً لها في شمال المحافظة. فعلى جدران مدرسة تدمَّر جزء منها في بنش، كتب أحدهم إرشادات لحماية السكان من «كورونا» المستجد؛ حيث تم تصوير بشار الأسد على شكل فيروس.
وعلى جدار صف مدمر، يظهر رسم دبابة وطائرة تقصف أطفالاً؛ بينما يبدو أنه انعكاس لما تعيشه إدلب. وكتب قربها: «التاريخ: زمن الطغاة. الحصة: ثورة. عنوان الدرس: الموت».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.