تحليل إخباري: سوريا رهينة صراعات دولية مع دخول الحرب عامها العاشر

طفل سوري نازح ينام في حقيبة سفر بقرية بيت سوا في الغوطة الشرقية (رويترز)
طفل سوري نازح ينام في حقيبة سفر بقرية بيت سوا في الغوطة الشرقية (رويترز)
TT

تحليل إخباري: سوريا رهينة صراعات دولية مع دخول الحرب عامها العاشر

طفل سوري نازح ينام في حقيبة سفر بقرية بيت سوا في الغوطة الشرقية (رويترز)
طفل سوري نازح ينام في حقيبة سفر بقرية بيت سوا في الغوطة الشرقية (رويترز)

مع دخول الحرب عامها العاشر، تحوّلت سوريا إلى ساحة تتبارز على جبهاتها جيوش دولية ضخمة وبلغت فيها المعاناة الإنسانية حداً غير مسبوق، فيما ذهبت هتافات صدحت بها حناجر مئات الآلاف من أبنائها المنادين بإسقاط النظام أدراج الرياح، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بيروت.
حين اندلعت الاحتجاجات السلمية منتصف مارس (آذار) 2011، لم يتخيل المتظاهرون أن مطالبهم بالديموقراطية والحريات ستكون مقدمة لأكبر حروب القرن الحادي والعشرين، التي قُتل فيها أكثر من 380 ألف شخص وشُرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
بعد مرور تسع سنوات، لا يزال الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة. وما زالت قواته، التي تدخّلت روسيا عسكرياً لصالحها عام 2015 وتتلقى دعماً إيرانياً، توسّع نطاق سيطرتها وآخرها تقدم استراتيجي في محافظة إدلب (شمال غرب) حيث سُجلت أسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع.
ورغم أن الحديث عن رحيل الأسد بات من الماضي، فإن سوريا اليوم مسرح لتوتر روسي - أميركي من جهة وروسي - تركي من جهة ثانية، وإيراني – إسرائيلي من جهة ثالثة. وقد فجّر النزاع فيها أزمة هجرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث تؤرق أوروبا وترعبها.
ويقول خبير فرنسي في الشأن السوري قريب من النظام: «ليس مجرد نزاع دولي بسيط (...) تتواجه الولايات المتحدة وروسيا عبر وكلاء إقليميين» ولكل منهم مصالحه الخاصة.
قبل تسع سنوات، خطّ طلاب على جدار مدرستهم في محافظة درعا الجنوبية عبارة «إجاك الدور يا دكتور» متأثرين بتظاهرات «الربيع العربي»، ما مهّد لانطلاق شرارة احتجاجات رفعت شعار «إسقاط النظام» وتوسّعت لتشمل غالبية المحافظات.
لكن سلميّة التحرك تحطمت سريعاً بعد قمع عنيف ثم اندلاع نزاع مسلح دخلت على خطه تدريجياً دول عدة، خليجية كقطر والسعودية أرسلت مالاً وسلاحاً للمعارضين، وغربية وعربية صدحت ببيانات مطالبة برحيل الأسد.
وشكّل بروز التنظيمات المتطرفة، على رأسها تنظيم «داعش»، أول انقلاب على أحلام «الثوار» السلميين بدءاً من 2013، حينها تغيّر المشهد السياسي والعسكري. وفي العام اللاحق، تدخلت واشنطن على رأس تحالف دولي لشنّ «حرب على الإرهاب»، شكّل الأكراد رأس حربتها وانتهت بإعلان القضاء على مناطق التنظيم في مارس 2019، لكن تهديده لم ينتهِ، فخلاياه النائمة لا تزال قادرة على شنّ اعتداءات دموية.
مع سيطرة التنظيم المتطرف على محافظته دير الزور (شرق)، غادر الناشط عمر أبو ليلى سوريا واستمرّ في توثيق الأوضاع عبر موقعه «دير الزور 24». ويقول: «سوريا ازدادت دماراً وتشتتاً، وكل هذا يتحمل مسؤوليته المجتمع الدولي، الذي تغير شعاره من إسقاط الأسد، ليصبح مرتبطاً بحقبة ما بعد 2014» عام توسّع التنظيم الذي «ساهم وجوده في إطالة عمر نظام الأسد» بعد انصراف المجتمع الدولي عن «هدف ثورتنا الحقيقي» وإمساك روسيا بزمام الأمور.
وتنشط اليوم في سوريا خمسة جيوش نظامية على الأقل، غير المجموعات المحلية أو الخارجية الصغيرة الموالية لهذه الجهة أو تلك.
ينتشر إيرانيون من قوات «الحرس الثوري» ومقاتلون لبنانيون وعراقيون وقوات روسية بطائراتها وعسكرييها في مناطق سيطرة قوات النظام التي استعادت 70% تقريباً من مساحة البلاد.
ولعل أبرز أهداف طهران المعروفة هي ضمان طريق بري من إيران مروراً بالعراق فسوريا ولبنان والبحر المتوسط. ويوجد الإيرانيون حالياً بقوة في البوكمال، أبرز المعابر الحدودية مع العراق.
في شمال شرق البلاد، تنتشر قوات أميركية في مناطق سيطرة الأكراد، الذين أنشأوا إدارة ذاتية باتت مهددة بشدة بعد شنّ تركيا ثالث هجوم عسكري على مناطقهم في أكتوبر (تشرين الأول). وباتت أنقرة، التي تخشى حكماً ذاتياً كردياً قربها، تسيطر على منطقة حدودية واسعة. وتنشر قواتها في إدلب.
ويتذرّع الأميركيون بـ«حماية حقول النفط»، وأبرزها في مناطق سيطرة الأكراد، فيما يرى مراقبون أن أحد أبرز أهدافهم هو التصدي للنفوذ الإيراني.
ولا تكفّ الطائرات الحربية الإسرائيلية عن اختراق الأجواء واستهداف مواقع للجيش السوري أو للمقاتلين الإيرانيين و«حزب الله»، وهدفها المعلن منع الإيرانيين من ترسيخ وجودهم.
وبينما فرّ نحو مليون شخص في إدلب هرباً من هجوم شنّته قوات النظام في ديسمبر (كانون الأول) وانتهى بهدنة روسية - تركية الشهر الحالي، تبقى أنظار العالم معلّقة على حدود اليونان بعدما فتحت أنقرة حدودها أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا.
وبعدما اكتظت حدود إدلب مع تركيا بالنازحين، تحاول أنقرة الضغط على أوروبا للحصول على مساعدات وإرساء منطقة «عازلة» تجمع فيها اللاجئين السوريين، الذين يوجد 3,6 مليون منهم على أراضيها.
ويرى الخبير الفرنسي أن ما ينتظر إدلب هو أن تتحول مناطق سيطرة الفصائل فيها «إلى قطاع غزة في الشمال ملتصق بالحدود التركية»، أي منطقة مكتظة ومطوقة تماماً.
ويرجّح أن يكون العام الحالي «ومن دون شكّ، الأخير الذي نشهد فيه نزاعاً مفتوحاً»، متوقعاً تحوّل سوريا «محمية روسية - إيرانية، مع احتلال تركي في الشمال».
ورغم ما يعنيه ذلك من إضعاف للنظام الذي يواجه تحديّات اقتصادية جمّة، يرى الخبير الفرنسي أن «الأسد سيبقى في السلطة وسيُعاد انتخابه في 2021»، مشيراً إلى أن النظام «سيحكم بقبضة من حديد (...) وأولويته ستكون تعزيز النظام الأمني مجدداً».
وتشهد مناطق عدة استعادتها دمشق اعتقالات واسعة واستدعاءات للخدمة الإلزامية، ما يثير ذعر كثر وافقوا على البقاء فيها آملين بتسوية تشفع لهم لدى مراكز الأمن ذائعة الصيت.
ويقول عمر الحريري، الناشط المعارض الذي غادر البلاد بعد استعادة قوات النظام لمحافظته درعا: «لم نتوقع أن نصل إلى ما نحن عليه اليوم، وأن نخسر هذا العدد من الشهداء».
ويضيف: «إذا سألنا كل الناس اليوم ما إذا كانوا يريدون العودة إلى ما قبل 2011، قد تجيب الغالبية بنعم، لكنّ الكلمة لم تعد تنفع، بلغنا هذا الوضع، وانتهى».



إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
TT

إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)

في خطوة أولى وغير مسبوقة للحكومة اليمنية، أحالت النيابة العامة مسؤولَين في مصافي عدن إلى محكمة الأموال العامة بمحافظة عدن، بتهمة الإضرار بالمصلحة العامة والتسهيل للاستيلاء على المال العام، وإهدار 180 مليون دولار.

ووفق تصريح مصدر مسؤول في النيابة العامة، فإن المتهمَين (م.ع.ع) و(ح.ي.ص) يواجهان تهم تسهيل استثمار غير ضروري لإنشاء محطة طاقة كهربائية جديدة للمصفاة، واستغلال منصبيهما لتمرير صفقة مع شركة صينية من خلال إقرار مشروع دون دراسات جدوى كافية أو احتياج فعلي، بهدف تحقيق منافع خاصة على حساب المال العام.

«مصافي عدن» تعد من أكبر المرافق الاقتصادية الرافدة للاقتصاد اليمني (إعلام حكومي)

وبيّنت النيابة أن المشروع المقترح الذي كان مخصصاً لتوسيع قدرات مصافي عدن، «لا يمثل حاجة مُلحة» للمصفاة، ويشكل عبئاً مالياً كبيراً عليها، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الجرائم والعقوبات رقم 13 لعام 1994. وأكدت أن الإجراءات القانونية المتخذة في هذه القضية تأتي ضمن إطار مكافحة الفساد والحد من التجاوزات المالية التي تستهدف المرافق العامة.

هذه القضية، طبقاً لما أوردته النيابة، كانت محط اهتمام واسعاً في الأوساط الحكومية والشعبية، نظراً لحساسية الموضوع وأهمية شركة «مصافي عدن» كأحد الأصول الاستراتيجية في قطاع النفط والطاقة في البلاد، إذ تُعد من أكبر المرافق الاقتصادية التي ترفد الاقتصاد الوطني.

وأكدت النيابة العامة اليمنية أنها تابعت باستفاضة القضية، وجمعت الأدلة اللازمة؛ ما أدى إلى رفع الملف إلى محكمة الأموال العامة في إطار الحرص على تطبيق العدالة ومحاسبة المتورطين.

ويتوقع أن تبدأ المحكمة جلساتها قريباً للنظر في القضية، واتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة بحق المتهمين، إذ سيكون للحكم أثر كبير على السياسات المستقبلية الخاصة بشركة «مصافي عدن»، وعلى مستوى الرقابة المالية والإدارية داخلها.

إصلاحات حكومية

أكد رئيس مجلس الوزراء اليمني، أحمد عوض بن مبارك، أن صفقة الفساد في عقد إنشاء محطة كهربائية في مصفاة عدن قيمتها 180 مليون دولار، ووصفها بأنها إهدار للمال العام خلال 9 سنوات، وأن الحكومة بدأت إصلاحات في قطاع الطاقة وحققت وفورات تصل إلى 45 في المائة.

وفي تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي، ذكر بن مبارك أن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة ليست مجرد شعار بل هي نهج مستمر منذ توليه رئاسة الحكومة. وقال إن مكافحة الفساد معركة وعي تتطلب مشاركة الشعب والنخب السياسية والثقافية والإعلامية.

بن مبارك أكد أن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل الفشل في أداء المهام (إعلام حكومي)

وقال إن حكومته تتعامل بجدية؛ لأن مكافحة الفساد أصبحت أولوية قصوى، بوصفها قضية رئيسية لإعادة ثقة المواطنين والمجتمع الإقليمي والدولي بالحكومة.

ووفق تصريحات رئيس الحكومة اليمنية، فإن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل أيضاً الفشل في أداء المهام الإدارية، مما يؤدي إلى ضياع الفرص التي يمكن أن تحقق تماسك الدولة.

وأوضح أنه تم وضع خطة إصلاحية للمؤسسات التي شاب عملها خلل، وتم توجيه رسائل مباشرة للمؤسسات المعنية للإصلاح، ومن ثَمَّ إحالة القضايا التي تحتوي على ممارسات قد ترقى إلى مستوى الجريمة إلى النيابة العامة.

وكشف بن مبارك عن تحديد الحكومة مجموعة من المؤسسات التي يجب أن تكون داعمة لإيرادات الدولة، وفي مقدمتها قطاعات الطاقة والمشتقات النفطية؛ حيث بدأت في إصلاح هذا القطاع. وأضاف أن معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي «تتوازى مع معركة مكافحة الفساد»، وشدد بالقول: «الفساد في زمن الحرب خيانة عظمى».

تعهد بمحاربة الفساد

تعهد رئيس الوزراء اليمني بأن يظل ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى لحكومته، وأن تواصل حكومته اتخاذ خطوات مدروسة لضمان محاسبة الفاسدين، حتى وإن تعالت الأصوات المعارضة. مؤكداً أن معركة مكافحة الفساد ليست سهلة في الظروف الاستثنائية الحالية، لكنها ضرورية لضمان الحفاظ على مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة والمساءلة.

ووصف بن مبارك الفساد في زمن الحرب بأنه «خيانة عظمى»؛ لأنه يضر بمصلحة الدولة في مواجهة ميليشيا الحوثي. واتهم بعض المؤسسات بعدم التعاون مع جهاز الرقابة والمحاسبة، ولكنه أكد أن مكافحة الفساد ستستمر رغم أي ممانعة. ونبه إلى أن المعركة ضد الفساد ليست من أجل البطولات الإعلامية، بل لضمان محاسبة الفاسدين والحفاظ على المؤسسات.

الصعوبات الاقتصادية في اليمن تفاقمت منذ مهاجمة الحوثيين مواني تصدير النفط (إعلام محلي)

وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة قد سَلَّمَ رئيس الحكومة تقارير مراجعة أعمال «المنطقة الحرة عدن»، وشركة «مصافي عدن»، و«المؤسسة العامة لموانئ خليج عدن»، وشركة «النفط اليمنية» وفروعها في المحافظات، و«مؤسسة موانئ البحر العربي»، والشركة «اليمنية للاستثمارات النفطية»، و«الهيئة العامة للشؤون البحرية»، و«الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية»، و«الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري»، والشركة «اليمنية للغاز مأرب»، إضافة إلى تقييم الأداء الضريبي في رئاسة مصلحة الضرائب ومكاتبها، والوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين وفروعها في المحافظات.

ووجه رئيس الحكومة اليمنية الوزارات والمصالح والمؤسسات المعنية التي شملتها أعمال المراجعة والتقييم من قِبَل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالرد على ما جاء في التقارير، وإحالة المخالفات والجرائم الجسيمة إلى النيابات العامة لمحاسبة مرتكبيها، مؤكداً على متابعة استكمال تقييم ومراجعة أعمال بقية المؤسسات والجهات الحكومية، وتسهيل مهمة فرق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للقيام بدورها الرقابي.

وألزم بن مبارك الوزارات والمؤسسات والمصالح والجهات الحكومية بالتقيد الصارم بالقوانين والإجراءات النافذة، وشدد على أن ارتكاب أي مخالفات مالية أو إدارية تحت مبرر تنفيذ التوجيهات لا يعفيهم من المسؤولية القانونية والمحاسبة، مؤكداً أن الحكومة لن تتهاون مع أي جهة تمتنع عن تقديم بياناتها المالية ونتائج أعمالها للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، لمراجعتها والعمل بشفافية ومسؤولية، وتصحيح كل الاختلالات سواء المالية أو الإدارية.

وكانت الدول المانحة لليمن قد طالبت الحكومة باتخاذ إجراءات عملية لمحاربة الفساد وإصلاحات في قطاع الموازنة العامة، وتحسين موارد الدولة وتوحيدها، ووقف الجبايات غير القانونية، وإصلاحات في المجال الإداري، بوصف ذلك شرطاً لاستمرار تقديم دعمها للموازنة العامة للدولة في ظل الصعوبات التي تواجهها مع استمرار الحوثيين في منع تصدير النفط منذ عامين، وهو المصدر الأساسي للعملة الصعبة في البلاد.