يريد السويسري جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) اتخاذ إجراءات لجعل كرة القدم «عالمية بشكل فعلي» على مدار الأعوام المقبلة، وقد وضع وثيقة إصلاحات خاصة بنظام النقل، وإضافة المزيد من التكنولوجيا إلى تلك المستخدمة بالفعل مثل تقنية حكم الفيديو المساعد (فار) وجعل المسابقات التي ينظمها فيفا أكثر عالمية وتعزيز كرة القدم النسائية.
وطرح إنفانتينو مؤخرا فكرة توسيع نطاق عدد المشاركين في بطولة كأس العالم للأندية، لتضم 24 فريقا؛ حيث من المقرر أن تنطلق أول نسخة من النظام الحديث للبطولة في العام المقبل، ويرغب رئيس فيفا في توفير «تسويق رئيسي له»، وربما يلوح في الأفق مزيد من التغييرات، وفقا للوثيقة.
وأوضحت الوثيقة: «ينبغي على فيفا العمل على إصلاح المشهد الحالي للمنافسة وتوفير فرص اللعب على المستوى العالمي للفرق والأندية الوطنية، مع مراعاة رفاهية اللاعبين والأندية ومصالح جميع أصحاب المصلحة».
وقال إنفانتينو: «هذه الوثيقة تضع خطة لمواصلة تحديث عالم كرة القدم، وجعلها شاملة بشكل متزايد وتمهد الطرق إلى مشهد طبيعي، وفي يوم ما، سيكون لدينا على الأقل 50 فريقا وطنيا و50 ناديا من جميع القارات في قمة المستوى التنافسي».
ويلقى جدول مواعيد المباريات انتقادات شديدة من جانب الأندية والمدربين والاتحادات تتعلق بقضايا تتراوح من جدولة اللقاءات إلى المزيد والمزيد من المباريات، التي تخوضها الفرق.
ويرفض الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فكرة زيادة المنافسات الدولية وبخاصة للأندية، ودعا ألكسندر سيفرين «يويفا» إلى الحرص على ألا تفقد كرة القدم روحها، جراء الاندفاع بحثا عن الأهداف المادية فقط، في تصريحات بدت بمثابة انتقادات لإنفانتينو.
وقال سيفرين: «الهدف أولا ثم الربح. هذا هو الأساس. وعندما تنعكس الآية، فيجب إطلاق جرس الإنذار».
واستبعد سيفرين إجراء تغييرات كبيرة في البطولات البارزة لليويفا، ومنها دوري الأبطال، معتبرا أن ذلك سيشكل «إعداما» للرياضة.
الواضح أن اتحاد كرة القدم الأوروبي قطع شوطاً كبيراً منذ تأسيسه منذ 65 عاماً عندما انعقد أول اجتماع عام له عام 1955 عندما طرحت صحيفة «لكيب» الفرنسية المتخصصة في الشأن الرياضي فكرة إطلاق بطولة على مستوى أوروبا للأندية المتوجة في بلادها. وبدأ تنفيذ هذه الفكرة الرومانسية الجذابة بالفعل في موسم 1955 – 1956، بعد مرور عشر سنوات على الحرب العالمية الثانية.
من ناحيتهم، أبدى الإنجليز تكبراً واضحاً في تعاملهم مع فكرة عقد بطولة الكأس الأوروبية، ووجهوا فعلياً أمراً إلى تشيلسي بعدم المشاركة بعد فوز النادي دوري الدرجة الأولى، التي ظلت البطولة الوحيدة التي حصدها النادي حتى عهد ملكية الروسي رومان أبراموفيتش للنادي فيما بعد عام 2003.
ووقف مات بيزبي متحدياً ضيق الأفق الذي اتسم به مسؤولو كرة القدم الإنجليزية، وقاد مانشستر يونايتد نحو الفوز ببطولة أوروبية بعد فوزهم ببطولة الدوري محليا عام 1956، وكانت حاجة الفريق للعودة سريعاً للمشاركة في مباريات ببطولة الدوري قد قوبلت برفض المسؤولين لإرجائها عندما وقعت كارثة ميونيخ بسقوط طائرة اللاعبين الجوية في فبراير (شباط) 1958.
أما في الوقت الحاضر فتحظى بطولة دوري أبطال أوروبا بمكانة رفيعة باعتبارها المسابقة الكبرى عالمياً على مستوى الأندية، وساحة للتنافس بين أعظم لاعبي العالم، وحدثا تلفزيونيا ضخما يدر عائدات تقدر بعدة مليارات. كما يراها أصحاب التفكير المثالي، باعتبارها مناسبة عظيمة تتيح للدول الأوروبية استعراض وحدة صفوفها وتماسكها. ومع ذلك، تقترب البطولة و«يويفا» حاليا من مفترق طرق جديد، كان من المنتظر أن تحسهما المناقشات في أمستردام على أمل الوصول لتوجه جديد.
وتكمن المشكلة في الجدالات الحامية التي تورط فيها المسؤولون الإداريون بخصوص حجم بطولة دوري أبطال أوروبا وشكلها العام بعد نهاية جدول الأعمال الكروي المتفق عليه عام 2024، ورغم نجاح اتحاد الأندية الأوروبية (عبارة عن تحالف من أندية كبرى)، في شق طريقه نحو قلب الهياكل المعنية بصنع القرار داخل «يويفا»، فإنه عجز عن اتخاذ توجه مميز واضح المعالم، وجاءت سلسلة الخطط التي اقترحها مفتقرة إلى استراتيجية متناغمة فيما عدا أنه ينبغي عقد مزيد من المباريات وحصد الأندية الكبرى مزيد من المال.
وفي خضم ذلك، بدأت «يويفا»، التي يقودها منذ عام 2016 المحامي السلوفيني سيفرين، الاجتماع السنوي لاتحاد كرة القدم الأوروبي (يويفا) الذي تضمن جدول أعماله شؤونا إدارية روتينية، لكن الممرات الجانبية للقاعة شهدت مناقشات سياسية مكثفة ومرتبكة وخائفة. ورغم أن احتمالات ظهور بطولة دوري سوبر منشقة عن التيار الرئيسي تبدو ضئيلة، فإنها ما تزال تخيم على يويفا باعتبارها احتمالية متطرفة. بجانب ذلك، تشعر «يويفا» بالتوتر إزاء فكرة إنفانتينو، بتوسيع نطاق المشاركة ببطولة كأس العالم للأندية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المقترح الأول لبطولة دوري أبطال أوروبا جاء من جانب اتحاد الأندية الأوروبية ورئيس نادي يوفنتوس، أندريا أنيللي، منذ ما يقارب العامين. ودار المقترح حول إعادة صياغة شكل دور المجموعات بحيث ينقسم إلى أربع مجموعات، تضم كل منها ثمانية أندية، ما يتيح أمام الأندية المشاركة ثماني مباريات إضافية لكل منها. العام الماضي، جددت «يويفا» واتحاد الأندية الأوروبية اتفاقهما الرسمي الذي وقعه سيفرين وأنيللي، والذي يمنح العضوين المنتخبين من اتحاد الأندية الأوروبية داخل اللجنة التنفيذية لـ«يويفا»، تمثيلاً داخل الكثير من اللجان القوية وعضوية مكافئة لـ«يويفا» في كيان مشترك للنظر في أمر هياكل البطولات والمسابقات.
جدير بالذكر أن ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان وشركة «بي إن سبورت» التي تشتري حقوق البث التلفزيوني لمباريات دوري أبطال أوروبا في الكثير من مناطق العالم، جرى انتخابه في اللجنة التنفيذية العام الماضي، رغم أنه يخضع لتحقيق جنائي في سويسرا. في 20 فبراير (شباط)، جرى توجيه اتهام له بارتكاب جريمة جنائية. ورغم أن الخليفي ينفي من جانبه تورطه في أي جرم، يبدو المشهد العام غريباً فيما يخص اتحاد الأندية الأوروبية و«يويفا».
وقد قوبلت الخطة التالية لبطولة دوري أبطال موسعة تضم 24 ناديا كل موسم، والصعود والهبوط من بطولة دوري أوروبا، برفض واسع النطاق من جانب بطولات الدوري الوطنية وجرى انتقادها باعتبارها دوريا سوبر يحظى بموافقة «يويفا».
أما الفكرة الأخيرة التي تبدو أقرب لحل وسط: زيادة عدد المباريات في دور المجموعات بمقدار أربع لكل ناد وتوفير نقاط تأهل عن مستوى الإنجاز في الموسم السابق من البطولة.
ويقال إن هذا المقترح المقصود منه معاونة الأندية الناجحة المنتمية إلى دول أصغر مثل أياكس أمستردام الذي بلغ الدور قبل النهائي وقدم أداءً مذهلاً الموسم الماضي، لكنه اضطر للبدء من الأدوار التمهيدية للتأهل هذا الموسم بسبب التصنيف العام الأدنى لهولندا. في المقابل، تحظى إنجلترا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا بأربعة أندية تتأهل على نحو تلقائي لدور المجموعات.
من ناحية أخرى نجد أن الإجراء الإصلاحي التاريخي الذي أقرته «يويفا» خلال السنوات الأخيرة والمتمثل في اللعب المالي النظيف، تعرض لتغطيته عبر معلومات مشوهة ومغلوطة، بل وأحياناً انتقادات هيستيرية داخل إنجلترا بسبب القيود التي فرضها على الإنفاق غير المحدود من جانب ملاك الأندية منذ بدء تنفيذه عام 2009، ومن ذلك الحين، أحدث هذا الإجراء تحولاً هائلاً على مستوى الصحة المالية لكرة القدم الأوروبية.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن سيفرين جرى انتخابه بناءً على وعود لتناول الثغرات الكبرى بمجال كرة القدم، ومسألة تركز الثروات والنجاح داخل الأندية الكبرى وانحسار «التوازن التنافسي».
وخلال الاجتماع العام منذ عامين، تعهد سيفرين بـ«المحاربة بشراسة» من أجل ذلك، لكن لم يبد أي مؤشرات على ذلك منذ ذلك الحين. وإنما بدلاً عن ذلك، بدت «يويفا» أكثر قرباً من الأندية الكبرى على مستوى القارة وأكثر حرصاً على الإبقاء عليهم باعتبارهم العناصر الكبرى في بطولة دوري أبطال أوروبا والعمل على زيادة ثرائهم.
إلا أن سيفرين أوضح عقب الاجتماعات الأخيرة بإن نظام اللعب المالي النظيف قد يتغير مستقبلا، لكنه رفض التعليق على إيقاف مانشستر سيتي لمدة عامين.
وأوضح سيفرين أن هناك تغييرات في عملية اللعب المالي النظيف المعقدة بسبب الانتقادات التي تتعرض لها والعراقيل التي تضعها ضد الأندية الجديدة ذات الموارد الجيدة الساعية لكسر هيمنة أندية النخبة في أوروبا.
إلا أنه فيما وراء التفاصيل الدقيقة للهيكل العام للبطولات بعد عام 2024، ثمة سؤال جوهري: ما إذا كان «يويفا» يملك القدرة لأن يكون الكيان الكروي الحاكم الذي تحتاج إليه الكرة الأوروبية في وقت تحقق فيه نجاحاً كان بعيداً عن الخيال، لكن تعاني الوقت ذاته تحديات كبرى وتفاوتات حادة.
أين يقع دوري أبطال أوروبا في الترتيب الكروي العالمي الجديد؟
فكرة «الفيفا» لتوسيع كأس العالم للأندية تهدد المسابقة الأبرز... والاتحاد الأوروبي يتحدى
أين يقع دوري أبطال أوروبا في الترتيب الكروي العالمي الجديد؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة