عشيقة كافكا في «نار حية»

قصة حياة «ميلينا يسنسكا» ونضالها ضد النازية والشيوعية

عشيقة كافكا في «نار حية»
TT

عشيقة كافكا في «نار حية»

عشيقة كافكا في «نار حية»

يتضمن كتاب «نار حية»، الذي قدم نسخته العربية المترجم المصري محمد رمضان، سرداً تاريخياً لحياة ميلينا يسنسكا، المرأة التي ارتبط اسمها بالأديب التشيكي العالمي فرانز كافكا، في قصة حب لم يقدر لها أن تكتمل بالزواج. وقد سرد مؤلفه، ألويس برينتس، وهو متخصص في السيرة الذاتية، كل ما نسب لميلينا من كتابات خطتها هي بنفسها أو كتبها الآخرون عنها. كما تتبع خطاباتها التي كانت مفقودة حتى وقت قريب، ومقاطع فلمية عنها، وإذاعية، حصل عليها من بعض الأرشيفات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عاد إلى ما قبل ولادتها بعشرين عاماً، وبحث في حياة والدها، وطبيعة البيئة التي ولدت وعاشت فيها، ثم قام بتتبع أثرها حتى وفاتها، وأيضاً متابعة حياة ابنتها الوحيدة يانا.
الكتاب صدر حديثا عن دار الرافدين البيروتية، ويعد الأول من نوعه عن عاشقة كافكا، وفيه مزج المؤلف بين نصوص رسائلها وما كتبه هو عنها بأسلوبه. كما وضع التاريخ الأوروبي في تلك الحقبة خلفية لحياتها، ومسيرة أوجاعها ونضالاتها ضد النازية والشيوعية.
وتبدو ميلينا من خلال الكتاب امرأة تخطئ وتصيب، تحب الحياة وتتشبث بها وهي في انكسارها وأوج نضالها ولحظاتها الإنسانية المربكة، خاصة بعد وفاة والدتها التي كانت تتحدث معها عن أي موضوع شاءت، وسادت بينها وبين والدها طبيب الأسنان الأستاذ الجامعي «مشاهد مخيفة» في البيت. فلم يعرف أن ابنته تحوّلت بعد موت أمها من فتاة مطيعة نشيطة إلى كتلة غضب عنيدة، تحاول بكلّ قواها تدمير سمعته الطيبة. وقد بالغت في صرف أمواله، وصارت تسرق، وتتعاطى المخدرات، وتتسكع مع صديقاتها في أماكن سيئة السمعة، وارتبطت برجال يكبرونها. وفي مواجهة كل ذلك، بذل الأب جهداً كبيراً لإخفاء انحرافات ابنته عن المجتمع، ومعالجة أضرار ما ترتكبه من أفعال، وكان أمله أن تعود إلى رشدها، وتسلك درب الحياة الذي رسمه لها، وأن تقوم بدراسة الطب وترث عيادته المزدهرة.
لكن ميلينا، حسب برينتس، لم تكن تعرف ماذا ستصبح؛ أحبت بشغف شديد الموسيقى والصور والكتب، مما تسبب في رفض بعضهم لها، وكان يؤلمها وصفها بأنها مجرد عاشقة للجمال، لأنها تريد -كما قالت ذات مرة- أن تعيش حياة واقعية ملموسة، لكن هذا لم يمنعها من التبذير إلى حد الإسراف والتفريط في نواحي حياتها كافة في الحب والصداقة واعتنائها بالآخرين، وقد قوبل شغفها المفرط بقليل من التفهم، فكانت بالنسبة لكثيرين سريعة الغضب، بلا عقل، متهورة، جانحة.
ويصف المؤلف لحظات مهمة فارقة في حياة ميلينا، ويصور مثلاً رحلتها في القطار متجهة إلى معسكر الاعتقال في رافنسبروك، بعد خمس وعشرين سنة من تخرجها في المدرسة في أكتوبر (تشرين الأول) 1940، متهمة بالخيانة العظمى لأنها كانت تعمل في مجلة غير قانونية في مدينتها ومسقط رأسها براغ التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة جنود هتلر. ولم تقدّم محكمة النازيين أي أدلة ضدها، ورغم ذلك فقد تم اعتقالها.
ويشير المؤلف لساعات ما قبل دخول ميلينا الامتحانات، ويقول: «امتلأت رأس ميلينا بفوضى عارمة. كانت الساعة الثالثة صباحاً في ذلك اليوم من مايو (أيار) سنة 1915، حيث تبدأ في اليوم التالي امتحانات الثانوية العامة في مدرسة مينرفا للبنات بمدينة براغ، شعرت أنها نسيت كل ما درسته، حيث أمضت ساعات شاقة في مراجعة مادة التاريخ، والآن تسرب من رأسها كل شيء. ولم يختلف الأمر كثيراً مع مادتي اللاتينية واليونانية». ويضيف: «راجعت المواد بالأمس لسبع ساعات، وغداً الامتحان، وأشعر بأني نسيت كل شيء تماماً».. هكذا كتبت إلى معلمتها «الآنسة الدكتورة»، كما كانت تدعوها، ألبينا هونزاكوفا، المعلمة الوحيدة من بين طاقم التدريس التي كانت محطّ إعجاب ميلينا ومصدر ثقتها.
كانت ميلينا تعرج بعض الشيء، وبقيت هذه الإعاقة ترافقها منذ العملية الجراحية في ركبتها. بالإضافة إلى ذلك، شعرت بالألم في يديها بسبب التحقيقات الطويلة في زنزانة باردة رطبة. تسلمت الملابس الخاصة بالمعسكر، مثل كل المعتقلات الأخريات، وقد خيط الرقم الخاص بها على كمّ فستانها الأيسر؛ كان رقمها (4714)، وفوقه مثلث أحمر، إشارة إلى أنها معتقلة «سياسيّة».
وفي معسكر الاعتقال، كانت هناك مجموعة كبيرة من النساء التشيكيات اللائي سرعان ما ابتعدن عنها عندما أدركن أنها لا تشاركهن آراءهن السياسية.
لم تكن تعتقد أن الأمور ستصير على ما يرام إذا هزمت القوات الروسية جيوش هتلر، لم يكن الديكتاتور السوفياتي ستالين بالنسبة إليها أفضل من النازي هتلر. ازدادت الكراهيّة تجاه ميلينا، عندما أرادت التواصل مع امرأة ألمانية قضت وقتاً في المعتقلات الروسية، تدعى مارجريته بوبر نويمان. كان يلتقيان خلسة في ساعة التجول، فتنها في ميلينا حب استطلاعها، وفِكرها المستقل، وأسئلتها الذكية، وقبل كل شيء حيويتها غير العادية.
ويتكئ المؤلف على جوانب إنسانية في حياة ميلينا، وعلاقتها بصديقتها في المعتقل مارجريته بوبر، ويشير إلى أن كل منهما روت قصة حياتها للأخرى خلال الجولات اللاحقة بجانب «حائط المبكى»، كما كانت تسمي ميلينا جدار المعسكر الذي يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار، وخلال اللقاءات الليلية السريّة في الثّكنات. حكت ميلينا لصديقتها عن موت أمها المبكّر، وسنوات شبابها الصاخبة في براغ، ومعاركها مع أبيها الذي قام بحبسها في مستشفى للأمراض العقلية لكي يمنعها من الزواج بيهودي يكبرها بعشر سنوات، ولكن دون جدوى. أخبرتها أيضاً بسنوات زواجها في فيينا، عندما كانت وحيدة فقيرة، تعمل في حمل الحقائب بمحطات القطارات، ثم كيف بدأت تكتب وتتحرر شيئاً فشيئاً من زواجها التعس. حدّثتها عن حبها القصير للشاعر فرانز كافكا، ورجوعها إلى براغ، ونجاحها كصحافية، وزواجهِا الثاني، وابنتها يانا، وأمراضها، وهزائمها، وأيامها السعيدة، وكيف أصبحت مناضلة في المعارضة السياسية.
كما تحدث المؤلف عن ميلينا الأم، مشيراً إلى أن الحزن كان يبدو عليها كلما ورد ذكر ابنتها يانا، أو هونزا كما كان الكل يدعوها. لم ترها ميلينا سوى مرّة واحدة فقط بعد اعتقالها. ومنذ ذلك الحين، كانت تحاول يائسة معرفة ما حلّ بابنتها، ومن يعتني بها. أرادت أن تكون بالقرب منها، على الأقل عبر الرسائل المراقبة التي يمكنها إرسالها إلى براغ «رغم أن لديّ طفلة تفكر، وتشعر، وتكبر، فإني ممنوعة من البقاء بجانبها. لا يسعني سوى أن أحلم بها، وأفكر فيها، وأصلي من أجلها. يمكنني أن أرسل إليها تحيّاتي مع السحاب، لكن الرب وحده يعلم إن كانت ستصلها أم لا. غالباً ما أفكر فيكم جميعاً، تحياتي لكم، سأكون معكم دائماً. أشعر بأنني بحالة جيدة حقاً، وأنا ممتنة جداً لهذا العمل، كما أني نشيطة وبصحة جيدة، فقط لا تنسوني أبداً. قبلاتي لكم، ميلينا».
ولم تكن ميلينا، حسب ما أورده برينتس في كتابه، على ما يرام، ولم تكن بصحة جيدة كذلك، إذ «كانت يداها ورجلاها منتفخة من الروماتيزم، وتعاني من الأم شديدة في الكليتين، لكنها لم تشكو، وبقيت غير مبالية في معسكر الاعتقال، ولم تكن تسرِع بمشيتها عندما كانت تؤمر بذلك، ولم تتملق المسؤولين هناك».
التحاق ميلينا بعيادة المعتقل مكنها من مساعدة بعض المعتقلات على الهروب من عذاب النازية، ومعسكر اعتقال رافنسبروك النسائي، وقد قامت خلال وجودها فيه قبل وفاتها بإنقاذ حياة كثيرات، عن طريق تغييرات أجرتها في ملفاتهم الشخصية مكنتهم بها من الهروب من المعتقل، وقد أرسلت إلى والدها، وإلى زوجها الثاني يارومير كريتسار، رسائل تفيض بالإنسانية والرحمة، لكنها علاوة على ذلك كانت عاشقة أيضاً. وقد سعى فرانز كافكا للتقارب الإنساني عبر رسائله إليها، وقد جمعته بها قصّة حبّ قصيرة، وهو الذي أطلق عليها لقب «نار حيّة».
ويذكر المؤلف أن ميلينا تفهّمت خوف كافكا من البشر، فلم يكن شيئاً يهمها أكثر من الواقع الحاضر. ولو ظلت مع كافكا، لما أمكنها السير على درب المرأة المقاتلة، لتصبح مناضلة في المعارضة السياسية، وقد كانت الحياة ليوم واحد أهم بالنسبة إليها وأكثر قيمة من كل تلك الرسائل أو الكتب. وقد صرحت بذلك لكافكا في إحدى رسائلها إليه، إذ كتبت له تقول: «الحياة لساعتين أجدى من كتابة صفحتين». وقد كانت ميلينا تأمل في أن تخرجه من عزلته وتقوقعه، وتجعله يخرج من أجواء الكتابة، ويستمتع بالحياة، ويعيش تفاصيلها الواقعية، ويتخلى عن خيالاته قليلاً، وقد أعربت كثيراً عن هذه القناعة في مقالاتها.
عمل ميلينا في عيادة المرضى بمعسكر الاعتقال جعل بوسعها النظر إلى البوابة الحديدية الكبيرة التي تفصلها عن الحرية. كانت قد علقت صورة براغ على الحائط، وبجانبها تقويم عليه صورة نافذة مفتوحة على مصراعيها تطل على مناظر طبيعية جبلية. وعندما عاشت ميلينا في فيينا، كتبت مقالاً عن النوافذ، فقد كانت تعني لها شيئاً خاصاً؛ لم تكن الأبواب، بل النوافذ، هي «بوابات الحرية»، ففيها يبدأ العالم من خارج النافذة، وينبت الشغف والرغبة.



الكاتبة السعودية عائشة مختار في «الريح لا تستثني أحداً»

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

الكاتبة السعودية عائشة مختار في «الريح لا تستثني أحداً»

غلاف الرواية
غلاف الرواية

تقدم الكاتبة السعودية عائشة مختار عملها «الريح لا تستثني أحداً» بوصفه «مُتتالية قصصية»، ينهض معمارها على فن القصة القصيرة المُكثفة، إلا أن دائرتها السردية لا تكتمل سوى بتوالي الأحداث التي تتشارك فضاء الحدث.

تلعب قصص المجموعة، الصادرة عن دار «حياة»، على رمزية الريح التي تمنحها الكاتبة سلطة غاشمة وسحرية، وفي المقابل يبدو البشر محض هشيم في قبضتها، فتكون «ليلة الريح الأولى» هي الحدث المركزي الذي تظل تبعاته الكابوسية تلاحق أهالي القرية وتجلب معها الأهوال. وأولها أنهم لم يعودوا يتذكرون شيئاً مما جرى ليلتها، في تلميح مبكر لما يحمله تشوّش الذاكرة من لعنة، ثم سرعان ما تستحوذ «الرائحة» بطاقتها الحسيّة على زمام الأمور، فتزيد من غبش الرؤية، بعدما تسود رائحة «طاغية لا مثيل لها» فضاء القرية في أعقاب تلك الليلة، بما لها من خواص غرائبية، فلا تشمها النساء، فيما تُزكم أنوف الرجال، فيكون ظهورها واختفاؤها بعد ذلك دليلاً على ما غيّرته الريح في أجوائها، والسطور التي خطّتها ومحتها، ولا تختفي تلك الرائحة سوى بمولد طفلين بعد 9 أشهر من تلك الليلة، ليكونا طفلي الريح، وحاملي سرّ الأم التي اختفت في سنوات طفولتهما الأولى، وتبدو فصاحتهما المُبكرة وظروف نشأتهما الغريبة كفيلة بأن تجعل أهل القرية يصفونهما بـ«المبروكين»، فيقطعان على مدار المتتالية القصصية دروباً تأملية في اقتفاء الحكمة، وتلمّس النبوءة، وأسرار الكلمات، كما يصبحان قبلة لأهل القرية من «السائلين»، الذين تُخرجهم الريح من رقودهم، لتوقظ داخلهم الألم، والشعور العارِم بالذنب.

قلوب مثقوبة

تتفرع الحكايات عبر 3 فصول رئيسية هي: «الرجل الذي تكلّم ثم صمت» و«الرجل الذي سيُحب التجوال»، و«الفتاة التي لم يعرف أحدٌ اسمها». تواصل الحكايات تقاطعها على مدار المتتالية القصصية مع ثيمات العمل الرئيسية وأبرزها الفقد والانتظار، فـ«الرجل الذي تكلّم ثم صمت» يظّل مع تقدمه في العمر يتوّسل «طيف» أمه التي غابت في طفولته، وتظل حيثيات غيابها مُغبشة ومثيرة لتوالد الحكايات، بما يزيد من عزلته واغترابه، وتظل «الريح» على مدار المُتتالية هي صاحبة السطوة السردية، فالسرد يبدأ بها، ثم تباغت أهل القرية مرة أخرى مع نهاياته، لتترك الحياة بينهما وبعدهما غارقة في الهشاشة، فهي لم تترك البشر عُراة من أسمالهم فحسب، بل كشفت عن ندوبهم الغائرة، لا سيما تلك التي تسكن الأمهات، ويبدو ثمة آصرة بين الرجلين أبناء الريح وبين أمهات القرية المكلومات، الباحثات عن رتق لـ«قلوبهن المثقوبة» بفقد أبنائهن، فتبدو لعنة أمهم الغائبة، أو الأم «الأولى»، وكأنها تُلاحق أمهات القرية من بعدها، متوسلات أن يرشدهم أحد لأبنائهن ويمتص ملوحة قلوبهن. ويصف «الرجل الذي سيُحب التجوال» جرح الأمومة باعتباره الألم الوحيد المستعصي: «أُعد وصفات لأهالي القرية طوال 13 عاماً، وصفات حلّت أحوالهم المعقدة، أعد قلباً صلصالياً، ومسحوقاً للنسيان، ودواءً للحقيقة، أعد أدوية لكل من طلب، لكنه الآن يعجز أمام الأمهات اللاتي أردن استرداد أبنائهن ذوي العيون الرمادية، السوداء، البنية، الزرقاء، الخضراء الصغيرة»، وهي الفكرة التي تتردد على مدار المتتالية، بتراوحات فنية تفيض من رحم الأمومة، وتعود أدراجها له من جديد في قصة أم أخرى.

تشتق المُتتالية القصصية من جماليات اللغة مكونات لبناء مُتخيلها الحكائي الذي ينهل من الحكايات وقوة تأثيرها

اختلاط الزمن

تشتق المُتتالية القصصية، التي حازت جائزة الشارقة للإبداع العربي، من جماليات اللغة مكونات لبناء مُتخيلها الحكائي الذي ينهل من الحكايات، وقوة تأثيرها، واللعب بالكلمات، فنرى رجلاً أصابته لعنة اللغة، ولكنه للمفارقة كلما كان «يفقد حرفاً زادت كلماته وزادت فصاحته»، كما تشتق من مفردات البيئة البدائية دلالات بلاغية، فنجد الكلمات تندفع كـ«العواصف الرملية»، وهو ما يمكن فهمه ضمن اجتراح العمل لإيقاعه وقوانينه الخاصة، فالمكان برغم تأطيره الظاهر بحدود القرية والصحراء فإنه سيّال، يفيض على هامش الواقع وفي عمق المُخيلة، حيث «المنامات» مكان للقاء الأحبة، والصحراء مكان لابتلاعهم، أما الزمن فيُفتته السرد في سعي لتوظيف دلالته وأثره على أبطاله، حيث نجد هناك: «زمن الصمت، زمن الكلام، زمن الانتباه، زمن الانتظار...»، فالزمن يختلط كالكوابيس، ويفقد أفقيته المنطقية وواقعيته وهو يعود أدراجه معكوساً، كما نرى الأبناء الذين يعودون أجنّة، والعيون تتحوّل لحُفر فارغة، وحتى نمش الوجوه يكبر ويصغر، وكأنه يحوم في مدار زمني معزول يخص سيرة أصحابه وحكاياتهم.

وفي حين تنحاز الكاتبة عائشة مختار للنزعة السحرية في بناء عالمها السردي، فإنها في الوقت نفسه تتلمس هُوية ذاتية تتقاطع مع الموروث الشعبي في كثير من محطات المُتتالية، فالشخصيات تنتظر «الكرامات» في مناماتهم، وتقطع المسافات من أجل الحصول على مشروب سحري يضمن لهم الحب، في استثمار لطاقات الغرابة في قواميس الوصفات السحرية الشرقية، التي تفيض برائحة «الأبخرة والأهازيج والتمائم»، في توسّل لأسئلة وجودية مؤرقة لدى أبطال المُتتالية، بداية من الموت، وحتى الحب، والنوم، والأحلام، والاستبدال، وأهوال الخطيئة، وهو الأرق الذي وجد مُتنفسه في طرح الأسئلة التي لا تخلو من غضب، فالراوي يتقمص صوت «الفتاة التي لم يعُد يعرف أحد اسمها»، ويسأل: «أما جمالها فما المغزى منه إذا كان قد حُكِم عليها بالتعاسة؟ والطيور التي حاولت أخذها إلى المجهول لماذا لم تُحاوِل مرّة ثانية؟ والعدل أين اختفى!».