إلى حد ما، لا يبدو الأمر مهماً، ذلك أنه يكاد يكون في حكم المؤكد أن مانشستر سيتي سينجز الموسم الحالي لبطولة الدوري الممتاز في المركز الثاني، وكل ما فعلته الهزيمة التي مني بها أمام جاره العتيد يونايتد (الأحد) التعجيل من تتويج ليفربول بطلاً للبطولة. أما أولويات مانشستر سيتي خلال الشهور القليلة المقبلة، فتتركز حول بطولتي كأس الاتحاد الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا، وقضيته أمام محكمة التحكيم الرياضي. ومع ذلك، فإن التعرض للخسارة على أيدي الجيران 3 مرات خلال موسم واحد لا يمكن أن يكون أمراً هيناً يمر مرور الكرام، وهو يكشف عن مشكلة أكبر تعرض لها مانشستر سيتي من جديد، عندما وجد نفسه في مواجهة أعداد أكبر من فريق خصم تركز في العمق وشن هجمات مرتدة سريعة.
ولا تكفي الإشارة هنا إلى أنه لولا وقوع الحارس إيدرسون في خطأين غير معهودين منه، لكانت المباراة قد انتهت بالتعادل. ومع أن الأخطاء التي سقط فيها حارس المرمى كانت حاسمة، بجانب إفلاته من خطأ مبكر في الشوط الثاني، عندما سمح للكرة بالمرور أسفل قدمه مع اقتراب مهاجم يونايتد أنطوني مارسيال منه، فإن الأمر الأهم هنا أن مانشستر يونايتد نجح في خلق الفرصة تلو الأخرى من مجرد دفع لاعبيه إلى الجري بسرعة كبيرة داخل المساحة التي تشكل فجوة بين مدافعيه نيكولاس أوتاميندي وألكسندر زينتشنكو، وهي طريق كان ينبغي أن تؤدي لاحتساب ركلة جزاء لصالح مانشستر يونايتد قبل نهاية الشوط الأول.
وعلى هذا الجانب، يبدو أن ثمة خطأ عميقاً حدث. وفي الواقع، تتركز كرة القدم في صورتها الحديثة على النجاح في الضغط أكثر من الاستحواذ على الكرة. وقد سبق لمانشستر سيتي أن ازدهر بفضل اعتماده على مزيج من العنصرين. إلا أنه اللافت هذا الموسم أن خطتهم للضغط السريع بهدف استعادة الاستحواذ على الكرة فور فقدانها تسير على نحو رديء. أما النتيجة، فهي أن ثمة ضعفاً ظل كامناً دوماً تحت السطح، وانكشف أمام مانشستر يونايتد. ولطالما ظلت نظرية كيفية تحطيم مانشستر سيتي مطروحة، وتدور حول فكرة أنه بمجرد نجاحك في كسر الضغط، سيكون من السهل الانقضاض على لاعبي مانشستر سيتي، ما يبدو بمثابة نتيجة طبيعية لأسلوب لعب يعطي الأولوية للعب على الكرة على الدفاع. وفي المواسم السابقة، دائماً ما كانت هناك صعوبة بالغة للغاية في كسر الضغط الذي يفرضه سيتي على الفريق المنافس.
ولكن هذا الموسم، تشير الأرقام إلى أنه خسر عدد كرات في الانطلاقات السريعة يزيد على الموسم الماضي بأكمله بمقدار 1.5. واللافت أن الأمر لا يقتصر على مانشستر يونايتد، وإنما نجح كل من ليفربول ونوريتش سيتي وولفرهامبتون ونيوكاسل يونايتد وكريستال بالاس وتوتنهام هوتسبير وليستر سيتي جميعاً في إحداث اضطراب في صفوف مانشستر سيتي بسبب هجماتهم المرتدة. ومن المؤكد أن ريال مدريد لاحظ ذلك، وربما يتساءل الآن حول ما إذا كان باستطاعة فينيسيوس جونيور أن يفعل بمانشستر سيتي خلال مباراة الإياب المقررة بينهما الأسبوع المقبل، في إطار دور الـ16 من بطولة دوري أبطال أوروبا، ما فعله مع برشلونة في لقاء الكلاسيكو.
ومن الواضح أن مانشستر سيتي يواجه مشكلة تتعلق باللاعبين، خاصة أن رحيل البلجيكي فينسنت كومباني، وإصابات إيمريك لابورتي، تركت الفريق بخط دفاع مؤلف من 4 عناصر متباينة غير متجانسة، شارك فيه أوتاميندي، أقل لاعبي الفريق تأثراً بفكر غوارديولا، في التشكيل الأساسي خلال 15 مباراة ببطولة الدوري، ما يعد في حد ذاته مؤشراً ليس فقط إلى غياب لاعبين محوريين، وإنما كذلك أسلوب المدافع جون ستونز الذي يعكس حالة من اللامبالاة. وزاد الطين بلة إقدام مانشستر سيتي على خطوة مثيرة للحيرة، تمثلت في ضم لاعبين من خط الوسط بمركز الظهير الكامل، في أول خطأ حقيقي من جانب النادي في سوق الانتقالات منذ 4 أو 5 سنوات. علاوة على ذلك، فإن الدفع بفريناندينهو في صفوف اللاعبين الأربعة في خط الدفاع يعني أنه لم يعد قادراً على تقديم أفضل ما لديه، الذي يتركز في ارتكاب مخالفات تكتيكية في وسط الملعب، ما يعيق الهجمات المرتدة للفريق المنافس من المنبع.
وثمة خطأ يقع في خطوط أكثر تقدماً من الفريق داخل الملعب أيضاً. فعلى ما يبدو، حدثت حالة انحسار في تنظيم الفريق، وربما كذلك في تعطش اللاعبين وشغفهم. ويبدو هذا أمراً يمكن تفهم أسبابه، بالنظر إلى أن الاحتفاظ باللقب، خاصة للمرة الثانية، يتطلب قدراً هائلاً من قوة الإرادة، وكذلك مسألة الاستمرار في خوض الأسابيع الـ10 الأخيرة من الموسم، بينما لا يتبقى فعلياً ما يمكن فعله في بطولة الدوري.
وعندما زاد مانشستر يونايتد فجأة سرعة الأداء منتصف الشوط الأول، كان واضحاً أن مانشستر سيتي ليس لديه علاج لذلك. ويمكننا الجدال حول المخالفة التي اقترفها إيكاي غوندوغان ضد برونو فيرنانديز، ما تسبب في الركلة الحرة التي أدت إلى الهدف الافتتاحي بالمباراة، لكن اللافت حقاً كان رد فعل لاعبي مانشستر سيتي الذين اعترضوا بشدة على حصول فريناندينهو على إنذار، وبعد ذلك تشتت تركيز اللاعبين بصورة بالغة، ليفاجئوا بتفوق برنو فيرنانديز على سيرغيو أغويرو.
وبدا ذلك نسخة مصغرة من ظاهرة عانت منها على نحو متكرر الفرق التي تولى غوارديولا تدريبها على مدار العقد الماضي، والتي كانت أحياناً تتعرض لدخول هدفين أو 3 في مرماها، وكأنه بمجرد تعطل آلية اللعب التي يتنهجها الفريق، وخرق خطة الضغط الخاصة به، يحتاج الأمر إلى بضعة دقائق قبل أن يستعيد الفريق توازنه. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت الزيادة الهائلة في سرعة لاعبي مانشستر يونايتد جزءاً من الخطة المقررة، لكن المؤكد أن أكبر انتصارات المدرب أولي غونار سولسكاير، خلال مباراة الإياب أمام باريس سان جيرمان الموسم الماضي، تحققت مجدداً من خلال استغلال مشابه لوتيرة اللعب. وبالطبع، ينطوي هذا الأمر على مخاطرة، لكنه قد يكون السبيل الأمثل لإعاقة الحركة السلسة لآلة مانشستر سيتي عبر دفقات مفاجئة.
لقد عاينت الفرق المنافسة نقاط الضعف في صفوف مانشستر سيتي، والواضح أن الأخير فقد بعضاً من قدرته على التركيز، وهذا تحديداً السبب وراء مقولة أن الفرق لها فترة حياة. إلا أن القول بأن كرة القدم في جوهرها تمر بدورات يبدو مضللاً لأنه يشير ضمنياً إلى حتمية هذه العملية، لكن الحقيقي أن الفرق يسطع نجمها ويأفل، دعونا نتذكر هنا قاعدة السنوات الثلاث التي صاغها بيلا غوتمان، وبعدها غالباً ما يرحل المدرب، والتلميح بذلك لفترات نجاح غوارديولا قبل الإخفاق. أما المدربون الأساطير -بوب بيزلي وأليكس فيرغسون وفاليري لوبانوفسكي- فقد أبدوا قدراً كبيراً من البراعة في إدارة هذه العملية، ونجحوا في الاستمرار لسنوات طويلة على القمة. وبعد 4 سنوات من وجود غوارديولا داخل مانشستر سيتي، أصبح الفريق اليوم بحاجة لإعادة تحفيزه، الأمر الذي ربما لا يتطلب أكثر من مجرد ضم 3 أو 4 لاعبين جدد، اثنين منهم على الأقل في قلب الدفاع.
اليوم، يبقى مانشستر سيتي فريقاً بارعاً للغاية، ولا بد أن غوارديولا يدرك جيداً أن أفضل الفرق لا تفوز بالضرورة بكل البطولات في أوروبا. ومع هذا، تبقى أمامه فرصة الخروج من الموسم الحالي حاملاً 3 بطولات: كأس رابطة الأندية الإنجليزي المحترفة، وكأس الاتحاد الإنجليزي، ودوري أبطال أوروبا. وإن كانت الحقيقة تظل أن مانشستر سيتي لم يعد على المستوى السابق له. فخلال اللحظات الأخيرة من المواجهة التي جرت على أرض استاد أولد ترافورد (الأحد)، والتي سعى خلالها مانشستر سيتي لتسجيل هدف التعادل، كان اللافت بشدة أن الشعور الذي بدا على لاعبي الفريق لم يكن الشعور بحاجة ملحة لإحراز هدف، وإنما شعور بالضجر والسأم.
غوارديولا ما زال قادراً على قيادة سيتي للفوز بـ3 بطولات هذا الموسم
الهزيمة أمام يونايتد كشفت مواطن ضعف الفريق في التعامل مع الهجمات المرتدة
غوارديولا ما زال قادراً على قيادة سيتي للفوز بـ3 بطولات هذا الموسم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة